"أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم"
تاريخ النشر: 16th, August 2023 GMT
خليفة بن عبيد المشايخي
halifaalmashayiki@gmail.com
قال السلطان الخالد فينا قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه وتغمده بواسع رحمته وأسكنه فسيح جناته- إن الوظيفة تكليف ومسؤولية قبل أن تكون نفوذًا أو سلطة.. فكثيرٌ من يحصلون على التشريف، لكنه للأسف بعد ذلك ينسون التكليف، فبه يشق ويضيق على خلق الله تعالى بمسؤولياته وأوامره وتعليماته وقرارته وصلاحياته، وهذا من الأمور المنهي عنها وغير المرغوب فيها إطلاقًا؛ لأنها تولِّد حقدًا وكراهية وبغضاءً وشحناءً وعداوة.
الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم قال في حديث روته السيدة عائشة رضي الله عنها "اللهم من ولّي من أمر أمتي شيئًا فشَقَ عليهم فاشقُقْ عليه، ومن ولّي من أمر أمتي شيئًا فرفَقَ بهم فارفُقْ به". فيا أخي هل تفقه هذا الحديث، وهل تعلم أن دعاء النبي صلى الله عليه وسلم مستجابٌ، ويا أخي إن ولّاك الله تعالى أمر العباد وجعلك على أمورهم وشؤونهم فشققت عليهم، فسيشقُق الله تعالى عليك عاجلًا أم آجلًا في أمور حياتك المختلفة، وإن رفقت بهم، فسيرفق بك عاجلًا أم آجلًا.. فهل عندك خبر بذلك أم أنه ليس معك خبر؟
إنَّ التعامل الحسن والجيد مع عامة الناس والتعامل بالطيب والرفق واللين والأخلاق العالية معهم، نادى به ديننا الإسلامي الحنيف، وقال الشاعر أبو الفتح البستي: "أحسن إلى النَّاس تستعبد قلوبهم، فطالَما استبَعدَ الإنسانَ إحسانُ، وكُنْ على الدَّهر مِعواناً لذي أمَلٍ، يَرجو نَداكَ فإنَّ الحُرَّ مِعْوانُ".
والمقولة الشهيرة للسلطان قابوس- طيب الله ثراه- التي تقدم ذكرها وهي أن الوظيفة تكليف ومسؤولية، فمن حيث إنها تكليف أي أن يكون المكلف بالوظيفة عند مستواها وقادرًا بها وعليها وعلى الاضطلاع بواجباتها ومهامها بكل تفانٍ ووفاء وصدق وإخلاص وتجرد من الأنانية والمصالح الشخصية، وأيضا أن يراعي المكلف من يكلف، أن لا يكلف الناس فوق طاقتهم وقدراتهم، ومن حيث إنها مسؤولية، فيندرج منها أنه حتى استصدار القرارات والأوامر والتعليمات، تُعد مسؤولية كبيرة أمام الله تعالى والناس وولي الأمر.
ومن الحرص على القيام بالمسؤولية خير قيام وكما يجب وأراد جل جلاله والمكلف والمشرع، هو انتقاء تلك الأوامر والقرارات التي تصدر للناس ومطالبين بتنفيذها فورا، بأن لا تضرهم ولا تكون في غير صالحهم أو ضدهم أو تبعث على الاستياء وانزعاجهم وضيقهم أو التنفير منها، حتى وإن كان المقصد منها كما رأى المشرع والمكلف، تنظيم العمل والحد من الممارسات الخاطئة.
وفي هذا الإطار، فإن وزارة النقل والاتصالات وتقنية المعلومات أصدرت مؤخرا عدة قرارات منها أنه يُمنع منعًا باتًا عمل سيارات التحميل الخفيفة مثل البيكاب ونحوها المخصصة للتحميل باللوحة الصفراء، ومن يقوم بعمل ذلك فإنه يخالف مخالفات كبيرة، أي لابُد أن تكون لوحة السيارة حمراء أي بالرقم التجاري ومسجلة في الوزارة، وكذلك أي شخص يقود سيارة أجرة "تاكسي" وهي ليست باسمه، فإنَّ هناك مخالفة ستسجل ضده، ما يعني أنه إذا كنت تعمل على سيارة تاكسي لا بُد أن يكون باسمك وإلا تعتبر مخالفًا، الأمر الذي قد يحرم الكثيرين من فرصة عمل إضافية تساعدهم على تدبير نفقات المعيشة من خلال رزق حلال. فهناك سائقون يعملون على سيارة تاكسي مملوكة لآخرين، بنظام العمل الحر، أو العمل المؤقت، وهؤلاء لن يتمكنوا من العمل لأن التاكسي ليس مسجلًا باسمهم!
حقيقة أقول ما الذي تنوون فعله وعمله للفقير والإنسان الضعيف والمسكين بهذه القرارات التي قهرتهم، لماذا تضيقوا عليهم في عيشهم وحياتهم بقراراتكم، فهذه الشريحة الدنيا من الناس، إذا تغدوا ما تعشوا، وإذا تعشوا ما تغدوا، حتى يأتي مسؤول ويُضيِّق عليهم بقرارات غير عملية. فهل سأل المسؤول نفسه كم يبلغ دخل صاحب سيارة التاكسي في اليوم الواحد في مسقط؟ وما الأرباح التي يُحققها بعد تكلفة الوقود والصيانة وغيرها؟
حقيقة أقول كما قال الشاعر "من كان للخير منّاعًا // فليس له على الحقيقة إخوان وأَخدان". ويا أخي المسؤول "أقبل على النفس واستكمل فضائلها // فأنت بالنفس لا بالجسم إنسان" و"مَنْ يَزْرَعِ الشَّرَّ يَحصُدْ في عواقبِهِ، نَدامَةً ولِحَصدِ الزَّرْعِ إبّانُ".
ويا أخي صاحب التاكسي والبيكاب "أشدُدْ يَدْيكَ بحَبلِ الله مُعتَصِماً، فإنَّهُ الرُّكْنُ إنْ خانَتْكَ أركانُ، مَنْ يَتَّقِ الله يُحْمَدُ في عَواقِبِه، وَيكفِهِ شَرَّ مَنْ عزُّوا ومَنْ هانُوا".
إن هذا القرارات أزعجت المقصودين منها لأن أوضاعهم وظروفهم المادية والحياتية والمعيشية لا تسمح ولا تحتمل أن يقوموا بتطبيق وتنفيذ مثل هذه القرارات وما تنطوي عليه من دفع رسوم، فإن كان ثمة توجه لتنظيم قطاع سيارات الأجرة وسيارات النقل الخفيفة؛ فعلى الجهة المعنية أن تضع رسومًا رمزية، خاصة بالنسبة لمن يريد توفيق أوضاعه.. فالرحمة الرحمة لهؤلاء!
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
علي جمعة: تعظيم النبي أمر إلهي وليس اختراعا بشريا
قال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف ومفتي الجمهورية الأسبق، إن تعظيم النبي محمد ليس اختراعًا بشريًا، ولا بدعة أحدثها الناس، بل هو تعظيم أمر الله به، بل إن الله تعالى هو الذي عظّم نبيه قبل أن يأمرنا بتوقيره، قال تعالى: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾، وكلمة "على" تفيد التمكن والتمكين، مما يؤكد أن مكانة النبي من الله تعالى مكانةٌ عظيمةٌ رفيعة.
وأضاف علي جمعة، في تصريح له، أن حقيقة تعظيم النبي تتمثل أولًا وأساسًا في تعظيم ما جاء به من أوامر ونواهٍ، مؤكدًا أن الإسلام ربط المحبة بالطاعة، حيث قال تعالى: ﴿ قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ ﴾، مشددًا على أن تعظيم النبي لا يكون بالكلمات فقط، بل بالاتباع الكامل والاقتداء الصادق.
وأشار إلى أن القرآن الكريم يفيض بآيات تعزز هذا المعنى، ومنها قول الله تعالى: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾، وأمره جل وعلا: ﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ﴾، وأيضًا قوله: ﴿ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ﴾.
وأوضح أن النبي كان قمةً في التواضع رغم علو مقامه، حتى إنه قال: "لا تفضلوني على يونس بن متى" [رواه البخاري]، مع أن الله هو الذي فضله وجعله خاتم النبيين، وأمرنا باتباعه واتباع سنته، مؤكدًا أن هذا التواضع من النبي لا ينفي أن الله رفعه واصطفاه، فقال له: ﴿ مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَىٰ ﴾، وقال: ﴿ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ﴾، وأعطاه الكوثر، واختاره إمامًا للأنبياء يوم الإسراء والمعراج.
وتابع: "نحن لا نعظم النبي من أنفسنا بل الله هو الذي أمرنا بذلك، وهو الذي رفع مقامه، وجعله رحمةً للعالمين، وأسوةً حسنةً لكل من أراد سلوك طريق الحق والنجاة".
ولفت إلى أن العرب قديمًا كانت إذا أحبت شيئًا أو خافته أكثرت من ذكر أسمائه، فكان للأسد نحو سبعمئة اسم، وللخمر نحو تسعين اسمًا، مشيرًا إلى أن الله سبحانه وتعالى أكثر من أسمائه الحسنى وصفاته العلى ليعرّف عباده بنفسه، وليبني في قلوبهم عقيدةً راسخةً قائمةً على الجلال والجمال والكمال.
وأكد أن تعظيم النبي تعظيمٌ للرسالة، وإحياءٌ للدين، ومظهرٌ من مظاهر الإيمان الحقيقي، وأن الأمة لا تصلح ولا تستقيم إلا بتعظيم رسولها الكريم واتباعه ظاهرًا وباطنًا.