سودانايل:
2025-01-29@02:53:33 GMT

حرب السودان والأسئلة الصعبة

تاريخ النشر: 25th, November 2024 GMT

د. الشفيع خضر سعيد

لم تنجح المبادرات المختلفة في إيقاف الحرب بين حكومة الإنقاذ والحركة الشعبية لتحرير السودان إلا بعد أن انتظمت المفاوضات بين الطرفين على أساس إعلان مبادئ الإيقاد الصادر في 20 مايو/أيار 1994 والذي وافق عليه الطرفان.
صحيح أن إعلان المبادئ ذاك صاغته دول الإيقاد وقدمته جاهزا إلى الطرفين ليوقعا عليها، لكن لابد من التنبيه إلى أن محتوى بنوده لم تكن من وحي بنات أفكار علماء السياسة الدوليين والإقليميين بقدر ما كان إعادة صياغة وترتيب للأطروحات المتناثرة في أدبيات الحركة السياسية السودانية، وخاصة الحركة الشعبية لتحرير السودان.

واليوم، تظل قناعتي الراسخة أن القوى المدنية والسياسية السودانية هي وحدها المؤهلة لإجتراح إعلان المبادئ الذي يشكل المدخل أو التمهيد لإطلاق العملية التفاوضية، وكذلك إجتراح الرؤية التي تشكل محتوى وتفاصيل هذه العملية للسير بها في اتجاه وقف الحرب ووضع أسس عدم تجددها أو إعادة إنتاج الأزمة في البلاد. وفي هذا السياق، هنالك نقطتان متعلقتان بإعلان المبادئ، أولها ضرورة موافقة كل الأطراف عليه، بما في ذلك الأطراف المتحاربة، حتى يكون مدخلا أساسيا لعملية التفاوض، ولذلك، وهذه هي النقطة الثانية، فإن بنوده تتناول العموميات التي يسهل الإجماع حولها مثل التمسك بمبادئ ثورة ديسمبر/كانون الأول 2018، وبوحدة السودان، وبالحكم المدني الديمقراطي، وبالنظام الفدرالي الذي يراعي التعدد والتنوع، وبالجيش الواحد وبنائه كل القوات النظامية على أساس مهني وقومي، وبإصلاح الخدمة المدنية والنظام العدلي، وبالحوار السوداني سوداني… إلى غير ذلك من المبادئ التي سيتقبلها الجميع، وإن ليس مستبعدا أن بعضهم سيتقبلها تقية! ومن الواضح أن إعلان المبادئ وحده ليس كافيا لوقف الاقتتال، لكنه يشكل معيارا لدرجة التنازلات الممكنة في العملية التفاوضية، بمعنى أن التنازلات لإنجاح العملية التفاوضية لصالح الهدف الرئيسي، أي وقف الحرب والانتقال المدني الديمقراطي، يجب ألا تصل إلى درجة التصادم بين محتوى إعلان المبادئ ومحتوى ما سيتم الاتفاق حوله في طاولة التفاوض.
وفي المقابل، فإن الرؤية التي تشكل محتوى وتفاصيل العملية التفاوضية للسير بها في اتجاه وقف الحرب، تتكون من الإجابات المحتملة على الأسئلة المتعلقة بكيفية وقف الحرب وتداعيات ما بعد ذلك، آخذين في الاعتبار أن هذه الأسئلة ليست مجرد تهويمات نظرية بقدر ما هي نابعة من واقع البلاد الراهن المأزوم.

