د. الشفيع خضر سعيد
لم تنجح المبادرات المختلفة في إيقاف الحرب بين حكومة الإنقاذ والحركة الشعبية لتحرير السودان إلا بعد أن انتظمت المفاوضات بين الطرفين على أساس إعلان مبادئ الإيقاد الصادر في 20 مايو/أيار 1994 والذي وافق عليه الطرفان.
صحيح أن إعلان المبادئ ذاك صاغته دول الإيقاد وقدمته جاهزا إلى الطرفين ليوقعا عليها، لكن لابد من التنبيه إلى أن محتوى بنوده لم تكن من وحي بنات أفكار علماء السياسة الدوليين والإقليميين بقدر ما كان إعادة صياغة وترتيب للأطروحات المتناثرة في أدبيات الحركة السياسية السودانية، وخاصة الحركة الشعبية لتحرير السودان.
وفي المقابل، فإن الرؤية التي تشكل محتوى وتفاصيل العملية التفاوضية للسير بها في اتجاه وقف الحرب، تتكون من الإجابات المحتملة على الأسئلة المتعلقة بكيفية وقف الحرب وتداعيات ما بعد ذلك، آخذين في الاعتبار أن هذه الأسئلة ليست مجرد تهويمات نظرية بقدر ما هي نابعة من واقع البلاد الراهن المأزوم.
وبداهة، بينما تظل أسئلة الرؤية واحدة وثابتة، فإن الإجابات عليها تختلف عند هذا الطرف أو ذاك. ولكن من البديهي أيضا أن تتوافق القوى المدنية والسياسية الرافضة للحرب على إجابات موحدة على هذه الأسئلة، وتنتج رؤيتها التي يجب أن تطرحها في أي منبر تفاوضي يسعى لوقف الحرب. ولعل من الضروري الإشارة إلى أن تسهيل توصل القوى المدنية والسياسية إلى الرؤية المنشودة، يقتضي التوافق قبلا على مجموعة من الحقائق، منها أن الحرب الراهنة خلقت واقعا جديدا يجب أن يغير في طريقة تفكير القوى المدنية في التعاطي مع تفاصيل الأحداث الراهنة وتداعياتها، وأن هذا الواقع الجديد لابد أن تكون له مستحقاته العملية التي يجب أن تبحث وتتمعن في الأسباب الجذرية للحرب، بدءا من أن الدولة السودانية فشلت منذ استقلالها في التعبير عن كافة مكوناتها الوطنية الأمر الذي أدى إلى تمكن الحلقة الشريرة والأزمة العامة في البلاد بتجلياتها العديدة والتي من بينها الانقلابات العسكرية والنزاعات واشتعال الحروب التي كانت حتى وقت قريب تستوطن الأطراف قبل أن تأخذ منحىً جديدا وصادما باندلاعها في عاصمة البلاد في 15 أبريل/نيسان الماضي، وأن من النتائج المباشرة لهذه الوضعية إضعاف الدولة السودانية وعدم قدرتها على توظيف كل مكوناتها السياسية والاجتماعية والثقافية للتوافق على مشروع وطني نهضوي ينتشل البلاد من وهدتها المتمكنة منها منذ فجر الاستقلال قبل ثمانية وستين عاما، وهو مشروع لايزال السودانيون يتمسكون به حتى في أتون هذه الحرب المجرمة، وأن هذه الحرب لا يمكن حسمها عسكريا، ولن ينتصر فيها طرف، وإن هُزم الطرف الآخر، ولكن قطعا الخاسر الوحيد فيها هو الشعب السوداني والوطن، وكل يوم جديد في الحرب يحمل معه مزيدا من الجراح والآلام لشعبنا ومزيدا من التدمير لبنية الوطن، وأن جوهر هذه الحرب يحمل عداء سافرا لثورة ديسمبر المجيدة.
ونحن نؤسس وجهة نظرنا حول ماهية الرؤية لإنهاء الحرب، على رفض أن تكون الحرب بديلا للحوار والتفاوض لحل الخلافات والأزمات السياسية والاجتماعية مهما بلغت من الحدة والتعقيد، وأن مسألة وقف الحرب يجب أن يتم التعامل معها كحزمة واحدة مكونة من ثلاث حزم فرعية تتكامل مع بعضها البعض، تشمل وقف الاقتتال، وتقديم المساعدات الإنسانية العاجلة وحماية المدنيين، وإطلاق عملية سياسية جديدة.
