موقع 24:
2025-03-12@11:41:30 GMT

لبنان... و«اليوم التالي»

تاريخ النشر: 25th, November 2024 GMT

لبنان... و«اليوم التالي»

شاءتِ المهنةُ أن أكونَ في دمشقَ يوم اغتيالِ الرئيس رفيق الحريري في 14 فبراير (شباط) 2005. راودني خلالَ الليل شعورٌ بأنَّ زلزالاً عنيفاً ضربَ العلاقات اللبنانية - السورية. وزمن الزلازلِ يحتاج إلى حكماء لا إلى أقوياء.

في طريق العودة في اليوم التالي، توقَّفت في بلدة شتورة لتناول فنجان قهوةٍ مع صديق. استوقفني كلامُه، قال: «بعض ممارسات المخابراتِ السورية مزعجة، وأنا لست من مؤيدي وجودهم الدائم، لكنَّني لا أخفي عليك أنَّني أخاف من انسحابِهم بسبب معرفتي باللبنانيين وانقساماتهم».


عدت إلى بيروتَ وكانت تغلي. شعرتْ غالبيةُ اللبنانيين أنَّ العمودَ الفقري قد انكسر. خرجت أصواتٌ كثيرة غاضبة تطالب بانسحاب القوات السورية وتحمّلُها مسؤوليةَ اغتيال الحريري. كانتِ الأيام عنيفةً ومقلقة. غلبني الفضولُ الصحافي فدخلت في آخر ذلك الشَّهر مكتبَ الرئيس بشار الأسد. لم يكنِ الحديث للنشر. سألت الأسدَ إن كانت قوات بلادِه ستنسحب من لبنان، فردّ مشيراً إلى رأي لدى العسكريين يعتبر أنَّ وجودها في شريط داخل البقاع اللبناني يسهّل الدفاعَ عن دمشق في مواجهة أي اعتداء إسرائيلي. استفسرت عن القرار الذي سيتخذُه في حال تصاعد الضغوط الدولية عليه لسحب قواتِه، فردّ بأنَّه سيصدر أمرَ الانسحاب إلى الحدود الدولية.
كانَ الأسد قاطعاً في قوله أنْ لا علاقة لسوريا باغتيال الحريري. قلت له: لماذا الجزم إلى هذا الحدّ، ولماذا لا تترك على الأقل احتمالاً أنَّ جهازاً غريباً اخترق أجهزتكم لتنفيذ الاغتيال؟ فرد قائلاً: «نحن دولة وليست لدينا دكاكين من هذا النوع. لا علاقة لنا، وستُظهر لك الأيام ذلك». سألته أيضاً عن لقائه القصير والأخير مع الحريري وأشياءَ أخرى، ولا مكان لذلك في هذا السياق.
في مرحلة الوجود العسكري السوري في لبنان كان مركز المخابرات السوريةِ في عنجر البقاعية صانعَ الأحكام والأختام والأحجام. ترك انسحاب «المرشد» السوري فراغاً هائلاً لم تنجحِ القوى السياسية اللبنانية في ملئِه تحت خيار الدولة وسقف اتفاق الطائف. وتعمّق الانقسام حين أشارت أجهزة الأمن اللبنانية إلى ملامح تورط عناصر من «حزب الله» في اغتيال الحريري. وتدافعتِ الأحداث وأدَّت حرب 2006 إلى ترسيخ موقع لبنان في حلف الممانعة الذي تقوده إيران. ضاعت فرصةُ العودة إلى الدولة، وتكرّس لبنان ساحةً لصراعات إقليمية أكبر منه.
