أصدَر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، تحليلاً جديداً حول «تأثير تغير المناخ على التراث الثقافي والأثري» استعرض خلاله تأثير تغير المناخ على التراث الثقافي والأثري، وذلك من خلال التطرق لكيفية تأثير الظواهر المناخية المختلفة على المعالم الأثرية، ومدى اهتمام المجتمع الدولي والمنظمات الدولية بهذه القضية.

وتضمن التحليل كيفية تهديد تغير المناخ والظواهر المصاحبة له للمناطق الأثرية على الصعيد العالمي، ثم الانتقال لتجربة مصر من خلال تناول التأثيرات المختلفة المهددة للتراث الثقافي والأثري المصري المتنوع، وكيف تعاملت الدولة مع تلك التهديدات، وما المناطق الأثرية التي تأثرت، وكيف تدخلت الحكومة لإنقاذها وحمايتها من تأثيرات تغير المناخ.

الأنشطة البشرية منذ القرن الـ19 أسفرت عن حدوث تغير غير مسبوق في درجات الحرارة

وأشار التحليل إلى أن الأنشطة البشرية منذ القرن التاسع عشر أسفرت عن حدوث تغير غير مسبوق في درجات الحرارة؛ مما أدى للتأثير على أنماط الطقس والمناخ، وهو ما يعود سببه في بادئ الأمر إلى حرق الوقود الأحفوري (الفحم والنفط والغاز)، الذي يتولد عنه انبعاثات الغازات الدفيئة (مثل ثاني أكسيد الكربون والميثان وغيرها من الغازات ذات الصلة)، مُسببًا ما يطلق عليه ظاهرة الاحتباس الحراري، والتي يترتب عليها ارتفاع درجة حرارة الأرض على نحو غير معتاد، وما يترتب عليها من ظواهر مناخية متطرفة مثل زيادة معدل هطول الأمطار، والفيضانات، وموجات الجفاف الحادة، وظاهرة ارتفاع مستوى سطح البحر، وحرائق الغابات، كما أنه يؤدي إلى تسارع وتيرة الظواهر المناخية الطبيعية مثل الأعاصير والانفجارات البركانية.

ومع تفاقم أزمة المناخ، التي تؤثر على حياة الملايين من البشر والكائنات الحية، يتضح أن تأثيرها لا يقتصر على ذلك فقط، بل امتدت عواقبه إلى التراث الثقافي، وخاصة المواقع الأثرية التاريخية.

علاقة وثيقة بين استقرار التراث الثقافي والأثري والنظام البيئي

وعن تأثير تغير المناخ على التراث العالمي، فقد أوضح التحليل أن هناك علاقة وثيقة بين استقرار التراث الثقافي والأثري، والنظام البيئي، فإذا كانت البيئة مستقرة لا تتعرض لتهديدات فإن التراث الثقافي في مأمن من التأثيرات المصاحبة، ولعل تغير المناخ والظواهر المناخية الحادة التي تصاحبه، تؤدي إلى تغيرات غير طبيعة في النظام البيئي والتأثير سلبًا على اتزان النظام الإيكولوجي، وهو ما ينعكس بصورة غير إيجابية على المواقع الأثرية، سواء الثابت منها أو المنقول أو تلك المدفونة تحت سطح الأرض، وبالتالي يكمن تأثير تغير المناخ على التراث العالمي في تعرض الأماكن الأثرية المكشوفة للظواهر المناخية في البيئة المحيطة بها، واحتمالية إصابتها بالتلف نتيجة للملوثات الناجمة عن الأنشطة البشرية المختلفة، وخاصة الأنشطة الصناعية الكبيرة، مما قد يؤدي إلى تآكل القشرة الخارجية للآثار، وخاصة في المباني الحجرية والمكونات الصخرية.

يؤثر التغير في معدل هطول الأمطار ومستويات المياه الجوفية

وعلى سبيل المثال، قد يؤثر التغير في معدل هطول الأمطار ومستويات المياه الجوفية ومعدل الرطوبة والطبيعة الكيمائية للتربة على البقايا الأثرية المدفونة تحت الأرض، فضلًا عن تأثير ارتفاع درجات الحرارة على المناطق القطبية وتسببها في ذوبان الجليد، وهو ما قد يؤول إلى حدوث الانهيارات الأرضية بسبب عدم استقرار باطن الأرض والتسبب في تلف المناطق الأثرية في بعض الأرجاء.

