ماذا سيحدث لو ابتلع المحيط أميركا؟
تاريخ النشر: 25th, November 2024 GMT
ماذا سيحدث للعالم إذا استيقظ ذات صباح، فوجد الولايات المتحدة وقد ابتلعها البحر؟ لا شك في أن هذا ما تتمناه كل أمة/ دولة تضررت من التدخل الأميركي في شؤونها، والعالم العربي على رأس هذه الأمم بطبيعة الحال.
بيد أن السؤال "ماذا لو اختفت أميركا؟" لم يُطرح يومًا ما على العقل العربي ليستفز فيه الجانب الموضوعي في المسألة، فالعرب جزء من العالم الذي لا نعرف ماذا سيحل به حال انسحبت الولايات المتحدة إلى ما وراء المحيط، وتركت العالم لمصير "ما بعد أميركا".
وفي حين غاب السؤال تمامًا عن المنطقة التي تكتظ بالحضور العسكري الأميركي وتتأذى يوميًا من اعتداءات حليفها التوسعي ـ إسرائيل ـ عليها، فإنه شغل العقل الأميركي وبإلحاح منذ السنة الأولى من حكم الرئيس أوباما.
ففي نهاية 2009، كان الخبراء يتحدثون فعلًا عن "عالم ما بعد أميركا"، بعد تسجيل نقاط تراجع بالتزامن مع صعود قوى إقليمية بديلة ومحتملة، لها ذات أشواق وأحلام الولايات المتحدة الأميركية.
وبعدها بست سنوات، انتقل السؤال من الهامش إلى متن الجدل العام الأميركي، وفي الأثناء صدر كتاب "استثنائي: لماذا يحتاج العالم إلى أميركا القوية" (Exceptional: Why the World Needs a Powerful America)، وذلك في يوليو/ تموز من عام 2015، ألفه ديك تشيني، الذي شغل منصب نائب الرئيس الثالث والأربعين للولايات المتحدة من عام 2001 إلى عام 2009، وابنته ليز تشيني، وهي مسؤولة سابقة في وزارة الخارجية الأميركية.
وصفت الكتاب، في ذلك الوقت نيويورك تايمز (The New York Times) بـ"الأكثر مبيعًا"، وخلَّف صخبًا واسع النطاق في غالبية المنصات الإعلامية الأميركية، على اتساعها وتنوعها.
فبعد عرض ومناقشة قضية "الاستثنائية الأميركية" في الكتاب، يقول تشيني: نحن كما قال لينكولن، "آخر وأفضل أمل للأرض"، ويزعمون أن أميركا ليست أكثر من مجرد "كيان آخر لا يمكن تمييزه على المسرح العالمي"، بل إن الولايات المتحدة "كانت ضرورية للحفاظ على الحرية وتقدمها، ويجب على أولئك الذين يقودوننا في السنوات القادمة أن يذكّرونا، كما فعل روزفلت وكينيدي وريغان، بالدور الخاص الذي نلعبه". ويخلص المؤلفان ـ تشيني وابنته ـ إلى: "نحن في الواقع استثنائيون".
انتقد تشيني في الكتاب تخلي أوباما ـ أثناء رئاسته ـ عن قيادة أميركا للعالم، وتأصيله لمبدأ استخذائي "القيادة من الخلف"، ويشرح الكتاب تفصيلًا كيف خالف الرئيس أوباما بشكل جذري الإجماع الحزبي في السياسة الخارجية الذي مكَّن أميركا من الانتصار في الحرب العالمية الثانية، والفوز في الحرب الباردة، والانتصار في العقد الأول من الحرب ضد الإرهاب.
وأشار تشيني وابنته ـ بحسب زعمهما ـ إلى الضرر الذي أحدثته سياسات الرئيس أوباما، ويبينان كيف أدى عدم رغبته في الدفاع عن القوة الأميركية وحمايتها إلى إضعاف الأمة وتقليص قدرة الرؤساء المستقبليين على الدفاع عنها.
