أ.د. حيدر بن أحمد اللواتي

 

في القرنين الأخيرين ومع تطور التقنيات وكثرة استخدام الآلة والأجهزة الصناعية، إضافة إلى اختراع الإنسان لعدد كبير من الكيمياويات المصنعة، والتي تم استخدامها في مختلف المجالات التي يحتاجها الإنسان، برزت تحديات جديدة ومعقدة للغاية، ومن هنا فإن عددا من العلماء يرى أن علم الأحياء التخليقية يمكنه أن يلعب دورا رائدا في إيجاد حلول ناجعة لهذه التحديات.

فمثلا يعتقد البعض أن الأحياء التخليقية هي الوسيلة المتاحة حاليا للتنوع البيولوجي، فمن أهم الأمور التي تؤدي إلى التوازن البيئي هو التنوع البيولوجي، ويقصد به تنوع أشكال الحياة وغناها بصورها المختلفة، ولكن ما يحدث الآن أن الإنسان وبسبب التمدد العمراني وزيادة عدد السكان فإنه بدأ يغزو مختلف البيئات كالسهول والجبال والغابات والوديان والصحاري، وأدى هذا التوسع إلى القضاء على عدد كبير جدا من الكائنات الحيَّة، وسيؤثر ذلك حتماً على كوكب الأرض وعلى التوازن البيئي بشكل كبير، ولذا فالحل يكمن في نظر هؤلاء في الأحياء التخليقية، فهذا العلم سيسمح لنا بإرجاع بعض الحيوانات المنقرضة إلى الحياة مرة أخرى وسيسمح لنا بتخليق كائنات حيَّة مبتكرة لم نعرفها من قبل وكل ذلك سيُساهم في التنوع الأحيائي.

وهناك من يرى أن حلول التحديات البيئية التي نواجهها اليوم بسبب التطور الصناعي إنما تكمن في الأحياء التخليقية، فلقد نتج من التطور الصناعي تحديات كبيرة مرتبطة بالبيئة، فعلى سبيل المثال فإن البلاستيك بأصنافه المختلفة يعد مشكلة بيئية كبيرة، وبالمقابل فإنه من الصعب التخلي عن استخدامه، ولذا فالبديل المطروح هو البلاستيك الصديق للبيئة والذي يمكن الحصول عليه من خلال الأحياء التخليقية، بل إن هناك من يرى أن التحديات التي نواجهها في الاحتباس الحراري يمكن استخدام الأحياء التخليقية لإيجاد حلول ناجعة لتلك التحديات فعلى سبيل المثال تؤدي عملية التمثيل الضوئي دورًا مُهمًا وبارزًا في الحفاظ على الحياة على كوكب الأرض؛ إذ إن النباتات تقوم بامتصاص غاز ثاني أوكسيد الكربون من الهواء في هذه العملية، والسؤال الذي يثيره بعض الباحثين هو هل بإمكاننا أن نتدخل جينيا في تغيير النباتات بحيث تكون أكثر كفاءة للقيام بعملية التمثيل الضوئي وتكون لديها قدرة على امتصاص كميات أكبر من غاز ثاني أوكسيد الكربون وبالتالي نخفف من تراكيز هذا الغاز في الغلاف الغازي.