كما ستتعرض المناطق الأثرية القريبة من سطح البحر لخطر فقد البيانات المحفوظة على الأثر بفعل تأثير ظاهرة ارتفاع سطح الأرض التي ينتج عنها تآكل للشواطئ أو الغمر الدائم للمناطق الأثرية الواقعة في الأراضي المنخفضة، كما أنه يتسبب في زيادة نسبة ملوحة التربة الساحلية وتشبعها بالمياه الممزوجة بالأملاح في ظل تربة خالية من الأكسجين؛ مما قد يؤدي إلى فقدان سلامة تلك المناطق الأثرية وتآكلها.

بالإضافة إلى أن الفيضانات وزيادة معدل المياه قد يضر بمواد البناء الخاصة بالأثر، والتي لا تتحمل الرطوبة لفترات طويلة، إلى جانب احتمالية تلف الأسطح المزخرفة في المباني الأثرية بسبب زيادة معدل الرطوبة، ويمكن أن تؤدي زيادة غزارة الأمطار كذلك إلى فقدان أنظمة الصرف لقدرتها على استيعاب المياه، مما قد يتسبب في حدوث خلل في أنظمة مياه الأمطار وحدوث انقسامات وتشققات في الأثر، كما يمكن للحوادث المناخية المفاجئة، مثل الزلازل والعواصف وتباين درجات الحرارة، أن تؤدي إلى انقسام وتشقق وتقشير المواد والأسطح؛ مما يؤثر على المباني الأثرية الواقعة في المدن التاريخية المختلفة ويحدث أضرارا في هيكل المباني وجوهر ارتكازها.

التغيرات المفاجئة في طبيعة التربة جراء الظواهر المصاحبة لتغير المناخ

وأفاد التحليل بأنَّ التغيرات المفاجئة في طبيعة التربة جراء الظواهر المصاحبة لتغير المناخ قد تُشكل تهديدًا كبيرًا على المعالم الأثرية المدفونة في باطن الأرض التي لم يتم اكتشافها بعد؛ نتيجة لإحداث خلل في التوازن الهيدرولوجي والكيميائي والبيولوجي للتربة التي تحفظ البقايا الأثرية لمئات وآلاف السنين، مما يتسبب في تسريع عملية التدهور والتآكل في المناطق الحساسة في الأثر.

ولفت التحليل إلى أنَّ العلاقة بين ملف تغير المناخ والإرث الثقافي والأثري حظيت باعتراف دولي موسع بسبب مخاطرها المحتملة، ففي مؤتمر الأطراف COP 25 المقام في مدينة مدريد عام 2019، تمت الإشارة لقضية تأثير تغير المناخ على الإرث الثقافي بمختلف أنواعه، وأصبح تأثيره أكثر وضوحا في مؤتمرات الأطراف التي تلته، وفي مؤتمر الأطراف COP 28 في ديسمبر 2023 ترأست دولة الإمارات العربية طاولة الحوار بشأن العمل المناخي القائم على الثقافة في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية، وتطرقت من خلاله إلى تناول ملف تغير المناخ من منظور واسع يتضمن التحديات الثقافية والبيئية والمالية والعلمية.

وأضاف التحليل أنَّ الحراك العالمي للمحافظة على الإرث الثقافي يأتي كرد فعل على الخسائر والأضرار التي تعرضت لها المعالم التراثية فعليًّا، فجدير بالملاحظة أنه يوجد نحو 24 موقعًا أثريًّا تم الاعتراف بها من جانب منظمة اليونيسكو، متأثرين بتغير المناخ في قارة أفريقيا، إذ إنها تأتي في المرتبة الأولى كأكثر القارات التي تحتوي على مواقع تراث عالمي ومعرضة للتأثر بتقلبات المناخ، وفي المرتبة الثانية تأتي قارة أوروبا بنحو 21 موقعًا، وتليها قارة آسيا بقرابة 15 موقعًا.

أهم الأمثلة على المناطق الأثرية المتضررة من تبعات المناخ

واستعرض التحليل أهم الأمثلة على المناطق الأثرية المتضررة من تبعات المناخ وذلك على النحو التالي:

- مدينة البندقية (Venice): تلك المدينة التراثية الأيقونة في شمال إيطاليا، التي تبلغ مساحتها 118، جزيرة متصلة بقنوات مائية، إذ إنها تأسست في القرن الخامس، وتتسم بأنها تحفة معمارية من القصور والمباني التاريخية، وكانت دائمًا عُرضة لارتفاع منسوب سطح البحر والتهديد بالغرق بفعل التغيرات الطبيعية في سطح الأرض، إلا أنَّ الظاهرة أصبحت أكثر تواترًا وحدة في السنوات الأخيرة بفعل تغير المناخ والظواهر المصاحبة له، مما شكل خطرًا كبيرًا على المدينة الأوروبية الشهيرة.

وقد أفادت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) بأن المتوسط العالمي لمستوى سطح البحر قد ارتفع بين 0.1 متر و0.2 متر خلال القرن العشرين، كما أنها تتوقع زيادة متوسط المنسوب العالمي بما يتراوح بين 0.09 و0.88 مترًا في الفترة ما بين عامي 1990 و 2100، وبالفعل تأثرت البندقية من خلال فقدان جزء من ارتفاعها جراء الفيضانات التي تحدث بالمدينة، ومن المتوقع وفقًا للسيناريوهات المعتدلة لتغير المناخ أن تفقد المدنية 54 سم من ارتفاعها جراء الغمر بالماء بفعل تلك الحوادث.

- منطقة تشان تشان (Chan Chan): التي تقع شمال بيرو والمدرجة في قائمة التراث العالمي باليونسكو عام 1982 و1983 تأثرت بالتغير في وتيرة ظاهرة النينيو الطبيعية الناجمة عن تغير المناخ، والتي تسببت في هطول الأمطار الغزيرة والفيضان الجزئي في المنطقة الأثرية الطينية الهشة، وألحقت الضرر بقاعدة الهياكل المعمارية الطينية بالمنطقة.

وجدير بالملاحظة أن الخسائر الاقتصادية العالمية الناجمة عن ظاهرة النينيو خلال تلك الحقبة تم تقديرها من جانب البنك الدولي بنحو 14 مليار دولار أمريكي، وكان نصيب بيرو من تلك الخسائر ما يقارب مليار دولار أمريكي.

- كهوف موجاو (Mogao Caves): تقع الكهوف المدرجة ضمن قائمة اليونسكو لمواقع التراث العالمي في دونهوانج شمال غرب الصين، إذ تتعرض الأعمال والنقوش الفنية العتيقة في المنطقة لظواهر جوية متضاربة بشكل مستمر نتيجة لتغير المناخ، مثل ارتفاع الحرارة والرطوبة والأمطار الغزيرة بشكل مفاجئ وغير معتاد، مما يمثل تهديدا صريحا للمنطقة التاريخية.

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: ارتفاع الحرارة ارتفاع درجات الحرارة ارتفاع درجة حرارة الأرض الأماكن الأثرية الأمطار الغزيرة الإمارات العربية المناطق الأثریة التراث العالمی درجات الحرارة لتغیر المناخ هطول الأمطار سطح البحر من خلال

إقرأ أيضاً:

الوزير يتابع تقدم اعمال الترفيق بتوسعات المناطق الصناعية في برج العرب

 عقد المهندس كامل الوزير، نائب رئيس مجلس الوزراء للتنمية الصناعية وزير الصناعة والنقل لقاءً موسعاً بمقر الهيئة العامة للتنمية الصناعية مع رؤساء مدن أكتوبر الجديدة والسادات وبرج العرب الجديدة والعاشر من رمضان والعلمين الجديدة للتعرف على الموقف التنفيذي لمرافق المناطق الصناعية بهذه المدن وتقدم الاعمال بها، وقد حضر اللقاء ممثلوا عدد من الشركات المنفذة للمرافق بالمناطق الصناعية وممثلوا وزارة الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية وقيادات وزارة الصناعة. 

مركز تحديث الصناعة يبحث مع شركة عالمية تعزيز التحول الرقمي بالمصانعمعلومات الوزراء يطرح قضيتين جديدتين حول دعم الدولة للصناعات الثقافية والإبداعية والنسيجيةمن أجل طفرة في الصادرات.. رئيس الوزراء: برنامج رد الأعباء التصديرية أعيد صياغته لتشجيع ودعم الصناعةالتخطيط: الصناعات التحويلية غير البترولية شهدت زيادة خلال الفترة الماضية

وفي مستهل اللقاء أكد الوزير أن وزارة الصناعة حريصة على الحفاظ على مصالح كافة الشركات العاملة في تنفيذ المرافق بالمناطق الصناعية وتقديم كافة أشكال الدعم لها للانتهاء من اعمال الترفيق طبقاً للجداول الزمنية المقررة لكل منطقة، لافتاً إلى ضرورة الانتهاء من كافة المرافق الخاصة بتوسعات المناطق الصناعية بالتزامن مع انتهاء أول مستثمر في المنطقة من إنشاء مصنعه وتقدمه بطلب لبدء التشغيل بما يحقق مصداقية الوزارة أمام المستثمرين ويعطي دفعة كبيرة لملف الصناعة المصرية باعتبارها قاطرة التنمية الاقتصادية لمصر.

