خوارزميّات توظيف لا ترى النّساء
تاريخ النشر: 25th, November 2024 GMT
يسلط التقرير الضوء على وجود تمييز على أساس النوع، لدى خوارزميات أدوات الذكاء الاصطناعي المُعدة لفحص السير الذاتية، عند اختيار الموظفين/ات؛ ما يقلل فرص النساء في الحصول على الوظائف مقارنة بالرجال.
متفائلة على الدوام، تواصل منّة فتحي رحلتها في البحث عن وظيفة مناسبة؛ فمهما كانت المتاعب في سبيل تحقيق ذلك، تعتقد منّة أن التطبيقات الذكية تُعزّز من فرصها في التقديم والمنافسة على الوظائف المتاحة.
في الوقت ذاته، تفصح منّة عن معاناتها منذ فترة، في رحلة البحث عن وظيفة: « قدمت في 75 وظيفة، ولم يتصل بي أحد ولا أعلم السبب، كلها تذهب في ثقب أسود ».
منّة ليست حالة وحيدة، فمثلها كثيرون؛ إذ يعتقد 88 في المئة من أصحاب العمل أنهم يخسرون المرشحين ذوي المؤهلات العالية الذين يُستبعدون من عمليات التوظيف بواسطة « ATS »؛ لأنّ المرشحين لا يقدمون سِيَراً ذاتية « متوافقة مع معايير البرنامج وكلماته المفتاحية المُبرمَجة ». ولذلك تُرفض 75 في المئة من السِّير الذاتية وتُحذف من قاعدة البيانات، ولا تُعرض مطلقاً على فريق التوظيف.
المفاجآت تتوالى
رغم معرفة رواد الأعمال بخسارتهم أفضل المرشحين، فإن 70 في المئة من الشركات الكبرى، و20 في المئة من الشركات الصغيرة والمتوسطة، و75 في المئة من مسؤولي التوظيف، يستخدمون حالياً برامج « ATS »، أو أيّ أداة توظيف أخرى تعمل بالذكاء الاصطناعي لمراجعة طلبات المتقدمين.
وبعيداً عن دهشة الجمهور لاعتقادهم أن التكنولوجيا صديقة للبشر، فإنّ برامج فحص طلبات التوظيف « ATS » تعتمد على ما تُزوَّد به من معلومات، فالتحدي لم يعد في أتمتة الوظائف، أو توفير النفقات؛ فكل مَن لم يتمّ تمثيله تمثيلاً دقيقاً وعادلاً داخل البيانات الضخمة، لن يستطيع الذكاء الاصطناعي معاملته بشكل حيادي لأنه « غير موجود » بالنسبة لنموذج البرمجة، والمعايير المسبقة الخاصة بتصنيفات الخوارزميات.
أجرت البروفيسورة إليزابيث كيلان، أستاذة القيادة والتنظيم بكلية إسيكس للأعمال، ومديرة مركز كرانفيلد الدولي، مقابلات مع 69 خبيراً من مطوري الذكاء الاصطناعي؛ لمعرفة موقفهم من استخدام التكنولوجيا في العمل، بما في ذلك التوظيف، ليكشف الخبراء عن أن أنظمة الذكاء الاصطناعي يمكنها أن تخلق تحيزاً خوارزمياً ضد المرأة، من خلال تخفيض تلقائي لرتبة المتقدمات من النساء، بسبب تدريبه مسبقاً على سِيَر ذاتية لم تتضمن النساء، حيث يتم التعلم الآلي من خلال التعرف على الأنماط السابقة، ومن ثم التّنبؤ بالأنماط الحالية والمستقبلية.
فالخوارزميات -في حد ذاتها- ليست متحيزة، ولكن نسبة تمثيل الرجال في البيانات المُدخلة تبلغ نحو 90 في المئة، وبالتالي تصبح النساء غير مرئيات للبرنامج.
نحن مَن يُعلّم الذكاء الاصطناعييؤكد المهندس أحمد عوض، خبير الذكاء الاصطناعي وتطوير برامج التعلم الآلي، وجود تحيز أثناء فرز السير الذاتية، يحدث عند تدريب النموذج من خلال مجموعة البيانات المُدخَلة، التي قد لا تحتوي على معلومات متساوية لكلا الجنسين، أو حتى تعطي تفاصيل أكثر أو أقل عن مجموعة دون أخرى، وبالتالي عندما تبدأ عملية التعلم الآلي، وتحليل الأنماط، والبحث عن السمات المشتركة؛ تصبح التنبؤات ضعيفة لفئة ما وأقوى بالنسبة للفئة الأخرى .
ويوضح عوض أن للتحيز أشكالاً متعددة، فربما يعطي الأولوية لجنس، أو فئة عمرية، أو عرق معين، فهذا لا يعني أن البيانات غير صحيحة، ولكنها غير متساوية لتتبع السرديات التي يغذيها القائمون على تدريب نموذج البرنامج.
