بورتسودان لا توجد بها منطقة وسطي مابين الجنة والنار (٢) !!..
تاريخ النشر: 25th, November 2024 GMT
الأمر الواقع وطبيعة الاشياء بعد أن حرمنا حتي من إلقاء نظرة علي ( قمرتنا بالدرجة الثانية ( السكندو ) كما يحلو لنظار المحطات تسميتها وهي درجة واسطة العقد مثل المرحلة الوسطي المدرسية والطبقة الوسطي في المجتمع وهذه كلها صمام أمان من الشحن الزائد والبغضاء إذا تحكمت في المجتمع الطبقات العليا وتلاشت الطبقة الوسطى وصارت المواجهة مثل قتال الوعول في الجبال بين أناس نالوا كل شيء لدرجة التخمة الطويلة الممتازة وآخرين تعطلت ابارهم بسبب قصر مشيد !!.
توجد تعليمات واضحة منحوتة علي لوحة مثبتة علي الباب تقرأ :
( ممنوع منعا باتاً الجلوس علي السلم والوقوف أمام الباب ومن يخالف هذه التعليمات يخضع للعقاب المنصوص عنه قانونا في هذه الحالات ولا عذر لمن أنذر ) !!..
رغم المنع الواضح والقانون الباتع وقفنا أمام الباب ولو كان السلم خاليا لم يسبقنا عليه آخرون لكنا تحكرنا عليه مثل ملوك السلطنة الزرقاء مع اعتمار الطاقية ام قرينات !!..
عادة قطارات الاكسبريس عندنا ايام زمان في عهد الإنجليز وبعدهم بقليل كانت مواعيدها مضبوطة مع ساعة ( بق بن ) ... ولكن يوم نوينا الزيارة للشرق وجئنا لرصيف محطة الخرطوم الشهير وجدنا الزحام ولم نجد ساعة ( بق بن ) وكان ناظر المحطة الذي من مهامه إطلاق صافرة التحرك في حيرة من أمره وقد شل تفكيره هذا التكدس غير المحسوب ... وبعد تأخير دام عدد من الساعات تحرك القطار ببطيء يجرجر عجلاته مثل المحكوم عليه بالاعدام وارجله مكبلة بثقل الحديد ويومها لو أن الإنجليز مازالوا في بلادنا يسرحون ويمرحون لحصل استجواب في مجلس العموم البريطاني للحكومة ( عمالية ام محافظة ) عن سبب تأخير اكسبريس بورتسودان لعدد من الساعات وهذا يعتبر كارثة في تاريخ الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس وربما بعد استجواب وزير المستعمرات ووزير النقل أن يتقدم الوزيران باستقالتيهما مع اعتذار للملكة والشعب السوداني وشعوب اسيا وأفريقيا ودول الكاريبي ودول عدم الانحياز وفي هذه الحالة من الوارد أن تتقدم الحكومة باستقالتها علي أن تجري الانتخابات في موعد لا يتعدى الشهرين تتحول فيه الحكومة المنصرفة غير مأسوف علي شبابها الغض الي حكومة تصريف أعمال !!..
تحرك القطار وقد استغل بعض الركاب الحمامات وسكنوا فيها بوضع اليد ولم يجد خرطوم المياه ( ولو بصيص أمل ) ليضع عنقه داخل الازيار ليمدها بالماء الزلال فرجع كاسف البال الي قواعده سالما قرب ( الحنفية الرئيسية ) حيث ( تكوم ) مثل الرماد الذي ( كال حماد ) !!..
ومر القطار علي محطات ومحطات يقف عندها بالساعات لكنه يتغافل عن ( السندات ) الصغيرة فلا يلقي لها بالا ويكرمها فقط بصافرة طويلة من حنجرته المبحوحة ثم بعد ذلك ( يعطيها عجاج كرعية ) !!..
