أزمة السودان أسوأ من أوكرانيا وغزة
تاريخ النشر: 25th, November 2024 GMT
قال الأمين العام للمجلس النرويجي للاجئين، إيان إيجلاند، إذا اتفقنا أن حياة الإنسان ذات قيمة متساوية في أي مكان بالعالم، إذن ستكون السودان على قمة قائمة الأمور المهمة الآن..
التغيير: وكالات
قال الأمين العام للمجلس النرويجي للاجئين، إيان إيغلاند، الأحد، إن الأزمة الإنسانية في السودان أسوأ من الأزمات في أوكرانيا وغزة والصومال مجتمعين.
وأوضح إيغلاند في حوار مع وكالة الأنباء الألمانية (د ب أ) بعد زيارته لمنطقة دارفور بغرب السودان ومناطق أخرى، أن “حياة 24 مليون شخص على المحك في السودان”. وأضاف “نحن ننظر إلى عد تنازلي قوي نحو المجاعة واليأس وانهيار حضارة بأكملها”.
وأكد أن الصراعات مثل الدائرة في أوكرانيا والشرق الأوسط يجب ألا تصرف الانتباه عن معاناة المواطنين في السودان.
وأضاف “إذا اتفقنا أن حياة الإنسان ذات قيمة متساوية في أي مكان بالعالم، إذن ستكون السودان على قمة قائمة الأمور المهمة الآن”. وأوضح إيجلاند أنه شهد تداعيات الصراع، المستمر منذ 600 يوم.
وقال إنه رأى في الكثير من المناطق، ومن بينها مناطق كان يعمل بها المجلس سابقا “دلالات واضحة للغاية على وقوع حرب مروعة. منزل بعد منزل ومنطقة بعد منطقة، تعرضت للحرق والدمار والنهب”.
وحذر إيجلاند من أن الوضع “على وشك الانفجار” مثلما حدث عام 2015، عندما عبر الملايين من اللاجئين من مناطق مزقتها الحرب، بما فيها سوريا، البحر المتوسط، ووصلوا إلى عتبات الدول الأوروبية.
وقال “لا أعتقد أن ألمانيا والاتحاد الأوروبي والدول الاسكندنافية وفرنسا يرغبون في ذلك”.
ويشهد السودان منذ 15 أبريل 2023 قتالاً عنيفاً بين الجيش وقوات الدعم السريع، بدأ في الخرطوم، وامتد إلى مناطق واسعة من دارفور وكردفان والجزيرة وسنار، وأدى إلى أزمات إنسانية كارثية.
ويعتبر اليوم السودان من أكبر الكوارث الإنسانية في العالم بسبب تأثير الحرب والأزمات السياسية والاقتصادية التي تضاف إليها أزمات تاريخية أخرى.
الحرب المستمرة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع أسفرت عن مئات الآلاف من القتلى والجرحى، وتشريد الملايين داخليًا وخارجيًا، ما يجعل الوضع في السودان من أسوأ الأزمات الإنسانية الحالية.
الوسومأوكرانيا إقليم دارفور المجلس النرويجي للاجئين حرب السودان قطاع غزةالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: أوكرانيا إقليم دارفور المجلس النرويجي للاجئين حرب السودان قطاع غزة فی السودان
إقرأ أيضاً:
عقلية الساسة السودانيين والمآلات القادمة- قراءة في أزمة النظام السياسي
في خضم العاصفة السياسية التي تهز السودان، تبرز أسئلة جوهرية حول عقلية النخبة التي تدير البلاد منذ عقود. هذه العقلية، التي تبدو متجذرة في منطق "الغنيمة والصراع"، قد ساهمت بشكل مباشر في تعميق الأزمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، مما يهدد مستقبل السودان كوطن موحد ومستقر.
عقلية "الضحية والجلاد"
تمارس النخبة السياسية لعبة خطيرة من خلال تبني سردية الضحية الوحيدة، وهو ما يؤدي إلى ترسيخ الانقسامات بدلاً من معالجتها. فالجيش، الذي حكم البلاد لعقود بقبضة حديدية، يحاول اليوم تقديم نفسه كطرف مظلوم في معادلة الصراع السياسي، بينما تتبنى قوى المعارضة خطاباً انتقامياً يختزل كل الأزمات في "الفساد العسكري". هذه الازدواجية في الخطاب السياسي تعيد إنتاج العنف بدلًا من احتوائه، مما يجعل من الصعب إيجاد حلول مستدامة.
لغة التخوين وإسقاط الإنسانية
بلغ الانحدار السياسي ذروته في السودان باستخدام لغة التخوين المتبادلة والتوصيفات المهينة، والتي تصل في بعض الأحيان إلى مستوى خطابات الكراهية التي تستدعي أكثر الفترات ظلامًا في تاريخ البلاد. مثل هذه اللغة لا تعكس فقط انحطاطاً أخلاقياً، بل تؤكد أيضاً عجز النخب السياسية عن تقديم رؤية وطنية جامعة.
اقتصاد الريع والصراع على الموارد
يكشف التناقض الصارخ بين ادعاءات "الضعف السياسي" وواقع السيطرة على الموارد عن جوهر الأزمة: نظام سياسي قائم على اقتصاد الريع والصراع على الثروة. فالطبقة الحاكمة، بغض النظر عن موقعها في معادلة السلطة، تستمر في احتكار الموارد والاستفادة منها بعيداً عن مصلحة المواطن العادي، ما يفاقم حالة التهميش والإقصاء التي يعاني منها غالبية الشعب السوداني.