وإذا كان للمجتمع الدولي والإقليمي دور رئيسي في الحزمتين الأولى والثانية، فإن الحزمة الثالثة، العملية السياسية، حصريا من مهام القوى المدنية والسياسية السودانية، وأن دور المجتمع الدولي والإقليمي في الحزمتين الأولى والثانية لن يأتي أكله إلا من خلال الرؤية التي ستجترحها القوى المدنية والسياسية الرافضة للحرب.
أما جوهر هذه الرؤية فهو، من وجة نظرنا، مجموع الإجابات على ما أسميناه بالأسئلة الصعبة المتعلقة بحرب السودان، نوردها هنا باختصار على أن نتوسع حولها في مقالاتنا القادمة، وتشمل:
1 ـ ماهي الخيارات المتاحة حول مستقبل ودور قيادة القوات المسلحة في السودان بعد انتهاء الصراع؟
2 ـ ما هي الخيارات حول مستقبل قوات الدعم السريع ومستقبل الحركات والميليشيات المسلحة الأخرى على أساس مبدأ بناء الجيش المهني الواحد في البلاد؟
3 ـ كيف نطور إطارا للعدالة والعدالة الانتقالية يضمن إنصاف الضحايا وعدم الإفلات من العقاب؟
4 ـ كيف نتعامل مع البعدين الدولي والإقليمي في الحرب؟
5 ـ ما هي تفاصيل العملية السياسية من حيث أجندتها وأطرافها؟
سنتناول هذه الأسئلة وإجاباتها بالتفصيل بدءا من مقالاتنا القادمة.
نقلا عن القدس العربي
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: القوى المدنیة والسیاسیة العملیة التفاوضیة إعلان المبادئ وقف الحرب یجب أن
إقرأ أيضاً:
خاص| صلاح حليمة: لهذا السبب ترفض مصر تشكيل حكومة موازية في السودان
أعربت مصر، في بيان صادر عن وزارة الخارجية، عن رفضها لأي محاولات تهدد وحدة وسيادة وسلامة أراضي السودان الشقيق بما في ذلك السعي نحو تشكيل حكومة سودانية موازية، الأمر الذي يعقد المشهد في السودان، ويعوق الجهود الجارية لتوحيد الرؤى بين القوى السياسية السودانية، ويفاقم الأوضاع الإنسانية.
وطالبت مصر كل القوى السودانية بتغليب المصلحة الوطنية العليا للبلاد والانخراط بصورة إيجابية في إطلاق عملية سياسية شاملة، دون إقصاء أو تدخلات خارجية.
وفي هذا الصدد، قال عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، السفير صلاح حليمة، إن مصر تتعامل مع مجلس السيادة السوداني كونه النظام الرسمي الذي يمثل السودان على الساحة الدولية، مشددا أن القاهرة تعترف بالحكومة السودانية، وتستقبل رئيس (مجلس السيادة) وقائد الجيش عبد الفتاح البرهان كرئيس للسلطة الحالية في السودان.
وتابع حليمة، أن اعتراف مصر بخطوة تشكيل حكومة موازية، ورغم عدم اكتمال تشكيل القوى والأطراف لتلك الحكومة، فإنه لا يوجد اعتراف دولي بها، سوى من بعض الأطراف الإقليمية، مثل كينيا التي تستضيف اجتماعات صياغة الإعلان السياسي لها، والقاهرة تدعم مؤسسات السودان الوطنية.
وأردف أن الحكومة الموازية تفتقر إلى التأثير والدعم السياسي والشعبي عند مقارنتها بتفاعل السودانيين، سواء داخل البلاد أو خارجها، مع انتصارات الجيش الأخيرة.
واختتم أن هناك إدانات ورفض من بعض الأحزاب والقوى السياسية السودانية تجاه هذه الحكومة، لكنها لم تقلل من خطورتها في حال تكاملها، وإعلان سلطة موازية سيؤدي إلى ضرر وحدة السودان، وسيزيد من حالة الانقسام الداخلي، ويعقد الصراع على السلطة والنفوذ بين الأطراف السياسية.