بغداد- تواجه مبادرة "الحزام والطريق" الصينية انتكاسة في العراق، حيث كشفت تحقيقات صحفية عن تعطيل مفاجئ للصفقة التي أبرمتها بغداد مع بكين لإعادة إعمار البلاد. ويعكس هذا التطور التوترات المتزايدة بين المصالح الاقتصادية والجيوسياسية في العراق، حيث تتنافس قوى إقليمية ودولية على النفوذ في هذا البلد الغني بالنفط.

في مفاجأة سياسية واقتصادية كشفت شبكة "ذا دبلومات" الأميركية، في 23 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، عن تعطل مفاجئ للصفقة التي كانت ترمي إلى إعادة إعمار البنية التحتية العراقية بتمويل صيني ضخم حيث اصطدمت بمعارضة قوية من مسؤولين عراقيين أبدوا مخاوف جدية من التبعية الاقتصادية المتزايدة لبكين.

وبحسب الشبكة، أعلنت السلطات الصينية عن توقف مؤقت لها بسبب قرار عراقي، معربة عن استعدادها لتقديم تطمينات للحكومة العراقية، مما يعكس عمق الأزمة ويطرح تساؤلات حول مستقبل العلاقات الاقتصادية بين البلدين، وتأثيرها على المشهد السياسي في العراق والمنطقة.

لقاء سابق بين رئيس الوزراء العراقي الأسبق حيدر العبادي (يسار) والرئيس الصيني شي جين بينغ في بكين (رويترز) موقف محرج

يؤكد الخبير الاقتصادي ضياء المحسن أن الاتفاقية العراقية الصينية الضخمة، التي تقدر قيمتها بحوالي 10 مليارات دولار، تواجه ضغوطا أميركية قوية قد تعرقل تنفيذها.

وأوضح، في حديث مع الجزيرة نت، أن الحكومة العراقية كانت تعتبر هذه الاتفاقية حلا آمنا لإعادة إعمار البنية التحتية المتضررة، إلا أن التطورات السياسية الإقليمية والدولية، وخاصة المنافسة المتزايدة بين الولايات المتحدة والصين، وضعتها في موقف محرج.

وفي أواخر سبتمبر/أيلول 2019، وقع العراق 8 اتفاقات مع الصين خلال زيارة رئيس الوزراء المستقيل عادل عبد المهدي لبكين. وبموجبها، تعهدت عشرات الشركات الصينية بالعمل في البنى التحتية العراقية مقابل تلقي بكين 100 ألف برميل نفط يوميا.

كما تضمنت اتفاقية إطارية بين وزارة المالية العراقية وشركة الصين لتأمينات الائتمان والصادرات، تشمل مشروعات متعلقة بالطرق وشبكات السكك الحديدية والمساكن والموانئ والمستشفيات والمدارس وسدود المياه والطاقة و بناء 1000 مدرسة في العراق، مع التعهد ببحث بناء 7 آلاف مدرسة أخرى في المستقبل.

مشرفون في موقع بناء مدرسة جنوب العراق في 2022 ضمن صفقة "النفط مقابل البناء" بين بغداد وبكين (الفرنسية) المصلحة الوطنية

وحسب الخبير المحسن، يمثل التوازن الدقيق المطلوب في العلاقات العراقية مع القوتين العظمى، الولايات المتحدة والصين، تحديا كبيرا لبغداد خاصة في ظل التزاماتها الاقتصادية المتعددة، مؤكدا أنها تواجه صعوبة في اتخاذ قرار نهائي بشأن هذه الاتفاقية، حيث إن التراجع عنها قد يضر بعلاقاتها مع بكين، بينما قد يؤدي الإصرار على تنفيذها إلى زيادة التوتر مع واشنطن.

وشدد على أن المصلحة الوطنية العراقية يجب أن تكون هي الأولوية في أي قرار يتعلق بهذه الاتفاقية، وأن الحكومة يجب أن تتجنب الضغوط الخارجية وأن تعمل على تحقيق التوازن في علاقاتها الدولية.

ووفقا له، أثبتت التجارب السابقة أن العراق ليس ملزما بدفع أي غرامات في حال انسحابه من هذه الاتفاقيات، مما يمنحه هامشا أكبر من الحرية في اتخاذ قراره، محذرا من أنه قد يضطر إلى اتخاذ قرارات صعبة قد تؤثر سلبا على مستقبله الاقتصادي والسياسي إذا لم يتمكن من إيجاد حل وسط يرضي جميع الأطراف.

اتفاقية غامضة

من جانبه، يرى الخبير المالي علاء العقابي أن الاتفاقية العراقية الصينية غامضة وغير واضحة حتى بالنسبة للسياسيين المقربين من صنع القرار. ورغم مرور 5 سنوات على توقيعها، لا تزال بنودها المالية والجزائية غير معروفة بشكل دقيق، مما يفتح الباب أمام تفسيرات متعددة.

ويقول للجزيرة نت إن غياب الوضوح حول شروط الاتفاقية يعود إلى عدم وجود مستند رسمي يوضح بنودها للجمهور، مما يجعل 95% من المطلعين على الشأن الاقتصادي والمواطنين -على حد سواء- غير مدركين لمضمونها.

