◄ لجان الإغاثة تحاول جاهدة مساعدة جميع النازحين وتوفير الاحتياجات

◄ زيادة معاناة مرضى الأورام بسبب القصف المتواصل وعدم استقرار مواعيد العلاج

◄ أعداد النازحين فاقت القدرة الاستيعابية لمراكز الإيواء

◄ أكثر من 1.2 مليون نازح موزعين على 1177 مركز إيواء

◄ تانيا برو: لا يوجد تنظيم أو توزيع عادل للمساعدات

◄ عليان: على الدولة أن تعالج تحدّيات النزوح وعدم التهرب من مسؤولياتها

 

بيروت- هبة الكل

مع استمرار العدوان الإسرائيلي على لبنان، وجد أحمد الجنبين نفسه وزوجته وابنه -4 سنوات-  مضطرا لاتخاذ قرار النزوح من الضّاحية الجنوبية منذ شهرين، ليكون ضيفاً على جبل لبنان "عاليه" في بيت أحد أقربائه.

" كل شيء مؤمن، واللجان هنا لم تقصر أبداً، واستقبلونا أحسن استقبال على كافة المستويات"... هكذا يصف الجنبين الوضع.

يحمل أحمد معه ما استطاع من بيت الزوجية، تاركا وراءه ذاكرة مثقلة بقصص وطرقات حفظت تاريخه، وبفقدان مرير مع كل شظية تتطاير وصاروخ يتفرق فوق الأبنية والأحياء والأسواق.

لم يشعر الجنبين بأيّ تمييز تجاهه: " للأمانة هنا لا يحدث تمييز ومن يسجل استمارة بشكل رسمي يأخذ حصته وحقه من الدعم".

وإن كان "تذكار سولفرينو" بذاكرة "دونان" بمثابة شرارة إطلاق جمعيات الإغاثة والدّعم الإنساني إن وقعت حرب، فإنه لدى اللبنانيين القدرة على احتواء من عانوا من ويلات الحرب ولسان حالهم يقول: "كلنا للوطن".

ورغم مشاهد اللحمة الوطنية والتعاون بين الجميع، إلا أن الكثيرين يعانون في أماكن النزوح.

فوسط جِدّة الحرب، يلازم "سارة" الشابة الثلاثينية التي أثيبت بورم خبيث في "البنكرياس"، أنينٌ من أن تفقد القدرة على العلاج بشكل كليّ. فمنذ نزوحها من البقاع إلى مجدل ترشيش، بات علاجها بالكيمائي متقطّعاً، يخضع لرحمة أمن الطريق والأوضاع المادية القابعة على أعتاب الفقر خاصة بعد توقف عمل زوجها في الزّراعة وذهاب موسمه نتيجة الحرب لهذا العام: "ما ضل عنا شي نعيش منه".

قلق سارة يتزايد كل يوم نتيجة الاكتظاظ المحيط بها في بيت يستضيف ثلاث عوائل موزعة على ثلاث غرف. تقول: "بسبب الزحمة مناعتي تضعف، وأسوأ شيء عندي الحمام لأنه بسبب العلاج يصير عندي إسهال".

قلبها يلهف على ولديها ليس فقط من أصوات الغارات وإنذارات الإخلاء، وإنّما من كثرة الضجر الذي أصابهما في منزل مزدحم بأكثر من 15 فرداً، ومع مجيء الشتاء وانعدام النزهات كأبسط مقوّم من مقوّمات الترفيه لدى الأطفال، بالإضافة إلى ترنحهما بين التعلّم الأون لاين والحضوري نتيجة الدّمار الذي لحق بمدرستهما.

وعلى النّقيض من "أحمد"، فإن سارة تعاني من شحّ المساعدات، ولولا أهلها لبقيت في بيتها، فإيجارات الغرف في زحلة تجاوزت 1200 دولار وفق قولها.

وبالرّغم من بلوغ عدد مراكز الإيواء 1177 مركزاً، منها مدارس بنسبة جاوزت اﻠ61%  موزّعة بين الرّسمية والخاصّة وفقاً لآخر تقرير صادر عن الوكالة الوطنية للإعلام، إلا أنّ عدد النازحين فاق القدرة الاستيعابية لهذه المراكز، لتزيد معاناتهم أكثر وأكثر.

وتكشف النّاشطة الاجتماعية والسّياسية تانيا برو من لبنان عن المعاناة داخل مراكز الإيواء قائلة: "ما يجري في المراكز هو بتنظيم من قبل بعض مدرائها، فلا يوجد تنظيم ولا حتى توزيع صحيح وعادل للمساعدات".