وبداهة، بينما تظل أسئلة الرؤية واحدة وثابتة، فإن الإجابات عليها تختلف عند هذا الطرف أو ذاك. ولكن من البديهي أيضا أن تتوافق القوى المدنية والسياسية الرافضة للحرب على إجابات موحدة على هذه الأسئلة، وتنتج رؤيتها التي يجب أن تطرحها في أي منبر تفاوضي يسعى لوقف الحرب. ولعل من الضروري الإشارة إلى أن تسهيل توصل القوى المدنية والسياسية إلى الرؤية المنشودة، يقتضي التوافق قبلا على مجموعة من الحقائق، منها أن الحرب الراهنة خلقت واقعا جديدا يجب أن يغير في طريقة تفكير القوى المدنية في التعاطي مع تفاصيل الأحداث الراهنة وتداعياتها، وأن هذا الواقع الجديد لابد أن تكون له مستحقاته العملية التي يجب أن تبحث وتتمعن في الأسباب الجذرية للحرب، بدءا من أن الدولة السودانية فشلت منذ استقلالها في التعبير عن كافة مكوناتها الوطنية الأمر الذي أدى إلى تمكن الحلقة الشريرة والأزمة العامة في البلاد بتجلياتها العديدة والتي من بينها الانقلابات العسكرية والنزاعات واشتعال الحروب التي كانت حتى وقت قريب تستوطن الأطراف قبل أن تأخذ منحىً جديدا وصادما باندلاعها في عاصمة البلاد في 15 أبريل/نيسان الماضي، وأن من النتائج المباشرة لهذه الوضعية إضعاف الدولة السودانية وعدم قدرتها على توظيف كل مكوناتها السياسية والاجتماعية والثقافية للتوافق على مشروع وطني نهضوي ينتشل البلاد من وهدتها المتمكنة منها منذ فجر الاستقلال قبل ثمانية وستين عاما، وهو مشروع لايزال السودانيون يتمسكون به حتى في أتون هذه الحرب المجرمة، وأن هذه الحرب لا يمكن حسمها عسكريا، ولن ينتصر فيها طرف، وإن هُزم الطرف الآخر، ولكن قطعا الخاسر الوحيد فيها هو الشعب السوداني والوطن، وكل يوم جديد في الحرب يحمل معه مزيدا من الجراح والآلام لشعبنا ومزيدا من التدمير لبنية الوطن، وأن جوهر هذه الحرب يحمل عداء سافرا لثورة ديسمبر المجيدة.
ونحن نؤسس وجهة نظرنا حول ماهية الرؤية لإنهاء الحرب، على رفض أن تكون الحرب بديلا للحوار والتفاوض لحل الخلافات والأزمات السياسية والاجتماعية مهما بلغت من الحدة والتعقيد، وأن مسألة وقف الحرب يجب أن يتم التعامل معها كحزمة واحدة مكونة من ثلاث حزم فرعية تتكامل مع بعضها البعض، تشمل وقف الاقتتال، وتقديم المساعدات الإنسانية العاجلة وحماية المدنيين، وإطلاق عملية سياسية جديدة.
وإذا كان للمجتمع الدولي والإقليمي دور رئيسي في الحزمتين الأولى والثانية، فإن الحزمة الثالثة، العملية السياسية، حصريا من مهام القوى المدنية والسياسية السودانية، وأن دور المجتمع الدولي والإقليمي في الحزمتين الأولى والثانية لن يأتي أكله إلا من خلال الرؤية التي ستجترحها القوى المدنية والسياسية الرافضة للحرب.
أما جوهر هذه الرؤية فهو، من وجة نظرنا، مجموع الإجابات على ما أسميناه بالأسئلة الصعبة المتعلقة بحرب السودان، نوردها هنا باختصار على أن نتوسع حولها في مقالاتنا القادمة، وتشمل:
1 ـ ماهي الخيارات المتاحة حول مستقبل ودور قيادة القوات المسلحة في السودان بعد انتهاء الصراع؟
2 ـ ما هي الخيارات حول مستقبل قوات الدعم السريع ومستقبل الحركات والميليشيات المسلحة الأخرى على أساس مبدأ بناء الجيش المهني الواحد في البلاد؟
3 ـ كيف نطور إطارا للعدالة والعدالة الانتقالية يضمن إنصاف الضحايا وعدم الإفلات من العقاب؟
4 ـ كيف نتعامل مع البعدين الدولي والإقليمي في الحرب؟
5 ـ ما هي تفاصيل العملية السياسية من حيث أجندتها وأطرافها؟
سنتناول هذه الأسئلة وإجاباتها بالتفصيل بدءا من مقالاتنا القادمة.