ويدفع النجاح الكبير الذي حققته الهندسة الجينية والتقنية الحيوية في إيجاد حلول ناجعة للأمراض المستعصية، كمرض السكر، الكثيرين إلى المضي قدماً في علوم الحياة ومحاولة إيجاد علاجات فاعلة باستخدام الأحياء التخليقية، حيث يرى الكثيرون إن التطور في تقنيات المقص الجيني وفي علوم الحاسوب والذكاء الصناعي يسمح بعمل نماذج دقيقة للغاية للشفرة الوراثية والتحقق من سلامتها وفاعليتها من خلال عمليات المحاكاة التي تسمح بها أنظمة الحاسوب الحالية للقيام بها بسهولة، فالدواء المخصص لمرض الملاريا (Artemisinin) على الرغم من فاعليته، إلّا أن ارتفاع سعره كان تحدياً وذلك لأنَّ النبات الذي ينتج هذه المادة ينمو في بيئات معينة ويتأثر بالظروف المناخية التي يتعرض لها النبات، وللتغلب على هذه التحديات تم استخدام التقنيات الحيوية المختلفة لإنتاج هذا المركب الكيميائي وذلك عبر الأحياء التخليقية للخميرة وتغيير التشكل الجيني لها، وقد حققت التقنية نجاحًا باهرًا في توفير المركب وبسعر زهيد نسبيًا.

وهناك أمراض جينية سببها جين معين كمرض فقر الدم المنجلي، ولذا فان التقنيات الحالية تسمح بإجراء تغييرات جينية لمنع حدوث هذا المرض والأمراض الأخرى التي تشابها.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه، ما الحد المسموح به للتدخل في طبيعة الكائنات الحية وإجراء تغييرات فيها؟ وهذا ما سنلقي عليه الضوء في مقالنا المقبل، وللحديث بقية.

سلسة من المقالات عن تاريخ علوم الحياة وحاضرها وفلسفتها والتقنيات القائمة عليها

** كلية العلوم، جامعة السلطان قابوس

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

هل تنجح جماعات الهيكل في ذبح قرابين عيد الفصح بالأقصى؟

سيحتفل اليهود ابتداء من مساء السبت 12 أبريل/نيسان الجاري وحتى السبت الذي يليه بعيد الفصح العبري، الذي يعد أحد أكبر مواسم اقتحام المسجد الأقصى المبارك.

ويرمز العيد إلى الفترة التي خرج فيها بنو إسرائيل من مصر هربا من فرعون بقيادة النبي موسى عليه السلام، وتقول روايتهم إنهم صنعوا خلال خروجهم، وعلى مدار 8 أيام، فطيرا من دون خميرة بأمر من الله وبمثابة شكر له على إنقاذهم من مصر، وفق اعتقادهم.

ولذلك يعتبر هذا العيد – ويعني بالعربية العبور- أحد أكثر المناسبات أهمية لدى اليهود لارتباطه بتقديم قرابين حيوانية لشكر الله على إنقاذ بني إسرائيل حسب تفسيرهم، وتصر جماعات الهيكل المتطرفة على ربط هذا العيد بالمسجد الأقصى، وحشد أنصارها قبل حلوله كل عام لتنفيذ اقتحامات جماعية له.

وضمن التحضيرات الاستثنائية هذا العام نشر الناشط في جماعات الهيكل المتطرفة "أرنون سيغال" صورة بتقنية الذكاء الاصطناعي لوزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير وهو يحمل ماعزا (قربان الفصح) وخلفه الهيكل المزعوم بدلا من المسجد الأقصى، وعلّق على الصورة في حسابه بموقع فيسبوك بعبارة "هذا العام".

وفي 20 مارس/آذار المنصرم نشر هذا المتطرف صورة بالتقنية ذاتها لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمام قبة الصخرة المشرفة في المسجد الأقصى وبجواره قربان الفصح وكتب "الاستعداد بالفعل".

صورة بالذكاء الاصطناعي نشرها مستوطنون للوزير المتطرف بن غفير يحمل ماعزا وخلفه الهيكل بدلا من الأقصى (مواقع التواصل) الهدف ذبح القرابين بالأقصى

كما دعت منظمة "عائدون إلى الجبل" أنصارها إلى الاستعداد لمحاولة ذبح قربان عيد الفصح داخل الأقصى أو على أبوابه قبل حلول العيد بأسبوع، من أجل "تحقيق وصايا التوراة في الوقت المناسب".