يتعرّض لبنان حالياً لعدوان إسرائيلي مدمّر ينذر استمرارُه بتحوّله نكبةً للبلد الصغير. شطبت آلة القتلِ الإسرائيلية قرى كاملةً من الخريطة، وأنزلت ببيئة «حزب الله» خسائرَ هائلة. وحظيَ انطلاق هذا العدوان بتعاطف أو تفهّم غربي بذريعة أن «حزب الله» اختار أصلاً الذهاب إلى الحرب عبر إعلان «جبهة الإسناد» غداة انطلاق «طوفان الأقصى». واضح أنَّ الحزب كان يأمل بتبادلٍ محدود للضربات تحت ما سُمي «قواعد الاشتباك». لم تكنِ الحسابات دقيقةً، خصوصاً حين تم الإصرار على «وحدة الساحات» رغم تمكّن بنيامين نتانياهو من تحويل الحرب «حرباً وجودية» تستحق، في نظره، تحمّل خسائرَ بشرية واقتصادية كانت إسرائيل سابقاً تحرص على تفاديها.
لم يستجب لبنانُ باكراً لنصائح المبعوث الأمريكي آموس هوكستين. استجاب بعد وقوع الفأس في الرأس. خسائر هائلة في بلد يقف على شفير هاوية أعمق. لا دواء لدى هوكستين غير القرار الأممي 1701 الذي وُلد من حرب 2006. قرار انتهكته إسرائيلُ باستمرار، وتولّى «حزب الله» تجويفه، خصوصاً بعدما تحوّل «قوة إقليمية» ترسل مقاتلين ومستشارين إلى خرائطَ قريبة وبعيدة. هل كان لبنان ليواجه المأساة الحالية لو تمَّ تطبيق القرار منذ صدوره؟ هذا السؤال تخطاه الوقت ولا بدَّ من تطبيق القرار الآن في البلاد التي تتقلَّب على الجمر وسط بحر من الركام. أحياناً لا بدَّ للمريض من تناول الدواء المرّ لتفادي ما هو أدهَى، أي تفكّك لبنان وضياعه.
الخروج الحقيقي من الحرب الحالية وأكلافِها الباهظة يضع القوى اللبنانيةَ أمام مسؤولية تاريخية، بعيداً عن سياسات الإنكار وعدم استخلاص الدروس أو التشفي وتعميق الجروح. لا بدَّ من تطبيق القرار 1701 كاملاً لاستعادة ثقة المجتمع الدولي، وتشجيعه على الانخراط في عملية إعادة الإعمار. وهذا يعني طيّ صفحةِ لبنان كساحةٍ، وبدءَ رحلة العودة إلى لبنانَ الدولة الطبيعية. ومفتاح العودة إلى الدولة هو تطبيق اتفاق الطائف من دون التشاطر على نصه وروحه والالتفاف عليهما. لا بدَّ من قراءةٍ عميقة في أهوال الحرب وسبل الخروج منها وضمان عدم تكرارها.
التطبيق الجدي للقرار 1701 يُدخل تعديلاً كبيراً على دور «حزب الله» الإقليمي. وعلى حضور إيران على خط التماس مع إسرائيل في جنوب لبنان. هذا يعني عملياً خروج لبنان من «وحدة الساحات» التي يحاول العراق حالياً تفادي الانخراط في الشق العسكري منها. هذا التغيير ليس بسيطاً، لكن لا بدَّ منه كي يستطيعَ اللبنانيون اللقاء مجدداً تحت سقف الدولة والقانون.
استحقاقات «اليوم التالي» لوقف النار في لبنان ليست بسيطة، لكن القوى السياسية على اختلافها مدعوة للارتفاع إلى مستوى التحدي. لا بدَّ من إعادة ترميم الجسورِ بين اللبنانيين رغم مراراتِ السنوات السابقة. لا بدَّ من الاعتراف المتبادل وتفهّم الهواجس والعودة إلى سياسات تناسب طبيعة لبنان. لا قهر ولا ثأر ولا تحجيم مكونات ولا تهميش مكونات. لا يحق للبنانيين إضاعة اليوم التالي لوقف النار، كما أضاعوا اليوم التالي في مناسبات كثيرة.

