فرد يصنع سمعة وطنه
تاريخ النشر: 25th, November 2024 GMT
د. صالح الفهدي
نزَل رجلٌ أستراليٌّ مطارَ مسقط في طريقهِ لأداءِ مناسكِ العُمْرَة، فلفتَت انتباهُهُ المعاملةَ الرَّاقية من رجلِ أَمنٍ بالمطارِ، فحدَّث الأستراليُّ نفسهُ متسائلا: إِنَّ أخلاقًا راقيةً كهذه التي عاملني بها الضابطُ لابدَّ وأنَّ وراءها ثقافةَ شعبٍ سائدةٍ بهذا المستوى الأخلاقي الرَّفيع، ثمَّ إنَّهُ قرَّرَ بعد عودتهِ إلى أستراليا أن يتعرَّفَ على سلطنةِ عُمانَ أَكثرَ من خلالِ ما كُتبَ في أدبيات التاريخ والعلوم الاجتماعيةِ عنها، ويُطالعُ المواد المرئية عبر المنصَّات المختلفة، بعدها زارَ السلطنةَ بعد أن شغفتهُ حبَّا بأخلاقِ شعبها.
لم يكن بينهُ وبين الشَّهادة النَّبوية الشَّريفة عن أهل عُمان مسافةً بعيدةً؛ إِذ هو مسطَّرٌ في مطارِ مسقط: "لو أنَّ أهلَ عُمان أتيتَ ما سبُّوك ولا ضربوك"؛ وهي شهادةٌ من المصطفى عليه الصلاة والسَّلام نتزيَّا بها نحنُ العُمانيين، وأعظمُ من ذلك هي تكليفٌ ومسؤوليةٌ على كاهلِ كلِّ عُمانيِّ.
إنَّ الفردَ ممثلٌ لوطنهِ أكانَ في أرضهِ أم خارجَه، فهو الحاملُ لهويتهِ، الرامزُ لأخلاقه، المعرِّفُ لثقافتهِ، فإِن أَدركَ ذلكَ فهو رسولُ حَقِّ لموطنهِ، وإِن تجاهلهُ فهو رسولُ باطل!. أمَّا الأول فهو الذي يصنعُ الإِنطباع عن وطنٍ بحاله، ويصوغُ السُّمعةَ العامَّةَ لأهله، وبذلك فهو يقدِّم لوطنه وأهلهِ ما يستحقونهُ من السِّيرةِ الطيبة، والذِّكرِ الحَسَن، وأمَّا الثاني فهو على العكس؛ إذ يكون وبالًا على أُمَّتهِ، وعبئًا على وطنهِ.
لقد وجدنا أُناسًا في بعضِ البلدانِ من الصنفين خاصَّةً في المواقعِ الأُولى التي يواجهون فيها القادمين إلى أوطانهم أكان ذلك في مطاراتٍ أو منافذَ بريَّةٍ أو مواقعَ دينية وثقافية وسياحية، أو مواقعَ على منصَّات إلكترونية.
إنَّ أخلاقنا نحن العمانيين هي أعظمُ الركائز التي تميِّز هويتنا الأصيلة، وقد نلنا بها شهادة أعظم البشر، وخاتم المرسلين، وبذلك فإِنَّ علينا أن نكون أحرصَ الناس على المحافظةِ عليها، وتهذيبِ النفوسِ، وتربيةِ الأَبناءِ على منهاجها القويم، فلا يُعذرُ العمانيُّ من هذه المسؤولية التي ميَّزتهُ تكريمًا وتبجيلًا فهي السِّمةِ البارزةِ، والصفةِ الزاهية في الشَّخصيةِ العُمانية الأصيلة.
ولا تزيدنا المؤثرات التي تقدحُ في الأخلاقيات إلا تمسُّكًا بأخلاقياتنا، وترسيخًا لها، وذلك بممارستها، والاعتزاز بها، وتوجيهِ أَبنائنا بالاقتداءِ على طرائقها، فالأُمُّة الأَخلاق، كما يقول أحمد شوقي: وإِنَّما الأُمم الأخلاقُ ما بقيت // فإِن هُمُ ذهبتْ أخلاقهم ذهبوا
إِن الرجل الأسترالي لو لم تبهرهُ أخلاقُ رجلٍ عمانيِّ واحد لما أثارَ ذلك الاهتمام فيه بأخلاق العمانيين، وهذا دليلٌ ينمُّ على أنَّ فردًا واحدًا يؤثِّرُ تأثيرًا كبيرًا على سمعةِ وطنهِ وأهلهِ، فإِن كان زكيَّ الأخلاقِ، نبيلَ القيم، كانَ أثره طيِّبًا، وإن كان وضيع الأخلاقِ، سيئ التعامل كان أثره خبيثًا.
في رحلةٍ بالقطار من المدينة المنوَّرة إلى مدينة جدَّة بالمملكة العربية السعودية، هبَّ شابٌّ عماني لمساعدة أُسرةٍ خليجيةٍ في رفعِ حقائبها دون أن تطلبَ منه ذلك، ثم هبَّ مرَّةً أخرى حين أرادوا إنزالها، فما كانَ من والدة تلك الأُسرة الخليجيةِ إلا أن تشيدَ بأخلاقِ الشَّاب العُمانيِّ وتغدق عليه بالمديح، فقد تحرَّك بوازعٍ من أخلاقهِ، وقامَ بما يوجبه عليه الأدب الحميد، وهكذا يكون العُماني رسولَ أخلاقٍ لوطنه، وسفيرًا لقيم مجتمعه من أجلِ أن تُحمدَ سيرةَ وطنه، وتُشكر أخلاق أمته.
الأخلاق هي العطرُ الزَّكي النَّافذُ الذي تؤرِّجُ رائحته الشَّذيَّة الأرجاء، ولا غرابةَ في ذلك فهي الطِّيب الروحاني الذي بثَّه رسول الإسلام عليه الصلاة والسلام كأساس لرسالته السمحاء: "إنَّما بعثتُ لأُتمم مكارمً الأخلاق".
هكذا تصبحُ الأخلاقُ عنصرًا أساسيًا من عناصرِ تكوين العمانيِّ فإِن عاملَ الناس أظهر الودَّ والرقي والاحترام، وإِن تكلِّم معهم أبانَ حُسنَ أدبهِ، وسموِّ معانيه، وإن حاورهم أظهر تقديره، ورفعةَ أُسلوبه، وإن استضافهم أظهر كرمهُ وتواضعه، وإن لمحهم بحاجةِ إلى المساعدة لم ينتظر منهم طلبها بل يبادرُ إليها، وإن نظرهم ضالِّين هبَّ لإرشادهم.
أخلاقنا -نحن العمانيين- هي سِمَتُنا الأَشْهَرْ، وعنواننا الأبرز قبل أن تعرِّفنا وثيقةٌ معيَّنة بانتمائنا العماني، وعلى ذلك نريدُ لهذا العنصر الرفيع، والعمود المنيع أن يتقوِّى ولا يضعف، وأن يصمدَ ولا يتضعضع، وذلك بإرادةٍ ويقينٍ بأن العماني إنَّما هو شخصيَّةٌ أخلاقيَّةٌ بامتيازْ، وهذه هي مركزُ هويَّتنا، وأساسُ عمانيَّتُنا.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً: