لجريدة عمان:
2025-02-04@18:13:56 GMT

دعم منتجات المؤسسات والشركات ذات المحتوى المحلي

تاريخ النشر: 25th, November 2024 GMT

ما يحصل عليه الاقتصاد الوطني من القيمة المضافة التي تدخل في مكونات الإنتاج من السلع والخدمات يطلق عليه «المحتوى المحلي». المحتوى المحلي يشمل عناصر كثيرة منها: المنتجات الوطنية والأصول الثابتة والمنقولة والقوى العاملة الوطنية، ومشروعات المؤسسات الصغيرة والمتوسطة. كما أن مفهوم «المحتوى المحلي» يعطي بُعدا أكثر شمولية من «المنتج المحلي» حيث إنه من الممكن أن تكون مدخلات الإنتاج ليست كلها مواد أو خامات محلية بنسبة 100%، ولكن كلما ارتفعت تلك النسبة كلما أسهمت المنتجات المحلية في تعزيز القيمة المضافة للاقتصاد الوطني.

من الناحية التنظيمية هناك اهتمام متواصل بدعم المحتوى المحلي من الحكومة فمنذ مدة طويلة يتم النص في جميع المناقصات والمشتريات على منح الشركات والمؤسسات التي تضمن في عطاءاتها نسبة أعلى من المنتجات المحلية الأولوية في الاختيار والإسناد. كما أنه تم إنشاء مديرية عامة للمحتوى المحلي ضمن الهيكل التنظيمي للأمانة العامة لمجلس المناقصات، ليكون مساندا لدور هيئة تنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة كونها الجهة الحكومية التي تقدم كافة أنواع الدعم والمساندة لتكامل الجهود نحو تمكين مشروعات المؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي غالبا ما تحتوي مشروعاتها على نسب عالية من المحتوى المحلي.

تكمن أهمية دعم تنافسية المحتوى المحلي بأنه إحدى الركائز المهمة لرفع النمو السنوي للناتج المحلي الإجمالي الغير النفطي. حيث حددت رؤية عمان نسبا سنوية لتقليل الاعتماد على النفط بحيث ترتفع مساهمة القطاعات الغير النفطية في الناتج المحلي الإجمالي ليصل إلى أكثر من 90% بحلول عام 2040. وبالتالي، الاهتمام بالمؤسسات الصغيرة والمتوسطة له دور أساسي في الوصول لتلك النسبة. ولعل الأرقام تشير إلى ذلك التوجه، حيث ارتفع عدد المناقصات والمشتريات الحكومية التي أسندت للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة بنسبة تجاوزت 300% وقيمة الأعمال المسندة من 1,7 مليون ريال إلى ما يزيد على 53 مليون ريال بين عامي 2022 إلى 2023. مع العلم بأن تلك الأرقام وإن كانت محفزة جدا إلا أنها لم تصل للنسبة المستهدفة وهي 10% من إجمالي العقود والمشتريات الحكومية التي يجب أن توجه للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة. ولعل ذلك يُقرأ بأن المبادرات والقرارات الحكومية تأخذ دورة زمنية للتنفيذ إذا ما علمنا بأن تلك النسبة تم تحديدها قبل تسعة أعوام تقريبا.

كما أسلفنا، تتضمن عناصر المحتوى المحلي القوى العاملة الوطنية في سوق العمل حيث تشير الأرقام إلى النمو في العمالة غير الوطنية بين عامي 2022 إلى 2023 بعدد يزيد على 119 ألف عامل، ولكن نمو العمالة الوطنية كان في حدود 50 ألف خلال المدة نفسها. عليه فإن الأرقام غير متكافئة ولا تتوافق مع الجهود التي تقوم بها الجهات المختصة ومنها الأمانة العامة لمجلس المناقصات ووزارة العمل وهيئة تنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الهادفة إلى رفع النمو في القوى الوطنية في جميع قطاعات العمل المختلفة.