المصدر: موقع 24

كلمات دلالية: عودة ترامب عام على حرب غزة إيران وإسرائيل إسرائيل وحزب الله الانتخابات الأمريكية غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية إسرائيل وحزب الله الیوم التالی العودة إلى حزب الله

إقرأ أيضاً:

الجميل: كل الدعم للرئيس عون والدبلوماسية اللبنانية لتثبيت السيادة

كتب رئيس حزب الكتائب اللبنانية النائب سامي الجميل عبر منصة "اكس": "يتأكد يوما بعد يوم أنه متى اكتمل عقد المؤسسات وحضرت الدولة بكل سلطتها في الملفات السيادية، تحققت الإنجازات. من وقف إطلاق النار إلى الانسحاب الإسرائيلي إلى إعادة الأسرى وصولا إلى مفاوضات ترسيم الحدود، كلها إثباتات على قدرة الدولة على تحقيق المصلحة الوطنية دون منّة من أحد".     وأضاف: "كل الدعم للرئيس جوزاف عون والديبلوماسية اللبنانية على الجهود لتثبيت السيادة، وحصر السلاح بيد الدولة ومؤسساتها الامنية والعسكرية". مواضيع ذات صلة الجميل: نريد جميعاً عبر الدولة أن نحمي كل بلدة في لبنان Lebanon 24 الجميل: نريد جميعاً عبر الدولة أن نحمي كل بلدة في لبنان 12/03/2025 11:45:18 12/03/2025 11:45:18 Lebanon 24 Lebanon 24 الجميل: السلاح لم يحمِ لبنان ونحن نريد حماية الجميع عبر دولتنا Lebanon 24 الجميل: السلاح لم يحمِ لبنان ونحن نريد حماية الجميع عبر دولتنا 12/03/2025 11:45:18 12/03/2025 11:45:18 Lebanon 24 Lebanon 24 الجميل: البيان الوزاري جيّد ونتمنى إنجاز ما تيسر منه Lebanon 24 الجميل: البيان الوزاري جيّد ونتمنى إنجاز ما تيسر منه 12/03/2025 11:45:18 12/03/2025 11:45:18 Lebanon 24 Lebanon 24 سلام استقبل أمين الجميّل واجتمع مع وزير الماليّة ومنصوري Lebanon 24 سلام استقبل أمين الجميّل واجتمع مع وزير الماليّة ومنصوري 12/03/2025 11:45:18 12/03/2025 11:45:18 Lebanon 24 Lebanon 24 قد يعجبك أيضاً في رميش وتلة الحمامص.. هذا ما فعله العدو الإسرائيلي Lebanon 24 في رميش وتلة الحمامص.. هذا ما فعله العدو الإسرائيلي 05:33 | 2025-03-12 12/03/2025 05:33:54 Lebanon 24 Lebanon 24 لبنانيّة تترشّح لمنصب "مختار".. المعركة في الجنوب! Lebanon 24 لبنانيّة تترشّح لمنصب "مختار".. المعركة في الجنوب! 05:30 | 2025-03-12 12/03/2025 05:30:46 Lebanon 24 Lebanon 24 خطة تخص "رخص السلاح" في لبنان.. هذه تفاصيلها Lebanon 24 خطة تخص "رخص السلاح" في لبنان.. هذه تفاصيلها 05:19 | 2025-03-12 12/03/2025 05:19:49 Lebanon 24 Lebanon 24 عبدالله بحث ووزيرة البيئة في الوضع البيئي ومشاكله Lebanon 24 عبدالله بحث ووزيرة البيئة في الوضع البيئي ومشاكله 05:11 | 2025-03-12 12/03/2025 05:11:09 Lebanon 24 Lebanon 24 رياح دافئة من شمال إفريقيا تسيطر على الأجواء.. والحرارة إلى ارتفاع Lebanon 24 رياح دافئة من شمال إفريقيا تسيطر على الأجواء.. والحرارة إلى ارتفاع 05:00 | 2025-03-12 12/03/2025 05:00:17 Lebanon 24 Lebanon 24 الأكثر قراءة بالصورة... وفاة ممثلة في حادث سير مروّع وإصابة 3 من زميلاتها! Lebanon 24 بالصورة... وفاة ممثلة في حادث سير مروّع وإصابة 3 من زميلاتها! 