أنيسة الهوتية
"اعتَزِل ما يُؤذيك".. عبارة كثيرة التداول والانتشار في وسائل التواصل الاجتماعي وكثر العمل بها من قِبل الذين فعلًا بدأوا رحلة الاعتزال المُريحة بالنسبة لأنفسهم، والانقطاع التام عن كل ما لا يُريح نفوسهم ويرونه هَمًا أو إزعاجًا يوتر حياتهم الخاصة، ويفقدها الأثر الذي يرجونه ليس فقط من نجاح وتفوق؛ بل أيضًا ارتكاز وتيرة الراحة النفسية التي يتمنونها، ونستطيع القول هُنا إن الحابل اختلط بالنابل، وكَما نقول بلهجتنا العمانية "اختلط الهيل بالفلفل"؛ فالفلفل والهيل المطحونان يتشابهان لونًا وحِسًا وَالمُفتَقِد لحاسة الشم لا يفرق بينهما!
وهذا ما حصل فعلًا في شباب جيل التسعينيات والألفية وَما بعد، وللأسف تأثر بعض مواليد الثمانينيات والسبعينيات كذلك مع "ترِند" الاعتزال برفع رايةِ "اعتزل ما يؤذيك"!
فقام الشابُ باعتزال والدهِ لأنه ينصحه كثيرًا لعدم اتباعهِ وانصاتهِ لأبيه، اشتطَ الأبُ غضبًا حتى يجذب إدراك ابنهِ إليهِ، إلا أنَّ الشاب المقبل على العمر المُعد لدراسة الشهادات العُليا يرى نفسه أنه مُتطورٌ ومتقدم، ووالدهُ جاهلٌ متخلف لا يتقبل الجديد! فإذن، في نظرهِ والده خطأ وهو الصح! ونرى الشابة تعتزل أمها في سيناريو مُشابه لذاك الشاب!
والإخوة يعتزلون بعضهم البعض، والأزواج يتطلقون اعتزالًا لأذى الخلافات الزوجية!! وأكاد أقول يا لغباءِ الاعتزال الذي توجهت إليهِ تِلك العقول والأنفس الجاهلة على رغم دراساتهم وشهاداتهم العُليا، إلا أنهم يستخدمون تلك الجُملة شماعةً يعلقون عليها رغباتهم التي ثبتها الشيطان أوتادًا في نفوسهم، فتلك هي مهمته الأساسية التي يسعى جاهدًا لإتمامها يوميًا بتخللهِ بين بني آدم وجعلهم يعتزلون كالجبناء الحياة التي خُلِقت لهم لأجر كسب الأجر والثواب.
فقد اعتزل هؤلاء الحياة الزوجية اتقاءً لأذى الخلافات، واعتزلوا الإنجاب اتقاءً لأذى مسؤولية الأبناء المادية والتربوية، واعتزلوا الإخوة اتقاءً لأذية النقاشات الروتينية الطبيعية التي كانت تحصل بينهم حتى عندما كانوا أطفالًا! واعتزلوا الأصدقاء والجيران، ولكنهم لم يعتزلوا وظائفهم اتقاءَ أذية مديريهم وزملائهم مثلًا!، ولم يعتزلوا مشاريعهم اتقاء أذية الخسارة! وَلَم يعتزلوا أطباعهم، عاداتهم وألفاظهم السيئة اتقاءَ أذيتها بكسبِ الذنوب التي ستفسد لهم آخرتهم! وَلَم يعتزلوا قلة الصبر اتقاءَ أذية فقدان الأجر كالصبر على زوجه، وأهله، وأبنائه! وَلَم يعتزل قطع صلة الأرحام اتقاء أذى غضب الله تعالى عليه! ولَم يعتزل عدم أداءَ العبادات الأساسية والنوافل والطاعات والصدقات اتقاءَ أذى عدم الحصول على الثواب الذي سيتسبب في تخفيف ميزانه يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون، ولم يعتزل سواد قلبه.
