حرب الكيزان – مليشيات الكيزان: المشهد الختامي لنهاية الحركة الإسلامية في السودان
تاريخ النشر: 25th, November 2024 GMT
د. احمد التيجاني سيد احمد
مقدمة
@أتناول باختصار الدور المدمر الذي لعبته الحركة الإسلامية في السودان منذ استقلاله، حيث استغلت الدين كأداة لتحقيق مكاسب سياسية وأجهضت محاولات التحول الديمقراطي، مع تفكيك مؤسسات الدولة ونهب مواردها. الحرب الحالية بين الجيش المودلج وقوات الدعم السريع تكشف عن تصدعات داخلية عميقة في منظومة الحركة، مما يفتح الطريق أمام فرصة تاريخية لإعادة بناء السودان على أسس مدنية ديمقراطية.
مدخل: إرث الحركة الإسلامية في السودان
@منذ استقلال السودان عام ١٩٥٦، استغلت الحركة الإسلامية الدين لتحقيق أهدافها السياسية، متسببة في تقويض الديمقراطية وإضعاف مؤسسات الدولة. من دعم الانقلابات العسكرية إلى سياسات التمكين، سيطرت الحركة على كل مفاصل الدولة، ومع تصاعد الحرب الحالية بين الجيش المودلج وقوات الدعم السريع، تبدو نهاية هذا النظام السياسي المهيمن وشيكة.
تغول الحركة الإسلامية على الديمقراطية
١. انقلاب مايو ١٩٦٩ : دعم النميري للتغلغل في الدولة
استغلت الحركة الإسلامية “المصالحة الوطنية” في ١٩٧٧ للتغلغل في مؤسسات الدولة.
ركزت على السيطرة على النقابات المهنية والجامعات لتقويض الحراك المدني المستقل.
٢. انقلاب يونيو ١٩٨٩ : السيطرة عبر التمكين
قادت انقلابًا عسكريًا بقيادة عمر البشير، مما أدى إلى إجهاض الديمقراطية الثالثة.
سياسة التمكين:
استبدال الكفاءات الوطنية بعناصر موالية للحركة.
تفكيك النقابات المهنية المستقلة.
تدمير مشروع الجزيرة والخطوط الجوية السودانية و البحرية
الخ.
٣. القضاء على المقاومة الشعبية والاجتماعية:
قمع الاحتجاجات
قمع احتجاجات سبتمبر ٢٠١٣ وثورة ديسمبر ٢٠١٨ باستخدام العنف المفرط.
تفكيك البنية الاجتماعية:
استهداف الطرق الصوفية والإدارة الأهلية التي كانت تمثل مقاومة مجتمعية لنفوذ الحركة.
٤. استخدام الدين كأداة للسيطرة
فرض قوانين صارمة مثل قانون “النظام العام” لتقييد الحريات، خصوصًا ضد النساء.
استغلال المنابر الدينية لتبرير القمع وتشويه المعارضين.
نهب الموارد وتفكيك مؤسسات الدولة
١. مشروع الجزيرة:
أدى الفساد وسوء الإدارة إلى انهيار المشروع الزراعي الأكبر في السودان.
٢. الخطوط الجوية السودانية:
تفكيك الشركة الوطنية وتحويل أصولها لخدمة المصالح الشخصية.
٣. السيطرة الاقتصادية:
سيطرة قيادات الحركة على البنوك وشركات الاستيراد والتصدير. تحويل الأموال العامة إلى حسابات خارجية لصالح رموز النظام.
قوات الدعم السريع: امتداد للنظام الكيزاني
تأسست قوات الدعم السريع كذراع أمني للنظام الكيزاني في 2013، بقيادة حميدتي، وكانت امتداداً لمليشيات الجنجويد التي استخدمت لقمع التمردات في دارفور وحماية نظام البشير.
دورها في فض الاعتصام: لعبت قوات الدعم السريع دوراً محورياً في فض اعتصام القيادة العامة في يوني٢٠١٩، مما أسفر عن مقتل واغتصاب المئات.
انخراطها في الحرب الأخيرة: المواجهات مع الجيش كشفت عن استمرار استخدامها كأداة لتحقيق مصالح الكيزان واستعادة السيطرة على المشهد السياسي.