وتضيف: "المساعدات التي تأتينا من قبل أفراد وجمعيات خاصّة أقرب ما تكون جمعيات أهلية من كونها جمعيات قطاع ثالث، وبسبب الانقسامات السياسية الأمر الذي سبّب في توزيع المساعدات لمناطق معينة على حساب أخرى، والتي بقيت في غياب شبه تام عن الدعم كالبقاع الذي لم تصله مساعدات إلا منذ أيام ولأول مرة".     

وتؤكد برو: وبالرّغم من أنّ أعداد النازحين قد وصل إلى مليون و237 ألفاً و892 نازحاً داخل مراكز الإيواء وخارجها وفقاً لآخر الإحصائيات، إلا أنّ المتطوعين يقدّمون مساعداتهم وفقاً لما يجمعونه من تبرعات، وإمكانياتهم تبقى محدودة.

ولكنها موظفة سابقة في وزارة الشؤون الاجتماعية تحدثنا برو عن أبرز التّحدّيات التي تواجه النّازحين: "بالرّغم من المساعدات التي تأتي إلى الدولة وخصوصاً وزارة الشؤون الاجتماعية، ولكن كفاعلين لا تشعرين بأنّ أداءهم على المستوى المطلوب، وكلّ واحد يعمل من مكانه من دون أن يكون هناك تنسيق مع نقص في الإدارة". وتبيّن: "تبدو الأزمات التي يعيشها النازحون اللبنانيون أكبر مما نتصور وأقدر علينا من حصرها للعلن، فمن اضطر أن يستأجر فُرض عليه أن يدفع لستة أشهر إلى سنة سلفاً، وإن أراد الخروج لا تعاد له أمواله، ومنهم من لم يقبلوا تأجيرهم لأنّ معهم نساء محجبات".

كما تشير إلى أن الوضع الحالي يكشف عن غياب التخطيط الممنهج من قبل الحكومة لاستيعاب النازحين ومساعدتهم وتفعيل خطط طوارئ في أوقات الحرب.

من جهته، يقول الباحث والمحلل السياسي حسان عليان: "الواقع السّياسي المُنقسم وتركيبة الفساد في البلد لا بد وأن تنسحب حسابياً على المستوى الإنساني، وفي لبنان تشعرين وكأنك في بلد العجائب، عندما تذهبين إلى المناطق الآمنة تلمسين حياة طبيعية ولا كأن هناك حرب، طبعاً هذا أمر إيجابي لاحتواء النازحين ولكن بمكان ما يكون سلبياً عندما نشاهد عدم مراعاة على المستوى التعليمي مثلاً".

ويتابع: "إلى حدّ اللحظة لم نشهد جلسة طوارئ مفتوحة للحكومة لمتابعة المستجدات في المسائل المصيرية، والدّولة بوضعها الحالي كعادتها لم تخرج عن التّهرب من مسؤولياتها وعن الشّفافية واستثمار أيّة ملفات للضّغط السّياسي، والمطلوب من الدّولة أن تترفّع عن مسألة التناقضات والحسابات السّياسية وتنزل إلى واقع النّزوح وتحدّياته، فالعدو يبقى عدواً علينا كلّنا".

*نشر هذا التقرير بالتعاون مع مركز الدراسات الآسيوية والصينية في لبنان

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

ترامب الذي انتصر أم هوليوود التي هزمت؟

ما دمنا لم نفارق بعد نظام القطب الواحد المهيمن على العالم تظل النظرية القديمة التي نقول إن الشعب الأمريكي عندما يختار رئيسه فهو يختار أيضا رئيسا للعالم نظرية صحيحة. ويصبح لتوجه هذا الرئيس في فترة حكمه تأثير حاسم على نظام العلاقات الدولية وحالة الحرب والسلم في العالم كله.

ولهذا فإن فوز دونالد ترامب اليميني الإنجيلي القومي المتشدد يتجاوز مغزاه الساحة الداخلية الأمريكي وحصره في أنه يمثل هزيمة تاريخية للحزب الديمقراطي أمام الحزب الجمهوري تجعله عاجزا تقريبا لمدة ٤ أعوام قادمة عن منع ترامب من تمرير أي سياسة في كونجرس يسيطر تماما على مجلسيه.

هذا المقال يتفق بالتالي مع وجهة النظر التي تقول إن اختيار الشعب الأمريكي لدونالد ترامب رئيسا للمرة الثانية ـ رغم خطابه السياسي المتطرف ـ هو دليل على أن التيار الذي يعبر عنه هو تيار رئيسي متجذر متنامٍ في المجتمع الأمريكي وليس تيارا هامشيا.

