ما هو الأفضل على الإنسان أن يقعد ملوماً محسوراً، يندب حظه التعس ويلعن ظروفه الصعبة؟ أم يمشي قُدماً في مناكبها، يقتنص الفرص ويذلل العقبات مستعيناً بما وهبه الله من قدرات تجعله مرناً مع المتغيرات ومتكيفاً مع التحديات، وكمثال يضرب عن العقلية المرنة التي لا يعيقها شئ، هناك قصة نجاح المخترع توماس أديسون الذي أبدى مرونة عجيبة تمثلت في التأقلم ومعايشة الواقع الصعب الذي واجهه، ومن ثم الوصول إلى هدفه الكبير (إشعال مصباحه) بعد إجرائه ألف محاولة قال بعدها وهو واثق من نفسه: “أنا لم أفشل، بل وجدت 999 طريقة لا يمكن للمصباح العمل بها”.
ما أجمل أن يتحلى الإنسان بالمرونة، وما أقوى تأثيرها الإيجابي على فكره ونفسيته وحتى على جسده، فمرونة التفكير في استنباط الحلول عند الشدائد والخطوب هي التي تهدئ النفوس وتضبط الأعصاب، وهي الصحة الجسدية التي تمنع التأثير السلبي على دورة الإجهاد ومحور الغدة النخامية، وهي الصحة للعقل من القلق والاكتئاب، وهي الصحة البدنية لآلام أسفل الظهر والمفاصل، وهي التي تخلق البدائل وتدير المخاطر عندما يتغير المناخ ويحصل الجفاف.
والمرونة بما تبديه من قدرة على فهم البيئة واستشراف المستقبل هي القادرة على تعافي الاقتصاد وعودة ما تضرر نتيجة الكوارث الطبيعية أو النزاعات البشرية إلى وضع أفضل مما كانت عليه في وقت الرخاء والاستقرار. وقد أثبتت الدراسات أن الشركات المرنة قد حققت خلال الأزمات المالية عوائد أكبر للمساهمين، وذلك من خلال إدراكها للقوة المالية التي تشمل الاحتياطي النقدي وقاعدة التكاليف المرنة والربحية، كما أثبتت الوقائع أن ساعات العمل المرنة يمكنها أن تدعم التوازن بين العمل وحياة الموظف، فتزيد من انتاجيته نظراً لمراعاتها الاختيارات التي ينشدها من حيث المكان المريح وأوقات الدوام التي تناسبه. إن كثيراً من شخصيات المجتمع أحببناهم بفضل مرونتهم في التعامل، فالابتسامة لا تفارق محياهم والتغاضي أسلوبهم وتقدير الناس سلوكهم، وبالمقابل هناك من الشخصيات التي ننفر منها وتتحاشى الحديث معها، بسبب مزاجهم العكر ومصادرتهم آراء الآخرين، فلا تقنعهم حقيقة ولا تجدي معهم مناقشة، فكن عزيزي القارئ ثابتاً على القيم والمبادئ، وكن هيناً ليناً سهل الطبائع، اغتنم من الحاضر فرصه، وأصبر وثابر على اكتساب مهارات المرونة حتى تصبح منهجاً لك تسير عليه وأسلوب حياة. وفي هذا يقول الأديب الألماني غوته “يمكنك أن تصنع الجمال حتى من الحجارة التي توضع لك في الطريق”.
bahirahalabi@
المصدر: صحيفة البلاد
إقرأ أيضاً:
النبهاني: نجحنا في إعادة أكثر من 9 آلاف عامل إلى وظائفهم
◄استكمالًا لجهود أطراف الإنتاج الثلاثة لمواجهة تحولات سوق العمل
◄رصد تحديات وتطلعات "لجان الحوار الاجتماعي" في ندوة عُمَّالية موسَّعة بمشاركة عربية ودولية
◄ مُعطيات المرحلة تتطلب التصديق على اتفاقيات "الحرية النقابية" و"حماية حق التنظيم"
◄ مدير منظمة العمل الدولية يُشيد بـ"القفزة النوعية" للحوار الاجتماعي في عُمان
الرؤية- فيصل السعدي
تصوير/ راشد الكندي
رعى معالي المهندس سعيد بن حمود المعولي وزير النقل والاتصالات وتقنية المعلومات انطلاق أعمال ندوة "نحو حوار اجتماعي أكثر استدامة"، والتي جاءت بتنظيم من الاتحاد العام لعمال سلطنة عُمان وبالتعاون مع أطراف الإنتاج الأخرى، بمشاركة عدد من أصحاب المعالي والسعادة وممثلين عن أصحاب العمل والعمال، وعدد من الجهات المحلية والدولية.
وتأتي فكرة إقامة هذه الندوة استكمالًا للجهود التي تبذلها أطراف الإنتاج الثلاثة في سلطنة عُمان (وزارة العمل والاتحاد العام لعمال سلطنة عُمان وغرفة تجارة وصناعة عُمان) في تطوير مستوى الحوار الاجتماعي، للتعامل مع التحديات التي تفرضها التحولات الراهنة في سوق العمل وقطاع التشغيل بشكل خاص. وتهدف الندوة إلى رصد التحديات التي تواجه لجان الحوار الاجتماعي من خلال ممثليها، وتحديد احتياجاتها لتعزيز دورها واستدامته، والبحث عن آليات عمل حديثة لها. وتسعى الندوة إلى تسليط الضوء على الممارسات النموذجية للحوار الاجتماعي الثلاثي، من خلال استعراض نماذج دولية، تعمل على تعزيز الإجراءات المتعلقة بالحوار الاجتماعي ومأسسته، بجانب تعزيز الوعي بأهمية الحوار الاجتماعي، وترسيخ قيم التكاملية بين أطراف الإنتاج الثلاثة في عمل لجان الحوار الاجتماعي الوطنية، وتسليط الضوء على الاهتمام المتجدد بالحوار الاجتماعي من وجهة نظر نقابية.
