جريدة الرؤية العمانية:
2024-09-17@02:30:28 GMT

كفاح امرأة

تاريخ النشر: 16th, August 2023 GMT

كفاح امرأة

 

سعيد بن عبدالله الدارودي

زُرتُ أُمَّ أحمد لأسلّم عليها واطمئن على صحتها، كانت قد نيَّفت على الثمانين عامًا، ولم تعد بذلك النشاط بسبب التقدم في السن، ولكنها ظلّت متّقدة الذهن قويَّة الذاكرة.

طالت زيارتي لها، ليس لأن الحديث ذو شجون؛ بل لأن الحديث معها كان مُمتعًا؛ فقصّة كفاحها لا تمر عليك- عند سماعها- مرور الكرام، ففي قصتها ما يُلهم ويشحذ الهمم، وفيها ما يشدُّ الانتباه وفيها ما يثير التفكر ويجلب الاتعاظ.

أخبرتني عن طفولتها، وأنها تعلَّمت القراءة والكتابة مبكرًا في "الكتاتيب" على يد المعلِّم سعيد بن سعد المهري، وكان التعليم التقليدي محصورًا في تعلم اللغة العربية وحفظ القرآن.

وأخبرتني أن أباها كان يقول عنها وهي ما زالت صغيرة مُوَجِّهًا كلامه إلى إخوتها: "غالية هي الغالية وهي العالِمة وهي المُعَلِّمة".

ذَهَبَتْ ذات مرة إلى أحد الصائغين وطلبتْ منه أن يصنع لها قُرْطين من نوع "التراكي" لترتديهما في أُذنيها فرفضَ قائلًا لها أن تذهب وتتعلم مهنة الصياغة، فغضبتْ وعاهدتْ نفسها أن تتعلم هذه الحرفة وتبزُّ الصائغين، فدخلتها بتحدٍّ، وبمرور الزمن أبدعت فيها إبداعًا مُلفِتًا.

وفي أواخر سبعينات القرن الماضي استخرجت سجلًا تجاريًا باسمها وفتحت محل صياغة الحلي النسائية في منزلها الكائن بالحيِّ القديم لمدينة طاقة، وقد بدأت بصياغة الحلي الفضية، وبعدها اتجهت إلى الذهب، وكانت تُدير هذا العمل بنفسها فتوجِّه الصاغة، وتعلمهم أحيانًا أُخرى، فصارت تاجرة للحلي الفضية والذهبية.

ولم تتوقف أم أحمد عند هذه؛ فقد توجهت إلى خياطة وتصميم الثياب النسائية وتطريزها، فعلَّمت نفسها بنفسها، وتوسَّعت فصارت تعمل "الزري" للملابس الرجالية أيضًا، وكانت تقوم بهذ المهنة في دارها دون أن تفتح لها محلًا وتستخرج سجلًا تجاريًا، وتوقفت بعد ذلك عن تطريز الثياب وصبَّت اهتمامها على صياغة الحلي الذهبية، وحينما منيت بخسارة في مهنة الصياغة باعت منزلها الذي بنته في منطقة الوادي بمدينة صلالة، وسكنت مع أبنائها في مسكن إيجار من عام 1990م إلى عام 1995م، وبعد ذلك وقفت من جديد في عالم التجارة حين اتجهت إلى مجال تزيين المرأة (الكوافير)، وكذلك أنشأت مطبعة صغيرة إلى جانب محل "الكوافير"، وكانت لا تكتفِ باستقبال النساء في المحل، بل تقصد العرائس في بيوتهن لتزيينهن، ومن ثُمَّ علّمت العديد من النسوة فن "تزيين العرائس".

كانت أم أحمد قد اشترت مركبة لابنها البكر، وكان هو من يقوم بتوصيلها وبتلبية طلباتها في شؤون أعمالها التجارية، وحينما لاحظت تذمُّره من كثرة مشاغلها ومطالبها، أقسمتْ أن تتعلم القيادة، وكان لها ذلك منذ بداية الثمانينات وتحديدًا في عام 1981م. ولم تكن قيادة النساء للسيارات أمرا شائعا في ذلك الوقت بظفار، بل إن أم أحمد تُعَدُّ ثالث امرأة تقود بنفسها سيارتها الخاصّة في الثمانينات.