فكرة الصدفة أو الخروج عن المألوف التي روج لها الديمقراطيون عن فوز ترامب في المرة الأولى ٢٠١٦ ثبت خطأها الفادح بعد أن حصل في ٢٠٢٤ على تفويض سلطة شبه مطلق واستثنائي في الانتخابات الأخيرة بعد فوزه بالتصويت الشعبي وتصويت المجمع الانتخابي وبفارق مخيف.

لكن الذي يطرح الأسئلة الكبرى عن أمريكا والعالم هو ليس بأي فارق من الأصوات فاز ترامب ولكن كيف فاز ترامب؟ بعبارة أوضح أن الأهم من الـ٧٥ مليون صوت الشعبية والـ٣١٢ التي حصل عليها في المجمع الانتخابي هو السياق الاجتماعي الثقافي الذي أعاد ترامب إلى البيت الأبيض في واقعة لم تتكرر كثيرا في التاريخ الأمريكي.

أهم شيء في هذا السياق هو أن ترامب لم يخض الانتخابات ضد هاريس والحزب الديمقراطي فقط بل خاضه ضد قوة أمريكا الناعمة بأكملها.. فلقد وقفت ضد ترامب أهم مؤسستين للقوة الناعمة في أمريكا بل وفي العالم كله وهما مؤسستا الإعلام ومؤسسة هوليوود لصناعة السينما. كل نجوم هوليوود الكبار، تقريبا، من الممثلين الحائزين على الأوسكار وكبار مخرجيها ومنتجيها العظام، وأساطير الغناء والحاصلين على جوائز جرامي وبروداوي وأغلبية الفائزين ببوليتزر ومعظم الأمريكيين الحائزين على نوبل كل هؤلاء كانوا ضده ومع منافسته هاريس... يمكن القول باختصار إن نحو ٩٠٪ من النخبة الأمريكية وقفت ضد ترامب واعتبرته خطرا على الديمقراطية وعنصريا وفاشيا ومستبدا سيعصف بمنجز النظام السياسي الأمريكي منذ جورج واشنطن. الأغلبية الساحقة من وسائل الإعلام الرئيسية التي شكلت عقل الأمريكيين من محطات التلفزة الكبرى إلي الصحف والمجلات والدوريات الرصينة كلها وقفت ضد ترامب وحتى وسائل التواصل الاجتماعي لم ينحز منها صراحة لترامب غير موقع إكس «تويتر سابقا». هذه القوة الناعمة ذات السحر الأسطوري عجزت عن أن تقنع الشعب الأمريكي بإسقاط ترامب. صحيح أن ترامب فاز ولكن من انهزم ليس هاريس. أتذكر إن أول تعبير قفز إلى ذهني بعد إعلان نتائج الانتخابات هو أن ترامب انتصر على هوليوود. من انهزم هم هوليوود والثقافة وصناعة الإعلام في الولايات المتحدة. لم يكن البروفيسور جوزيف ناي أحد أهم منظري القوة الناعمة في العلوم السياسية مخطئا منذ أن دق أجراس الخطر منذ ٢٠١٦ بأن نجاح ترامب في الولاية الأولى هو مؤشر خطير على تآكل حاد في القوة الناعمة الأمريكية. وعاد بعد فوزه هذا الشهر ليؤكد أنه تآكل مرشح للاستمرار بسرعة في ولايته الثانية التي تبدأ بعد سبعة أسابيع تقريبا وتستمر تقريبا حتى نهاية العقد الحالي.

وهذا هو مربط الفرس في السؤال الكبير الأول هل يدعم هذا المؤشر الخطير التيار المتزايد حتى داخل بعض دوائر الفكر والأكاديميا الأمريكية نفسها الذي يرى أن الإمبراطورية ومعها الغرب كله هو في حالة أفول تدريجي؟