والشاهد بأن هناك كفاءات عمانية طموحة لديها من الأفكار الإبداعية ما تستطيع الدخول إلى عالم الأعمال الريادية والعمل الحر. هذه الكفاءات تحتاج إلى دعم وتمكين من خلال وضع خطة استراتيجية تقف معها في كل مرحلة من مراحل التخطيط والإنتاج والتمويل والتسويق للمنتجات التي تحتوي على نسب عالية من المحتوى المحلي. وبالتالي، وجود ما يزيد قليلا على مائة وعشرين مؤسسة صغيرة ومتوسطة حاصلة على بطاقة «ريادة» يعطي انطباعا بأن الجهود الحالية لم تصل لشريحة كبيرة من المؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي تجاوز عددها 240 ألف مؤسسة بنهاية 2023.

لدعم تنافسية المحتوى المحلي ينبغي أن يكون شعار المواطن هو «الولاء» للمنتج المحلي نظرا لما يتميز به من معايير الجودة وقربه من المستهلك. بيد أن المنتجات والسلع المحلية قد لا تتمتع بصفة الاستدامة وتوفرها في الوقت الذي يناسب المستهلك. فعلى سبيل المثال، المنتجات الزراعية نجد بأن هناك إقبالا من المواطنين على شرائها وتفضيلها مقارنة بالمنتجات المستوردة، ومع ذلك فإن تغطية اللحوم والدواجن والمنتجات والصناعات القائمة عليها لم تصل إلى الاكتفاء الذاتي عند النظر إلى ما يُعرض في المحال التجارية. عليه كأحد الخيارات من الممكن الاستثمار في المزارع النموذجية التي تأخذ نفس المقومات التي تتمتع بها المزارع السلطانية لكي تتوافر لها الاستدامة الإنتاجية، وبالتالي، تستطيع منافسة المنتجات الزراعية المستوردة والتي غالبا ليست بذات القيمة الغذائية التي يتميز بها المنتج المحلي.

كما أن المحتوى المحلي ليس مقتصرا على المنتجات الزراعية أو الحيوانية وإنما يتضمن كل محتوى به نسبة من المواد المحلية التي تدخل في إنتاجه أو صناعته يتضمن المحتوى المحلي المنتجات الحرفية والمحتوى الرقمي وما يدخل في الصناعات الأساسية والتحويلية والأمثلة كثيرة. قبل مدة تم تدشين مشروع إنتاج مرتكزات النحاس في محافظة الظاهرة الذي تشرف عليه شركة تنمية معادن عمان. المشروع يهدف إلى الاستغلال الاقتصادي الأمثل للمحتوى المحلي من الخامات العمانية من النحاس الذي يتميز بقوة الطلب عليها من الشركات العالمية. وبالتالي، في مراحل مستقبلية لاحقة ينبغي أن تكون عمليات التنقية والتصفية لمرتكزات النحاس تتم داخل سلطنة عمان عن طريق توطين هذا المشروع الاستراتيجي بالكامل للاستفادة منه في الصناعات التحويلية. تجدر الإشارة بأن مشروع مرتكزات النحاس له علاقة بمحاضرة ألقاها أحد أساتذة جامعة هارفارد الذي زار البلاد قبل ما يزيد على خمسة عشر عاما. وعندما تحدث عن مقومات التنافسية الوطنية لم يشر مثلا إلى التركيز على السياحة، وإنا أشار بأنها تكمن في استغلال ما تزخر به البلاد من كنوز طبيعية ومنها الجبال.