بعد سنوات من سكنى الإيجار استطاعت أن تبنِ أم أحمد منزلًا في منطقة السعادة الشمالية بمدينة صلالة وسكنت فيه مع أولادها لمدة عشر سنوات، ومن ثُمَّ باعته في عام 2005م واشترت بجزء من ثمنه منزلًا من دور واحد، وبعد أن تحسَّن وضعها المالي علّته إلى دورين، ولقد ساعدها في تعليته أبناؤها الموظَّفون.

خلال العشر أعوام التي قضتها في السعادة الشمالية انتعشت أعمالها في مجال الكوافير، وفي نفس الوقت طُلِبَتْ لتسلم وظيفة حكوميّة مُسَمَّاها مُدَرِّبة حِرَف في "التنمية الاجتماعية"، فقامت بحرفية فائقة بتدريب المتدربات على عمل "المجامر" و"البخور" و"السعفيات" التي تُصنع من الخوص، والصناعات الشعبية التي تحتاج إلى الخزر.

وبسبب إجادتها لعملها الحكومي هذا وإخلاصها له، أوفدتها الجهة الرسمية التي تعمل بها إلى منطقة "ذهبون" لتعليم الفتيات بعض الحرف الشعبية خاصَّة المكاحل التقليدية التي تُصنع من عظام الإبل.

هذه سيرة مقتضبة جدًا كتبتها عن كفاح امرأة من بلادي اسمها غالية بنت علي بن محمد بن عبدالله الباص وكنيتها "أم أحمد"، سيرة امرأة زارها بعض الأجانب من أصقاع القارّات عندما سمعوا بكفاحها وعصاميتها ونجاحاتها ومحبتها لمساعدة الآخرين.

حفظها الله لأبنائها وأحفادها وأطال في عُمْرها، وجعلها قدوة لأجيال لاحقة في الكفاح والعطاء ومَدِّ يد العون للآخرين دون مقابل.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

قوات الاحتلال تتسبب بإجهاض امرأة حامل في الخليل

تسببت قوات الاحتلال الإسرائيلي بإجهاض امرأة حامل، خلال الاعتداء على زوجها، فجر اليوم الأحد، عقب مداهمة منزله في المنطقة الجنوبية من مدينة الخليل.

وأفادت مصادر محلية، بأن قوات الاحتلال اقتحمت المنطقة الجنوبية وحارات البلدة القديمة من مدينة الخليل، وداهمت عدة منازل، واعتدت على المواطن نضال الجعبري وعائلته، ما أدى إلى اجهاض زوجته، وتم نقلها إلى المستشفى.

وأضافت أن مستوطنين اعتدوا على المواطنين في حارة جابر، وواد الحصين، ومنطقة الراس في البلدة القديمة من المدينة، وأطلقوا النار باتجاه منازل المواطنين.

ونظم مستوطنون مسلحون مساء أمس مسيرة استفزازية انطلقت من محيط الحرم الإبراهيمي، وجابت حارات البلدة القديمة، واعتدوا على ممتلكات المواطنين، ومنعوهم من التجول أو الخروج من منازلهم.

المصدر : وكالة وفا

مقالات مشابهة

  • شاهدوا رد فعل شاكيرا بعدما تنبّهت لرجل يصوّرها بصورة غير لائقة
  • مظاهرات في باريس دعماً لحركة "امرأة حياة حرية" في إيران
  • بغداد.. إصابة امرأة بالرصاص ومنتسبين أمنيين بحادث سير واعتقال آخرين
  • مقتل 3 فلسطينيين بينهم امرأة في قصف إسرائيلي استهدف منزلا بغزة
  • إيران.. إضراب نسائي داخل سجن في ذكرى مهسا أميني
  • ضبط شخص اعتدى على امرأة بمحطة وقود بالرياض .. فيديو
  • قوات الاحتلال تتسبب بإجهاض امرأة في الخليل
  • قوات الاحتلال تتسبب بإجهاض امرأة حامل في الخليل
  • امرأة تضرم النار في ضريح وتحوله لرماد بعد خيبة أمل.. فيديو
  • امرأة كادت تفقد بصرها بسبب صبغة الشعر!