بعد عودة ترامب.. كيف ستتعامل الصين مع متغيرات السياسة الأميركية؟
تاريخ النشر: 25th, November 2024 GMT
يرى خبراء السياسة الدولية أن الصين تسعى لتجاوز الولايات المتحدة كقوة رائدة عالميا، وهناك اتهامات صينية بأن أميركا تسعى لعرقلة هذا التقدم بوصف بكين التحدي الرئيسي أمام هيمنة واشنطن وسيطرتها عالميا.
ولذلك تذهب مجموعة الأزمات الدولية -في تقرير سابق لها- إلى أنه يجب على الإدارة الأميركية القادمة تحقيق تعايش قابل للتطبيق يتيح لكل من واشنطن وبكين التنافس بمسؤولية، وتقليل خطر النزاع المسلح والحفاظ على العناصر الأساسية للوضع السياسي الراهن، وأنها لا تسعى إلى انتصار في حرب باردة ضد الصين.
ومع نجاح دونالد ترامب في الانتخابات الأميركية التي أجريت مطلع الشهر الحالي، واستعداده لإدارة دفة السياسة الأميركية تجاه الصين يستحضر العالم عهدته الرئاسية السابقة وتوجهات سياسته نحو الصين.
منتدى التعاون الصيني الأفريقي في بكين في سبتمبر/أيلول الماضي (الأناضول) ترامب والصينتقول مجموعة الأزمات إن هناك 3 نقاط رئيسية تميز النهج الذي سيتبعه ترامب في علاقته بالصين:
أنه يرى العلاقات الأميركية الصينية من منظور التجارة بشكل رئيسي، ويبدو أنه ملتزم بتسريع فك الروابط الاقتصادية بين واشنطن وبكين. تظهر تصريحاته خلال حملته الانتخابية عقلية تجارية في الأساس، لذلك فإنه يُخضع معظم أهدافه لتحقيق علاقة اقتصادية أكثر توازنا مع الصين. هناك مستوى من عدم القدرة على التنبؤ بمواقف الرئيس الأميركي السابق، فقد اتخذ مواقف متناقضة طوال فترته الرئاسية فيما يتعلق بالقيادة الصينية نفسها أو القضايا الاقتصادية والسياسية.وبناء على ذلك، يرى محللون وخبراء أنه يمكن أن تتصاعد التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين، وأن الصعود الاقتصادي السريع للصين أثار غضب المحافظين الجدد في واشنطن.
أميركا والصين تمثلان معا نحو 43% من الناتج العالمي (شترستوك) التنافس الاقتصاديتعد الولايات المتحدة والصين القوتين الاقتصاديتين والعسكريتين الرائدتين في العالم، حيث تمثلان معا نحو 43% من الناتج العالمي، و49% من الإنفاق الدفاعي العالمي في عام 2023، وإن تصاعد المنافسة الإستراتيجية بينهما يعد محورا رئيسيا في النظام الدولي المتطور، حسب ما تراه مجموعة الأزمات.
ويقول كبير الباحثين في معهد "تايهي" إينار تانجين إن الولايات المتحدة انخرطت في صراعات مدتها 231 عاما من أصل 248 عاما من وجودها، فغزت دولا وخرقت معاهدات وتجاهلت القانون الدولي، وقوضت مؤسسات دولية، وسعت لتحقيق مصالحها على حساب الآخرين.
وأضاف تانجين -في مقابلة مع الجزيرة نت- أن صراع أميركا مع الصين بدأ منذ أدراكها أن السماح لبكين بالانضمام إلى منظمة التجارة العالمية لن يغير الحكومة الاشتراكية في الصين، وأن هذا الصراع يمتد لسنوات، وما نراه اليوم هو مجرد مرحلة جديدة.
أما خبير الشؤون الأميركية الصينية لدى مجموعة الأزمات علي واين فيرى أن التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين من المرجح أن تتصاعد الفترة القادمة، "إلا أن القلق الأكثر إلحاحًا على الأمدين المتوسط والطويل هو أن استمرار تقليل التعاون بينهما قد يجعل كلا منهما يعتقد أنه يمكنه تحمل الأضرار الاقتصادية التي قد يسببها الآخر إذا دخلا في نزاع مسلح".
التحالفات الصينيةحتمية التنافس الحالي بين القوتين الأميركية والصينية تفرض على الطرفين شبكة من التحالفات التي قد يستثمر فيها كل طرف، ويجعلها دعامة يستند إليها في كسب المزيد من المزايا الإستراتيجية على حساب الطرف الآخر.
لذلك يقول واين -في مقابلة مع الجزيرة نت- إنه من المرجح أن تعمل الصين على إضعاف علاقات أميركا مع الحلفاء والشركاء من خلال الإشارة إلى أنه لم يعد بإمكانهم اعتبار عقلية "أميركا أولا" الخاصة بترامب حالة استثنائية، بل يجب عليهم افتراض أنها ستشكل صورة عامة للسياسة الأميركية في المستقبل.
وأضاف خبير مجموعة الأزمات أن الصين ستستمر على الأرجح في تطوير علاقاتها مع أعداء الولايات المتحدة (مثل روسيا وإيران وكوريا الشمالية) ومع القوى المتوسطة (مثل إندونيسيا والسعودية وجنوب أفريقيا) للتعويض عن الضغوط المتزايدة من الديمقراطيات الصناعية المتقدمة.
لكن تانجين يختلف مع هذا الطرح، ويرى أن الصين تدرك التاريخ جيدا، فهي لا تريد اتباع المسار الذي أدى إلى الحرب العالمية الأولى، وأن إنشاء تحالفات من شأنه فقط أن يجعل السلام أكثر صعوبة.
وأضاف الباحث في معهد تايهي "أن نهج الصين السياسي للتعامل مع الولايات المتحدة هو الصبر الإستراتيجي، وأنها ستستجيب للضغوط ولكنها لن تصعد". ومن الناحية الاقتصادية، ستواصل التوجه نحو الجنوب العالمي وآسيا الوسطى للحصول على الموارد والأسواق.
تايوان تعد بؤرة التوتر بين الصين ومحيطها الجيوسياسي (الجزيرة) ملف تايوانتعد تايوان بؤرة التوتر بين الصين ومحيطها الجيوسياسي، وتعارض الحكومة بحزم أي حديث أو عمل يهدف إلى الاعتراف بتايوان كيانا مستقلا عنها، وازدادت قضية تايوان سخونة بعد مناورات صينية على ما يشبه اقتحام الجزيرة، وازداد التصعيد أكثر بالحشود التايوانية في المقابل.
ورغم أن الولايات المتحدة ما زالت ملتزمة بالخطوط الحمر، ولم تعترف رسميا باستقلال جزيرة تايوان عن البر الصيني، فإنها لم تضيع وقتا ودانت المناورات الصينية، مما استدعى تصعيدا في التصريحات الصينية ضد التدخل الأميركي.
وأمام هذه القضية المحورية في الأبعاد الإستراتيجية بين بكين وواشنطن، ومع عودة ترامب إلى الرئاسة الأميركية فمن المحتمل "أن تعمل الصين على دق إسفين بينه وبين مستشاريه العسكريين الذين يريدون تعزيز الدعم العسكري لتايوان"، حسب المتخصص في الشؤون الصينية الأميركية علي واين.
وأضاف واين أن الصين ستعمل على أن يكون ردها بقوة أكبر على الإكراه البحري الذي تمارسه الولايات المتحدة في بحر جنوب الصين، ومنع ترامب من تقييد حريتها في المناورات إذا كان يأمل الحفاظ على إمكانية صفقة شاملة مع الرئيس الصيني شي جين بينغ.
ويذهب الباحث الصيني خطوة أكبر إلى الأمام، ويرى أن "تايوان واحدة من الخطوط الحمر الأربعة التي وضعها الرئيس الصيني صراحة أمام الرئيس الأميركي جو بايدن في قمة الأبيك" (منظمة التعاون الاقتصادي لمنطقة آسيا والمحيط الهادي). وهو إذ يقولها لبايدن فإن الرسالة في الحقيقة كانت موجهة لترامب.
