مقاربة بين "ذات الرداء الأبيض" والوضع السوداني الراهن
تاريخ النشر: 25th, November 2024 GMT
أحمد عمران
في عالم الأدب الإنجليزي، تُعد رواية "ذات الرداء الأبيض" للكاتب ويليام ويلكي كولينز واحدة من الأعمال المبدعة التي تروي قصة فتاة تُدعى ألين، التي تجد نفسها ضحية لمؤامرة مُعقدة تهدف إلى الاستيلاء على ثروتها. تُخفي هويتها الحقيقية، وتدمَّر حياتها، ويعتقد الجميع أنها فقدت ذاكرتها. ومع توالي التحقيقات، تكشف الحقائق عن أنَّ ألين كانت ضحية تلاعبات سياسية واقتصادية قذرة، حيث يكشف السعي الحثيث للسيطرة على ثروتها عن الأطراف المتآمرة خلف هذه المؤامرة.
الكدمول هو رداء قاتم مُغطى بالظلام فرضته قوى محلية وإقليمية بغية طمس حقيقة السودان الغنيّة بالتاريخ والثقافة والموارد. لقد تمَّ تدمير هذه الأرض التي تزخر بالكنوز من أجل مصالح شخصية وفئوية ضيقة، وأصبح هذا الكدمول قناعاً يُخفي وراءه أطماعاً أكبر، تماماً كما كانت "ذات الرداء الأبيض" تظهر في الرواية كشخصية ضائعة أو فاقدة الذاكرة، يُحاول أصحاب الكدمول اتلاف الإرث السوداني وسجلاته ومكتباته ومُقتنياته ضمن مؤامرة كبيرة تم التخطيط لها بعناية. هذا الرداء الكئيب يرمز إلى التمويه على الهوية السودانية الأصيلة، ويحولها إلى صورة مشوهة، بعيدة كل البُعد عن قيمها الثقافية والتاريخية. للأسف، أصبح حتى الساسة في السودان يرتدون هذا الكدمول لتنفيذ مؤامرة كبرى، ليُصبح بذلك رمزاً لاحتلال الهوية السودانية وتغييرها إلى ما لا يتناسب مع حقيقتها، بعد أن أضحى السودان ضحية لمؤامرات إقليمية ودولية تهدف إلى نهب ثرواته وتدمير مكتسباته.
كان أبناء السودان يحدوهم الأمل في مُستقبل المشرق، يترنمون بأغنية الخليل "عزة" للتأكيد على حب الوطن والذود عنه "عزة في هواك عزة نحن الجبال وبنخوض صفاك نحن النبال"، وكان هذا الشعار الوطني الذي يرفعه أبناء الوطن "عزة السودان" يمثل الأمل في غدٍ أفضل، حيث كانت الآمال معقودة على نهضة الوطن. أما اليوم، فقد تحول ذلك الشعار إلى ذكرى مُؤلمة لسقوطه في قبضة قوى خارجية، تماماً كما سقطت ألين ضحية لتدخلات مُعقدة شوهت حياتها، وسلبت منها قدرتها على التفاعل مع العالم. إنَّ حالة السودان اليوم، مثل ألين في الرواية، أصبحت تشهد على تآمرات خفية، تحاول طمس هويته وتحويله إلى مجرد صورة مشوهة عما كان عليه.
في مُقاربة الثوب الأبيض والانتقال إلى الكدمول، نجد في الرواية أن "آن كاثريك"، كانت ترتدي ثوب البراءة الذي لا يُعكر صفوه شيء. وفي المقابل، ارتدى السودانيون جلابيتهم البيضاء منذ القدم كرمز للنقاء والصفاء الثقافي والهوية الوطنية المُميزة. لكن، مثلما أُجبرت "آن" على خلع ثوبها الأبيض النقي لتلبس عباءة داكنة، اضطر كثير من السودانيين اليوم إلى استبدال جلابيتهم البيضاء بكدمول قاتم، يخفون خلفه جراحاً مثقلة بالخيانة. هذا التغيير في الثياب لا يعكس فقط التغيير في المظهر، بل يعكس الخيانة والمكائد التي أصبحت جزءاً من واقع الحياة السياسية في السودان.
