بين الخطاب والممارسة.. هل تتخلى المقاومة عن غزة؟
تاريخ النشر: 25th, November 2024 GMT
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
شكك حزب الله العراقي، في جدوى المفاوضات التي تقودها الولايات المتحدة لوقف الحرب في لبنان، متهما واشنطن بالعمل على دعم إسرائيل وداعيا لوحدة الساحات وتلاحم قوى المقاومة لإفشال ما وصفه بالمشروع الصهيوني في المنطقة.
رغم الضغوط التي يتعرض لها حزب الله اللبناني وقبوله بمبدأ وقف اطلاق النار بعد الضربات القوية التي تلقاها.
وقال الأمين العام لكتائب حزب الله العراقية أبوحسين الحميداوي، أن المقترح الأمريكي الذي يعمل المبعوث اموس هوكشتاين عليه لإنهاء الحرب بين الجماعة اللبنانية وإسرائيل لا يعني التفريط في الحقوق.
وأضاف خلال حوار أجراه مع الدائرة الإعلامية للحزب مهاجما المقترح الأمريكي "الشيطان الأكبر، الولايات المتحدة، لم تأتِ إلا بالخراب والغش والخداع" متابعا "القرار النهائي بشأن المفاوضات يعود للإخوة في حزب الله الذين يمتلكون القدرة على تحديد مصالحهم الآنية والمستقبلية."
جدعون ساعر: أي هدنة يجب أن تضمن لبلاده حرية التحرك ضد الحزب المدعوم من إيران «وحدة الساحات» فكرة تروج لها قوى المقاومة لتعزيز التعاون والتنسيق بين جماعاتها المختلفة في المنطقة
وقلل من تداعيات المفاوضات على وحدة الساحات ودعم المقاومة الفلسطينية قائلا "الجماعة اللبنانية لن يتجاهل قضايا الأمة العربية، خاصة قضية غزة"؛ مشددا على أن "المقاومة اللبنانية لن تفرط في التزاماتها تجاه الشعوب المظلومة".
تأتي هذه التصريحات رغم تخلي قيادة حزب الله اللبناني عن شرط وقف الحرب في غزة لإنهاء قصف شمال الدولة العبرية وهو ما اتضح من خلال مقترح هوكشتاين في وقت كان انهاء الحرب على الفلسطينيين من بين دوافع استهداف الحزب لشمال إسرائيل.
وتعليقا على ما ستسفره نتائج المفاوضات الجارية حاليًا على وحدة الساحات قال الحميداوي "إنه يجري مباحثات مستمرة داخليًا ومع تنسيقية المقاومة العراقية بالإضافة لاتصالات مع حزب الله والحوثيين وقادة المقاومة الفلسطينية، لتشكيل موقف موحد يتماشى مع التطورات المستقبلية".
وشدد على ضرورة عدم ترك الفلسطينيين لوحدهم في الصراع وضرورة الحفاظ على وحدة الساحات قائلا "انها أحد القواعد الأساسية التي وضعها قائد فيلق القدس السابق قامس سليماني".
وكان حزب الله اللبناني الذي تلقى ضربات موجعة وتم اغتيال أغلب قادتهم خاصة من الصف الأول وفي مقدمتهم الأمين العام حسن نصرالله عبر عن رفضه قبول اتفاق وقف إطلاق نار لا يحفظ سيادة لبنان لكنه تخلى في المقابل عن شرط وقف الحرب في غزة.
ورفض الأمين العام الحالي نعيم قاسم فكرة أن تظل إسرائيل قادرة على الاستمرار في ضرب الجماعة حتى بعد انتهاء الحرب، في وقت أكّد وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر أن أي هدنة يجب أن تضمن لبلاده حرية التحرك ضد الحزب المدعوم من إيران.
تأتي تصريحات أبو حسين الحميداوي، الأمين العام لكتائب حزب الله العراقي، في سياق سياسي وأمني معقد، حيث تتقاطع المواقف الأيديولوجية مع الضرورات السياسية والاستراتيجية.
هذه التصريحات، التي تناولت المفاوضات الأمريكية لإنهاء الحرب بين حزب الله اللبناني وإسرائيل، تكشف عن خطاب مزدوج يحاول الموازنة بين التمسك بالمبادئ والتكيف مع الواقع. يتطلب تحليل هذا الخطاب فحصًا دقيقًا لأبعاده اللغوية والسياسية ومضامينه المتعددة.
التعبئة ضد الولايات المتحدة
أحد أبرز ملامح خطاب الحميداوي هو اعتماده على لغة رمزية مشحونة، حيث وصف الولايات المتحدة بأنها "الشيطان الأكبر". هذا الوصف ليس جديدًا في خطابات محور المقاومة، لكنه يعكس توجهًا أيديولوجيًا يهدف إلى شيطنة كل ما تمثله الولايات المتحدة من تدخلات سياسية وعسكرية.