لقد سئمنا من انتشار واحتكار السلع والمنتجات التي تأخذ شكل «الماركات العالمية» حيث توسعت في أغلب دول العالم. هذه الماركات تنهش من مقدرات الدول النامية وتستحوذ على خيراتها لأنه ينظر إليها بأنها أقل تقدما وبالتالي، لا تستطيع استغلال الموارد الطبيعية التي تزخر بها تلك الدول بسبب ضعف أدوات التمويل وغياب أساليب الإدارة الفاعلة للمشروعات. أصحاب تلك الماركات أو الشركات العابرة للقارات أصبحت تتخذ من الدول الآسيوية والأفريقية ملاذا آمنا للهيمنة عليها عن طريق إنشاء مشروعات تصنيعية تقوم من خلالها استغلال المحتوى المحلي من العمالة بتلك البلدان ذات الأجور الرخيصة. وخذ مثالا لذلك ما يتعلق بشركات صناعة الملابس والأزياء والأجهزة الإلكترونية والسيارات. وبالتالي، الاستثمار الأجنبي عادة لا يضخ استثمارات عالية إلا بالشروط التي يريدها ومنها تحكمه بالإدارة التشغيلية واستخدام العمالة التي يختارها بنفسه.

على الصعيد الوطني هناك تزايد في إقبال رواد الأعمال والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة في استغلال المحتوى المحلي والعمل على إيجاد «ماركات وطنية» في مختلف الصناعات ومنها: الأجهزة والصناعات الغذائية والسياحية والذكاء الاصطناعي وشركات التقنية‏ الناشئة. بعضا من تلك الصناعات بدأت - بالفعل - في التوجه نحو الأسواق الخارجية لتعزيز المنتجات العمانية ويكون لها حضور على المستوى الدولي. ولعل مناشط الترويج التي تقوم بها الجهات المختصة مع تقديم الحوافز والتسهيلات نحو بناء شراكات استراتيجية، يعزز من فرص التمكين ويفتح آفاقا رحبة نحو الانتشار للمحتوى المحلي. كما يأتي إطلاق خطة المحتوى المحلي للقطاع الصناعي «تصنيع» التي تشرف عليها وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار خطوة في الطريق الصحيح نحو دعم المنتجات ذات المحتوى المحلي. هذه الخطة ينبغي أن تتبعها خطوات رديفة من القطاعات المختلفة، ومنها -على سبيل المثال - رفع القيمة المضافة للمنتجات المحلية في تنمية اقتصاديات المحافظات، وخطط المحتوى المحلي في القطاع الصحي وقطاع التعليم العالي والتعليم المدرسي الخاص.

ولكن في الجانب الآخر، ينبغي على الجهات المختصة العمل برؤية أكثر انفتاحا لمعرفة التحديات التي قد تعيق نمو مشروعات الشركات، بالجلوس معها والاستماع إلى مرئياتها للنهوض بالمنتجات العمانية. كما يأتي لقاء جلالة السلطان - حفظه الله ورعاه - مع رجال الأعمال في الفترة الماضية خير دليل على الاهتمام السامي في الدور المنتظر من القطاع الخاص ليكون شريكًا استراتيجيًا في التنمية والعمل على إيجاد بيئة عمل محفزة للاستثمار ودعم الشركات ذات المحتوى المحلي. أيضا لدعم تنافسية المحتوى المحلي فإن الجهات المختصة يجب أن تكون لها أدوار استباقية في معالجة ضعف نمو مشروعات المؤسسات الصغيرة والمتوسطة وتعثر بعضها بحيث تكون هناك مختبرات لمعرفة الأسباب والعمل على تسويق المنتج المحلي ليس ليكون الاختيار الأول على المستوى الوطني بل يتجاوز ذلك ليكون عابرا للأسواق الإقليمية والعالمية.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: المؤسسات الصغیرة والمتوسطة المحتوى المحلی الجهات المختصة

إقرأ أيضاً:

نظام حماية الأجور.. مساعي تنظيم سوق العمل تصطدم بالأوضاع المُتقلبة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة

◄ المستشار الإعلامي بـ"العمل": النظام أداة لضمان الشفافية وبناء سوق عمل مُتطوِّر

◄ "حماية الأجور" يُحارب "التجارة المُستترة" ويَحِد من "التلاعب"