دور اللجنة الأمنية الكيزانية
اللجنة الأمنية، التي تشكلت لحماية النظام الكيزاني، كانت من العوامل الرئيسية في الإطاحة بحكومة الثورة في أكتوبر ٢٠٢١
الإطاحة بحكومة الثورة: اللجنة الأمنية بقيادة البرهان، وبالتنسيق مع الدعم السريع، نفذت انقلاباً عسكرياً لإجهاض تطلعات الشعب السوداني نحو الديمقراطية.
استمرار الطغيان: بدلاً من دعم التحول الديمقراطي، واصلت اللجنة الأمنية العمل كأداة لتعزيز النفوذ الكيزاني في السودان.
التدخلات الإقليمية والدولية
أصبحت الحرب في السودان مسرحاً لتدخلات قوى إقليمية ودولية، مما ساهم في تعقيد المشهد:
مصر: عززت نفوذها السياسي والاقتصادي في السودان، مستفيدة من العلاقات التاريخية بين البلدين.
إيران، قطر، الإمارات، وروسيا: أُشير إلى تواطؤ بعض القيادات السودانية مع هذه الدول لتعزيز مواقعها في السلطة واستعادة نفوذ الحركة الإسلامية.
أدوار الحركة الإسلامية في تقويض الديمقراطية
منذ استقلال السودان في ١٩٦٩، كانت الحركة الإسلامية طرفاً رئيسياً في إفشال التجارب الديمقراطية:
١. ١٩٦٩: دعمت انقلاب جعفر النميري، مستغلة صعوده للتغلغل في مؤسسات الدولة.
٢. ١٩٨٩: نفذت انقلاباً عسكرياً بقيادة البشير، ما أدى إلى إجهاض التجربة الديمقراطية الثالثة.
٣. ٢٠٢١: عبر اللجنة الأمنية والدعم السريع، أجهضت الحكومة الانتقالية التي جاءت بعد الثورة.
دور الاتحاد الأفريقي وموقفه الصارم
القرار الأخير للاتحاد الأفريقي برفض الانقلابات العسكرية وفرض تدابير صارمة ضدها يعكس موقفاً صارماً تجاه الحركات التي تقوض الديمقراطية، بما في ذلك الحركة الإسلامية.
دعم الاستقرار: يسعى الاتحاد الأفريقي إلى إنهاء النزاعات المسلحة في السودان، عبر إرسال قوات سلام لحماية المدنيين ودعم الانتقال الديمقراطي.
الأحداث والتطورات منذ ١٥ أبريل٢٠٢٣
في ١٥ أبريل ٢٠٢١، اندلعت مواجهات عنيفة بين القوات المسلحة السودانية بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي). الصراع كشف عن عمق الانقسامات داخل الأجهزة التي كانت تُعتبر أدوات الحركة الإسلامية، مما أدى إلى تفاقم الأزمات السياسية والإنسانية في البلاد.
تحليل الوضع الراهن: شواهد على نهاية الحركة الإسلامية
١. انقسامات داخلية: الحرب بين الجيش والدعم السريع أظهرت تصدع القوى التي كانت تدعم الحركة الإسلامية.
٢. ضغوط دولية وإقليمية: العقوبات الاقتصادية والمطالبات الجنائية الدولية أضعفت موقف الحركة.
٣. الرفض الشعبي: الثورة السودانية في ديسمبر 2018 كانت تعبيراً عن رفض الشعب الكامل لحكم الكيزان.
تداعيات الحرب الراهنة: تفكك أدوات التمكين
١. انهيار التحالف الكيزاني
الصراع بين الجيش وقوات الدعم السريع يعكس تصدعات داخلية عميقة في بنية الحركة.
فشل اللجنة الأمنية وقوات الدعم السريع في فرض السيطرة.
٢. الضحية هي الشعب السوداني
تفاقم الأزمات الإنسانية والاقتصادية.
انهيار البنية التحتية نتيجة عقود من الفساد وسوء الإدارة.
محاولات استعادة النفوذ: هل يمكن إعادة إنتاج النظام
*استغلال الأزمات:
توظيف الحرب كذريعة لإعادة إنتاج خطاب سياسي جديد.
*التحالفات الإقليمية:
- الاعتماد على دعم دول مثل إيران وقطر لتعزيز موقفها داخليًا
*تشويه المعارضة:
- استخدام الإعلام الموالي لتقويض أي توجه نحو الديمقراطية.
شواهد النهاية الوشيكة للحركة الإسلامية
تفكك داخلي:
الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع تعكس فشل أدوات الحركة.
رفض شعبي واسع:
ثورة ديسمبر ٢٠١٨ أكدت الرفض القاطع لحكم الحركة الإسلامية.
