جريدة الوطن:
2025-01-31@18:03:52 GMT

أهمية الثقافة القومية فـي معركة الوعي

تاريخ النشر: 16th, August 2023 GMT

أهمية الثقافة القومية فـي معركة الوعي

عِندما نمعن النظر في واقع الحال العربي على المستوى الرَّسمي والشَّعبي نلحظ التراجعات في ممارسات العمل السِّياسي والاقتصادي والثقافي العربي، ونسقطها على المجالات الأخرى. وبعيدًا عن الدخول في الأسباب الكثيرة التي أدَّت إلى تلك التراجعات نجد أنَّ المُشْكِلة الحقيقيَّة لدَيْنا في مستوى حركة الثقافة القوميَّة ودَوْرها في تغذية معركة الوعي العربي وخطِّها البياني المتذبذب، وهذه الإشكاليَّة ـ للأسف الشديد ـ يتنازعها الكثير من التيَّارات الفكريَّة التي تولَّدت وأُريد لها أن تتغذَّى على حساب الفكرة القوميَّة، ومحاولة دسِّ حالة اضطراب فكري مزدوجة بَيْنَ «الفكرة القوميَّة» و»العقيدة الإسلاميَّة»، وهذا بحدِّ ذاته كافٍ لضرب الفكرة القوميَّة وكأنَّها تتصارع على حساب العقيدة، وهي ـ بلا شك ـ حركة مقصودة منذ زمن، ونجحت في تحقيق أغراضها دُونَ انتباهٍ لمقاصدها، كما أنَّ الردَّة على الحركة القوميَّة كرَّست أيضًا مشكلات أخرى ضاعفت من حجم التراجعات، وهذه الردَّة أيضًا جاءت نتيجة حرب مُوجَّهة استهدفت الفكرة القوميَّة من قِبل جهات دوليَّة استعماريَّة كانت الفكرة القوميَّة عدوَّها اللَّدود الأوَّل والشَّرس، والتي عزَّزت صلابة الفكر القومي في معركة الوعي طوال العقود الماضية التي ناضل فيها الأجداد العرب للتخلُّص من الاستعمار وتحقَّق لهم ذلك المشروع العظيم.