وللتقريب، فإنه إذا ما غُذّيت بيانات البرنامج بأن الرجل هو من يمتلك شارباً (مثلاً)، فكل من لا يمتلك شارباً فهو من الفئة الأخرى! ويضخم الذكاء الاصطناعي التحيزات الموجودة بسبب التكرار، لأنه يستمد نماذج اللغة وموادها من المعلومات المنشورة بالفعل.
ويشير المهندس معتز عثمان، خبير تطوير البرامج الرقمية بشركة جو ميديا، إلى إمكانية الكشف عن التمييز أو التحيز المحتمل في أنظمة الذكاء الاصطناعي و »ATS »، باستخدام تقنيات ومنهجيات التدقيق الخوارزمي لتحليل مخرجات النظام، وللتحقق من وجود تباينات غير مبررة بين الفئات المختلفة .
العدالة الجندرية
ويتفق دكتور محمود خالد، الخبير التقني والمحاضر بكلية تكنولوجيا المعلومات بجامعة سيناء، بأن دقة هذه الأنظمة تعتمد على جودة وتنوع البيانات وتنظيفها من التحيزات، بسبب التغذية الراجعة للبشر. ولذلك لابد من دعم التشريعات واللوائح لضمان العدالة الجندرية في استخدام التكنولوجيا، إضافة إلى ضرورة توعية وتدريب الموظفين على كيفية التعامل مع برامج الفحص وتقييم البرامج بشكل مستمر .
ومن واقع أحد مشاريع تطوير وتدريب برامج الذكاء الاصطناعي، تقول تسنيم قورة، المتخصصة في برامج تحليل البيانات بمنحة ALX بإفريقيا، إن سيطرة الرجال على القوى العاملة، تعدّ من الأمثلة الواضحة على وجود التحيزات. فمن دون قصد، تُستخدم كلمات مباشرة بصيغة المذكر، لا تركز على المشاعر ولا تراعي الجوانب الإنسانية، وهي سمات تخص المجتمع الذكوري، ومن ثمّ تُدَّرب البرامج عليها، ناهيك عن تفضيلات المطورين والمراجعين.
وتقترح قورة استحداث مهنة التدقيق والمراجعة الأخلاقية من بعد مطوري ومدربي الذكاء الاصطناعي، كإجراء للتخفيف من التحيز والتمييز، لضمان التعامل بمسؤولية وعدالة في التطرق للموضوعات كافة وبشكل متساوٍ، مثلما يحدث في قضية برامج النسخ العربية، بسبب الاعتماد على المصادر الأجنبية.
إننا مكشوفون أمامهم
تضيف تسنيم قورة، المتخصصة في برامج تحليل البيانات بمنحة ALX بإفريقيا، أنه ليس هناك ما يسمى بـ « الصدفة »، و »الحظّ » في عالم الإنترنت، فالخوارزميات تتبعك في كل مكان لتسجل تفضيلاتك، بل وتتنبأ برغباتك وتفاعلاتك .
وبالرجوع لمتخصصي تحسين محركات البحث، أوضح عبد الحسيب طارق، مشتري وسائل إعلام (Media Buyer) ()، أن منصات مثل لينكدإن تقدم خيارات استهداف تفصيلية تسمح للمعلنين بالوصول إلى شبكة احترافية، والاستفادة من بيانات المستخدمين الدقيقة؛ لضمان وصول الإعلان عن الوظيفة إلى الفئة المستهدفة من المهنيين .
ويشير طارق إلى أن الخوارزميات قد تؤدي دوراً مهماً في تقديم إعلانات الوظائف، أو انحرافها حسب الجنس أو العرق، بسبب التحسين الخوارزمي الخفي الخاص بالمنصات، والذي يعمل دون الرجوع لموافقة المعلنين. ويتمّ اختيار شرائح الجمهور طبقا لشخصية المعلن، وتحليل بيانات السوق والمنافسين.
معوقات إضافية للمرأة
ووفقاً لليونسكو، فإن النساء أقل بنسبة 25 في المئة من الرجال في معرفة كيفية الاستفادة من التكنولوجيا الرقمية، 12 في المئة فقط من الباحثين في مجال الذكاء الاصطناعي، وستة في المئة من مطوري البرمجيات هم من النساء. فعندما يتعلق الأمر بالأدوار الفنية الخاصة بعلوم الكمبيوتر والبرمجة وعلوم البيانات وهندسة البرمجيات؛ يشغل الرجال 75 في المئة من الوظائف.
لا تزال منّة تحاول الحصول على وظيفة قائلة: « ربما ارتكبت خطأً ما في السيرة الذاتية، فليس لديّ تجربة سلبية أو حتى إيجابية لأرويها، فكل شيء ينتهي عند حدود التقديم »، ولكنها ستكمل السعي للحصول على فرصة يوماً ما.
هذا التقرير أنجز بدعم من « أريج »
المصدر: اليوم 24
كلمات دلالية: الذکاء الاصطناعی فی المئة من
إقرأ أيضاً:
بيل غيتس يكشف عن 3 مهن آمنة في عصر الذكاء الاصطناعي
يشهد العالم اليوم تسارعًا غير مسبوق في تقدم الذكاء الاصطناعي، مما يفتح أمام الصناعات فرصًا جديدة بينما يثير في الوقت نفسه مخاوف بشأن تأثيره على سوق العمل.