وأشار الخبير المالي إلى أن بعض المراقبين يرون أن الاتفاقية قد أثارت استياء الولايات المتحدة، مما أدى إلى تداعيات سياسية في العراق، مثل إسقاط حكومة عادل عبد المهدي ومظاهرات أكتوبر/تشرين الأول 2019، مؤكدا أن تعليقها لا يمكن تفسيره إلا على أنه نتيجة لضغوط أميركية، خصوصا أن بغداد تمتلك قدرات كبيرة لتزويد الصين بالنفط.

وحسب العقابي، لعبت الأحداث الإقليمية الأخيرة دورا في هذا القرار حيث سعت الحكومة العراقية لتجنب مواجهة واشنطن، معتبرا أن "النفوذ الأميركي في العراق كبير وأن أي حكومة تحتاج إلى موافقة واشنطن لاتخاذ قرارات مهمة في السياسة الخارجية وحتى الداخلية"، وفق تصريحه.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات فی العراق

إقرأ أيضاً:

شبكة تكشف مصير الصفقة الصينية.. تم تعطيلها من قبل مسؤولين عراقيين

بغداد اليوم - ترجمة

كشفت شبكة "ذا دبلومات" في تقرير نشرته، اليوم السبت (23 تشرين الثاني 2024)، عن مصير ما يعرف باسم "الصفقة الصينية" التابعة لمبادرة الحزام والطريق التي أطلقتها الصين للاستثمار في افريقيا والشرق الأوسط، مؤكدة أن الصفقة "تم تعطيلها عمدا" من طرف مسؤولين عراقيين محليين. 

وأوضحت الشبكة بحسب ما ترجمت "بغداد اليوم"، أن بعض المسؤولين المتنفذين في الحكومة العراقية، باتوا ينظرون بنظرة "قلق" لتزايد النفوذ الصيني داخل العراق الى مستويات غير مسبوقة، مؤكدة أن "بعض المسؤولين العراقيين قلقون من زيادة الاعتماد على الاستثمارات الأجنبية لإنشاء البنى التحتية العراقية، الامر الذي يضعف من قدرة العراق على اتخاذ قراراته الاستراتيجية". 

وتابعت: "الحكومة العراقية تحاول كباقي دول الشرق الأوسط، الحفاظ على توازن صعب في علاقاتها مع الغرب والشرق بالإضافة للحفاظ على قدرتها على اتخاذ قراراتها الاستراتيجية بسيادة تامة، الأمر الذي قد يتعارض مع وجود نفوذ اجنبي كبير على قطاع البنى التحتية العراقي داخليا"، بحسب وصفها. 

الشبكة أكدت أيضا، أن الولايات المتحدة الامريكية تنظر كذلك بنظرة "قلق" أخرى الى تزايد النفوذ الصيني في العراق، موضحة أن الولايات المتحدة انفقت نحو 90 مليار دولار على العراق منذ عام 2003، وتملك بذلك نفوذا كبيرا على القرار الاستراتيجي العراقي وبالتالي تعارض تزايد النفوذ الصيني داخل العراق الذي يعد منافسا لنفوذها". 

وأشارت "ذا دبلومات"، الى أن الصفقة الصينية التي عقدت في عام 2019، تضمنت قيام الصين بإعادة إعمار البنى التحتية في العراق باستثمار تصل قيمته الى 10 مليار دولار امريكي، وفي المقابل تلتزم الحكومة العراقية بمنح الصين 100 الف برميل نفطي يوميا مجانا لمدة عشرين عاما، الأمر الذي يراه بعض القادة المحليين في العراق، اعتمادا كبيرا من البلاد على الصين لتنفيذ وتشغيل مشاريع البنى التحتية، الامر الذي يقود الى منح الصين نفوذا على القرار الاستراتيجي العراقي، على حد قولها.

يشار إلى أن مسؤولين صينيين اكدوا للشبكة "توقف" العمل بالصفقة بشكل مؤقت، نتيجة لموقف المسؤولين العراقيين، حيث اكد بعضهم ان الصين ستحاول "تقديم تطمينات" للحكومة العراقية خلال الفترة المقبلة للشروع بتنفيذ الصفقة التي وصفتها الشبكة بــ "المثيرة للجدل" في العراق.

مقالات مشابهة

  • النفط مقابل الإعمار.. التطور الجيوسياسي يعلق اتفاق العراق الطموح
  • العراق رابعاً بين اكبر البلدان المصدرة للنفط الى الصين 
  • خبراء: التنمية المحلية قدمت تسهيلات لإنجاز ملفات «التقنين والتصالح في المخالفات»
  • لماذا أوقف العراق صفقة بقيمة 10 مليارات دولار مع الصين؟
  • كشف مصير الصفقة الصينية في العراق.. تم تعطيلها من قبل هذه الجهة
  • شبكة تكشف مصير الصفقة الصينية.. تم تعطيلها من قبل مسؤولين عراقيين
  • مركز شحن سري يغذي الصين بالنفط الإيراني
  • وفق الاتفاقية الصينية.. العراق يدشن 790 مدرسة نموذجية
  • الحكومة العراقية تبدأ إجراءات لمنع “تهريب” النفط من كردستان