أكد الدكتور محمد الضويني، وكيل الأزهر الشريف، خلال كلمته بالمؤتمر الدولي الثالث للعلوم ‏‏الأساسية والتطبيقية لكلية العلوم للبنات جامعة الأزهر بالقاهرة تحت عنوان «نحو العلوم الخضراء»، أن ‏‏هذا المؤتمر المهم يؤكد بما فيه من بحوث أن عطاء الأمة لا ‏ينقطع، وأن الخير فيها باقٍ إلى قيام الساعة.

‏‏ولفت إلى أنها إن مرضت أو ‏وهنت فإنها لا تموت، ويؤكد أن عقل الأمة متجدد، ‏وأن علماءها قادرون على الربط ‏‏بين الأصالة والمعاصرة بحبل ‏وثيق، وأنهم يعتمدون على تراثهم وماضيهم دون أن يحبسوا أنفسهم ‏فيه، وأنهم ‏‏قادرون على التفاعل مع عطاء العصر المتغير.

علماء الأمة قادرون على الربط ‏بين الأصالة والمعاصرة‏

أضاف وكيل الأزهر خلال كلمته بمركز الأزهر للمؤتمرات اليوم الاثنين أنَّ «العلوم الخضراء» التي يدور ‏‏حولها ‏المؤتمر من أهم المجالات العلمية في العصر الحاضر؛ لما ‏لها من علاقة قوية بالتغيرات المناخية ‏التي ‏تهدد الكوكب كله وكذلك بالموارد التي من حق البشر جميعًا أن ينتفعوا بها في الحاضر والمستقبل.

‏وأشار إلى أنها علوم لها تعلق كبير وقوي ‏كذلك بالحراك الاقتصادي والتقدم المادي، بحيث يمكن أن يكونا وجهين ‏لعملة واحدة؛ ففي الوقت ‏الذي تحرص فيه «العلوم ‏الخضراء» على الوصول إلى حلول ‏مستدامة للتحديات ‏البيئية، يسعى الاقتصاد إلى تحقيق النمو ‏‏والازدهار، و«العلوم الخضراء» طريق الاقتصاد الآمن، وكلاهما ‏‏مطلوب من كل مجتمع واع.‏

وتابع أنه لا أدل على ترابط «العلوم الخضراء» بالاقتصاد من وجود ‏طلب متزايد على ما أطلق ‏عليه «الاقتصاد ‏الأخضر» الذي يهدف ‏إلى تحسين رفاهية الإنسان مع تقليل ‏المخاطر البيئية وتكلفة ‏مواجهة التلوث البيئي والتغير ‏‏المناخي.

ورغم أن كل مجال جديد قد يلقى بعض الرفض أو المعارضة ‏ممن ‏ألفوا أنماطا حياتية معينة، أو ممن ‏تتعارض مصالحهم ‏الشخصية مع الوضع الجديد، أو يلقى بعض ‏الصعوبات التي تتعلق ‏بالتكاليف المادية، ‏أو نقص الوعي لدى الشريحة العريضة من ‏المستهلكين، أو حتى ‏من غياب الدعم القانوني المنظم أحيانا، ‏ولكن ‏الأمل في مثل هذه المؤتمرات أن تقرب وجهات النظر، وأن ‏‏تتجاوز قاعات المؤتمر، وتنطلق إلى ‏الجمهور بما تملكه من وسائل ‏لإقناع الناس بضرورة التغيير الذي ‏يعني حياة أفضل.‏

وبيَّن وكيل الأزهر أن الإسلام دين العلم، والذي ‏يجب أن يصح في ‏الأذهان أن الإسلام لم يتوقف بالعلم ‏عند حدود ‏العلم الشرعي وحده، بل إنه يمتد ليشمل علوم الحياة وعلوم ‏الكون، ‏وضروب النشاط الإنساني ‏كافة.‏. ولو تأملنا تراثنا بعمق لأدركنا أن كثيرا مما تطرحه «العلوم ‏الخضراء» له أصل ديني يدعو إليه، أو ‏إطار ‏شرعي يوجه العمل ‏فيه.‏

ومن أمثلة ذلك: زراعة المحاصيل المحسنة وراثيا، بحيث ‏تكون المحاصيل ‏أكثر إنتاجا، وأكثر قدرة على ‏تحمل الظروف ‏المناخية القاسية، وإعادة تدوير النفايات ‏العضوية وتحويلها إلى ‏‏طاقة ووقود حيوي أو سماد، وتطوير ‏تقنيات مبتكرة لتنقية المياه، وإعادة استعمالها، واستخدام مواد ‏صديقة ‏‏للبيئة في المباني والإنشاءات، وتصميمها بما يلائم الحياة ‏الصحية، وغير ذلك من مداخل جديدة.‏

ونوه فضيلته بأن هذه المداخل الجديدة لا تخرج عن توجيهات ديننا الذي يأمر ‏بالحفاظ على البيئة، ‏والاعتدال في استهلاك ‏الموارد، وعد الإفساد ‏في الأرض من الكبائر!‏ ولا يخرج عن التخطيط للمستقبل، ‏ووضع حق الأجيال ‏القادمة في الموارد في الاعتبار مما أشار إليه ‏فقهاؤنا العباقرة.‏

ويتفق تماما مع الرحمة ‏بالحيوان التي أمر بها الإسلام، ‏باعتبارها مخلوقات لها حقوق، ورتب على الإحسان ‏إليها أجرا ‏كبيرا. ‏وينسجم مع النظافة والجمال اللذين عدهما الإسلام جزءا من ‏الإيمان.‏

ودعا وكيل الأزهر القائمين على المؤتمر إلى أن يكشف المؤتمر بأبحاثه ‏المتخصصة ‏عن مدى ما يمكن أن ‏تقدمه العلوم الخضراء من تخفيف لحدة ‏الأزمات الاقتصادية وآثارها ‏الصعبة، وأن تضع مسارات عملية ‏‏تحقق الاستخدام الأمثل للموارد.‏

ووجه في ختام كلمته، بعض الرسائل الموجزة، راجيًا أن تجد نتائج ‏المؤتمر وتوصياته طريقها إلى ‏الأجهزة المسئولة، لتكون على أجندة ‏أولوياتها؛ ‏وفاء لأوطاننا ‏وصيانة لأمتنا:‏

الرسالة الأولى: إن الشعوب الواعية هي التي لا تضع رأسها ‏في الرمال خوفا من تجربة الجديد، بل هي ‏‏التي تقتحم المستقبل ‏بمنهجية مدروسة، وتقدر على الاستفادة من معطيات العصر في كل ‏مجالات العلوم.‏

الرسالة الثانية: إن العلوم الخضراء تتيح لنا إمكانيات حقيقية ‏لإعادة النظر في كثير من الأنشطة المتعلقة ‏‏باستثمار الموارد، ‏ومواجهة التغيرات المناخية، واتخاذ القرارات الصائبة المتعلقة ‏بأنماط الاستهلاك.

‏الرسالة الثالثة: إن استثمار ما تطرحه العلوم الخضراء من ‏بدائل آمنة معاصرة لا يخرج عن أصول ديننا ‏‏وثوابتنا وتاريخنا.

‏والرسالة الرابعة: إننا يجب أن نعمل على زيادة الوعي بما ‏في الواقع من تحديات، وأن نحسن استثمار ‏‏الفرص، والاستفادة ‏من معطيات الواقع حتى لا نتخلف عن ركبه.‏

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: الأزهر وكيل الأزهر محمد الضويني وكيل الأزهر الشريف العلوم الخضراء وکیل الأزهر قادرون على

إقرأ أيضاً:

وكيل الأزهر: مأساة الشعب الفلسطيني‏ تحدث أمام مجتمع دولي يقف متفرجًا وعاجزًا عن وقف ‏معاناتهم‏

أكد الدكتور محمد الضويني، وكيل الأزهر الشريف، اليوم الأحد، أن انعقاد النسخة الخامسة من الأسبوع العربي للتنمية المستدامة بجامعة الدول العربية، تحت عنوان «حلول مستدامة من أجل مستقبل أفضل: المرونة والقدرة على التكيف في عالم عربي متطور» يثبت أن الدولة المصرية مواكبةٌ لما يجري في الساحة من حراك اقتصادي واجتماعي، وأنَّها حريصة على تحقيق أهداف التنمية المستدامة، بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، رئيس الجمهورية، الذي يؤكد دومًا أهمية توفير حياة كريمة لجميع المصريين، واهتمام أجهزة الدولة بمقاومة ومكافحة الفقر وهو ما تبينه بوضوح الأجندة الوطنية للتنمية المستدامة، رؤيةِ مصر2030، التي تمثِّل إرادةً حقيقيَّةً نابعةً من قراءةٍ واعيةٍ للواقع، ومن فكرٍ منظمٍ، ومن أملٍ في مستقبلٍ مختلفٍ.