في أي تقدير منصف فإن هذا التآكل في قوة أمريكا الناعمة يدعم التيار الذي يؤكد أن الامبراطورية الأمريكية وربما معها الحضارة الغربية المهيمنة منذ نحو٤ قرون على البشرية هي في حالة انحدار نحو الأفول. الإمبراطورية الأمريكية تختلف عن إمبراطوريات الاستعمار القديم الأوروبية فبينما كان نفوذ الأولى (خاصة الإمبراطوريتين البريطانية والفرنسية) على العالم يبدأ بالقوة الخشنة وبالتحديد الغزو والاحتلال العسكري وبعدها يأتي وعلى المدى الطويل تأثير قوتها الناعمة ولغتها وثقافتها ونظمها الإدارية والتعليمية على شعوب المستعمرات فإن أمريكا كاستعمار إمبريالي جديد بدأ وتسلل أولا بالقوة الناعمة عبر تقدم علمي وتكنولوجي انتزع من أوروبا سبق الاختراعات الكبرى التي أفادت البشرية ومن أفلام هوليوود عرف العالم أمريكا في البداية بحريات ويلسون الأربع الديمقراطية وأفلام هوليوود وجامعات هارفارد و برينستون ومؤسسات فولبرايت وفورد التي تطبع الكتب الرخيصة وتقدم المنح وعلى عكس صورة المستعمر القبيح الأوروبي في أفريقيا وآسيا ظلت نخب وشعوب العالم الثالث حتى أوائل الخمسينات تعتقد أن أمريكا بلد تقدمي يدعم التحرر والاستقلال وتبارى بعض نخبها في تسويق الحلم الأمريكي منذ الأربعينيات مثل كتاب مصطفى أمين الشهير «أمريكا الضاحكة». وهناك اتفاق شبه عام على أن نمط الحياة الأمريكي والصورة الذهنية عن أمريكا أرض الأحلام وما تقدمه من فنون في هوليوود وبروداوي وغيرها هي شاركت في سقوط الاتحاد السوفييتي والمعسكر الشيوعي بنفس القدر الذي ساهمت به القوة العسكرية الأمريكية. إذا وضعنا الانهيار الأخلاقي والمستوى المخجل من المعايير المزدوجة في دعم حرب الإبادة الإسرائيلية الجارية للفلسطينيين واللبنانيين والاستخدام المفرط للقوة العسكرية والعقوبات الاقتصادية كأدوات قوة خشنة للإمبراطورية الأمريكية فإن واشنطن تدمر القوة الناعمة وجاذبية الحياة والنظام الأمريكيين للشعوب الأخرى وهي واحدة من أهم القواعد الأساسية التي قامت عليها إمبراطورتيها.

إضافة إلى دعم مسار الأفول للإمبراطورية وبالتالي تأكيد أن العالم آجلا أو عاجلا متجه نحو نظام متعدد الأقطاب مهما بلغت وحشية القوة العسكرية الأمريكية الساعية لمنع حدوثه.. فإن تطورا دوليا خطيرا يحمله في ثناياه فوز ترامب وتياره. خاصة عندما تلقفه الغرب ودول غنية في المنطقة. يمكن معرفة حجم خطر انتشار اليمين المتطرف ذي الجذر الديني إذا كان المجتمع الذي يصدره هو المجتمع الذي تقود دولته العالم. المسألة ليست تقديرات وتخمينات يري الجميع بأم أعينهم كيف أدي وصول ترامب في ولايته الأولى إلى صعود اليمين المتطرف في أوروبا وتمكنه في الوقت الراهن من السيطرة على حكومات العديد من الدول الأوروبية بعضها دول كبيرة مثل إيطاليا.

لهذا الصعود المحتمل لتيارات اليمين المسيحي المرتبط بالصهيونية العالمية مخاطر على السلم الدولي منها عودة سيناريوهات صراع الحضارات وتذكية نيران الحروب والصراعات الثقافية وربما العسكرية بين الحضارة الغربية وحضارات أخرى مثل الحضارة الإسلامية والصينية والروسية.. إلخ كل أطرافها تقريبا يمتلكون الأسلحة النووية!!

حسين عبد الغني كاتب وإعلامي مصري

مقالات مشابهة

  • البرد وغرق الخيام والأوبئة تفاقم معاناة النازحين في غزة
  • وضعهم معلق بقرار.. تأخر حسم طلبات اللجوء يزيد معاناة مهاجرين في تونس
  • الشتاء يفاقم معاناة النازحين في غزة.. ويتلف 10 آلاف خيمة (شاهد)
  • ترامب الذي انتصر أم هوليوود التي هزمت؟
  • أونروا: إمدادات الغذاء بغزة لا تلبي 6% من الحاجة.. وتفاقم معاناة النازحين مع بدء المنخفض الجوي
  • شاهد بالفيديو .. النساء والأطفال الوافدين من مدينة سنجة (النازحين) داخل دور الإيواء يحتفلون
  • تفاقم معاناة النازحين في الخيام مع وصول المنخفض الجوي للقطاع
  • غزة: أكثر الأماكن التي تضررت بها خيام النازحين في القطاع نتيجة الأمطار
  • غياب كوفاسيتش لمدة شهر بسبب الإصابة يزيد من أوجاع مانشستر سيتي