غياب العدالة الانتقالية واستمرار الإفلات من العقاب
لا يمكن للسودان أن يتقدم دون مواجهة ماضيه. فثقافة الإفلات من العقاب باتت جزءًا من التركيبة السياسية، حيث تتكرر الجرائم والانتهاكات دون مساءلة فعلية. إن عدم محاسبة المسؤولين عن جرائم دارفور، قمع المتظاهرين، والانتهاكات ضد المدنيين، يعني أن العنف سيظل متجذرًا في النظام السياسي، وسيستمر في إنتاج دورات جديدة من الصراعات والانتقام.
المستقبل: بين سيناريوهين
أمام السودان اليوم خياران لا ثالث لهما- الاستمرار في دوامة العنف والتفكك: إذا استمر المنطق السائد، فإن مستقبل البلاد سيكون مظلماً، حيث ستتزايد النزاعات المسلحة، وسيتعمق الانقسام الاجتماعي، وقد يصل الأمر إلى خطر انهيار الدولة.
تبني خيار الحوار الوطني الشامل: وهو المسار الوحيد القادر على إنقاذ البلاد من المصير المجهول، ويتطلب هذا المسار:
الاعتراف بالأخطاء التاريخية وتحمّل المسؤولية.
إعادة توزيع الثروة والسلطة بشكل عادل.
بناء مؤسسات عدالة انتقالية حقيقية تكفل المحاسبة والمصالحة.
رسالة إلى الشعب السوداني
أيها الصامدون في وجه الأزمات،
لقد آن الأوان لكسر هذه الحلقة المفرغة من العنف والانقسام. لن يكون السودان قوياً ومستقراً إلا إذا اجتمع أبناؤه على رؤية موحدة تضع مصلحة الوطن فوق المصالح الحزبية والذاتية. لنرفع جميعًا شعار "لا للعنف.. نعم للحوار"، ولنعمل معًا على إنقاذ ما تبقى من هذا الوطن الذي يستحق مستقبلاً أفضل.
السودان عند مفترق الطرق: قراءة نقدية في عقلية النخبة السياسية ومآلات الأزمة
في خضم العاصفة السياسية العاتية التي تهز أركان السودان، تطفو على السطح أسئلة وجودية حول العقلية السياسية السائدة بين النخب الحاكمة. هذه العقلية التي تتسم بالجمود والتكلس، ظلت حبيسة منطق "المكاسب الفئوية" و"صراع النفوذ"، مما عمق الأزمة وأدخل البلاد في نفق مظلم يصعب التنبؤ بنهايته.
عقلية الضحية المزيفة:
تمارس النخبة السياسية لعبة خطيرة من خلال تبني خطاب الضحية الانتقائي. فالقوى العسكرية التي ظلت تحتكر السلطة لعقود، تقدم نفسها اليوم كطرف مظلوم، بينما تتحول قوى المعارضة إلى آلة اتهام أحادية البعد. هذا التشظي في الرؤية يحول الصراع السياسي إلى حلبة صراع وجودي، بدلاً من أن يكون ساحة للتنافس الديمقراطي السلمي.
خطاب التكفير السياسي:
بلغ التدهور الأخلاقي في الخطاب السياسي مستويات غير مسبوقة، حيث أصبحت لغة التخوين والتجريح هي السائدة. هذا الخطاب الذي يستدعي أسوأ لحظات التاريخ السوداني، لم يعد مجرد أداة سياسية، بل تحول إلى آلة تدمير للنسيج الاجتماعي، تغذي الكراهية وتعمق الانقسامات.
اقتصاد المحاصصة:
يكشف التناقض الصارخ بين خطاب التقشف وواقع النهب المنظم عن جوهر الأزمة. فالنخبة السياسية بمختلف ألوانها، تواصل لعبة تقاسم الغنائم تحت شعارات براقة، بينما يدفع المواطن العادي ثمن هذه السياسات من لقمة عيشه وصحة أبنائه ومستقبل بلده.
إشكالية العدالة الانتقالية:
غياب آليات المحاسبة الحقيقية يشكل أحد أهم معضلات النظام السياسي السوداني. فجرائم الماضي التي لم تحاسب، تتحول اليوم إلى سوابق خطيرة تفتح الباب أمام تكرار العنف بصور جديدة. هذا الإفلات من العقاب ليس إخفاقاً أخلاقياً فحسب، بل هو أيضاً وصفة أكيدة لاستمرار دوامة العنف.
سيناريوهات المستقبل:
يواجه السودان خيارين مصيريين:
• الاستمرار في النموذج القائم الذي يقود حتماً إلى مزيد من التفكك والانهيار
• أو تبني خيار التحول الديمقراطي الحقيقي عبر:
o المصارحة التاريخية والاعتراف بالمسؤوليات
o إعادة هيكلة النظام السياسي والاقتصادي على أسس عادلة
o بناء مؤسسات وطنية قائمة على المساءلة والمشاركة
نداء إلى ضمير الأمة:
أيها السودانيون الأحرار،
لقد حان الوقت لانتشال الوطن من براثن هذه العقلية السياسية العقيمة. مستقبل السودان لن يبنيه المتصارعون على السلطة، بل سيبنيه أبناؤه الذين يؤمنون بأن "الوطن أكبر من الجميع". فلنوحد الصفوف، ولنرفع سوية شعار "كفى عنفاً.. لنبدأ حواراً وطنياً حقيقياً"، ولنعمل معاً لإنقاذ ما تبقى من هذا الوطن العزيز.
zuhair.osman@aol.com