لا ادري كيف نمنا أو اكلنا وشربنا وكيف تجاذبنا أطراف الحديث بين بعضنا البعض وقد انقضت المدة بخيرها وشرها ولم يبق أمامنا لمعانقة تاجوج الشرق بورتسودان إلا بعض المحطات ومنها محطة ( اوبو ) التي تحولت إلي مقابر ورحل عنها ناظرها وأركان حربه ورحلت كل مظاهر الحياة فيها فصار القطار يمر بها ويمضي مسرعا حتي أنه لا يعطي الوقت الكافي للركاب للترحم علي شهداء حادث القطارين الشهير الذي هز البلاد الذي وقع إبان حكم الفريق ابراهيم عبود !!..
تفاصيل هذا الحادث الفظيع ومواصلة الحلقات في المرة القادمة بإذن الله سبحانه وتعالي .
حمد النيل فضل المولي عبد الرحمن قرشي .
معلم مخضرم .
ghamedalneil@gmail.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
الحب في زمن التوباكو (٥)
مُزنة المسافر
جوليتا: وأين هو الآن رجل القطار يا عمتي؟
ماتيلدا: لقد رحل.
جوليتا: إلى أين؟
ماتيدا: صار القطار البطيء سريعاً فجأة، أخذ منديله ووضعه في جيبه مع قبعته الرصينة، وتركني وحيدة، قال لي: لقد حان الوقت إنها المحطة المنتظرة.
جوليتا: لكن لم يكتب لكِ أي عنوان يا عمتي؟
ماتيلدا: القطار صار سريعاً، والزمن تحرك بسرعة عاجلة، ولم يعِ أن قلوبنا واهية وضعيفة أمام التغيير، وأن الخجل والوجل الذي ساد قلبي، لم يكن في قلوب الأخريات، بالطبع كنت اعتقد أنَّ إحداهن قد قنصت قلبه بعيداً عني أنا والأسوأ من ذلك يا عزيزتي أن والدك وجدك قد ثقبوا قبعته ولطخوا سترته الثمينة بالغبار، في الحقيقة ألقوا به في وحل الشارع، وأهانوا كرامته وحطموا أناقته.
ولأنه كان رجلاً مختلفاً، لم يرغب أبداً أن يشعل نيران الشك في قلوبهم أكثر، وجاءوا إلى وكري في منزل جدك القديم، وألغوا لي فصلاً جميلاً من الرومانسية، وقالوا إنِّه أرعن وغير متوازن، ومع الوقت اكتشفت أنا أنهما يكذبان طبعاً حتى استمر في الغناء، لأحصد المال والشهرة لهما، وأن يكون المسرح منشغلاً بي وبصوتي فقط، بينما كنت أنا منشغلة برجل القطار، كان اسمه غابرييل.
كان رجلاً لبقاً، لطيفاً للغاية يا جولي، بينما كان أبوك وجدك يشبهان رجال المناجم المحترقة قلوبهم للوقت الذي يضيعونه في الظلام، وكانت حياتي في المسرح أجمل الأمور التي حصلت لي، لكن بين فينة وأخرى كان هو في بالي وكان بالطبع مرادي الذي يسكن فؤادي دائماً، بحثت عنه ووجدت عنواناً بين جواباته ومراسلاته لي، وكاد والدك يحرقها كلها ويشعلها بنيران الغيرة، وكنت للفكرة أسيرة، فأخذت حقيبة صغيرة ومددت نفسي نحو الشرفة، وقفزت منها كانت قريبة من الأرض، ووجدته بعد أيام.
جوليتا: وهل وجدته يا عمتي؟
ماتيلدا: بالطبع وجدته، وقال لي إنه سيعود لأبي وأخي، وسيكون له كلمة جادة، وإنه يود خطبتي وسيدافع عني إذا حدث لي شيء.
وبالفعل قام بكل ما قاله، ولكن والدك الأهوج، وجدك الذي يعرج، كانت ألسنتهم سليطة، وكنت أنا شابة يانعة، لم أكن لنفسي نافعة، كنت أحتاجه، وكنت أمدد الفكرة لزمن آخر ربما.
جوليتا: وهل يئستِ؟
ماتيلدا: لا، وسعى والدك أن يبحث عنه، ويلطخ قلبه بمشاعر غريبة لا تخصني، وهدده، وندَّد به.
جوليتا: قولي يا عمتي، ماذا فعل رجل القطار؟
ماتيلدا: فعل الكثير من أجلي.