أيقن أعداء الأُمَّة أنَّ ضرب الفكرة القوميَّة العربيَّة ضرورة قصوى يُحقِّق لهم حالة تقدُّم في حركة الصراع لمحاولة إعادة الاستعمار بثوب جديد أقلّ تكلفة من المواجهة العسكريَّة والاحتلال المباشر فوجّهت الثقافة العربيَّة منذ ما بعد حرب أكتوبر/ تشرين ١٩٧٣م لضرب الفكر القومي العربي. وبالفعل وجدوا مساحة جيِّدة في الأنظمة العربيَّة ونوعيَّة بعض القيادات التي تؤمن بالولايات المُتَّحدة والصهيونيَّة فانهار الكثير من عوامل الفكرة القوميَّة تحت ضربات حركة ارتداديَّة رسميَّة عِندما حدَث أوَّل سقوط لها في اتفاقيَّة كامب ديفيد التي ضربت العرب في مقتل، وضربت الحركة القوميَّة وانفضَّت عرى الوحدة العربيَّة، واستمرت في حالة تذبذب وانكفاء في دائرة القطريَّة، فاستفاد الاستعمار من تلك الظروف التي أسَّسها في الوطن العربي ليظلَّ العرب من انقسام إلى تشرذم ثم تطوَّر إلى مواجهات عربيَّة لَمْ تكُنْ معروفة قَبل ذلك.
الفهم العميق للفكرة القوميَّة ضرورة قصوى وعدم الخلط بَيْنَ الفكرة القوميَّة والعقيدة الإسلاميَّة؛ فكلاهما يُعزِّز الآخر ولا يتناقض معه، وما دمَّر الأُمَّة إلَّا مِثل تلك الأفكار التي فصَلت بَيْنَ القوميَّة العربيَّة والإسلام عن قصدٍ أو غير فهم، والرسول جاء بلسان عربي مبَيْنَ ومن العرب، والقرآن بلسان عربي عزَّزته تلك العقيدة السماويَّة، وبالتَّالي فإنَّ القوميَّة العربيَّة لَمْ تكُنْ يومًا تتعارض مع الإسلام الحنيف أو مختلف الأديان الأخرى، وما يروِّج له بعض العرب عن جهل أو تعمُّد ليس له إلَّا هدف واحد وهو ضرب الفكرة القوميَّة العربيَّة.
القوميَّة العربيَّة لَمْ تتجاهل يومًا الدَّائرة الكبرى من العالَم الإسلامي، لكن لها خصوصيَّتها القوميَّة شأنها شأن باقي القوميَّات الأخرى، وهي ترتبط بمشتركات تستطيع من خلالها خلق هذا الشعور القومي المرتبط باللغة والجغرافيا والهُوِيَّة والثقافة والمصير المشترك، وهذه المشتركات تستطيع من خلال بناء مساحة قوميَّة مترابطة تُمثِّل إضافة للأُمَّة الإسلاميَّة. أمَّا الدَّعوة إلى رفض الفكرة القوميَّة فهي ممارسة الجهل المُركَّب ومحاولة تمريره ادعاءات مختلفة لتمييع الفكرة؛ باعتبار أنَّ مَن نادى بالفكرة القوميَّة كانوا في دوَل غربيَّة أو من ديانات غير إسلاميَّة، ولكن تلك الفئة كانت نخبة عربيَّة دارسة مثقَّفة هناك، ولم تتراجع في حركة النِّضال والدِّفاع عن حياض هذه الجغرافيا العربيَّة، بل أسهمت بالكثير من التضحيات في سبيل الأرض والوطن، كما أنَّ هناك مَن يحاول دسَّ فكرة الاشتراكيَّة كتهمة للقوميَّة العربيَّة ويضع من التوصيفات التي يحاول تمريرها من أجْل الإساءة إلى الفكرة القوميَّة العربيَّة التي تُمثِّل الرابطة المصيريَّة الجامعة للأُمَّة العربيَّة وفقًا لمشتركات اللغة والتاريخ والجغرافيا والثقافة والعادات والتقاليد المشتركة التي تُشكِّل هُوِيَّة المُجتمع العربي، وتضبط إيقاعه وتجعل آلامه وأفراحه واحدة. الأُمم تفخر بقوميَّتها ويجِبُ علَيْنا نحن العرب أن نعليَ من شأن قوميَّتنا العربيَّة وعدم التنكُّر لها، فهذه تُمثِّل ضربة استباقيَّة في معركة الوعي التي يجِبُ الانتباه لها للانطلاق في بناء مشروعنا العربي بدلًا من حالة التِّيه التي أكملت نصف قرن من الزمان ويجِبُ أن نستدركَها قَبل فوات الأوان.
خميس بن عبيد القطيطي
khamisalqutaiti@gmail.com

المصدر: جريدة الوطن

كلمات دلالية: الفکرة القومی ة العربی ة القومی ة التی التی ت

إقرأ أيضاً:

بغداد تتوج عاصمة للثقافة الرياضية العربية 2025 بحضور وزراء الشباب والرياضة العرب

أكد الدكتور أشرف صبحي، وزير الشباب والرياضة المصري ورئيس المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الشباب والرياضة العرب، أن اختيار بغداد عاصمة الثقافة الرياضية العربية لعام 2025 هو اختيار مستحق، حيث تمتلك بغداد تاريخًا عريقًا في مختلف المجالات الثقافية والعلمية والأدبية. وقال صبحي خلال كلمته في الاحتفالية الكبرى التي أقيمت بهذه المناسبة: "إنه لمن دواعي سروري أن أكون معكم في هذه اللحظة التاريخية، التي تجتمع فيها أسرة وزارات الشباب والرياضة العرب على أرض العراق، وفي عاصمتها العزيزة بغداد، صاحبة الاسم الضارب في جذور التاريخ، والتي حفرت اسمها جنبًا إلى جنب مع منارات العالم من خلال مدارسها التاريخية وخدمتها للعلم".

وأضاف الوزير: "إن لبغداد مكانة عظيمة في تاريخ العرب، حيث كانت مقر حكم الدولة العباسية في فترة شهدت أزهى عصور الحضارة العربية والإسلامية، وها نحن اليوم نجتمع للاحتفال بها كعاصمة للثقافة الرياضية العربية لعام 2025، وهو اختيار صادف أهله". كما أشاد بأهمية جائزة الثقافة الرياضية العربية، التي يُشرف عليها مجلس وزراء الشباب والرياضة العرب منذ انطلاق نسختها الأولى في إمارة الشارقة عام 2022، حيث استضافت الجزائر النسخة الثانية في 2023، ثم الأقصر في 2024، والآن تستعد بغداد لاستضافة النسخة الرابعة عام 2025.

احتفالية كبرى بحضور قيادات عربية ودولية

شهدت الاحتفالية حضور المهندس حيّان عبدالغني، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير النفط العراقي، والسفيرة الدكتورة هيفاء أبو غزالة، الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية ورئيس قطاع الشؤون الاجتماعية، بالإضافة إلى الدكتور أحمد المبرقع، وزير الشباب والرياضة العراقي، وعدد كبير من وزراء الشباب والرياضة العرب، إلى جانب الإعلامي أشرف محمود، رئيس الاتحاد العربي للثقافة الرياضية، وكبار المسؤولين والشخصيات الرياضية والثقافية من مختلف الدول العربية.

بغداد مدينة الثقافة والتاريخ والعلم

خلال الاحتفالية، أشاد الدكتور أشرف صبحي بالرمزية الثقافية لبغداد، قائلًا: "بغداد ليست مجرد مدينة، بل هي حاضرة العلم والثقافة والفكر، حيث كانت مركزًا للإشعاع الحضاري عبر العصور. فهي مدينة الشعراء والحكماء والأدباء، ومن رحمها خرج أعظم العلماء الذين أسهموا في النهضة العربية والإسلامية. واليوم، تواصل بغداد هذا الدور من خلال الرياضة والثقافة، التي تعدان جزءًا لا يتجزأ من هوية الشعوب وتقدمها".

كما أكد الوزير أن جائزة الثقافة الرياضية العربية تُعتبر وسيلة رئيسية للحفاظ على التراث الثقافي العربي وتعزيز الهوية العربية، موضحًا أن الرياضة ليست مجرد نشاط بدني، بل أداة فعالة لتحقيق التنمية المستدامة وتعزيز الروابط بين الشعوب.

تاريخ الجائزة ومسيرتها في العواصم العربية

جائزة الثقافة الرياضية العربية هي مبادرة أطلقها الاتحاد العربي للثقافة الرياضية تحت مظلة مجلس وزراء الشباب والرياضة العرب، وتهدف إلى تعزيز الوعي الثقافي بأهمية الرياضة في بناء المجتمعات.

انطلقت النسخة الأولى من الجائزة عام 2022 في إمارة الشارقة بدولة الإمارات العربية المتحدة.استضافت الجزائر النسخة الثانية عام 2023، وشهدت احتفالات مميزة برموز الثقافة والرياضة.احتضنت الأقصر النسخة الثالثة في 2024، حيث تم تسليط الضوء على التراث الثقافي للمدينة التاريخية.الآن، تحظى بغداد بشرف استضافة النسخة الرابعة عام 2025، لتؤكد دورها الرائد كمنارة ثقافية ورياضية في العالم العربي.