ويعتقد خبراء أميركيون أن أميركا ـ تاريخيًا ـ تأسَّست صراحة على فكرة "الفرار" من الدول المتحاربة في أوروبا بكل ما فيها من نقاط ضعف وسفك للدماء، من أجل إقامة "مدينة على التل" بعيدًا عن القارة العجوز.
ورغم أنها لم تكن "محايدة" تمامًا، فإنها كانت قادرة ـ إلى حد كبير ـ على البقاء بعيدًا عن الشؤون الأوروبية الأساسية.
وترى تلك المقاربات أن الانعزالية التي سادت في عشرينيات القرن العشرين لم تكن تعني أن أميركا لم تعد قوة عظمى، بل كانت تعني ـ ببساطة ـ أن الحرب العالمية الثانية قد أجبرت أميركا، وخاصة قادتها، على الاعتراف بالواقع الذي برز في عام 1917، وهو انهيار النظام القديم، الذي كان من المفترض على أوروبا أن تحافظ عليه، وأنه قد انتهى تمامًا إلى الأبد، وأنها ـ أي أميركا ـ كانت قوة عظمى غائبة.
وفي غياب تلك القوة القادرة على ردع صعود الأنظمة الخطيرة أو على الأقل الحد من الصراعات، اندلعت حرب عالمية ثانية، كانت أسوأ من الأولى. وبعد الحرب العالمية الثانية لم يكن هناك أحد آخر "غير أميركا": إما أن تحافظ الولايات المتحدة على السلام، حتى لو كان سلامًا باهظ الثمن ومضرًا بالأخلاق، أو أن يحدث ما لا يمكن تصوره مرة أخرى.
يقول آفي وولف في مقال له على ذا ديسباتش (The Dispatch): إنه لا يمكن لأميركا أن تكون سويسرا، للسبب البسيط المتمثل في أن سويسرا لن تكون قادرة على أن تكون سويسرا إذا أصبحت أميركا بطريقة أو بأخرى.
فمع القوة العظمى تأتي مسؤولية عظيمة، ملتزمة تقريبًا بالحفاظ على السلام وحماية التجارة وسلاسل التوريد، فضلًا عن العمل كمنارة للقيم الديمقراطية والغربية في أفضل حالاتها، وأنه ببساطة لا يوجد أحد آخر (غير أميركا) كما يزعم وولف.
الأسانيد التي يتكئ عليها الباحثون الأميركيون في تعزيز حججهم بأن العالم ليس بوسعه الاستغناء عن الولايات المتحدة، تستدعي ـ عادةً ـ التاريخ وتجارب انهيار القوى العظمى القديمة.
يقول روبرت كاجان ـ على سبيل المثال ـ فقد أدى سقوط الإمبراطورية الرومانية إلى نهاية ليس فقط للحكم الروماني، بل وللحكومة الرومانية والقانون الروماني ونظام اقتصادي كامل يمتد من شمال أوروبا إلى شمال أفريقيا، أما الثقافة والفنون، بل وحتى التقدم في العلوم والتكنولوجيا، فقد تراجعت إلى الوراء لقرون.
وأن التاريخ الحديث سار على نفس المنوال: فبعد الحروب النابليونية في أوائل القرن التاسع عشر، وفرت السيطرة البريطانية على البحار وتوازن القوى العظمى في القارة الأوروبية قدرًا نسبيًا من الأمن والاستقرار، وزاد الرخاء، وتوسعت الحريات الشخصية، وأصبح العالم أكثر ترابطًا بفضل الثورات في التجارة والاتصالات.
ربما يصادف هذا التنظير الأميركي مسوغاتٍ من التاريخ القريب، لوضع مدونة "أخلاقية" تبرر حاجة العالم إلى أميركا الآن.. وبعد الآن، لا سيما "درس" اقتراب العالم إلى حافة الانهيار والفوضى، مع اندلاع الحرب العالمية الأولى، حيث انهار عصر السلام المستقر والليبرالية المتقدمة، ليحل محله عصر القومية المفرطة والاستبداد والكوارث الاقتصادية، وتوقف انتشار الديمقراطية والليبرالية الواعد، ثم انعكس مساره، تاركًا حفنة من الديمقراطيات المحاصرة تعيش في ظل جيران فاشيين وشموليين.