العديد من الناس يعبرون عن قلقهم من أن الذكاء الاصطناعي سيؤدي إلى استبدال العديد من الوظائف، مما سيسبب تحولات كبيرة في هيكل سوق العمل العالمي.
وفقاً لموقع "THE TIMES OF INDIA"، أعرب بيل غيتس، الملياردير ورائد الأعمال التكنولوجي، عن رأيه في هذا الجدل المتزايد، محذرًا من أن الذكاء الاصطناعي سيؤدي إلى جعل العديد من الوظائف قديمة خلال السنوات المقبلة.
ومع ذلك، أشار غيتس إلى ثلاث مهن تبقى، حتى الآن، محصنة نسبيًا من الأتمتة التي يدفعها الذكاء الاصطناعي. هذه المجالات، وهي البرمجة، إدارة الطاقة، وعلم الأحياء، تتطلب مهارات إنسانية فريدة مثل القدرة على حل المشكلات، الإبداع، والقدرة على التكيف، وهي مهارات لا يستطيع الذكاء الاصطناعي تقليدها بشكل كامل.
ثلاث وظائف لا يمكن للذكاء الاصطناعي استبدالها وفقًا لبيل غيتس:
المبرمجون: مهندسو الذكاء الاصطناعي
يرى بيل غيتس أن مهنة البرمجة تعد من المهن التي لا تزال في مأمن نسبيًا من التهديدات التي يشكلها الذكاء الاصطناعي. ورغم أن الذكاء الاصطناعي قادر على المساعدة في بعض المهام البسيطة مثل كتابة الأكواد أو تصحيح الأخطاء، إلا أن تطوير البرمجيات يتطلب مهارات معقدة في حل المشكلات، بالإضافة إلى الإبداع وفهم عميق لاحتياجات البشر.
اقرأ أيضاً.. "آخر اختبار للبشرية".. التحدي الأخير أمام الذكاء الاصطناعي لاجتياز قدرات البشر
أخبار ذات صلة
المبرمجون هم من يبتكرون ويصممون الأنظمة التي يعتمد عليها الذكاء الاصطناعي نفسه، وهي مهمة تتطلب أكثر من مجرد قدرات تقنية، بل تتطلب أيضًا فهماً دقيقًا للبيئات المعقدة التي يصعب على الآلات التعامل معها بمفردها.
إدارة الطاقة: قيادة مستقبل الاستدامة
المجال الآخر الذي ذكره غيتس هو إدارة الطاقة. مع التحولات العالمية نحو الطاقة المستدامة، تظل الحاجة إلى الإشراف البشري أمرًا بالغ الأهمية.
يستطيع الذكاء الاصطناعي تحسين استهلاك الطاقة، التنبؤ بالطلب، وإدارة الموارد، لكنه لا يستطيع تفسير البيانات المعقدة واتخاذ القرارات الأخلاقية حول استدامة الطاقة.
إضافة إلى ذلك، يلعب الخبراء البشريون دورًا أساسيًا في التعامل مع السياسات التنظيمية والبيئة القانونية المتعلقة بالطاقة، وهي جوانب تتطلب مهارات تفاوض واتخاذ قرارات بشرية لا يمكن للذكاء الاصطناعي محاكاتها.
علم الأحياء: التحديات الإنسانية في الأنظمة البيولوجية
أخيرًا، يسلط غيتس الضوء على مجال علم الأحياء، الذي لا يزال يتطلب المهارات الإنسانية بشكل كبير. رغم أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يساهم في تحليل البيانات البيولوجية الضخمة، محاكاة العمليات البيولوجية، واقتراح العلاجات الطبية، إلا أن إدارة وتعقيد الكائنات الحية، سواء في علم الوراثة أو الطب أو البيئة، يحتاج إلى حدس بشري وفهم دقيق للمواقف التي تتسم بالتحولات المستمرة.
بالإضافة إلى ذلك، يتطلب التعامل مع القضايا الصحية والبيئية اتخاذ قرارات معقدة لا يستطيع الذكاء الاصطناعي اتخاذها بمفرده.
اقرأ أيضاً.. عصر جديد يبدأ.. "كيرال" أول نموذج للذكاء الاصطناعي يقرأ العقل
يؤكد غيتس أن الذكاء الاصطناعي سيغير بلا شك ملامح سوق العمل في المستقبل، لكنه يشير إلى أن هناك مجالات وظيفية تظل بحاجة إلى المهارات البشرية الأساسية مثل الإبداع، التفكير النقدي، والقدرة على التكيف.
حتى في المجالات التي يتطور فيها الذكاء الاصطناعي بسرعة، ستظل الحاجة إلى التدخل والإشراف البشري أمرًا حيويًا في المستقبل القريب.
إسلام العبادي(أبوظبي)