ضغوط دولية:
العقوبات الدولية والمطالبات بمحاسبة رموز النظام ساهمت في تقليص نفوذ الحركة داخليًا وخارجيًا.
الاستنتاجات
نهاية الحركة الإسلامية كنظام سياسي: الحرب والانقسامات الداخلية تشير إلى انتهاء قدرتها على السيطرة.
الفرصة للتحول الديمقراطي: يجب استغلال ضعف الحركة الإسلامية لتحقيق تحول سياسي يعكس تطلعات الشعب السوداني.
محاسبة تاريخية: الكشف عن دور الحركة الإسلامية في إفشال الديمقراطية ومساءلة رموزها هو ضرورة لتحقيق العدالة.
يمثل الصراع الحالي نقطة تحول في تاريخ السودان، حيث تلوح في الأفق نهاية الحركة الإسلامية كقوة سياسية. مع ذلك، يبقى المستقبل مرهوناً بقدرة القوى الوطنية والإقليمية على العمل معاً لبناء سودان جديد يقوم على أسس الديمقراطية والعدالة والتنمية المتوازنة.
التوصيات لبناء سودان جديد
١. تفكيك بنية التمكين:
ًإعادة هيكلة المؤسسات العامة لتخليصها من النفوذ الكيزاني.
- محاسبة رموز الحركة الإسلامية على الجرائم ونهب الموارد العامة.
٢. إحياء الإدارة الأهلية والطرق الصوفية:-
إعادة الاعتبار لدورها في تعزيز التماسك الاجتماعي ومقاومة الاستبداد.
٣. دعم التحول الديمقراطي: -
- تأسيس نظام مدني قائم على مبادئ الحرية، العدالة، والمساواة.
الخاتمة
** على مدى عقود، استخدمت الحركة الإسلامية السودان كأداة لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية على حساب الشعب ومؤسسات الدولة. ومع تصاعد الصراعات الداخلية والانقسامات بين أدواتها، تتراجع قدرتها على البقاء كنظام سياسي مهيمن. السودان الآن أمام فرصة تاريخية لإعادة البناء على أسس ديمقراطية تضمن العدالة، الحرية، والتنمية المستدامة.
د. احمد التيجاني سيد احمد
٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ روما إيطالياً
ahmedsidahmed.contacts@gmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الحرکة الإسلامیة فی وقوات الدعم السریع قوات الدعم السریع اللجنة الأمنیة مؤسسات الدولة فی السودان بین الجیش
إقرأ أيضاً:
تقدم الجيش السوداني في دارفور هل يغير معادلات الحرب في السودان؟ ؟
عوامل عسكرية وسياسة ولوجيستية عدة تضافرت في وقت سابق لصالح قوات الدعم السريع مكنتها من السيطرة على أكبر وأهم القواعد العسكرية في إقليم دارفور، وأدت حينها إلى انسحاب شبه كامل للجيش من هذه الأقاليم الملتهبة بالنزعات المسلحة، غير أن المعادلات الميدانية وبعد نحو 20 شهرا على الصراع تغيرت غداة استعاد الجيش سيطرته على قواعد عسكرية ومطارات استراتيجية في غرب دارفور يمكن اعتبارها بداية لطريق طويل يحتاجه السودان لوضع نهاية للحرب.
الثورة / أبو بكر عبدالله
بعد النجاحات التي حققها مؤخرا باستعادة السيطرة على أجزاء من العاصمة الخرطوم فاجأ الجيش السوداني الجميع بإحرازه تقدما نوعيا في إقليم دارفور بعد عملية عسكرية أفلحت في طرد قوات الدعم السريع من اهم قواعده العسكرية الاستراتيجية الخاضعة لسيطرتها منذ نحو 20 شهرا.
العملية التي قادها الجيش السوداني بمساندة العديد من الفصائل الشعبية المسلحة تكللت باستعادة السيطرة على منطقة “وادي هَوَر” والعديد من القواعد العسكرية بما فيها قاعدة الزُرُق الاستراتيجية ومطارها الحربي بولاية شمال دارفور، فيما اعتبر تطورا مهما في مسار الحرب لمصلحة الجيش الذي بدأ يستعيد زمام السيطرة على مناطق مترامية من هذا البلد الغارق في حرب أهلية أوقعت آلاف القتلى والجرحى وشردت وما يزيد عن 14 مليون نازح ولاجئ بداخل السودان وخارجه.
الجديد في هذه العملية أنها تمت في إطار تحالف بين الجيش السوداني وقوى شعبية وقبلية يقودها حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي، تحت مظلة ” القوات المشتركة لحركات الكفاح المسلح” وهو تحالف عسكري يضم عددا من الحركات المسلحة بدارفور ومتطوعين بقيادة الجيش السوداني.
اكتسبت العملية أهميتها من النتائج التي خلصت اليها حيث أعلن الناطق باسم القوات المشتركة، استعادة السيطرة على قواعد عسكرية تابعة لقوات الدعم السريع في بئر مرقي، وبئر شَلة ودُونكي مجور وبئر جبريل ودُونكي وخائم، وصولا إلى قاعدة الزُرق العسكرية فضلا عن طرد قوت الدعم السريع من 5 مطارات عسكرية، بعد معارك أوقعت مئات القتلى والجرحى من الجانبين.
وهذه المواقع الاستراتيجية التي تتصدرها قاعدة “الزُرق” العسكرية بولاية شمال دارفور، كانت تمثل أكبر المراكز العسكرية واللوجستية لقوات الدعم السريع التي تخوض صراعا مسلحا مع قوات الجيش السوداني منذ أبريل عام 2023م، كما كانت تُمثل المصدر الرئيسي لإمداد قواتها المنتشرة في سائر مناطق ومدن أقاليم دارفور.
تغير المعادلات
حتى وقت قريب كانت قوات الدعم السريع هي المتحكم الرئيسي في معظم مدن إقليم دارفور حيث تمكنت منذ بدء الصراع المسلح في أبريل 2023م من بسط نفوذها على أجزاء واسعة من أقاليم دارفور الأربعة، مستفيدة من تكتيكاتها العسكرية وعلاقاتها المحلية وحاضنتها الشعبية.
طبقا لذلك ظلت هذه القوات مسيطرة على مناطق غرب دارفور التي تعد المعقل الرئيسي لها، كما حافظت على سيطرتها على معظم مناطق ولاية جنوب دارفور وأجزاء كبيرة من ولاية وسط دارفور وولاية شرق دارفور، وكذلك ولاية شمال دارفور سوى مدينة الفاشر عاصمة الولاية الخاضعة لسيطرة الجيش والتي لا تزال المعارك مستمرة فيها حتى اليوم بين قوات الدعم السريع والقاعدة العسكرية المتمركزة في مدينة الفاشر والتابعة لقوات الجيش.
يمكن هنا الإشارة إلى عدة عوامل ساعدت قوات الدعم السريع على فرض سيطرة عسكرية شبه كاملة على هذه الأقاليم، أبرزها تكتيكات حرب العصابات التي اتبعتها في هجماتها على المواقع الخاضعة لسيطرة الجيش والتي اعتمدت على السرعة والمباغتة وخلق فوضى في صفوف قوات الجيش النظامي.
زاد من ذلك الخبرة الميدانية لقوات الدعم السريع في معرفة تضاريس إقليم دارفور بالتوازي مع ضعف خبرات الجيش للتعامل العسكري في هذه المناطق وضعف دفاعاته العسكرية ومعاناته المزمنة في التمويل والإمداد وهي المشكلات التي ساعدت قوات الدعم السريع في تحقيق انتصارات سهلة مكنتها من السيطرة على اغلب مناطق الإقليم.
لكن المشهد بدا أنه تغير كثيرا في الآونة الأخيرة بعد أن أفضت جهود مجلس السيادة الانتقالي بزعامة قائد الجيش الفريق عبد الفتاح البرهان، إلى إعادة هيكلة المراكز القيادية للجيش وتعيين قيادات ميدانية ذات كفاءة بالتوازي مع استدعاء الجيش قوات الاحتياط وإعلانه التعبئة العامة في صفوف سكان المدن والقبائل الموالية وكذلك التحالفات القبلية التي نجح الجيش في إقامتها مع القبائل المحلية وخصوصا التي تعيش حالة خصومة أو عداء مع قوات الدعم السريع وهي عوامل ساهمت في استعادة الجيش زمام المبادرة وإدارة العمليات العسكرية بصورة أكثر كفاءة.
وعلاوة على معطى التفوق الجوي بدا أن الجيش السوداني تأقلم بسرعة مع حرب العصابات وهو الأمر الذي ظهر بوضوح في تحركات الأخيرة التي اعتمدت على تكتيكات عسكرية جديدة مثل الحصار والهجمات المباغتة، واستغلال نقاط الضعف لدى الخصم والدفع بوحدات عسكرية مدربة تدريبا عاليا وذات خبرة بالحروب التقليدية والتركيز على فرض السيطرة على المدن الكبرى والطرق الرئيسية، وهي عوامل أدت ضمن عوامل أخرى إلى إفقاد قوات الدعم السريع زمام السيطرة وتحويلها إلى كانتونات محاصرة وحبسيه بعيدة عن خطوط الإمداد.
غير بعيد عن ذلك الضعف الذي اعترى قوات الدعم السريع بعد أن أدت الحرب إلى استنزاف لقدراتها العسكرية والبشرية وتكبدها خسائر كبيرة في الأرواح والعتاد نتيجة العمليات العسكرية المكثفة لقوات الجيش في ظل خسارتها للدعم الشعبي نتيجة الانتهاكات التي ارتكبتها بحق المدنيين والتي برزت مؤخرا كواحدة من أهم القضايا الإنسانية في تقارير منظمات الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية الدولية.
أهمية استراتيجية وصعوبات
تُعتبر القواعد العسكرية والمطارات في إقليم شمال دارفور وفي صدارتها قاعدة الزُرق العسكرية من المواقع المهمة نظرا لموقعها الاستراتيجي الهام في غرب السودان وهي منطقة حدودية تربط بين السودان ودول أخرى مثل تشاد وجمهورية أفريقيا الوسطى وليبا، وكانت خلال الشهور الماضية من أكثر المناطق التي تغذي قوات الدعم السريع بالسلاح والذخائر والمرتزقة.
أسس الجيش السوداني هذه القاعدة قبل عقود لتكون مركزا متقدما يمكن من خلاله مراقبة الحدود ومنع التسلل وتهريب الأسلحة والمخدرات، كما جهزها بمنشآت جوية تتيح للقوات المسلحة السودانية خطوط الإمداد الجوي وتنفيذ عمليات مراقبة جوية وعمليات عسكرية مباغتة.
وقد لعبت هذه القواعد العسكرية مدى العقود الماضية دورا محوريا في النزاعات الداخلية الطويلة التي خاضها الجيش السوداني مع الحركات المسلحة مثل حركة تحرير السودان وحركات أخرى، حيث مثلت نقاط انطلاق لعمليات الجيش العسكرية ضد هذه الحركات، كما لعبت دورا مهما في تأمين الطرق الحيوية والممرات المنتشرة في إقليم دارفور التي تربط بين شرق السودان وغربه، فضلا عن أهميتها في تأمين طرق نقل البضائع والإمدادات.
واستعادة الجيش السوداني السيطرة على هذه القواعد بمطارات عسكرية سيعمل على تعزيز قدراته في السيطرة المركزية على المنطقة التي تشهد نزاعات وتوترات عرقية وقبلية بصورة مستمرة.
السبب في ذلك أن السيطرة على هذه القاعدة تتيح للطرف المسيطر مزايا عسكرية مهمة مثل المراقبة والتحكم بخطوط الدعم اللوجستي، وشن الهجمات الاستباقية وأكثر من ذلك السيطرة على خطوط الإمداد وهي ميزات قد تتيح للجيش السوداني استخدامها كنقطة انطلاق لعمليات أوسع في كل أقاليم دارفور الخاضعة لسيطرة قوات الدعم السريع في الوقت الراهن.
خطوة في طريق طويل
رغم أن السيطرة على هذه القواعد بمطاراتها الجوية ومستودعاتها التسليحية مثل إنجازا عسكريا كبيرا ومهما للجيش إلا أنه يبقى خطوة أولى في طريق طويل، إذا ما نظرنا إلى الجغرافيا الشاسعة لأقاليم دارفور الخاضعة لسيطرة قوات الدعم السريع، ما يجعل هذه الخطوة غير كافية لفرض السيطرة الكاملة للجيش على الإقليم أو طرد قوات الدعم السريع من المناطق التي يسيطر عليها بصورة كاملة في المدى القريب.
وإمكانية محافظة الجيش على هذا الإنجاز تبدو صعبة في الوقت الراهن وتحتاج إلى كلفة وجهود كبيرة من قوات الجيش السوداني الذي يبدو منهكا، ومشتتا في حرب مشتعلة بجبهات عدة.
