جريدة الوطن:
2024-11-08@07:17:33 GMT
عسكرة البحار .. تقطيع شرايين
تاريخ النشر: 16th, August 2023 GMT
كان تشخيصًا ماليزيًّا دقيقًا الذي ورَدَ في أكثر من إشارة إلى أنَّ عسكرة المحيطات والبحار سياسة غير بنَّاءةٍ.
لقَدْ ورَدَ ذلك تعليقًا على الاحتكاكات الأمنيَّة المتكرِّرة بَيْنَ عدَّة أساطيل عسكريَّة جنوب شرق آسيا. وبمعنى مضاف، أُريد ماليزيًّا أن يتمَّ الانتباه إلى مخاطر الأضرار التي يتسبب بها هذا النَّوع من النفوذ العسكري وتأثيره السلبي على المصالح المشتركة التي ينبغي أن تحكمَ العلاقات بَيْنَ الدوَل عمومًا، وبَيْنَ الدوَل المتشاطئة بصورة خاصَّة.
لقَدِ انطلق التشخيص الماليزي بسبب الازدحام العسكري في ذلك الأرخبيل المائي ضِمْن التعاشق الجغرافي بَيْنَ المحيطَيْنِ، الهادي والهندي، امتدادًا من الصين إلى تايوان والكوريتَيْنِ الشماليَّة والجنوبيَّة واليابان والفلبين وميانمار، وفي أقصى الجنوب، إندونيسيا، والأطراف الشماليَّة من أستراليا في فسحة بحريَّة زاخرة بتحالفات يحكم بعضها تناقضات سياسيَّة حادَّة، وصراعات حدوديَّة وانتمائيَّة يَعُودُ بعضها إلى أوائل القرن الماضي، بل وإلى تاريخ القرصنة والاستكشافات الجغرافيَّة.
لا شكَّ أيضًا، أنَّه حين تمَّ التطرُّق إلى ذلك، فإنَّما من مخاطر جيوسياسيَّة وجيواقتصاديَّة أخذت تهيمن على العلاقات الدوليَّة في السَّنوات العشر الأخيرة رغم أن لا فرص أمام العالَم عمومًا، وفي تلك المنطقة بالذَّات إلَّا في الشراكة التجاريَّة والتنمويَّة التي تصون المصالح المشروعة وتحفظ حُريَّة المِلاحة.
لقَدِ اختصر الماليزيون في التشخيص تاركين للحقيقة حيِّزها من الاجتهاد المُقْنع بأنَّ الحسم العسكري لا يُمكِن له أن يديمَ مصالح المنتصرين أيًّا كان ثقل قوَّتهم، وأجزم أنَّ هذه القناعة كانت مغذِّيةً أساسيَّة في الوصول إلى معاهدة قانون البحار والمحيطات لعام 1982 التي (دخلت حيِّز التنفيذ يوم السادس عشر من نوفمبر ـ تشرين الثاني ـ عام 1994). لقَدْ نصَّت تلك الاتفاقيَّة على الإفادة العادلة من المناطق البحريَّة الشاسعة، ولعلَّ ما يجري الآن على هامش المواجهة الروسيَّة الأوكرانيَّة يكشف كيف تصدَّعت حركة تجارة الغذاء؛ جرَّاء الخلاف على استخدام البحر الأسود ممرًّا لتجارة القمح عالميًّا.
إنَّ السِّياسة غير البنَّاءة إذا ظلَّت سائدة في تلك المنطقة الحيويَّة من العالَم ستضرب حتمًا مناطق مائيَّة أخرى نظرًا لتشابك المصالح، بل إنَّ ضغوط تلك السِّياسة سنجد لها آثارًا سلبيَّة في كُلِّ الممرَّات المائيَّة، وإذا كانت الأعاصير العاتية تربك حركة التجارة العالَميَّة، تظلُّ عسكرة المحيطات والبحار مصدر قلق لحقوق المياه الإقليميَّة والمناطق المتاخمة ومتطلبات الجرف القاري، وستضع المزيد من المطبَّات أمام التجارة الدوليَّة، وسيسود منطق الاستئثار بغير وجْه حقٍّ.
إنَّ للعسكرة بهذه النسخة وجْهًا مثقلًا بالنُّدب (جمع نُدبة) التي ستؤدِّي إلى المزيد من التلوُّث البيئي بحُكم فضلات تلك الأساطيل حين تبحر، وتجوب، وتُناوِر، وحين تتقارب خصومةً مع غيرها من الأساطيل.
المفارقة المُرَّة، ليس هناك دَولة تتحدث عن مصالحها دُونَ أن تتعكَّزَ على تلك المعايير القانونيَّة وتطالب بتطبيقها، في حين يظلُّ نفوذ الأساطيل العسكريَّة العملاقة واجهة أغلب الأحداث. بالمطلق، لا شطارة في هذا الشأن إلَّا حين يتمُّ الاقتناع بأن الفرصة المؤاتية تكمُن في الانتباه لحقوق الجميع ضِمْن خطِّ شروع متساوٍ.
في الديباجة التي تصدَّرتْ ميثاق الأُمم المُتَّحدة، هناك نصُّ يدعو (إلى تحقيق العدالة واحترام الالتزامات الناشئة عن المعاهدات وغيرها من مصادر القانون الدولي)، والحال أنَّ العالَم، كُلَّ العالَم، بحاجة ماسَّة الآن لتوظيف هذا المنطق بِدُونِ أيَّة مواربة، أو تأجيل.
عادل سعد
كاتب عراقي
abuthara@yahoo.com
المصدر: جريدة الوطن
كلمات دلالية: العال م
إقرأ أيضاً: