سامح فايز يكتب: الحرب الثقافية (4)
تاريخ النشر: 25th, November 2024 GMT
تخيل عزيزى المواطن أن أحدهم هتف فى واحد من شوارع القاهرة وهو يصرخ: «خدلك ساتر إحنا فى حرب». فإذا نظرت إلى السماء لم ترَ طائرات ولا مُسيَّرات ولم تسمع أصوات طلقات البنادق، فهل ستصدق ما يقول؟!
فماذا لو أخبرتك أننا نحارب بالفعل منذ سنوات، وأن تلك الحرب ممكن أن يصبح سلاحها كتاباً وفيلماً ومسلسلاً، بل من الممكن أن يكون رواية وقصصاً وأشعاراً وأغنيات؟!
رسَّخت الدراما المصرية فى عقولنا أن الكتب لن نراها سوى مع شخصيات مثقفة، وتعريف مثقفة هنا أى شخصيات لا (تستحم) ضربها الجنون تهيم فى الأرض دون رابط أو ضابط.
ربما يرد قارئ أنه لا يعرف القراءة أصلاً ولا خطر عليه بالتالى، وإلى ذلك المتحدث نقول إن الكتاب أصبح بصيغة صوتية ومتاحاً بكل سهولة على هاتفك. وأصبح فيلماً تشاهده، أو محاضرة دينية يقدمها داعية يرتدى ملابس أنيقة ويظهر أمامك فى كل وسيلة مسموعة أو مرئية حتى يقدم لك الأفكار التى يرى من وجهة نظره أنها الدين الصحيح!
ذكرنا فى مقال سابق أن أمريكا بعد الحرب العالمية الثانية قررت تجنب خطأ الإنجليز، والألمان، والفرنسيين، والروس؛ بعد ما شاهدت إمبراطوريات لا تغيب عنها الشمس وهى تنهار بسبب الحروب التى دمرتها، وبدأنا نسمع مع الأمريكان عن الحرب الثقافية الباردة، وهناك تفصيلات أكبر لمن يحب أن يقرأ كتاب «من الذى دفع للزمار؟» لـ«ف. س. سوندرز».
الأمريكان أدركوا مبكراً حجم الخطأ فى إرسال جنودهم للموت فى دول أخرى، وفكروا فى وسائل مختلفة أوصلتهم إلى فكرة شيطانية؛ سنحارب الدول بشعوبها! وأسهل طريقة للسيطرة خلال تلك الفكرة هى اللعب فى أدمغة الشعوب المراد التحكم بها.
أدركت أمريكا متأخراً أن خطر الجماعات الإرهابية التى صنعوها فى أفغانستان ضد الروس ليس بعيداً عنهم، وأن تلك المجموعات من الضرورى السيطرة عليها، وأسهل طريقة لذلك هو توجيه تلك الطاقة العدوانية إلى داخل المنطقة العربية بعيداً عن المواطن الأمريكى.
فى تلك المرحلة أصدر مركز أبحاث تابع لوزارة الدفاع الأمريكية تقريراً شديد الخطورة حول كيفية احتواء خطر الجماعات الإرهابية. والاحتواء هنا لا يُقصد به القضاء على الإرهاب بشكل عام، لكن المقصود توظيف تلك المجموعات داخل الدول العربية نفسها، فمن جانب سيتخلص الأمريكان من تكرار توجيه سلاح القاعدة للداخل الأمريكى، ومن جانب آخر تصبح تلك المجموعات ورقة ضغط ضد أى دولة عربية تحاول مواجهة الغرب على أى مستوى!
تقرير مركز الأبحاث الأمريكى هدف إلى تكوين شبكة تحالفات داخل الدول العربية تروج للثقافة الأمريكية، وتدفع الناس لمشاهدة الحياة بعين أمريكا وليس بعيونهم الشرقية دون الانتباه لقدم تاريخ الفكر الشرقى الموجود قبل نشأة أمريكا نفسها بآلاف السنين!
من أجل تقريب المسألة سنعطى نموذجاً لتبسيط المسألة وتقريبها للأذهان؛ فى عام 2006 منحت هيئة المعونة الأمريكية 20 مليون دولار لشركات نشر مصرية فى مقابل تأسيس مكتبات فى مدارس التعليم الابتدائى، حيث تدفع الهيئة كامل تكاليف الكتب والورق والطباعة، والمقابل المقدم من الشركات فى سبيل تنفيذ تلك المنحة هو طبع قصص أطفال تعمل على تهيئة عقل من يقرأها إلى قبول الثقافة الأمريكية عموماً، بمعنى أن ذلك العقل الخام سوف يصبح مهيأ مستقبلاً لاستقبال أفكار أكثر (أمركة) وتقبلاً للحريات بمفهومها الغربى!
فى تلك الفترة، بالتحديد عام 2005، وصل عدد المدونات التى دشنها شباب مصرى إلى 150 ألف مدونة على الإنترنت يكتبون من خلالها أفكارهم، ثم بمرور الوقت أصبح هناك فيس بوك والذى يستخدمه الآن أكثر من نصف الشعب المصرى!
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: الدراما المصرية شوارع القاهرة الجماعات الإرهابية الثقافة الأمريكية
إقرأ أيضاً:
اعتقال مجرمى الحرب: انتصار للإنسانية
بلا شك أن إصدار المحكمة الجنائية الدولية، الخميس، الماضى مذكرات اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع الإسرائيلى السابق، يوآف غالانت، هو انتصار للإنسانية عما افترفوه من جرائم حرب فى غزة.
دلالات إيجابية كبيرة على هذا التحرك من الجنائية الدولية، أولها اعتراف وإدانة دولية للجرائم التى ارتكبها النتن ياهو وغالانت وزير دفاعه، والتزام الدول الـ124 الأطراف فى المحكمة الجنائية الدولية، بالامتثال لقرار المحكمة والقبض على المجرمين، وهو التزام لا يقبل المواربة مهما حاولت بعض العواصم الأوروبية التملص فى تنفيذ هذا القرار، الذى سيفقدها مصداقية حكومتها أمام الرأى العام العالمى، وأمام شعوبها، واتهامها بعدم تنفيذ أحكام المحكمة فى حين أنها تتشدق بالديمقراطية وحقوق الإنسان..
عزيزى القارئ لك أن تتصور أن هذه هى أول ادانة رسمية للكيان الصهيونى لجرائمه فى غزة بعد أن شدت امريكا الفيشة عن مجلس الأمن وحولته إلى خيال مآتة، ومكلمة يتنفس فيها المجتمع الدولى فى اجتماعات تشبه حوارات الطرشان وأصبح لا حول له ولا قوة مستخدمة ذلك التصويت العنصرى والديكتاتورى المعروف بالفيتو.
لقد كشفت المذكرة الجنائية عن تحركات من تحت الطرابيزة بين إدارة البيت الأبيض القديمة والجديدة التى سيتم تنصيب فيها ترامب فى يناير المقبل، ويثير التساؤل لما فى هذا التوقيت سمحت إدارة بايدن بخروج هذه المذكرة بعد أن عطلتها واشنطن لشهور هل لتكون أول مفاجأة فى وجه ترامب الذى سيكون فى حرج مع الحليف القوى تل أبيب.
من زاوية أخرى فإن مذكرة اعتقال نتنياهو وغالانت ستمكن الدول من الملاحقة القضائية لهم عبر المحاكم المحلية، ما يفرض عزلة على الكيان الصهيونى وتضييقاً فى نطاق التحرك الدبلوماسي.
اسوأ نهاية لتاريخ ومشوار نتنياهو السياسى وكأن لعنات أطفال غزة ما زالت تصب غضبها عليه، وإحراج لواشنطن التى تغنت كثيراً بقرار الجنائية الدولية ضد بوتين على خلفية الحرب الروسية الأوكرانية، وضد البشير وغيرهم، ووصفتها بأنه حصن العدالة، والآن تنتقد وتناصر المجرمين.
بوجهة نظرى القانونية، سواء نفذت مذكرة الاعتقال أم لا، امتثلت الدول الأعضاء فى المحكمة بقراراتها أو حدث غير ذلك، فإن الادانة شهادة وصك يوصم نتنياهو ووزير دفاعه كمجرمى حرب، مما يقلل من التعاطف العنصرى من بعض دول العالم مع الكيان الصهيونى، ويعطى لمن فى وجهه عيناً تبصر أن يدرك أن هناك جرائم ضد الإنسانية ترتكب من قوات الاحتلال ضد الشعب الفلسطينى الأعزل ثبتت بموجب تحقيقات قضائية دولية وتم إقامة الدليل عليها قبل أن تصدر المحكمة الجنائية الدولية باعتقال وتوقيف مجرمى الحرب ومرتكبى تلك الجرائم والانتهاكات الجسيمة بحق الشعب الفلسطينى واللبنانى والسورى واليمنى والإيرانى، هل يكون ذلك القرار بداية نهاية عصر نتنياهو ورفاقه المجرمين أم ستستمر يد البطش والعدوان والإبادة الجماعيّة للمدنيين العزل مستمرة.
وللحديث بقية ما دام فى العمر بقية
المحامى بالنقض
رئيس الهيئة البرلمانية لحزب الوفد بمجلس الشيوخ