والمعادلة الثابتة في دوامة الصراع بإقليم دارفور تمكن في الاعتماد على التحركات السريعة وحرب العصابات، وهو ما يُعدّ ميزة لقوات الدعم السريع التي تمتلك خبرة كبيرة في قتال حرب العصابات ولا سيما في التضاريس الصحراوية.
والأمر الآخر هو الاعتماد على دعم المجتمعات المحلية والقبائل وهي ميزة تحظى بها قوات الدعم السريع التي ترتبط بعلاقات وثيقة مع العديد من القبائل في دارفور.
هذان العاملان ربما يعقدان من مهمة الجيش السوداني في ف المضي بخطة استعادة السيطرة الكاملة على الإقليم في ظل احتياج الجيش السوداني لاستراتيجية كاملة، واحتياجه الملح لتحييد الدعم المحلي الذي تحظى به قوات الدعم السريع حاليا.
ومن الناحية الميدانية يصعب الركون على التجهيزات التي تمتلكها القواعد العسكرية التي استعاد الجيش السيطرة عليها بما فيها قاعدة “الزرق” في ظل التقارير التي تحدثت عن ان المواجهات الأخيرة أدت إلى تدمير أجزاء كبيرة منها، واحتياج بعضها إلى الإصلاح والصيانة بعد أن ظلت لأكثر من 20 شهرا على خارج سيطرة الجيش بما يجعلها غير مجهزة للتصدي للهجمات المباغتة لقوات الدعم السريع وافتقادها على عامل الاستقرار من الناحية التكتيكية في ظل التوترات المستمرة في أقاليم دارفور.
عناصر مهمة
ما يخشى منه أن الجيش السوداني وفي ظل عمليات التعبئة الواسعة لن يكون قادرا على نشر قوات كافية في هذه القواعد العسكرية ومطاراتها ومنافذها الواسعة ما قد يجعلها عرضة لهجمات واسعة من قوات الدعم السريع التي يمكنها أن تجند الآلاف من رجال القبائل لاستعادة السيطرة عليها.
ومعروف أن نقص القوى البشرية والإمدادات اللوجستية ساهما في فقدان الجيش السيطرة على هذه القواعد في الشهور الأولى للحرب، وهي مشكلة لا تزال قائمة في ظل انشغال الجيش السوداني في تأمين الكثير من جبهات التوتر المترامية في أنحاء السودان ومساعيه لتركيز جهوده في تأمين ولاية الخرطوم وإنهاء أي تواجد لقوات الدعم السريع فيه.
يزداد الأمر خطورة في ظل العلاقات الودية القوية التي تربط قوات الدعم السريع مع بعض القبائل المحلية في دارفور، وهي الميزة التي تمنحها فرص مثالية للترصد والحصار وشن الهجمات والحصول على المعلومات وتركيز العمليات الهجومية.
والمؤكد أن الجيش السوادان يحتاج اليوم إلى تعزيز التحصينات والدفاعات والتنسيق الاستخباراتي وإعادة توزيع القوات بشكل بما يُغطي المناطق الحيوية كما انه يحتاج بصورة ملحة للغاية إلى تحسين علاقاته مع القبائل هناك وتقويض نفوذ قوات الدعم السريع فيها.
هنا يتعين الإشارة إلى أن الدعم الإقليمي والدولي لا يزال يمتلك القول الفصل في معادلة استعادة الجيش السوداني السيطرة على هذه المناطق، حيث من الخطأ التعاطي مع الواقع الراهن بكونه صراعاً داخلياً، والمؤكد أن له أذرع متداخلة محلية وإقليمية ودولية، وهو ما بدا واضحا في الدعم الذي حصلت عليه قوات الدعم السريع وقوات الجيش والذي كان له آثر بالغ في تغيير معادلات الصراع.
وحيال ذلك يتعين على مجلس السيادة الانتقالي التحرك بشكل واسع لتفعيل الضغوط الدولية الهادفة إلى منع تدفق الأسلحة إلى قوات الدعم السريع، وهو أمر سيقود بلاشك إلى إضعافها وبالتالي تقليص مساحات الصراع ومداه الزمني.
ومع ذلك يبقى العامل الداخل هو الأهم، والرهان ينصب اليوم على قيادة الجيش في القدرة على تنظيم القوات ونشرها وضمان خطوط امدادها، وكسب دعم القبائل المحلية وأكثر من ذلك تبني استراتيجيات جديدة عسكرية وسياسية لإدارة هذه المناطق وابقائها بعيدة عن نفوذ أي جماعات متمردة.