◄ "العمل" بذلت جهودًا توعوية لجميع شرائح أصحاب العمل قبل تطبيق النظام

◄ 150 ورشة عمل توعوية بالمحافظات شارك فيها العديد من أصحاب الأعمال

◄ الحامدي: لا يُمكن وضع جميع الشركات في سلة واحدة.. و"الصغيرة" تواجه الإفلاس نتيجة الغرامات

◄ البوسعيدي: نأمل إعفاء المؤسسات ذات الدخل المحدود من الرسوم والغرامات

◄ الغيثي: نأمل أن يقتصر تطبيق الغرامة على الشكوى العمالية فقط

 

الرؤية- إيمان العويسية

 

عبَّر عددٌ من أصحاب الأعمال عن قلقهم من أن يؤدي تزايد الغرامات التي يفرضها نظام حماية الأجور، إلى تفاقم الأعباء المالية على المؤسسات التي يديرونها، مناشدين بمنحهم فرصة لتصحيح الأوضاع، ومعالجة بعض التحديات التي تقف عائقًا أمام الالتزام بالأنظمة واللوائح والقوانين.

وأصدرت وزارة العمل قرارًا وزاريًا بشأن نظام حماية الأجور، وهو نظام إلكتروني مشترك مع البنك المركزي العُماني يهدف إلى مُتابعة صرف أجور العاملين في منشآت القطاع الخاص، وضمان التزام أصحاب العمل بتحويل أجور العاملين إلى حساباتهم المصرفية أو المالية لدى مؤسسات خاضعة لإشراف البنك المركزي العُماني، وفقًا لما تُحدده عقود العمل والمدة الزمنية المُحددة قانونًا.

وقال أصحاب أعمال- في تصريحات خاصة لـ"الرؤية"- إنَّ نظام حماية الأجور، رغم أهدافه في ضمان حقوق العاملين، يفرض تحديات كبيرة، خاصةً في المراحل الأولى من تأسيس المشروع. وأشاروا إلى أن الالتزام بتحويل الرواتب بشكل منتظم عبر النظام يزيد من الأعباء التشغيلية والمالية؛ حيث يتطلب توظيف كوادر إضافية لإدارة منظومة الرواتب، وهي عملية مُكلفة لا سيما بالنسبة للمؤسسات الصغيرة والصغرى التي لا يتجاوز عدد العاملين فيها 3-5 عمال.

 

 

الرؤية التشريعية

يقول الدكتور بدر بن أحمد البلوشي المستشار الإعلامي بوزارة العمل إن نظام حماية الأجور ليس مجرد قانون تنظيمي؛ بل هو أداة لضمان العدل والشفافية، وركيزة أساسية لبناء سوق عمل متطور ومستدام يُحقق التوازن بين حقوق العامل ومصالح صاحب العمل؛ مما يُسهم في ازدهار الاقتصاد الوطني، وضمان حقوق العمال في الحصول على أجورهم في مواعيدها. ويؤكد البلوشي أن هذا النظام من شأنه أن يُعزِّز الثقة بين العمال وأصحاب العمل، ويساعد على تجنب النزاعات والمطالبات العمالية التي قد تنتج عن التأخير أو عدم الوضوح في دفع الرواتب.

ويضيف البلوشي أن النظام سيعمل على تقليل النزاعات العمالية؛ حيث تُصبح جميع عمليات الدفع مُوثَّقة ومُنظَّمة؛ مما يخلق بيئة عمل أكثر استقرارًا وعدالة للجميع. ويمضي البلوشي موضحًا أن النظام يُسهم في رفع إنتاجية العامل وتحسين بيئة العمل، وتعزيز الشفافية والحد من التجارة المستترة، وتوثيق جميع عمليات دفع الأجور عبر النظام المصرفي؛ مما يَحِد من التلاعب، ويضمن أن جميع العاملين يحصلون على حقوقهم وفق اللوائح المُنظِمة.