نقلا عن القدس العربي  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: القوى المدنیة والسیاسیة العملیة التفاوضیة إعلان المبادئ وقف الحرب یجب أن

إقرأ أيضاً:

دور التعايش السلمي في وأد الفتن

كلام الناس
نورالدين مدني
كنت أمني نفسي بالحديث في ونسة حرة عن جانب من تجربتي في الحياة بالفاشر عندما كنت أعمل باحثاً إجتماعياً بسجون دارفور لكن أسرة رابطة دارفور بسدني اختارت لي الحديث عن دور التعايش السلمي في وأد الفتن.
قبلت الحديث تحت هذا العنوان خاصة وأن السودان يعاني من ويلات الحرب العبثية وتداعياتها الكارثية التي أجبرت ملايين الأسر على مغادرة منازلهم واللجوء إلى دول الجوار وأضطرت أسر أخرى للنزوح داخل السودان عسى ولعل لكن للأسف لاحقتهم الحرب ومازالت تهدد حياتهم ومستقبلهم.
ذكرت في بداية حديثي أن مناطق كثيرة من العالم تعاني من الحروب الأمر الذي فرض على الناشطين تركيز الاهتمام بقضايا السلام والتعايش السلمي.
أشرت للملتقى الخامس للمؤتمر الأفريقي الذي عقد قبل أيام في العالعاصمة الموريتانية نواقشوط تحت شعار واجب الحوار وراهنية المصالحات وأن مخرجاته ركزت على ضرورة الحوار وعقد المصالحات.
تحدثت أيضاً عن مؤتمر قضايا العلام السوداني الذي عقدته نقابة الصحفيين السودانيين مؤخراً وقد تضمنت توصايه الختامية أهمية التصدي لخطاب الكراهية ومحاصرة الفتن المجتمعية للحفاظ على وحدة السودان أرضاً وشعباً.
حرصت في هذه الأمسية التي عقدت يوم السبت الماضي بمقر رابطة أبناء دارفور بسدني على تقديم شهادتي الحية عن فترة حياتي بالفاشر حيث كنت أسكن في منزل بحي الخير خنقا حيث كنا نعيش في أمن وأمان وسلام مجتمعي.
كانت الفاشر أمنة مستقرة لا تفرق بين مكونات نسيجها الإثني والثقافي ولم نشعر بوجود صراعات بين الفور والزغاوة وغيرهما من المواطنين قبل أن تتسلط على السودان سلطة احادية أصبحت تؤجج الفتن المجتمعية وسط المواطنين خاصة عقب انقلاب البرهان وعصبته على الحكومة المدنية الانتقالية وإشعالهم الحرب التي أفرزت ضمن ما أفرزت من كوارث تمدد الفتن المجتمعية في كثير من مناطكق السودان.
لن أستعرض هنا المداخلات الطيبة والساخنة التي أثرت الأمسية ودفعت بمقترحات لمساندة الجهود المحلية والافليمية والدولية الهادفة لوقف الحرب واسترداد عافية السودان الديمقراطية والمجتمعية ومحاربة خطاب الكراهية والعنصرية والاعتراف بالاخر واحترام خياراته وقناعاته للتعايش في سلام وأمان في ظل دولة المواطنة وسيادة حكم القانون والسلام والعدالة والكرامة الانسانية.  

مقالات مشابهة

  • السودان.. حرب بلا معنى
  • الإسلاميون السودانيون وقطر- مخاوف القوى المدنية من التسريبات الأخيرة
  • دواعش الحرب يهددون بشنق الثوار وتصفية ثورة ديسمبر
  • تهديد القوى المدنية بالتعذيب بعد دخول الجيش موقف شندي
  • منظمات دولية تدعو لوقف استهداف المرافق المدنية الحيوية في السودان
  • دواعش الحرب يهددون بشنق الثوار، وتصفية ثورة ديسمبر
  • السودان- بين حكمة السلام وجنون الصراع – تأملات في معضلة وطن ممزق
  • دور التعايش السلمي في وأد الفتن
  • المبادرة الغائبة التي ينتظرها الفلسطينيون
  • سلطة النقد تكشف حجم الأموال التي نُهبت من بنوك غزة خلال الحرب