 

أهمية الثقافة والرياضة في تحقيق التنمية المستدامة

أشار وزير الشباب والرياضة المصري إلى أن هذه الجائزة تعد رسالة قوية بأن الرياضة ليست مجرد منافسة داخل الملاعب، بل هي جزء أساسي من ثقافة المجتمعات ووسيلة لتعزيز الروابط الإنسانية. وأضاف أن العالم العربي يمتلك إرثًا ثقافيًا ورياضيًا هائلًا، وأن مثل هذه المبادرات تسهم في إبراز هذا الإرث وتعريف الأجيال الجديدة به.

كما هنأ الدكتور أشرف صبحي الشعب العراقي والشباب العربي بهذه المناسبة، متمنيًا لهم الاستمتاع بالحضارة العراقية العريقة ومد جسور التواصل مع أشقائهم في مختلف الدول العربية، مشددًا على أن الثقافة جسر يربط الشعوب، ويؤدي إلى التكامل الذي يفيد البشرية جمعاء.

استمرار الاجتماعات الوزارية في بغداد

على هامش الاحتفالية، ترأس الدكتور أشرف صبحي صباح اليوم اجتماع الدورة الـ71 للمكتب التنفيذي لمجلس وزراء الشباب والرياضة العرب، الذي ناقش عدة موضوعات تتعلق بتطوير التعاون بين الدول العربية في مجالات الشباب والرياضة، وتعزيز المبادرات الثقافية والرياضية المشتركة.

ومن المقرر أن يرأس وزير الشباب والرياضة المصري غدًا الجمعة أعمال الدورة الـ48 لمجلس وزراء الشباب والرياضة العرب، حيث سيتم مناقشة عدد من الملفات المهمة، من بينها استراتيجيات دعم الرياضة العربية، وسبل تعزيز الاستثمارات الرياضية، وبرامج تمكين الشباب في القطاع الرياضي.

في ختام كلمته، وجه الدكتور أشرف صبحي الشكر والتقدير لوزير الشباب والرياضة العراقي، الدكتور أحمد المبرقع، وللحكومة العراقية على حفاوة الاستقبال وكرم الضيافة، مؤكدًا أن العراق بلد الحضارات، وسيظل دائمًا في قلب العالم العربي بثقافته وريادته. كما أعرب عن أمله في أن تسهم هذه الفعالية في تعزيز التبادل الثقافي والرياضي بين الدول العربية، وتحقيق المزيد من النجاحات للرياضة العربية على الساحة الدولية.

تتجه الأنظار إلى العام المقبل، مع اختتام احتفالية إعلان بغداد عاصمة للثقافة الرياضية العربية 2025، حيث ستشهد بغداد فعاليات رياضية وثقافية كبرى طوال العام، بهدف تعزيز دور الرياضة في التنمية المستدامة، وتعزيز الهوية الثقافية العربية، وتوفير منصات جديدة للشباب العربي للإبداع والتميز.

 

مقالات مشابهة

  • باحثة بالمركز المصري للفكر والدراسات: تهجير الفلسطينيين يمس الأمن القومي العربي
  • وزير الثقافة: نشر الوعي بمثابة الدرع الوحيد لمجابهة الأفكار السلبية
  • بغداد تتوج عاصمة للثقافة الرياضية العربية 2025 بحضور وزراء الشباب والرياضة العرب
  • محافظ أسيوط يلتقي وفد الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات لبحث سبل تعزيز الوعي
  • رئيس البرلمان العربي: استقرار ليبيا جزء لا يتجزأ من أمنّنا القومي
  • "الفن والإبداع.. معركة بناء الوعي ودعم القضية الفلسطينية" ندوة للتنسيقية.. غدًا
  • قصة الأسطرلاب العربي.. أداة حسابية لقياس الوقت وحركة النجوم
  • معرض الكتاب يناقش "حركة النشر النقدي للنصوص بين المستعربين والمشارقة"
  • معرض الكتاب يناقش حركة النشر النقدي للنصوص بين المستعربين والمشارقة
  • رئيس تحرير الأهرام العربي: كتاب «الأمن القومي للدولة» يحتوي على سيولة معلوماتية