إعلان

وبشكل يومي تحثُّ منظمة "بيدينو" المستوطنين من خلال صفحتها على فيسبوك على اقتحام الأقصى خلال أيام العيد مرفقة صورة للمسجد الأقصى مع كأس من الخمر، وكُتب عليها تواريخ الاقتحام والمرشدون التابعون لها الذين سيرافقون المقتحمين في جولاتهم ويقدمون لهم الشروحات التوراتية المزعومة عن أولى القبلتين.

كما نشرت إعلانات عن توفير المواصلات مجانا لكل من يرغب في اقتحام المسجد خلال هذا الموسم التهويدي.

أما بخصوص استعدادات شرطة الاحتلال فقالت إنه سيتم نشر الآلاف من عناصرها العلنية والسرية في البلدة القديمة وفي شرقي المدينة وغربيها، "لتأمين مئات الآلاف من الزوّار خلال العيد".

وبلغ عدد المقتحمين خلال عيد الفصح من عام 2024 المنصرم 4345 مستوطنا ومستوطنة، وفقا لإحصائيات دائرة الأوقاف الإسلامية، في حين بلغ عددهم 3430 مستوطنا في الموسم ذاته عام 2023.

وخلال العامين المنصرمين سُجّلت عدة انتهاكات داخل أولى القبلتين، أبرزها تعمد المتطرفين ارتداء الثياب الكهنوتية البيضاء، وأداء كافة الطقوس الدينية شرقي المسجد، وحرص أحد قادة جماعات الهيكل على اقتحام المسجد بالزي العسكري، كما سُجلت عدة محاولات لتهريب القرابين للمسجد الأقصى.

وفي سابقة خطيرة أدى أحد المتطرفين صلاة "بركات الكهنة" قرب باب السلسلة العام الماضي، لكنهم فشلوا في إدخال وذبح قرابين الفصح الحيوانية في الأقصى.

مكافآت مالية ضخمة وحشد من منظمات الهيكل المتطرفة لعناصرها باقتحامات جماعية للأقصى وذبح القرابين داخله خلال عيد الفصح.. تعرف إلى عيد الفصح وأهميته لدى اليهود، وخطره على المسجد الأقصى pic.twitter.com/WiHJnxSrvl

— الجزيرة نت | قدس (@Aljazeeraquds) April 7, 2025

توقيت مهم

الأكاديمي ومسؤول الإعلام والعلاقات العامة السابق بالمسجد الأقصى عبد الله معروف قال في مستهل حديثه للجزيرة نت إن عيد الفصح هذا العام يكتسب أهمية خاصة لدى جماعات المعبد المتطرفة لأنه يحلّ للمرة الأولى بعد قرار بن غفير السماح لجماعات المعبد المتطرفة بإقامة كافة الطقوس الدينية داخل الأقصى.

إعلان

وأضاف في حديثه للجزيرة نت أن الجماعات المتطرفة تعتبر أن عدم ذبح وتقديم القرابين الحيوانية داخل الأقصى نقيصة أساسية في مشروعها لإقامة كافة الطقوس الدينية الخاصة في الأقصى باعتباره "المعبد".

"لم يبق من هذه الطقوس فعليا إلا أداء القربان، وهو ذبح الماعز الصغير داخل الأقصى وإحراقه بالكامل حسب الطقوس المذكورة في النصوص الدينية" أوضح معروف.

وتحاول الجماعات -وفقا لمعروف- الاستفادة من عودة بن غفير القوية للحكومة وحاجة نتنياهو له في هذا الوقت بالذات، لاقتناص فرصة تراها تاريخية لأجل إقامة هذا الطقس الديني داخل الأقصى.

وتابع: "لذلك رأينا على سبيل المثال أن هذه الجماعات نشرت خلال اليومين الماضيين صورة بالذكاء الاصطناعي لبن غفير وهو يحمل قربانا داخل الأقصى ومكان الأقصى يوجد المعبد".