الهدف من هذه اللغة هو تعبئة القاعدة الشعبية للمقاومة وإبقاء الانقسام الأيديولوجي واضحًا بين قوى المقاومة وخصومها. ورغم هذا الطابع العدائي، فإن الخطاب لا يُغفل الإشارة إلى ضرورة اتخاذ القرارات بما يخدم مصالح حزب الله اللبناني، وهو ما يعكس وجود مرونة ضمنية تسمح بالتعامل مع الواقع السياسي المتغير.
التناقض بين رفض المفاوضات وقبولها ضمنيًا
على الرغم من الهجوم الشديد على المفاوضات التي يقودها المبعوث الأمريكي عاموس هوكشتاين، فإن الحميداوي أقر بأن القرار النهائي بشأن هذه المفاوضات يعود إلى حزب الله اللبناني.
هذا التناقض يُبرز إشكالية أعمق في خطاب المقاومة العراقية والإقليمية: فهي ترفض مبدأ التفاوض علنًا، لكنها تدرك ضمنيًا أن التفاوض قد يكون أداة ضرورية لتحقيق مكاسب سياسية أو لتجنب خسائر أكبر.
هذا النهج يُظهر أن المقاومة لا تعمل فقط وفق مبادئ أيديولوجية جامدة، بل أيضًا ضمن حسابات براغماتية تفرضها الظروف السياسية والعسكرية.
وحدة الساحات.. استراتيجية أم شعار؟
ركز خطاب الحميداوي على مفهوم "وحدة الساحات"، وهي فكرة تروج لها قوى المقاومة لتعزيز التعاون والتنسيق بين جماعاتها المختلفة في المنطقة.
وأشار الحميداوي إلى أن هذه الوحدة هي إحدى القواعد التي وضعها قاسم سليماني، مما يُضفي على الفكرة بُعدًا رمزيًا يُعزز من شرعيتها.
لكن تطبيق هذه الفكرة يواجه تحديات كبيرة. فالتباين في الأولويات السياسية والعسكرية بين جماعات مثل حزب الله اللبناني، وكتائب حزب الله العراقي، والحوثيين، وحماس، يكشف عن انقسامات داخلية تجعل وحدة الساحات أقرب إلى شعار تعبوي منه إلى استراتيجية قابلة للتنفيذ.
التوازن بين المقاومة والسياسة
من خلال التركيز على دعم غزة ومواجهة إسرائيل، يحاول الحميداوي تقديم المقاومة كحركة عابرة للحدود تسعى لتحقيق أهداف تتجاوز الصراعات المحلية.
لكنه في الوقت نفسه يعترف بضرورة ترك المجال لحزب الله اللبناني لاتخاذ قرارات قد تكون سياسية أكثر منها عسكرية، خاصة في ظل الضغوط الكبيرة التي يتعرض لها الحزب.
هذا التوازن بين الأيديولوجيا والسياسة يُبرز تعقيدًا في طريقة إدارة المقاومة لصراعاتها. فهي من جهة تعتمد على شعارات تعزز من وحدتها ومصداقيتها.
ومن جهة أخرى تضطر إلى التكيف مع واقع سياسي يفرض عليها تقديم تنازلات قد تبدو متعارضة مع مبادئها المعلنة.
تداعيات الخطاب على الداخل العراقي
التصعيد اللفظي في خطاب الحميداوي قد يُسهم في تعقيد الوضع الداخلي في العراق، خاصة مع تزايد الضغوط الدولية على الحكومة العراقية بسبب الهجمات بالطائرات المسيرة على إسرائيل.
هذا التصعيد يُظهر أن كتائب حزب الله العراقي تسعى إلى لعب دور إقليمي يتجاوز الحدود العراقية، مما قد يُعرّض البلاد لتداعيات أمنية واقتصادية خطيرة.
في الوقت ذاته، يبرز الخطاب رغبة واضحة في تصوير المقاومة العراقية كجزء لا يتجزأ من محور المقاومة الإقليمي، وهو ما يُمكن أن يُعزز مكانتها بين حلفائها لكنه قد يزيد من عزلتها على الساحة الدولية.
إشكالية المفاوضات الأمريكية- الإسرائيلية
يُظهر خطاب الحميداوي رفضًا قاطعًا للمفاوضات التي تقودها الولايات المتحدة، لكنه لا يُغفل الاعتراف بالدور الذي تلعبه هذه المفاوضات في تحديد مستقبل الصراع.
الهجوم على الولايات المتحدة باعتبارها "مصدر الخراب والخداع" يعكس إحباطًا من سياسات واشنطن في المنطقة، لكنه في الوقت ذاته يُظهر إدراكًا ضمنيًا لواقع أن الولايات المتحدة تُعد لاعبًا رئيسيًا لا يمكن تجاهله.
ورغم الانتقادات الحادة للمقترح الأمريكي، فإن الحميداوي لم يُقدم بديلًا عمليًا يمكن أن يحقق نفس الأهداف التي يسعى إليها حزب الله اللبناني، وهو ما يُبرز محدودية الخطاب في تقديم حلول بديلة للصراع.
دور المقاومة اللبنانية في الخطاب
أشار الحميداوي بوضوح إلى أن المقاومة اللبنانية، رغم قبولها بمبدأ وقف إطلاق النار، لن تتخلى عن التزاماتها تجاه غزة والقضية الفلسطينية.
هذا التأكيد يُبرز رغبة في الحفاظ على صورة حزب الله كمدافع عن حقوق الشعوب المظلومة، لكنه في الوقت ذاته يكشف عن تناقض بين الخطاب والممارسة، خاصة مع تزايد الضغوط على الحزب للتخلي عن سياساته التصعيدية.
الرسائل الموجهة للحلفاء والخصوم
يحمل خطاب الحميداوي رسائل متعددة موجهة إلى أطراف مختلفة. فمن جهة، يوجه رسالة للحلفاء في محور المقاومة مفادها أن العراق يظل داعمًا للقضية الفلسطينية وللمقاومة اللبنانية.
ومن جهة أخرى، يُظهر رسالة تحذيرية للخصوم بأن المقاومة لن تتراجع عن مواقفها رغم الضغوط العسكرية والسياسية.
لكن هذه الرسائل تأتي في سياق يتسم بتغيرات كبيرة في ميزان القوى الإقليمي، مما يجعل تأثيرها محدودًا مقارنة بالتحديات التي تواجه محور المقاومة.
خاتمة.. خطاب بين الأيديولوجيا والواقع
تصريحات أبوحسين الحميداوي تعكس حالة من التوتر بين الالتزام بالمبادئ الأيديولوجية التي تُروج لها كتائب حزب الله العراقي ومحور المقاومة، والضرورة السياسية للتعامل مع واقع متغير يفرض مرونة وتنازلات.
ورغم الطابع التصعيدي للخطاب، فإنه يحمل في طياته إدراكًا ضمنيًا لأهمية التفاوض كوسيلة لتقليل الخسائر وتحقيق مكاسب ممكنة.
وفي النهاية، يبقى خطاب كتائب حزب الله العراقي مُحاصرًا بين شعارات الوحدة والمقاومة من جهة، ومتطلبات السياسة والبراجماتية من جهة أخرى.
هذا التناقض يُبرز التحديات التي تواجه قوى المقاومة في المنطقة، ويُثير تساؤلات حول مدى قدرتها على تحقيق أهدافها في ظل تغيرات إقليمية ودولية متسارعة.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: حزب الله العراقي جدعون ساعر حزب الله اللبناني حسن نصرالله الحميداوي حزب الله اللبنانی الولایات المتحدة حزب الله العراقی محور المقاومة الأمین العام قوى المقاومة وحدة الساحات فی المنطقة فی الوقت ضمنی ا وهو ما من جهة
إقرأ أيضاً:
اليد العليا لرجال الله
ردد رجال حزب الله بسواعدهم المتوضئة وبأيديهم العليا، ما قد تكون أعظم حكمة في التاريخ الإنساني “لست مهزومًا ما دمت تقاتل”، وبنداء الأمين والأب والقائد “لبيك يا نصر الله”، شنّت المُقاومة الإسلاميّة قبل أيام وللمرّة الأولى في تاريخ الصراع- هجوماً جويًّا بسربٍ من المُسيّرات الانقضاضيّة النوعيّة على قاعدة الكرياه (مقرّ وزارة الحرب وهيئة الأركان العامّة الصهيونية، وغرفة إدارة الحرب، وهيئة الرقابة والسيطرة الحربية لسلاح الجو) في مدينة “تل أبيب” المحتلة، ثم استكملت ضرب بقيةٍ من أهم أهداف قلب كيان العنكبوت مساءً، إذ عادت الصواريخ للإغارة على مباني الكرياه، كما استهدف رجال الله شركة صناعات الأسلحة الصهيونية “IWI” بـ”تل أبيب” وأصابوا الأهداف بدقة.
حدث كهذا، لا يحتاج فقط لقراءة متعمقة، في قدرات المقاومة وتصميمها وإرادتها، ولا في كفاءة استخباراتها ونجاحها المبهر، لكنه أيضًا يحتاج إلى العودة لمسيرة المعارك منذ يوم الثامن من تشرين الثاني 2023م اليوم الذي قرر فيه حزب الله فتح جبهة لإسناد المقاومة في غزة، القرار الذي كان يعني تبعات هائلة وبلا حدود على الحزب وبيئته وعلى لبنان، وكان أيضًا يحمل من النذر ما كان يراه الجميع، لكن الحزب الذي عاملنا طوال تاريخه بوجه واحد لم يكن له أن يتغير، مهما كانت الدموع والآلام والدماء المبذولة في سبيل قضية القدس.
في جبهة جنوب لبنان اليوم، تنمو على أيدي وفي قلوب رجال الله، علامات فارقة تشي بميلاد نور جديد للأمة كلها، بعد أن سادها الظلام وحكمتها الخيانة وملأها المنافقون. هذه المرحلة لا بد وأن تنتهي بفعل كل هذه التضحيات الذكية التي قدمها ثلة من الأمة، شريفة عزيزة، وهذا النور الذي سيحرق التيه قد حان موعده، وما رآه الناس في ما تسمى “قمة عربية”، واللسان يعجز عن وصفها، هي آخر تصرف منحط في جعبة حكام التطبيع الذين لم يجرؤ منهم أحد على ذكر مائتي ألف ضحية يذبحون أمام عيونهم، بينما نجح الخونة ونجح إعلامهم في تحويل سؤال الساعة المصيري إلى: “ماذا قدمت المقاومة؟”، في ظل كل هذه التضحيات.
ما قدمته المقاومة –بنبل وبساطة- هي أنها أثبتت مرة أخرى وجديدة أنها الخيار العربي الوحيد النبيل، ما قدمته المقاومة هي أنها تقترب في صمودها الأسطوري من الأحلام لا الوقائع اليومية المعاشة، ما قدمه حزب الله باستمراره في الحرب بعد استشهاد أقدس شهداء الحزب سماحة القائد السيد حسن نصر الله، أنه عدّل هياكله واستوعب المفاجأة التي أضيفت إليها قوى عديدة من خارج المنطقة، وكأننا أمام حرب عالمية مخابراتية لتمزيق حزب الله وحده.
إن ابتعدنا عن المرجفين، وهو أمر ضروري ونظيف كذلك، ونظرنا إلى الطرف الشريف الذي يحمِي لواء كرامتنا وعزنا منذ 1982م وإلى اليوم، سنجد كلمة “اليد العليا” التي خطها رجال الله لسماحة الأمين العام نعيم قاسم حقًا وصدقًا هي عنوان معركة طوفان الأقصى على الجبهة اللبنانية، منذ اللحظة الأولى لم تفقد المقاومة “المبادرة العسكرية”، ولم تترك للعدو فرصة أن ينقل الصراع إلى حيث يريد، والأهم أن التصعيد بالسلاح كان رهنًا بإشارة سماحة السيد حسن نصر الله، وكانت الجبهة كلها تعمل كخيوط واحدة متماسكة وفائقة التنظيم تصْلي العدو نارًا تلظى، في كل صباح.
وكان رد سماحة الأمين على كلمة رجال الله مفهومًا ومنطقيًا في فلسفة حزب الله، فهؤلاء المجاهدون الأبطال هم الفخر والمجد والشرف، هم بالضبط -كما وصفهم الأمين- صرخات النار وعطاءات الدم ومستقبل الأجيال والأوطان.. المقاومة بالنسبة لنا خيار نصر إلهي، ليس محل جدل أو يحل لمناقشة، وشعث نعل مقاوم ومساند في البيئة الحاضنة أقدس وأطهر وأعظم من تيجان كل العرب وسلطانهم وأموالهم وشعوبهم المحايدة.
في اليوم المشهود، وفي “تل أبيب” حاضرة الكيان، تمكن حزب الله من أن يصل بصواريخه إلى قدس الأقداس، الكرياه، مباني القيادة والسيطرة والاتصال على قوات الجو، لأول مرة في تاريخنا، وأن ينشب مخالبه الحادة فيها، ويثبت بعد 56 يومًا من القتال أن المقاومة تملك كفاءة وصلابة الفعل الذي لا يقف أمامه شيء، وأنها قادرة يوم 13 تشرين الثاني، وقادرة في أيام كثيرة بعده، هذه الرسالة التي يجب أن تصل وأن تُفهم. إن حزب الله قرر حين رأى الخطر، أن يستجمع كل إيمانه وكل طاقته وكل إرادته، وأن يقف ضد العدو.. وهكذا يفعل الرجال.