وأشار وكيل الأزهر الشريف خلال كلمته في المؤتمر الذي عقد بجامعة الدول العربية بالتعاون مع الشركاء من الأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي، وعدد من الهيئات المعنية في مصر والمنطقة العربية، إلى أهميَّة هذا المؤتمر التي تكمن في محاولة إيجاد صيغٍ للتكامل بين: (التنميةِ المستدامة والاقتصادِ الإسلامي بهدف مقاومةِ الفقر) وتبعاته، وذلك من خلال تعزيز الحوار والتفاهم والتفاعل بين الخبراء والمتخصصين في مجالات التنمية المستدامة والاقتصاد الإسلامي، لبلورة رؤية شاملة حول مقاومة الفقر، ورسم السياسات الحقيقيَّة لمواجهته. كما يمثل المؤتمر جرس إنذار إلى كل العقلاء في العالم كي يتكاتفوا ويكثفوا جهودَهم من أجل انتشال الفقراء من واقعهم المؤلم، حتى لا يصبحوا فريسة سهلة لجماعاتِ العنف والجريمة والإرهاب الذي يصيب الجميع بالألم.

وقال الدكتور محمد الضويني إن التنمية المستدامة ليست شعارا، بل هو واجب تفرضه الظروف المتغيرة، ولقد أصبحت هذه التنمية المستدامة هدفا ساميا لأي وطن يسعى نحو التقدم والريادة، وسبيلا للمحافظة على الهوية من أي اختراق أو استهداف. وفي ضوء ذلك واستجابةً لتوجيهات فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، يعنى الأزهر الشريف بنشر ثقافة الاستدامة، والتأصيل لها، والتوعية بأهميتها، وترسيخ قيمها، وتحقيق أهدافها في المجتمع، وفي مقدمة هذا (مقاومة الفقر)، فعقد الأزهر العديد من المؤتمرات التي تتعلق بالتنمية المستدامة، ومواجهة أزمات الحياة، ومنها: مؤتمر «مواجهة الأزمات المعيشية وتداعياتها.. رؤية شرعية قانونية» بكلية أصول الدين بالمنصورة، ومؤتمر «التنمية المستدامة والاقتصاد الأخضر من منظور الفقه الإسلامي والقانون الوضعي» بكلية الشريعة والقانون بتَفهنا الأشراف.

وأشار محمد الضويني خلال كلمته إلى جهود الأزهر في هذا المسار، وقال إن الأزهر الشريف لم ينفصِل عبر تاريخه الطويل عن قضايا الواقع ومشكلات الأمة ومعضلات المجتمع، حيث أسهم برجاله وعلمائه وجميع منسوبيه وقطاعاته وأدواته المتعددة والمتنوعة، في تحقيق التكامل بين التنمية المستدامة والاقتصاد الإسلامي، من أجل مقاومة الفقر بكافة صوره وأشكاله، وفي إطار هذه الجهود تم إنشاءُ (بيت الزكاة والصدقات المصري) الذي قام بتنفيذ العديد من البرامج التي تهدف إلى مد يد العون إلى الفقراء والمحتاجين والغارمين والمرضى، الذين يجدون صعوبة في تحمل نفقات الحياة وتحمل أعبائها.

ودعا وكيل الأزهر إلى تعزيز التكامل بين التنمية المستدامة والاقتصاد الإسلامي من أجل القضاء على الفقر وآثاره، فهذا لم يعد ترفًا، بل ضرورة ملحة. وأن يسير هذا جنبًا إلى جنب مع التنمية في البناء القيمي والأخلاقي والروحي للإنسان، وصيانة حياته حاضرًا ومستقبلًا. وإن هذا التكامل بين التنمية المستدامة بمفهومها الإسلامي الأكثر شمولًا وعمقًا، والاقتصاد الإسلامي بأدواته المتعددة ينبغي أن يتجاوز الحلول المؤقتة المسكِّنة، إلى حلول دائمة تعزز العدالة الاجتماعية، وتدعم توزيع الثروات على نحو صحيح.