كما كانت "آن" ضحية لسرّ لم تفهمه بالكامل، يعيش الشعب السوداني اليوم في ظل مؤامرات سياسية خفية مُعقدة، تشوبها الألغاز والأسرار التي لا يراها الجميع. وأما آن، فقد كانت غير مدركة أن السير "بيرسيفال" كان يخبئ أسراراً مظلمة وراء مظهره البريء، كما أنَّ السودانيين اليوم يشعرون بوجود قوى خفية تسحب الخيوط وتدير المشهد السياسي في الظلام، بينما تظل الحقيقة بعيدة عنهم. ولكن كما أن "والتر"، شخصية الرواية الفذّة، كشف الستار عن خيانة "بيرسيفال" وأسراره المظلمة، يظل الأمل قائماً في أن يكشف الشعب السوداني في يوم من الأيام حقيقة ما يُحيط به من مؤامرات خفية، وأن يعود الحق إلى نصابه.
على الرغم من كافة التلاعبات والمؤامرات، كانت "آن" تحتفظ في أعماقها بنقاء روحها، رغم ما جرى من حولها. وبالمثل، لطالما كان الشعب السوداني بريئاً في سعيه نحو الحرية والعدالة، رغم أنَّ القوى الخفية قد قادته إلى هاوية الخيانة. ولكن كما تمسكت "آن" بحقيقتها ورفضت الزيف المحيط بها، يظل الشعب السوداني متمسكاً بأمل استعادة هويته وكرامته في مواجهة الفساد والانحراف. وفي النهاية، ستظل الحقيقة سيدة الموقف، مهما كانت التحديات، وسينتصر الحق، كما انتصرت الحقيقة في الرواية.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
انطلاق مؤتمر الرواية والدراما البصرية بالمجلس الأعلى للثقافة غدا
برعاية وزير الثقافة الدكتور أحمد فؤاد هنو والدكتور أشرف العزازي أمين عام المجلس الأعلي للثقافة ، يعقد نادي القصة والجمعية البصرية لأصدقاء مكتبة الإسكندرية مؤتمر الرواية والدراما المرئية على مدار يومين يبدأ غدًا الأربعاء والخميس 25 و26 ديسمبر الجاري في تمام الخامسة مساءً.
تتضمن الجلسة الافتتاحية كلمات لأمين عام المجلس الأعلى للثقافة الدكتور أشرف العزازي ، وأمين عام المؤتمر الدكتورة زينب فرغلي ، ومنسق عام المؤتمر حمدان القاضي ، ورئيس مجلس إدارة جمعية أصدقاء مكتبة الإسكندرية عصام عزت ، رئيس المؤتمر محمد السيد عيد.
تحويل الرواية إلى دراما تليفزيونيةوتأتي الجلسة الأولى تحت عنوان «تجربتي مع تحويل الرواية إلى دراما تليفزيونية» يتحدث فيها من المخرجين محمد فاضل ، أحمد صقر ، عمر عبد العزيز ، وتدير الجلسة الدكتورة زينب فرغلي.
بين النص الروائي والعرض البصري عند نجيب محفوظ وخيري شلبييتضمن اليوم الثاني للمؤتمر3 جلسات تحمل الجلسة الأولى عنوان «بين النص الروائي والعرض البصري عند نجيب محفوظ وخيري شلبي» ويتحدث فيها الدكتور محمود الضبع، الدكتورة سحر شريف، زين خيري شلبي، رامي عبد الرازق، ويدير الجلسة الدكتور السيد نجم.
أما الجلسة الثانية تتضمن عدداً من الشهادات، يقدمها الروائي الكبير إبراهيم عبد المجيد ، السيناريست محمد السيد عيد ، الروائية نادية رشاد .
تخصص الجلسة الثالثة لعرض وتحليل الأعمال والنصوص الروائية للدكتورة عزة بدر تتحدث عن «الشحاذ بين الأدب والسينما» الدكتور سامي سليمان يتحدث عن فيلم «اللص والكلاب بين الأدب والسينما»، الدكتور منير عبد المجيد يتحدث عن فيلم إمبراطورية ميم بين النص والدراما.
ويتحدث الدكتور طارق مختار سعيد عن بناء شخصية البطل بين السرد والدراما، ويدير الجلسة حسن نوح ثم يختتم المؤتمر بالتكريمات وتوزيع الدروع وشهادات التقدير.