ويضيف تانجين أن الولايات المتحدة إذا حاولت تزويد تايوان بصواريخ طويلة المدى يمكنها ضرب بكين، أو حاولت تايبيه إعلان الاستقلال، فإن القوات الصينية ستعبر مضيق تايوان نحو تايبيه.
الحرب الروسية الأوكرانية
شكلت الصين موقفها من الحرب الروسية الأوكرانية بما يتماشى مع سياستها الإستراتيجية، وإدراكها القيمة والهدف من التحالفات الدولية، وكانت بالنسبة لها فرصا ومخاطر محددة حسب طبيعة التدخلات الدولية في هذه الحرب، وكانت العلاقة مع الولايات المتحدة على رأس ذلك.
ويقيّم تانجين هذه العلاقات قائلا إن "الصين لا تدعم حرب روسيا في أوكرانيا، ولديها علاقات مع موسكو تتعلق بالتجارة والسياحة والثقافة"، لكنها "تواجه ضغوطا مماثلة من واشنطن التي تحاول عزلها وإجبارها على تغيير النظام".
وأضاف كبير الباحثين في معهد تايهي أن الصين تعتقد أن جميع القضايا الأمنية والسياسية يجب أن تحل من قبل الأطراف المعنية، وليس بالإملاءات من العواصم الأجنبية، كما أن الصين تدعو باستمرار إلى المحادثات، لأن "الحروب نادرا ما تحل أي شيء، وفي معظم الحالات تهيئ المسرح للحرب التالية".
أما علي واين فيري أن "الصين ستستمر في دعم روسيا، ليس فقط لأن أوكرانيا تواجه ضغوطا متزايدة للوصول إلى طاولة المفاوضات، ولكن أيضا لأن المسؤولين الصينيين لا يعتقدون أن التخلي عن موسكو سيغير الاتجاه العريض للسياسة الغربية تجاه بكين".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الولایات المتحدة مجموعة الأزمات أن الصین
إقرأ أيضاً:
الصين تسابق الولايات المتحدة بقوة في نماذج الذكاء الاصطناعي
سلطت صحيفة "فايننشال تايمز" الضوء على التطورات الأخيرة في سباق الذكاء الاصطناعي بين الولايات المتحدة والصين، مستعرضة نموذج الذكاء الاصطناعي الذي أطلقته شركة ديب سيك الصينية، والذي أحدث ضجة في السوق ورفع التساؤلات حول تقدم الصين في هذا المجال.
وقالت الصحيفة، في هذا التقرير الذي ترجمته "عربي21"، إن العالم شاهد يوم الإثنين الماضي كيف تم محو تريليون دولار من سوق الأسهم في يوم واحد، وهو حريق هائل أشعلته شركة الذكاء الاصطناعي الصينية الناشئة غير المعروفة "ديبسيك".
وقد أدى إطلاقها لنموذج ذكاء اصطناعي جديد، يُعرف باسم "آر1"، إلى قلب الافتراضات حول تفوق الولايات المتحدة في مجال الذكاء الاصطناعي وأثار احتمال تغلب الصين على وادي السيليكون في لعبته الخاصة.
ويستطيع هذا النموذج "التفكير" في حل المشاكل العلمية المعقدة ويضاهي في أدائه البرمجيات الرائدة من عمالقة التكنولوجيا الأمريكية، لكنه تم تطويره بسعر أقل من سعر تلك النماذج.
وسرعان ما أزاح تطبيق "شات جي بي تي" باعتباره التطبيق المجاني الأكثر تحميلا على متجر تطبيقات "آي أو إس" في الولايات المتحدة.
وأشارت الصحيفة إلى أن نجاح "ديب سيك" له آثار مزدوجة على صناعة التكنولوجيا؛ أولا، من المرجح أن يؤدي ذلك إلى تسريع التطوير التجاري للذكاء الاصطناعي واستيعابه، مثلما فعل تطبيق "شات جي بي تي" في سنة 2022.