06:59 | 2025-03-11 11/03/2025 06:59:00 Lebanon 24 Lebanon 24 للمرة الخامسة... فنانة تُفاجئ الجميع بخبر زواجها Lebanon 24 للمرة الخامسة... فنانة تُفاجئ الجميع بخبر زواجها 06:09 | 2025-03-11 11/03/2025 06:09:57 Lebanon 24 Lebanon 24 هذه هوية المُستهدف في الغارة على جنوب لبنان اليوم Lebanon 24 هذه هوية المُستهدف في الغارة على جنوب لبنان اليوم 08:55 | 2025-03-11 11/03/2025 08:55:41 Lebanon 24 Lebanon 24 تفاصيل معركة جنبلاط الجديدة.. "حزب الله" أبرز داعميها! Lebanon 24 تفاصيل معركة جنبلاط الجديدة.. "حزب الله" أبرز داعميها! 13:30 | 2025-03-11 11/03/2025 01:30:00 Lebanon 24 Lebanon 24 طريق المطار تغيرت.. قرار سياسي "بدّل معالمها" Lebanon 24 طريق المطار تغيرت.. قرار سياسي "بدّل معالمها" 02:45 | 2025-03-12 12/03/2025 02:45:00 Lebanon 24 Lebanon 24 أخبارنا عبر بريدك الالكتروني بريد إلكتروني غير صالح إشترك أيضاً في لبنان 05:33 | 2025-03-12 في رميش وتلة الحمامص.. هذا ما فعله العدو الإسرائيلي 05:30 | 2025-03-12 لبنانيّة تترشّح لمنصب "مختار".. المعركة في الجنوب! 05:19 | 2025-03-12 خطة تخص "رخص السلاح" في لبنان.. هذه تفاصيلها 05:11 | 2025-03-12 عبدالله بحث ووزيرة البيئة في الوضع البيئي ومشاكله 05:00 | 2025-03-12 رياح دافئة من شمال إفريقيا تسيطر على الأجواء.. والحرارة إلى ارتفاع 05:00 | 2025-03-12 مؤشرات متعددة لاطلاق الاسرى فيديو صور مذهلة ومثيرة.. اكتشاف كائنات بحرية غير معروفة في حملة استكشافية عالمية Lebanon 24 صور مذهلة ومثيرة.. اكتشاف كائنات بحرية غير معروفة في حملة استكشافية عالمية 05:00 | 2025-03-12 12/03/2025 11:45:18 Lebanon 24 Lebanon 24 "جابتلي المرض".. حسام حبيب يخرج عن صمته ويكشف تفاصيل خلافاته مع شيرين عبد الوهاب شاهدوا الفيديو Lebanon 24 "جابتلي المرض".. حسام حبيب يخرج عن صمته ويكشف تفاصيل خلافاته مع شيرين عبد الوهاب شاهدوا الفيديو 00:20 | 2025-03-12 12/03/2025 11:45:18 Lebanon 24 Lebanon 24 دعما لإيلون ماسك.. هذا ما سيشتريه ترامب (فيديو) Lebanon 24 دعما لإيلون ماسك.. هذا ما سيشتريه ترامب (فيديو) 16:27 | 2025-03-11 12/03/2025 11:45:18 Lebanon 24 Lebanon 24 Download our application مباشر الأبرز لبنان خاص إقتصاد رمضانيات عربي-دولي فنون ومشاهير متفرقات Download our application Follow Us Download our application بريد إلكتروني غير صالح Softimpact Privacy policy من نحن لإعلاناتكم للاتصال بالموقع Privacy policy جميع الحقوق محفوظة © Lebanon24

مقالات مشابهة

  • الجميل: كل الدعم للرئيس عون والدبلوماسية اللبنانية لتثبيت السيادة
  • عمليتان لإسرائيل في الجنوب اليوم.. إليكم ما تم استهدافه
  • الكتائب: لا لإملاءات حزب الله على الدولة
  • ملياردير “مرشح ترامب” الذي سيدير غزة في اليوم التالي للحرب؟ .. من هو؟
  • من هو الملياردير “رجل ترامب” الذي سيدير غزة في اليوم التالي للحرب؟ (صور)
  • في اليوم العالمي للمرأة.. معلومات الوزراء يحتفي بدورها في مسيرة التنمية
  • متى: كنا ننتظر من قاسم الاعتذار من الشعب اللبناني
  • كيف سيتمكن لبنان من عزل نفسه عن الحرائق؟
  • معاريف: بشار المصري هو رجل ترامب لليوم التالي للحرب في غزة.. من يكون؟
  • ما بين “قمة” اللا قرار والقرار القمة