ليست المقولة خطأ، ولكن تفسيرها غير المنطقي المنتشر على وسائل التواصل وعلى ألسنة مشاهير تلك المنصات، وبنصائح الأطباء النفسيين التي 99.99% منها تقع في المنطقة الرمادية المتوسطة التي لا يعرف المريض النفسي المراجع للطبيب ما إذا كانت تلك نصيحة تقع في المنطقة البيضاء أم السوداء! وعليه بنفسه أن يكتشف ذلك. والنفس التي تكتشف ذلك ليست إلا أمارةٌ بالسوء! تُعظِم نيل الأجر وتراه مشقة وشقاء فتتجنبه، وتُصغِرُ كسب الكبائر والذنوب لأنها راحة ومتعة للنفس! والسؤال هنا: هل نحن خُلقنا في الأرض للراحة والمتعة؟ أم للطاعة والعبادة؟! فتفكروا يا أولي الألباب.
إنَّ المقولة تلك ما قالها عُمر بن الخطاب -رضي الله عنه- باختصار هكذا؛ بل لها تكملة، والمقولة الكاملة تقول كما قال أغلب الرواة: "اعتزل مايؤذيك، وعليك بالخليل الصالح، وقَلما تجده، وشاور في أمرك الذين يخافون الله".
إذن، الأصح أن نقول: اعتزل ما يؤذيك في دينك، وليس ما يؤذي نفسك التي تأمرك بالسوء، فإن النفوس خُلِقت للشقاءَ حتى تكسب أجرها الذي تدفعهُ لشراءِ آخرتها...
"الجنة ما ببلاش"!
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
ما الذي تحتاجه مذكرات التفاهم مع مصر للتحول إلى واقع؟
بغداد اليوم - بغداد
تُشكّل مذكرات التفاهم التي وُقّعت بين بغداد والقاهرة خطوة مهمة في تعزيز العلاقات الثنائية، لكنها تطرح تساؤلات حول مدى قابليتها للتحول إلى اتفاقيات رسمية ذات طابع إلزامي.
المختص في الشؤون القانونية، سالم حواس، أوضح لـ"بغداد اليوم"، أن هذه المذكرات ليست اتفاقيات بحد ذاتها، بل تمهيد لها، ويتطلب تحويلها إلى اتفاقيات مصادقة مجلس النواب العراقي.
توقيع 12 مذكرة تفاهم في مجالات مختلفة
تم خلال اجتماع اللجنة العليا العراقية المصرية أمس في بغداد توقيع 12 مذكرة تفاهم، شملت مجالات النقل البري، مكافحة الاحتكار، التنمية المحلية، التعاون الثقافي، تنظيم الرقابة المالية، الآثار والمتاحف، والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، بالإضافة إلى التعاون بين الغرف التجارية في البلدين.
وفي حزيران 2023، وقع العراق ومصر أكثر من عشر مذكرات تفاهم لتعزيز التعاون في مجالات التجارة، السياحة، الاستثمار، النقل، الثقافة، والآثار، بالإضافة إلى اتفاقيات أخرى سابقة تعود لعام 2020، لكن لم يتحقق تقدم يُذكر في تنفيذ هذه الاتفاقيات، ويعود ذلك إلى تعقيدات إدارية، وعدم توفر التمويل اللازم لبعض المشاريع، إلى جانب غياب آليات متابعة صارمة لضمان تنفيذها.
وتُعرف مذكرات التفاهم بأنها خطوات تمهيدية لعقد اتفاقيات رسمية ملزمة، لكنها لا تمتلك قوة قانونية تجبر الطرفين على التنفيذ الفوري. وفقًا للمختص في الشؤون القانونية سالم حواس، فإن تحويل مذكرات التفاهم إلى اتفاقيات حقيقية يتطلب موافقة البرلمان العراقي، وهو إجراء قد يستغرق وقتًا طويلاً، خاصة إذا كانت هناك خلافات سياسية أو اقتصادية حول مضمونها.