وقال نبهان بن أحمد البطاشي رئيس مجلس إدارة الاتحاد العام لعمال سلطنة عُمان: "لقد وصلنا إلى مرحلة متقدمة من الإنجازات، وما انعقاد هذه الندوة إلا تجسيد للفهم الحقيقي للحوار المشترك الذي أثبت فعاليته في التصدي لشتى التحديات والأزمات التي عصفت بالعالم، والتي كانت نتائجها أقل ضررًا لمن كان يتبنى سياسة الحوار البناء". وأضاف: "لقد عمِلنا خلال السنوات السابقة بإرادة ودعم مشترك من جميع الأطراف الوطنية من أجل التشاور الثلاثي الذي توّج بمجموعة من الإنجازات، منها تجاوز الآثار الناجمة عن جائحة كورونا؛ حيث ساهمت تلك الجهود في الإبقاء على عقودِ العمل، وإعادة أكثر من 9 آلاف عامل إلى وظائفهم، وإجراء إصلاحات تشريعية مهمة لمنظومة سوق العمل والحماية الاجتماعية، والتي تُوِّجَت بإصدار قانون العمل الذي أحدث نقلة نموذجية في حفظ حقوق العمال، مُراعيًا في مضامينه مبادئ المساواة، ومؤكدًا على حقوق العُمَّال غيرِ العُمانيين، كالحقِ في الأجرِ العادل، وحرية الانتقال، وسائر الحقوق الأخرى، دون تمييز بين العاملِ العُماني وغير العُماني، مع إيجاد نظام فعَّال لتسوية مُنازعات العمل من خلال اللجان ذات التمثيل الثلاثي، والتي أُنيط ببعضها إصدار قرارات قضائية، قابلة للتنفيذ، ومنح بعضها صلاحيات تقييم السبب الاقتصادي عند مراجعة قرارات الإنهاء لعقود العمل؛ الأمر الذي يعكس الإدارة السديدة، القائمة على النهج التشاركي الثلاثي".
وأضاف البطاشي أن إقامة حوار اجتماعي ثلاثي بنّاء وفعَال يستلزم وجود بعض الضمانات لممثلي العمال وأصحاب العمل على حد سواء، وقدرًا من حرية التمثيل، مع إيجاد الإطار القانوني الدائم لأرضية المشاورات الثلاثية؛ لذا فإنّ مُعطيات المرحلة تتطلب مِنّا دعم التصديق على اتفاقيات منظمة العمل الدولية الخاصة بالحرية النقابية وحماية حق التنظيم رقم (87)، واتفاقية حق التنظيم والمفاوضة الجماعية رقم (98)، والاتفاقيات الأخرى المعززة للمشاورات الثلاثية وحماية ممثلي العمال.
من جهته، أشاد فايز بن علي المطيري المدير العام لمنظمة العمل الدولية بما حققه الحوار الاجتماعي في سلطنة عُمان خلال الآونة الأخيرة، من قفزةٍ نوعيةٍ، من خلال التغيرات التشريعية التي طرأت على قانونيْ العمل والحماية الاجتماعية.
فيما قال لوك تراينجل الأمين العام للاتحاد الدولي للنقابات إن هذه الندوة تترجم حدثًا مُهمًا ليس بالنسبة لسلطنة عُمان فحسب؛ بل لمنطقة الخليج والمنطقة العربية بأسرها؛ حيث إن تثمين دور الحوار الاجتماعي وتعزيزه يمثل الهدف الأسمى للنقابيين، ولجميع الشركاء الاجتماعيين، لافتًا إلى أن انعقاد اجتماع الاتحاد الدولي للنقابات في سلطنة عُمان يحمل رمزية عميقة؛ إذ نجحت عُمان في بناء علاقات اجتماعية مستقرة مبنية على الحوار والتشاركية في كل السياسات الاقتصادية والاجتماعية، وهو ما يعد إنجازا وحافزا لتوسيع آلية الحوار الاجتماعي.
وتضمنت الندوة في يومها الأول جلستين نقاشيتين، اشتملت الجلسة الأولى على 3 أوراق عمل، تناولت الورقة الأولى "الإطار الدولي للحوار الاجتماعي في معايير العمل الدولية"، قدمها مصطفى سعيد مستشار الأنشطة العمالية بالمكتب الإقليمي للدول العربية التابع لمنظمة العمل الدولية. وتناولت الورقة الثانية "الإطار التشريعي والمؤسسي للحوار الاجتماعي في سلطنة عُمان"، قدمها عامر العزري مدير دائرة الشؤون القانونية بالاتحاد العام لعمال سلطنة عُمان. فيما تناولت الورقة الثالثة "المشاركة المجتمعية في رسم السياسات الاقتصادية وآلية التكامل مع الجهات ذات العلاقة"، وقدمها مبارك الحمداني مدير إدارة الاقتصاد السلوكي بوزارة الاقتصاد.
واشتملت الجلسة الثانية على ورقتيْ عمل، استعرضت الأولى التجربة السنغافورية في مجال الحوار الاجتماعي، وقدمتها شيرلي لو مديرة السياسات الاقتصادية في الاتحاد الوطني لنقابات عمال سنغافورة. واختُتمت الجلسة الثانية بورقة عمل حول "أثر الحوار الاجتماعي في نمو الأعمال"، قدمتها شيخة العلوية باحثة اقتصادية بغرفة تجارة وصناعة عُمان.