وفي الوقت نفسه؛ يهدد التطبيق الصيني بهدم الافتراضات الاستثمارية التي قامت عليها سوق الأسهم الأمريكية بأكملها، وذلك من خلال إظهار أن تطوير نماذج الذكاء الاصطناعي المتقدمة لا يتطلب كميات هائلة من البنية التحتية وبالتالي رأس المال.
والسؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح: هل لحقت الصين بركب الذكاء الاصطناعي في اللحظة التي يدعي فيها العاملون في هذا المجال أنهم على شفا طفرة تاريخية ستضع الآلات على قدم المساواة مع الذكاء البشري، وهي العتبة المعروفة باسم الذكاء الاصطناعي العام؟
وبحسب إريك شميدت، الرئيس التنفيذي السابق ورئيس مجلس إدارة جوجل، فإن ابتكارات "ديب سيك" تؤكد أن الصين والولايات المتحدة متقاربتان في هذا المجال وأن التفوق الأمريكي غير مضمون.
وأوضحت الصحيفة أن شركة "ديب سيك" تأسست على مستويات من الطموح تماثل وادي السيليكون؛ فقد بدأت في سنة 2023 كمشروع جانبي للملياردير غريب الأطوار ليانغ وينفينغ، في الوقت الذي كان السباق على استنساخ "شات جي بي تي" يحتدم، وتحولت منذ ذلك الحين إلى أحد مختبرات الذكاء الاصطناعي الرائدة في الصين.
وقال ليانغ في مقابلة له السنة الماضية: "لماذا يعد وادي سيليكون مبتكرا للغاية؟ لأنهم يجرؤون على فعل الأشياء، فعندما ظهر شات جي بي تي، كان مجتمع التكنولوجيا في الصين يفتقر إلى الثقة في الابتكار".
وأضاف: "من المستثمرين إلى التكنولوجيا الصينية الكبيرة، اعتقدوا جميعا أن الفجوة كبيرة جدا واختاروا التركيز على التطبيقات بدلا من ذلك. ولكن الابتكار يبدأ بالثقة".
وأفادت الصحيفة أنه مع اضطلاع الصناديق المملوكة للدولة في الصين بدور أكبر في تمويل الشركات الناشئة في السنوات القليلة الماضية، شعرت بيئة ريادة الأعمال بالضغط لضمان العوائد خوفا من خسارة أصول البلاد.
وتتميز شركة "ديب سيك" بين الشركات الصينية الناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي التوليدي بأنها لم تجمع أي تمويل خارجي وبالتالي تحررت من هذه القيود.
وباعتبارها مختبرا بحثيا خالصا، فقد ركزت "ديب سيك" كل جهودها على دفع مجال الذكاء الاصطناعي إلى الأمام، بدلا من محاولة كسب المال.
ووفقا لأحد المستثمرين في مجال الذكاء الاصطناعي في الصين، فإنها فريدة من نوعها بين شركات الذكاء الاصطناعي الصينية؛ حيث لا توجد سياسات أو احتكاكات إدارية كما هو الحال في شركات التكنولوجيا الكبرى الأخرى أو الشركات الناشئة الأكبر حجما.
وأضافت الصحيفة أن نشأة شركة "ديب سيك" كصندوق تحوط كمي يعني أنها تمتلك مواهب هندسية تتمتع بفهم عميق للرقائق، ويظهر إنجازها في نجاحها الواضح في تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي المتقدمة دون إنفاق مئات الملايين من الدولارات التي أنفقها منافسوها الأمريكيون.
وربما تكون قد اختصرت الطريق لتوفير التكاليف؛ حيث تدعي "أوبن إيه آي" أن لديها أدلة على أن "ديب سيك" تدرب على مخرجات نماذج "أوبن إيه آي" الخاصة، وهو أمر غير مسموح به بموجب شروط الاستخدام الخاصة بها، على الرغم من أنه يُعتقد أن هذه الممارسة غير المشروعة تستخدم على نطاق واسع من قبل الشركات الأمريكية أيضا.
ومن المفارقات أن محاولة واشنطن إعاقة قطاع الذكاء الاصطناعي في الصين من خلال فرض ضوابط على تصدير الرقائق الأمريكية المتطورة اعتبارا من عام 2022 فصاعدا ربما تكون قد ساهمت في تحقيق نجاح "ديب سيك".
فقد اضطرت الشركة إلى إيجاد طرق مبتكرة لاستخراج أداء أعلى من الرقائق الأقل تطورا التي تمكنت من شرائها.
وأشارت الصحيفة إلى أن ادعاءات الشركة بشأن التكلفة المنخفضة والقدرات المتقدمة لنماذجها أثارت جدلا ساخنا حول مدى تأثيرها المزعزع للاستقرار؛ حيث أشاد قادة وادي السيليكون بابتكاراتها، مع التقليل من أهميتها في الوقت نفسه.
ووصف سام ألتمان، الرئيس التنفيذي لشركة "أوبن إيه آي"، نموذج "آر1" بأنه "مثير للإعجاب"، بينما أشاد مارك زوكربيرج، الرئيس التنفيذي لشركة "ميتا"، بالشركة التي حققت "تطورات نأمل أن نطبقها في أنظمتنا".
ومع ذلك فقد وصف زوكربيرج الإنجاز الذي حققته شركة "ديب سيك" أيضا بأنه مجرد إنجاز من بين العديد من الإنجازات في مجال يتحرك بسرعة فائقة، مما يجعل من الصعب معرفة مدى عمق النهج المنخفض التكلفة الذي تتبعه الشركة في تغيير ديناميكيات هذه الصناعة.
ووفقا لبعض مراقبي التكنولوجيا في الصين، فإن التقدم الذي حققته شركة "ديب سيك" ليس مهما بما يكفي لتغيير حقيقة أن شركات الذكاء الاصطناعي في البلاد كانت تكرس نفسها إلى حد كبير لمحاكاة نظيراتها الأمريكية بدلا من تحديد اتجاه لنفسها.
ويقول آخرون إن حقيقة أن شركة تكنولوجيا ناشئة صينية هي التي تقف وراء آخر تقدم مثير للانتباه تمثل لحظة فارقة، وتغيّر الديناميكية في سباق الذكاء الاصطناعي بين البلدين.
وكتبت تيلي زانغ، محللة تكنولوجيا الصين في شركة "غافيكال دراجونوميكس" المتخصصة في أبحاث الصين، في ملاحظة نُشرت هذا الأسبوع: "قد لا تعني النماذج الأخيرة لشركة ديب سيك أن الصين تتقدم على الولايات المتحدة في سباق الذكاء الاصطناعي، ولكنها تُظهر أن الشركات الصينية تحقق تقدما ملحوظا في ابتكار البرمجيات الذي يخفف من القيود التي تفرضها ضوابط التصدير الأمريكية."
وأضافت: "سباق القيادة في مجال الذكاء الاصطناعي لم يعد يتعلق بمن لديه أفضل الرقاقات، بل بمن يستطيع استخدامها على أفضل وجه."
وبينت الصحيفة أنه رغم جدل أهمية اختراقات ديب سيك التقنية، إلا أنه لا يمكن إنكار الصدمة التي اجتاحت سوق الأسهم مع استيعاب المستثمرين لتداعيات ابتكارها الرئيسي، وهي تقليص تكلفة تدريب أحدث نماذج الذكاء الاصطناعي بشكل كبير.
وأضافت الصحيفة أن نماذج "ديب سيك" تبدو أنها تقوض الحجة التي رددتها الشركات الأمريكية في مجال الذكاء الاصطناعي على مدار السنة الماضية؛ حيث إن التقدم في مجال الذكاء الاصطناعي يتطلب كميات ضخمة من رأس المال والبنية التحتية لتطوير ونشر تقنياتها على نطاق واسع.
بدلا من ذلك، تشير التقنية الصينية إلى أن النماذج الأمريكية الأكثر تكلفة لن تكون لديها اختلافات كبيرة، مما يثير مخاوف المستثمرين من حدوث صدمة انكماشية حادة.