ويضيف أن العراق وقع خلال السنوات الماضية العديد من مذكرات التفاهم مع دول عدة، لكن القليل منها تحول إلى اتفاقيات رسمية، وذلك لعدة أسباب تتعلق بالإرادة السياسية، البيروقراطية الإدارية، والتحديات المالية.
ومنذ سنوات، وقع العراق العديد من مذكرات التفاهم مع دول مختلفة في مجالات متعددة، بما في ذلك الاستثمار، التجارة، الأمن، النقل، الثقافة، والطاقة.
ورغم توقيع هذه المذكرات بحضور رسمي وإعلامي كبير، إلا أن معظمها لم يُنفذ على أرض الواقع، ما يثير تساؤلات حول الأسباب الحقيقية وراء هذا التعثر. فهل تعاني هذه الاتفاقيات من مشاكل فنية وإدارية، أم أن العوامل السياسية والاقتصادية تلعب الدور الأكبر في عرقلتها؟
عقبات أمام تفعيل الاتفاقيات
رغم أهمية هذه المذكرات، إلا أن التجارب السابقة تشير إلى أن العديد من مذكرات التفاهم التي وقعها العراق مع دول أخرى لم تتحول إلى اتفاقيات ملزمة، لغياب الإرادة السياسية، حيث يتم توقيع العديد منها لأغراض دبلوماسية وإعلامية أكثر منها لغايات تنفيذية حقيقية.
كما أن البيروقراطية العراقية تشكل عائقًا أمام تنفيذ الاتفاقيات، إذ إن عملية تحويل مذكرة تفاهم إلى اتفاقية رسمية قد تستغرق سنوات بسبب تعقيدات إدارية داخل المؤسسات الحكومية.
وإلى جانب ذلك، فإن الأوضاع المالية تلعب دورًا رئيسيًا، حيث تتطلب بعض المذكرات تخصيصات مالية كبيرة، وفي ظل الأزمات الاقتصادية التي مر بها العراق، يصبح من الصعب على الحكومة تأمين التمويل اللازم لهذه المشاريع.
وايضا، البيئة الاستثمارية غير المستقرة تمثل أيضًا أحد الأسباب التي تؤدي إلى تأجيل تنفيذ العديد من الاتفاقيات، حيث لا تزال التحديات الأمنية والسياسية تؤثر بشكل كبير على رغبة الدول والشركات الأجنبية في الالتزام بمشاريع طويلة الأمد داخل العراق.
ورغم محاولات الحكومة تحسين مناخ الاستثمار، إلا أن العراق لا يزال يواجه عقبات كبيرة في جذب رؤوس الأموال الأجنبية، وهو ما ينعكس سلبًا على تنفيذ الاتفاقيات الاقتصادية والتجارية.
ما الذي تحتاجه هذه المذكرات للتحول إلى واقع؟
في ضوء هذه التحديات، يبدو أن مستقبل مذكرات التفاهم يعتمد بشكل أساسي على قدرة العراق على إجراء إصلاحات إدارية واقتصادية، وتوفير بيئة أكثر استقرارًا لجذب الاستثمارات الأجنبية.
فبدون إرادة سياسية حقيقية، وتسهيلات إدارية، وتخصيصات مالية مناسبة، ستبقى هذه المذكرات مجرد وثائق تُوقع في القمم والاجتماعات، دون أن تتحول إلى مشاريع ملموسة تعود بالفائدة على البلاد.
السؤال الذي يطرح نفسه الآن: هل سيتمكن العراق من كسر هذه الحلقة المتكررة وتحويل وعود التعاون إلى إنجازات فعلية، أم أن الاتفاقيات ستظل مجرد أوراق تنتظر التنفيذ؟
المصدر: "بغداد اليوم"+ وكالات