صحيح أن انهيار النظامين البريطاني والأوروبي في القرن العشرين لم ينتج عصرًا مظلمًا جديدًا ــ ولو كان من الممكن أن يحدث ذلك لو انتصرت ألمانيا النازية واليابان الإمبراطورية ــ لكن الصراع المروع الذي نتج عنه كان مدمرًا بنفس القدر.
ويحاول آخرون الإجابة عن قدرة القوى البديلة على تعويض انسحاب الولايات الأميركية "وترك العالم وحده بدونها"، ولاحظتُ وجود شبه إجماع على أن غياب أميركا يعني تحول الميزان لصالح الأنظمة الاستبدادية، التي ترشحها التطورات كبديل طموح: فكل من بكين وموسكو تحميان بالفعل دكتاتوريين ودمويين في بعض بلدان الشرق الأوسط، وإنهما إذا اكتسبتا نفوذًا نسبيًا أكبر في المستقبل، فسوف نشهد عددًا أقل من التحولات الديمقراطية، والمزيد من المستبدين الذين يتمسكون بالسلطة.
غير أن ثمة مناقشات أخرى ما انفكت تخفف من المخاوف التي قد يخلفها "الابتزاز الأميركي" للعالم، متوقعة أن توازنًا في عالم جديد متعدد الأقطاب قد يكون أكثر مُلاءمة للديمقراطية، إذا ما عوضت بعض الديمقراطيات الصاعدة – البرازيل والهند وتركيا وجنوب أفريقيا – الفارق الذي قد تخلفه الولايات المتحدة (المنسحبة أو المتدهورة).
بيد أن هذا الاتجاه ـ الأقل تشاؤمًا ـ غير واثق من هذه البدائل التي يقترحها، من خلال خطاب استدراكي يشير إلى أن كل هذه الديمقراطيات ليس لديها الرغبة أو القدرة على القيام بذلك، فضلًا عن أن هذه الدول ـ من المتوقع حتمًا ـ قد لا تتمكن من مساعدة نفسها، وذلك لأن إنشاءَ نظام اقتصادي ليبرالي وبقاءَه كان يعتمد ـ تاريخيًا ـ على القوى العظمى الراغبة والقادرة على دعم التجارة المفتوحة والأسواق الحرة، وغالبًا بالقوة البحرية.
وإذا كانت أميركا "المتدهورة عاجزة" عن الحفاظ على هيمنتها التي دامت طويلًا على أعالي البحار، فهل تتحمل دول أخرى أعباء وتكاليف دعم القوات البحرية لسد الفجوات؟ ويضيف البعض إلى تلك المقاربات الحكمة القائلة: إن الفكرة الأفضل يجب ألا تفوز لمجرد أنها فكرة أفضل، بل إنها تتطلب من القوى العظمى أن تدافع عنها.
التنظير الأميركي لاستحالة أن يعيش العالم بدون أميركا، يحاول عقلنة بروباغندا "أميركا التي يحتاجها الجميع"، بالمرور فوق أرضية صلبة من التاريخ، وغياب البدائل المؤهلة للزعامة منفردة، واستحالة الاعتماد على نظام تعددي يقوم بدور "الشرطة الجماعية" لحفظ النظام الدولي من الانهيار.
وامتدادًا لهذه المقاربة، يُعتقد أنه إذا ما تراجعت القوة الأميركية، فسوف تتراجع أيضًا المؤسسات والمعايير التي دعمتها القوة الأميركية، أو على الأرجح، إذا كان التاريخ دليلًا، فقد تنهار تمامًا مع انتقالنا إلى نوع آخر من النظام العالمي، أو إلى الفوضى.
وقد نكتشف ـ حينئذ ـ أن الولايات المتحدة كانت ضروريةً للحفاظ على النظام العالمي الحالي، وأن البديل للقوة الأميركية لم يكن السلام والوئام بل الفوضى والكوارث، وهو ما كان عليه العالم قبل ظهور النظام الأميركي مباشرة، كما يزعم روبرت كاجان.
ويبدو لي أنَّ هذه الفرضية هي المرجحةُ حتى الآن، بيد أنَّ ما يدعو إلى القلق هو "العشم" العربي الزائد في البدائل التي تعوزها شروط القيام بدور "شرطي العالم" وحسن الظن العربي بها، بوصفها قوى قد تكون "رحيمة" ـ أو أكثر رحمةً ـ من الولايات المتحدة الأميركية، رغم أن تلك ، وليس بوسع أحد أن يقدم للعرب "شهادة ضمان" منها، تكفل وداعتها "وحنانها"، حال استفردت بالعالم مجددًا.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الولایات المتحدة الحرب العالمیة القوى العظمى تمام ا
إقرأ أيضاً:
قانون مكافحة أعداء أميركا أداة لفرض الهيمنة على العالم
قانون مكافحة أعداء أميركا يعرف اختصارا باسم "كاتسا"، وهو أداة سياسية تهدف إلى فرض العقوبات الاقتصادية والدبلوماسية على الدول والكيانات التي تعتبرها الولايات المتحدة خطرا على أمنها القومي ومصالحها الإستراتيجية، وبموجبه تُمنع الشركات الأميركية من التعامل مع الكيانات الخاضعة للعقوبات.
يفرض القانون ضغوطا اقتصادية وسياسية على هذه الدول، بعقوبات صارمة تستهدف الجهات المتعاملة معها، مما يجعله إحدى أقوى الأدوات التي تستخدمها أميركا لمحاصرة خصومها الدوليين.
ويحدد القانون 12 نوعا من العقوبات التي يجب تفعيل ما لا يقل عن 5 منها على الأقل ضد البلدان المستهدفة، كما يمنح السلطات الأميركية صلاحية معاقبة الأطراف التي تدخل في معاملات كبيرة مع هذه الدول.
تشريع القانونفي يونيو/حزيران 2017، صوت مجلس الشيوخ الأميركي بأغلبية 98 صوتا لصالح مشروع القانون مقابل صوتين ضده، وكان تعديلا على قانون العقوبات المفروض على إيران.
وبعد موافقة الكونغرس، وقّع الرئيس دونالد ترامب على القانون، ودخل حيز التنفيذ رسميا في أغسطس/آب 2017، وكان يهدف إلى مواجهة التهديدات الخارجية التي تعتبرها الولايات المتحدة خطرا على أمنها القومي ومصالحها الإستراتيجية.
استند القانون إلى مقترح قدّمه أعضاء من الحزبين بمجلس الشيوخ في يناير/كانون الثاني 2017، ردا على استمرار التدخل الروسي في أوكرانيا وسوريا، فضلا عن مزاعم تدخلها في الانتخابات الأميركية لعام 2016.
ويهدف القانون إلى تحويل العقوبات المفروضة سابقا بأوامر تنفيذية رئاسية إلى تشريع مُلزم، كما شمل أحكام "قانون مواجهة النفوذ الروسي في أوروبا وأوراسيا"، الذي طرحه السيناتور بن كاردين في مايو/أيار 2017.
إعلان تداعيات سَن القانونجاء قانون مواجهة أعداء أميركا بالعقوبات نتيجة عدد من الأحداث التي كانت لها تداعيات جيوسياسية واسعة، أبرزها التهديدات المرتبطة بإيران وروسيا وكوريا الشمالية.
وأحد الدوافع الرئيسية وراء سن القانون، كان برنامج الصواريخ النووية الإيراني، إذ ترى الولايات المتحدة، أن أي تقدم في هذا البرنامج قد يؤدي إلى زعزعة استقرار منطقة الشرق الأوسط، خاصة في ظل التهديدات المتكررة التي أطلقتها إيران ضد إسرائيل.
وبموجب القانون، يمتلك الرئيس الأميركي سلطة فرض عقوبات على أي جهة يثبت تورطها في بيع أو نقل التكنولوجيا العسكرية إلى إيران.
كما استهدف القانون الحد من النفوذ الروسي، إذ كان للتحركات السياسية الروسية دور أساسي في فرض العقوبات. ووفقا للقانون يمكن للولايات المتحدة فرض عقوبات على روسيا إذا تورطت، هي أو أفراد تابعون لها في أنشطة تشمل الأمن السيبراني ومشاريع النفط الخام والمؤسسات المالية والفساد وانتهاكات حقوق الإنسان وغيرها من المجالات التي تؤثر على الاستقرار الدولي.
أما فيما يخص كوريا الشمالية، فقد جاء القانون باعتباره إجراء رادعا لمواجهة برنامجها النووي وأسلحة الدمار الشامل.
قائمة العقوبات المحتملة عقوبات على الائتمان أو المساعدات من بنك الاستيراد والتصدير الأميركي. عقوبات على صادرات السلع والخدمات الأميركية. عقوبات على القروض الكبيرة من المؤسسات المالية الأميركية. السعي إلى حجب قروض من مؤسسات مالية عالمية تشمل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي. عقوبات على المؤسسات المالية التي تحوز صناديق حكومية أميركية أو تقوم بدور متعامل أميركي رئيسي. عقوبات على مشتريات أميركية من السلع أو الخدمات. عقوبات على أي معاملات نقد أجنبي خاضعة للقانون الأميركي. عقوبات على أي مدفوعات أو تحويلات مصرفية خاضعة للقانون الأميركي. عقوبات على أي معاملات مرتبطة بالعقارات. عقوبات على أي استثمارات في أدوات الدين أو الأسهم الأميركية. رفض منح تأشيرات سفر موظفي الشركات ذوي الصلة بالكيان أو الشخص المستهدف بالعقوبات. عقوبات على المسؤولين التنفيذيين الرئيسيين الذين لهم صلة بالكيان أو الشخص المستهدف بالعقوبات. إعلان العقوبات المفروضة على روسياتُعتبر عقوبات قانون "كاتسا" على روسيا واحدة من أكثر الأدوات التي استخدمتها الولايات المتحدة للحد من نفوذ موسكو اقتصاديا وسياسيا وعسكريا.
لم يقتصر تأثير هذه العقوبات على الاقتصاد الروسي فحسب، بل امتد أيضا إلى الشركات والدول الأخرى التي تتعامل مع روسيا، مما أدى إلى تضييق الخناق على الأنشطة التجارية والاستثمارية المرتبطة بها.
بموجب قانون "كاتسا"، تَوسع نطاق العقوبات المفروضة سابقا على الشركات والأفراد المتعاملين مع روسيا، وفرض عقوبات إلزامية جديدة على الشركات والأفراد الذين يدعمون موسكو في قطاعات حساسة. إضافة إلى تشديد القيود على قدرة الرئيس الأميركي على تخفيف العقوبات دون موافقة الكونغرس.
وحظر قانون "كاتسا" على الشركات الأميركية تقديم أي دعم تقني أو تكنولوجي لمشاريع النفط الروسية الجديدة، بما فيها عمليات التنقيب في القطب الشمالي والنفط الصخري.
وفرض قيودا صارمة على منح القروض أو التمويل طويل الأجل لشركات الطاقة الروسية والبنوك الكبرى، للتقليل من فرص موسكو في الحصول على استثمارات مالية أميركية.
كما منع الأميركيين من إجراء تعاملات مالية مباشرة مع المؤسسات الروسية الخاضعة للعقوبات، بهدف الحد من قدرة روسيا على الوصول إلى الأسواق المالية العالمية.
أسهمت هذه العقوبات في إضعاف الاقتصاد الروسي وتقليل قدرته على تطوير مشاريعه النفطية والتكنولوجية، كما أدت إلى تقليص حجم الاستثمارات الأجنبية في روسيا، إضافة إلى حدها من قدرة المؤسسات الروسية على التعامل مع الأسواق الدولية.
العقوبات المفروضة على إيرانفُرضت العقوبات على إيران بموجب قانون "كاتسا" بهدف الحد من أنشطتها التي تعتبرها الولايات المتحدة تهديدا للاستقرار الإقليمي والدولي. ويركز القسم المتعلق بإيران، المعروف باسم قانون مواجهة الأنشطة الإيرانية المزعزعة للاستقرار (سي أي دي أيه أيه)، على تصعيد الضغوط على الحرس الثوري الإيراني ومنع إيران من امتلاك الأسلحة.
إعلانومن إحدى أبرز العقوبات المفروضة بموجب القانون المذكور استهداف الحرس الثوري الإيراني، وجميع المسؤولين والوكلاء التابعين له. وتأتي هذه العقوبات بناء على اتهام الولايات المتحدة هؤلاء بدعم "الإرهاب الدولي"، مما يجعل تعاملاتهم المالية والتجارية محفوفة بالمخاطر القانونية والاقتصادية، سواء داخل الولايات المتحدة أو خارجها.
إضافة إلى ذلك، يفرض القانون عقوبات على أي طرف يشارك في بيع أو نقل الأسلحة إلى إيران، وذلك في محاولة لمنعها من تطوير قدراتها العسكرية. يتماشى هذا الإجراء مع العقوبات التي سبق أن فرضها مجلس الأمن الدولي، لكنه يضيف المزيد من الضغط الاقتصادي والدبلوماسي.
العقوبات المفروضة على كوريا الشماليةاستند قانون "كاتسا" في عقوباته على كوريا الشمالية إلى قانون تعزيز العقوبات والسياسات عليها لعام 2016، وشملت عقوبات "كاتسا" فرض تدابير إلزامية على الأفراد والكيانات المتورطة في أنشطة منها:
تصدير أو استيراد الأسلحة والخدمات الدفاعية من وإلى كوريا الشمالية. شراء أو الحصول على كميات كبيرة من المعادن، مثل الذهب والتيتانيوم والنحاس والفضة والنيكل والزنك والمعادن النادرة من كوريا الشمالية. بيع أو نقل كميات كبيرة من الوقود الصاروخي أو وقود الطائرات لكوريا الشمالية، باستثناء الرحلات المدنية المصرح بها. تقديم خدمات لوجستية، مثل التزود بالوقود للسفن والطائرات المرتبطة بأنشطة كوريا الشمالية المحظورة. توفير التأمين أو تسجيل السفن التابعة لحكومة كوريا الشمالية. إدارة حسابات مالية لصالح مؤسسات مالية كورية شمالية محظورة.إضافة إلى ذلك، فرض قانون كاتسا عقوبات على الجهات الأجنبية التي توظف عمالا كوريين شماليين، ما لم تُدفع أجورهم مباشرة لهم، دون تحويل الأموال إلى حكومة كوريا الشمالية، ودون انتهاك معايير العمل الدولية.
العقوبات على تركيافي عام 2019، تصاعدت التوترات بين أنقرة وواشنطن بسبب شراء تركيا منظومة الدفاع الجوي الروسية "إس-400" من روسيا، مما دفع الولايات المتحدة إلى فرض عقوبات على أنقرة بموجب قانون كاتسا. وكانت هذه المرة الأولى التي تُفرض فيها عقوبات وفقا لهذا القانون على دولة عضو في حلف شمال الأطلسي (الناتو).
إعلانمن هذه العقوبات حظرُ إصدار تراخيص التصدير الأميركية لمجمع الصناعات الدفاعية التركي، ومنع نقل أي سلع وتقنيات، إلى جانب منع منح القروض من المؤسسات المالية الأميركية، ومنع تقديم أي دعم من بنك الاستيراد والتصدير الأميركي.