وأفادت الصحيفة أن الكثيرين في وادي السيليكون يميلون إلى الحجة بأن الآخرين سيتبنون ابتكارات "ديب سيك"، مما سيخفض تكلفة تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي. وادعى مديرون مثل ساتيا ناديلا من مايكروسوفت أن ذلك سيجعل التكنولوجيا أكثر قدرة على تحمّل التكلفة ويزيد من استخدامها، مما يعود بالنفع على الصناعة.
في إشارة على ثقة الشركة في مكانتها، نشرت "ديب سيك" أبحاثها وأصدرت نماذجها بصيغة "الأوزان المفتوحة"، وهي نسخة أكثر محدودية من البرمجيات مفتوحة المصدر تسمح لأي شخص بتحميل واستخدام وتعديل التكنولوجيا.
وقالت الصحيفة إن هذا التحرك سيجذب متابعة واسعة من المطورين حول العالم الذين يبحثون عن نماذج "مفتوحة" لبناء التطبيقات عليها. ورغم أن معظم النماذج التي تطورها الشركات الرائدة في وادي السيليكون تظل مغلقة، إلا أن هناك استثناءات، أبرزها شركة ميتا، التي شهدت نماذجها المفتوحة زيادة كبيرة في الشعبية.
وأضافت أن نموذج "ديب سيك" متاح بتكلفة أقل بكثير، حيث تتقاضى 1.4 سنت لكل مليون رمز، ما يعادل حوالي 700,000 كلمة، بينما تتقاضى "ميتا" 2.80 دولار لنفس المخرجات من أكبر نماذجها.
وبعيدا عن تأثير "ديب سيك" على سوق منتجات الذكاء الاصطناعي، يعد اختراقها أيضا بأن يكون له تداعيات جيوسياسية، إذ يأتي في لحظة حاسمة يعتقد الكثيرون أنها تشكل نقطة تحول في المنافسة بين الولايات المتحدة والصين على الهيمنة في مجال الذكاء الاصطناعي.
ونقلت الصحيفة عن كريغ موندي، المدير التنفيذي السابق في مايكروسوفت والمستشار السابق في البيت الأبيض، والذي يقدم المشورة لسام آلتمان من "أوبن إيه آي" بشأن سياسة وإستراتيجية التكنولوجيا، قوله: "لقد سرّعت "ديب سيك" من الحاجة الملحة لجميع البلدان لتقييم... توازن القوى التكنولوجي الناشئ بين الدول المختلفة."
وحذر داريو أمودي، الرئيس التنفيذي لشركة "أنثروبيك" الأمريكية الناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي، من أن تمكن الصين من الوصول إلى مستوى متساو مع الولايات المتحدة في مجال الذكاء الاصطناعي سيكون له تداعيات على كل ما قد تُستخدم له هذه التكنولوجيا في المستقبل.
وأشار موندي، الذي يرأس أيضا المنتدى الدبلوماسي للحوار بين الولايات المتحدة والصين بشأن الذكاء الاصطناعي الذي أنشأه وزير الخارجية الأمريكي الراحل هنري كيسنجر، إلى أن الذكاء الاصطناعي كان "التكنولوجيا ذات الاستخدام المزدوج في نهاية المطاف"، مما يعني أنه له أغراض إيجابية وخطيرة.
وذكرت الصحيفة أنه من المرجح أن يطغى ظهور "ديب سيك" على المناقشات عندما يجتمع المنتدى الدبلوماسي في غضون 90 يوما لمناقشة هيكل أمني متعدد الأطراف ولكنه مشترك لبرمجيات الذكاء الاصطناعي، وهو الموضوع الذي يتناوله موندي في كتابه الأخير جينيسيس، الذي شارك في تأليفه مع كيسنجر وشميت.
واختتمت الصحيفة تقريرها موضحة أن رواد الأعمال الشباب الطموحين في الصين يتطلعون إلى "ديب سيك" ومؤسسها كمصدر إلهام لبناء جيل جديد من التكنولوجيا القوية.