ويوضح المستشار الإعلامي بوزارة العمل أن تطبيق نظام حماية الأجور يُعزِّز من ثقة المُستثمرين في بيئة العمل العُمانية؛ مما يجعلها أكثر جاذبية للاستثمارات المحلية والأجنبية. ويتابع أن النظام يُساعد كذلك على الحد من الظواهر السلبية في سوق العمل مثل التسوُّل أو العمل غير القانوني، ويضمن أن كل عامل مُسجَّل لديه مصدر دخل واضح ومُستَقر.

ويؤكد البلوشي أن النظام يدعم أيضًا تحقيق مُستهدفات رؤية "عُمان 2040"، وبناء اقتصاد مُستدام ومُتطوِّر، والذي يستلزم بيئة عمل عادلة ومُنظَّمة، مشيرًا إلى أن هذا النظام يُعد جزءًا أساسيًا من هذه الرؤية؛ حيث يُسهم في تطوير سوق العمل وضمان استقراره على المدى الطويل.

خطوات تنظيمية

ويوضح البلوشي أنه قبل فرض أي جزاءات إدارية، اتخذت وزارة العمل خطوات متدرجة لضمان توعية جميع شرائح أصحاب العمل بالنظام عبر إطلاق حملات إعلامية وتوعوية منذ عام 2017، مع تنظيم أكثر من 150 ورشة عمل في مختلف المحافظات، شارك فيها العديد من أصحاب المؤسسات، إضافة إلى العمل باستمرار لتوفير المعلومات والإرشادات من خلال مركز الاتصال، والمختصين في خدمة المراجعين في جميع دوائر العمل والموقع الإلكتروني للوزارة.

ويؤكد البلوشي أنه وفقًا للتعميم رقم (7/2023) الصادر بتاريخ 9 يوليو 2023، فقد مُنِحَت المنشآت الكبيرة والمتوسطة فترة لتصحيح أوضاعها والالتزام بنظام حماية الأجور مدتها 6 أشهر، أما الشركات الصغيرة والصغرى فقد مُنِحَت مدة 8 أشهر لتصحيح أوضاعها، لافتًا إلى أنه مع انتهاء المهلة، ذهبت الوزارة لخيارات ومُدد إضافية للتنبيه من خلال الأنظمة الإلكترونية والرسائل النصية.

الأعباء التشغيلية والمالية

في المقابل، يقول المهندس علي بن محمد الحامدي (صاحب أعمال) إن نظام حماية الأجور أثَّر على عدة جوانب من بينها الوضع المؤسسي للسجل التجاري، موضحًا أن هناك فرقًا بين سجل تجاري قائم على نشاط واحد، وسجل تجاري آخر مُكوَّن من عدة أنشطه في كيان مؤسسي قائم على وظائف متعددة، ومنها وظيفة مخصصة لمسؤول الموارد البشرية. ويُشير الحامدي إلى أن الدخل الشهري لمؤسسته يتأثر بالظروف الاقتصادية، ما يتسبب في عدم توافر السيولة النقدية ومن ثم صعوبة الالتزام بدفع الأجور في مواعيدها. ويضيف أن السجل التجاري القائم على نشاط واحد مثل محل حلاقة أو الخياط أو نشاط كي وغسيل الملابس أو ورشة حدادة أو نجارة أو إصلاح سيارات أو عامل مسجد، هي أنشطة لا تتوافر فيها السيولة النقدية بشكل مُنتظم؛ نظرًا لمحدودية عملها ونشاطها، ولاعتمادها على القوة الشرائية بالسوق المحلي، والذي قد يشهد تحسنًا في أوقات وركودًا في أوقات أخرى.

ويُبيَّن الحامدي أن القوة الشرائية المحلية تعتمد بشكل أساسي على الدخول الفردية القائمة على الرواتب الشهرية للعاملين في القطاعين العام والخاص أو المتقاعدين؛ ويرى أنها محدودة النمو. وأوضح أن هناك قدرًا من التفاهم بين صاحب السجل التجاري والعامل في طريقة الوفاء بدفع الراتب الشهري. واعتبر أن معاملة جميع السجلات التجارية على أنها قادرة جميعها على دفع التزاماتها من الأجور بشكل شهري وبانتظام، يضعها أمام تحدٍ كبيرٍ، وأن وزارة العمل تفرض في المقابل مخالفات شهرية بسبب عدم القدرة على الوفاء، مما سيتسبب في نهاية المطاف في إفلاسها أو إغلاقها بشكل كامل.