وأوضح الوزير أن الحكومة تولي اهتماماً بالغاً لإقامة مصانع في مجال الطاقة الجديدة والمتجددة (طاقة الرياح- الطاقة الشمسية- الهيدروجين الأخضر) إلى جانب مصانع إنتاج مهمات ومعدات محطات تحلية المياه ومعالجة مياه الصرف الصحي والصناعي وذلك ضمن الـ23 صناعة واعدة التي أعدتها وزارة الصناعة وتقوم بتشجيع المستثمرين على ضخ استثمارات بها لتلبية احتياجات السوق المحلي من هذه الصناعات الهامة، لافتاً إلى أن هذه المشروعات الضخمة تحتاج إلى توافر أراضي صناعية مرفقة ومجهزة للتشغيل وذلك لاستيعاب موجة الاستثمارات الأجنبية الوافدة إلى مصر من مختلف الدول الأوروبية وتركيا والصين والراغبة في إقامة مصانع في السوق المصري. 

وقال الوزير إن أي مستثمر سواء محلى او أجنبي يخطط لإقامة مشروع صناعي في مصر فتتولى وزارة الصناعة توفير كافة أشكال الدعم له في كافة المراحل الخاصة بالإنشاءات والتراخيص لحين تشغيل المصنع كما تتابع الوزارة ممثلة في هيئة التنمية الصناعية سير العمل لدى المستثمر والتزامه بالجدول الزمني المقرر له من الهيئة لإتمام أعمال الإنشاء واستخراج التراخيص الصناعية فضلاً عن متابعة الجهات المسؤولة عن ترفيق المناطق الصناعية للتأكد من تلافي أي تأخير سواء من جانب المستثمر او من جانب الجهات المعنية بالترفيق، موجهاً رؤساء المدن بوضع خطة زمنية عاجلة لتسليم المرافق لتوسعات المناطق الصناعية بالمدن الخمسة على أن تلتزم هيئة التنمية الصناعية بمراجعة الخطة ومعاينة تقدم أعمال الترفيق على الأرض أسبوعياً لتسريع وتيرة التنفيذ. 

ولفت الوزير إلى أن أي أراضي صناعية شاغرة اي كانت ولايتها ، يتم طرحها على المستثمرين من خلال منصة مصر الصناعية الرقمية لتحقيق الشفافية والحوكمة لإجراءات التخصيص، مؤكداً علي ضرورة التزام كافة المستثمرين بالمناطق الصناعية بسداد الرسوم المقررة لصيانة المرافق الصناعية وفقاً لشروط التعاقد بما يحافظ على استدامة المرافق.

وأضاف نائب رئيس مجلس الوزراء للتنمية الصناعية وزير الصناعة والنقل أن منطقة العلمين الجديدة الصناعية من المدن الواعدة و ستشهد إقبالاً كبيراً خلال الفترة المقبلة لقلة الأراضي الشاغرة بالمناطق الصناعية القديمة، فضلاً عن كونها شبه مكتلمة المرافق.

مقالات مشابهة

  • أغلى 10 نجوم فضلوا منتخبات أوروبا على أفريقيا
  • تغير المناخ يتسبب في نفوق عشرات الآلاف من مستعمرات النحل في النمسا
  • التعامل الراشد مع تراث الأئمة الفقهاء.. ابن تيميّة وتراثه العلمي نموذجًا
  • مصادر أمريكية توضح لـCNN تأثير فضيحة سيغنال على جمع المعلومات عن الحوثيين
  • الوزير يتابع تقدم اعمال الترفيق بتوسعات المناطق الصناعية في برج العرب
  • اختبار بسيط للشم قد يحدد الأشخاص الأكثر عرضة لمرض ألزهايمر
  • هذه التعيينات القضائية التي أٌقرّت في مجلس الوزراء
  • الصين أم الغرب.. من المسؤول الأكبر عن تغير المناخ؟
  • معلومات الوزراء يطرح قضيتين جديدتين حول دعم الدولة للصناعات الثقافية والإبداعية والنسيجية
  • بعد جفاف تاريخي... الأمطار الغزيرة تغمر خزانات إسبانيا وتحذيرات من طقس أكثر تطرفًا