وأوضح وكيل الأزهر أن الاقتصاد الإسلامي يسعى إلى المحافظة على الحياة ومكوناتها ومواردها وإنسانها، بما فيه من أدوات متعددة تقوم على تبادل المنافع بين الغني والفقير، والتي يتربح منها الأغنياء ليزدادوا غنًى، وتساعد الفقراء في الارتقاء بحالهم، وتحسين معيشتهم، والحد من درجة الفقر لديهم، ومنها أنواع الزكاة والصدقات، ومنها الحرص على التوزيع العادل للثروة، ومنها تشجيع العمل والإنتاج، ومنها تطوير الموارد البشرية، ومنها دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة، ومنها دفع الشركات والمؤسسات إلى مباشرة مسؤوليتها المجتمعية وغير ذلك من أدوات. فضلا عن أنواع العقود المستحدثة كشركات العِنان والمضاربة، وغيرها من أنواع الشركات التي أباحتها وأقرتها الشريعة الإسلامية، والتي تعمل على الحد من الفقر، وتحقق التنمية المستدامة للفرد والمجتمع.

وأردف الدكتور محمد الضويني أن الفقر مشكلةٌ صعبة تعاني منها معظم المجتمعات، وللقضاء على هذه المشكلة وآثارها لا بُدَّ من الوقوف على أسبابها. فالفقر ظاهرة ذات جذور متشابكة، وإن ما يدور على الساحة العالميَّة اليوم، من حروب وقتل وتدمير من أبرز الأسباب السياسية والاجتماعية التي تصنع الفقر، وترهق به المجتمعات لفترات طويلة، لما ينتج عنها من تدهور اقتصادي وعمراني، يتبعه تراجعٌ وتَدَنٍّ في مستوى المعيشة، وفقدانٌ لمقومات الحياة الأساسية، ناهيك بما تتركه الحروب من خلل سياسي مقصود، وكلما اتسعت رقعة الفقر والجوع والتهميش ابتعد العالم عن الأمن والاستقرار.

وذكَّر وكيل الأزهر الحاضرين في المؤتمر والضمير العالمي بمأساة الشعب الفلسطيني الأَبي، وما يعانيه الأبرياء الذين يتخطفهم الجوع والخوف، ويتوزعون ما بين ألم التهجير والتشرد والجوع، وبين قسوة القتل والتنكيل والترويع، من كِيانٍ محتلٍ ظالمٍ لا يَرقب فيهم إلًا ولا ذمة، فيما يقف المجتمع الدُّولي متفرجًا وعاجزًا عن مساعدتهم ووقف معاناتهم. مشيرًا فضيلته إلى أن التكامل المنشود بين التنمية المستدامة والاقتصاد الإسلامي لمواجهة الفقر، يواجه تحدياتٍ كبيرة في التنفيذ والمتابعة، وهو ما يتطلب تعاونًا دوليًّا وإرادة سياسية قوية، وبناء منظومة شاملة تحقق الأهداف المرجوة من هذا التكامل.

اقرأ أيضاًوكيل الأزهر: فلسفة القرآن لا مكان فيها لعلاقات الصراع والقتال مع المسالمين

وكيل الأزهر يشارك في قمة قادة الأديان بأذربيجان تحت شعار «أديان من أجل كوكب أخضر»

وكيل الأزهر: الربط بين التنمية المستدامة والاقتصاد الأخضر ليس غريبا على الفكر الإسلامي

مقالات مشابهة

  • وكيل الأزهر يؤكد شمولية الإسلام لعلوم الحياة والكون
  • استقبلوه بالورود.. وزير الأوقاف يناقش رسالة ماجستير لوافد سيرلانكي بجامعة الأزهر
  • «الأزهر» يؤكد ضرورة تحري الفتوى وعدم الاستماع إلى الآراء الخارجة عن إجماع الأمة
  • وكيل الأزهر: مأساة الشعب الفلسطيني‏ تحدث أمام مجتمع دولي يقف متفرجًا
  • وكيل الأزهر: مأساة الشعب الفلسطيني‏ تحدث أمام مجتمع دولي يقف متفرجًا وعاجزًا
  • وكيل الأزهر: رؤية ‏مصر 2030‏ تعكس حرص الدولة على توفير حياة كريمة للمواطنين
  • وكيل الأزهر: مأساة الشعب الفلسطيني‏ تحدث أمام مجتمع دولي يقف متفرجًا وعاجزًا عن وقف ‏معاناتهم‏
  • وكيل الأزهر: رؤيةِ ‏مصر 2030‏ تعكس حرص الدولة على توفير حياة كريمة للمواطنين
  • انتخاب إلياس البداوي عن حزب الأصالة والمعاصرة رئيسا جديدا لبلدية آسفي