ويضيف أن تطبيق نظام حماية الأجور ينبغي التعامل في تطبيقه كهدف استراتيجي وليس تنفيذيًا يُطبَّق بضغطة زر واحدة، مقترحًا تطبيقه بشكل إلزامي على المؤسسات الكبيرة ثم الشركات المتوسطة، ولاحقًا على الشركات الصغيرة والصغرى، مع الوضع في الحسبان مسألة توفر السيولة النقدية، لضمان ديمومة تسليم الرواتب في مواعيدها المقررة.

ويرى الحامدي إلى أن الشركات ذات السجل التجاري القائم على نشاط واحد معتمد على القوة الشرائية المحلية، هي التي ستواجه صعوبة بالغة في تطبيق النظام نظرًا لتتذبذب السيولة النقدية، وعدم قدرتها هذه الشركات على الحصول على تسهيلات مالية من البنوك نتيجة عدم استطاعتها توفير الضمان الذي يشترطه البنك مقابل التسهيل المالي. ويدعو الحامدي إلى ضرورة أن يتعامل نظام حماية الأجور بصورة مرنة مع الشركات، بحيث يُتيح لها سداد ما عليها من التزامات على شكل دفعات، حسبما يتوفر لديها من سيولة نقدية.

ويقول علي البوسعيدي (صاحب أعمال) إن نظام حماية الأجور أثر بالسلب على سير الأعمال التشغيلية والمالية لمؤسسته، لافتًا إلى أنه دفع 50 ريالا عُمانيا غرامة على الرغم من التسجيل المسبق في نظام حماية الأجور عبر البنك، وتحويل رواتب العمال بشكل منتظم شهريًا. ويضيف البوسعيدي: "لم نحصل على أي دعم أو إرشاد مباشر من الجهات الحكومية، باستثناء تنبيهات عبر الرسائل النصية تفيد بضرورة تسجيل العاملين في الشركة في نظام حماية الأجور، بعد ذلك قمنا بتسجيل حسابات بنكية لجميع العاملين في الشركة والتزمنا بتطبيق النظام بعد تلقي تنبيه من وزارة العمل بضرورة التسجيل".

ويقترح البوسعيدي تطوير نظام حماية الأجور ليكون أكثر ملائمة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة من خلال إنشاء منصة أو تطبيق يربط البنك ووزارة العمل بالمؤسسات لتسهيل عمليات التسجيل وتحويل الرواتب إلكترونيًا بطريقة سريعة. ويأمل البوسعيدي إعفاء المؤسسات ذات الدخل المحدود من الرسوم والغرامات، وتقديم حزمة من المبادرات الحكومية لدعم الشركات الناشئة والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة لضمان استدامة الاقتصاد المحلي والمساهمة في تشجيع الاستثمار ودعم المؤسسات العُمانية.

أعباء مالية

ويقول راشد بن علي الغيثي المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة الغيثي الدولية إن الغرامة المفروضة شكلت عبئًا كبير على الأعمال القائمة، وتعرضت الشركات غير الملتزمة بالنظام إلى إيقاف الخدمات عنها في وزارة العمل. ويُشير إلى أن السيولة النقدية لا تتوافر دائمًا؛ خاصة لدى المؤسسات الصغيرة. ويقترح الغيثي تحويل الرواتب عن طريق المنظومة الإلكترونية، دون تحديد فترة زمنية محددة، مع عدم فرض غرامات على الشركات إلّا في حالة وجود شكوى فعلية تتعلق بتأخير الرواتب.