ومن خلال ما نشرته جماعات الهيكل على صفحاتها في مواقع التواصل، يرى معروف أن ذلك يدل على أن هذه الجماعات قد تكون خططت بالفعل وبشكل غير معلن لمحاولة أداء هذا الطقس الديني داخل الأقصى هذا العام، وقد يكون هذا بموافقة ومباركة بن غفير بالدرجة الأولى.

معروف: لا يوجد ما يمنع جماعات الهيكل من تنفيذ وعيدها في الأقصى إلا وقفة الشعب الفلسطيني (الجزيرة) توجه خطير

ويرى معروف ضرورةً للتطرق إلى تعليق محامي اتحاد منظمات الهيكل المتطرفة "أفيعاد فيسولي" قبل يومين عندما قال إن المسلمين لا يرون أي مشكلة في أي طقس ديني يهودي يجرى داخل الأقصى، ولكن يرون أن المشكلة هي دخول بن غفير للأقصى، وأضاف أن "الأصل أن يبتعد بن غفير عن الظهور عن الصورة علنا، وتُجري الجماعات ما ترغب به من طقوس دينية داخل الأقصى".

ووصف معروف هذا التصريح بالخطير لأنه يبين أن التركيز الإعلامي على اقتحام بن غفير للأقصى فُهِم بشكل مغلوط عند جماعات المعبد المتطرفة، التي تظن الآن أنه لا يوجد مشكلة لدى المسلمين في موضوع أداء الطقوس الدينية في الأقصى وتظن أن المشكلة عند المسلمين هي في شخص إيتمار بن غفير فقط.

إعلان

وقد يشجع هذا الجماعات المتطرفة هذا العام على القيام بهذه الخطوة الكبيرة والمهمة جدا، وهي إدخال القرابين إلى المسجد بمباركة هذا الوزير، الذي قد يأمر شرطته بغض الطرف عن هذا الانتهاك.

"نحذر من أن هذا الأمر قد يفجر المنطقة بالكامل، والجماعات المتطرفة وعلى رأسها بن غفير ترى أن هذه فرصة تاريخية لأنها لأول مرة تتمكن تقريبا من حسم الصراع بينها وبين الأجهزة الأمنية وعلى رأسها الشاباك لصالح جماعات المعبد، ويجب أن نعلم أن الشاباك هو المؤسسة الأساسية التي كانت تمنع التهور لدى هذه الجماعات ليس حبا في الفلسطينيين وإنما خوفا من رد الفعل الإسلامي على هذا التصرف".

والآن بعد إضعاف هذا الجهاز لصالح جماعات الهيكل فإنه لا يوجد ما يمنعها من تنفيذ وعيدها في الأقصى إلا وقفة الشعب الفلسطيني وفهمه لحقيقة وخطورة الموقف في المسجد وفقا لعبد الله معروف.

مقالات مشابهة

  • الصين تستعد لمعركة طويلة الأمد.. هل تنجح في مواجهة الرسوم الجمركية الأميركية؟
  • كاريكاتير| المكتب الإعلامي الحكومي بغزة : محو 90% من الأحياء السكنية خاصة في أحياء السلام والبرازيل والجنينة ومخيم رفح
  • هل تنجح جماعات الهيكل في ذبح قرابين عيد الفصح بالأقصى؟
  • خان الخليلي والجمالية.. كيف تصنع الأحياء القديمة صورة مصر الحديثة؟
  • التجارة: شركة المواد الغذائية تنجح باسترداد 60 مليون دولار لحسابها
  • معهد الأراضي والمياه : حلول تطبيقية لمواجهة التحديات الزراعية
  • جعجع: الإصلاحات لا يمكن أن تنجح قبل استعادة الدولة سلطتها
  • تدمير 90 % من الأحياء السكنية في رفح
  • اللهم نصرك الذي وعدت ورحمتك التي بها اتصفت
  • الهجرة الدولية: مشكلة الحصول على المياه من أبرز التحديات في مأرب