ويضرب الغيثي مثالًا بالشركات العاملة في قطاع المقاولات، ويقول إنها قد تتأخر في دفع الرواتب، بسبب تأخُّر الدفع من وزارة المالية لعدة أشهر، بينما تعمل هذه الشركات وفق "اتفاق مع العاملين"، ولذلك يرى أنه "لا يجب فرض غرامات عند تأخير الرواتب، طالما أن هناك تفاهمات متبادلة بين الشركة والعمال"، والقائم على أساس توافر السيولة.

ويأمل الغيثي توفير حوافز للشركات الصغيرة والمتوسطة لمساعدتها على الاستمرارية، خاصة في ظل الوضع الحالي للسوق، معتبرًا أن التحفيز سيكون له دور إيجابي في دعم هذه الشركات؛ مما يُساهم في خلق وظائف جديدة. ويؤكد الغيثي في هذا السياق أن الشركات الصغيرة والمتوسطة تمثل العمود الفقري للاقتصاد الوطني.

من جهته، يقول حسين بن علي المرزوقي (صاحب أعمال) إن نظام حماية الأجور فرض أعباءً مالية إضافية على الشركات، نتيجة إلزامها بتحويل الرواتب في مدة محددة، وذلك رغم التحديات المالية المرتبطة بالقوة الشرائية في السوق. ويضيف أن هذه التحديات تدفع الشركات إلى اللجوء للتمويل من البنوك التجارية لضمان توفر السيولة النقدية اللازمة ومن ثم دفع الرواتب. ويأمل المرزوقي تقليل الغرامة المالية، وإلغاء الضرائب على المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وتوجيه الدعم للمشاريع الناجحة تعزيز استقرار القطاع الخاص.

حماية الأجور

ويقول عمَّار بن سالم الغفيلي مساعد الرئيس للتشريعات العمالية بالاتحاد العام لعمال سلطنة عُمان إن الاتحاد ينظر إلى نظام حماية الأجور باعتباره أداة أساسية لتعزيز حقوق العمال وضمان التزام صاحب العمل بصرف الأجور بانتظام شهريًا؛ مما يُساهم في تحقيق الشفافية بشكل أكبر في العلاقات بين العامل وصاحب العامل، وتوفير بيئة عمل مستقرة وعادلة. ويؤكد الغفيلي- في تصريحات أدلى بها لإذاعة "الوصال"- أن الاتحاد العام للعمال يتعامل مع العديد من القضايا العمالية المتعلقة بتأخر صرف الأجور أو عدم سدادها، مشيرًا إلى أن مبادرات حماية الأجور للعاملين في القطاع الخاص ستُسهم في الحد من هذه المشكلات.

ويوضح أنَّ النظام يضمن الشفافية في تحويل الأجور الشهرية، وتسوية النزاعات العمالية، حيث يمكن للباحث القانوني الرجوع إلى نظام حماية الأجور عند النظر في قضايا تأخير الأجور للتحقق من التزام صاحب العمل بالسداد.

مقالات مشابهة

  • اختتام برنامج هبة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة في محافظة الظاهرة
  • المختبر والمحتوى المحلي..
  • دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة لتمكين المرأة بالبحر الأحمر
  • إدارة الأفراد والمشاريع الصغيرة والمتوسطة في كاك بنك تدشن ورشة تدريبية حول القروض والتمويلات
  • تعزيز المحتوى المحلي.. ومستقبل التوظيف
  • 14 مليار ريال ضمانات تمويل للمنشآت الصغيرة والمتوسطة
  • العقارات تسبب أزمة في سوق الذهب المحلي والشركات تلجأ للتصدير| تفاصيل
  • البنك الأهلي يطلق برنامج "تمويل نقاط البيع" للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة
  • نظام حماية الأجور.. مساعي تنظيم سوق العمل تصطدم بالأوضاع المُتقلبة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة
  • المنشآت الصغيرة والمتوسطة: الحل الأمثل لمواجهة البطالة في العالم العربي .. فيديو