يمانيون – متابعات
مع قُرْبِ رَحيلِ إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن من البيت الأبيض، تزايدت بقصدٍ وبدون قصد، أصداءُ الهزيمة التأريخيةِ التي مُنِيَتْ بها الولاياتُ المتحدةُ أمام اليمن.

فإلى جانب الاعترافات المتواصلة على المستوى العسكري والسياسي والاقتصادي، بدأت العديدُ من مراكز الدراسات ووسائل الإعلام الأمريكية بتحميل الإدارة الراحلة مسؤولية الهزيمة، محاولة حصر الأسباب على الجانب السياسي فقط، لكن توصياتها للإدارة الجديدة كشفت أن المشكلة أكبرُ، حَيثُ لم تقدم تلك التوصيات أيةَ خيارات جديدة فعَّالة ومضمونة لتغيير واقع الفشل؛ وهو ما أكّـد بشكلٍ أكبرَ أن إدارة ترامب لن تواجِهَ أُفُقًا أقلَّ انسدادًا من ذلك الذي واجهته سابقاتها؛ الأمر الذي يؤكّـد أن الهزيمة استراتيجية ولا يمكن تجاوزها.

في تقرير جديد نُشِرَ مطلعَ هذا الأسبوع، اتهم موقعُ “ريل كلير ديفينس” الأمريكي المتخصص بالشؤون الدفاعية، إدارة بايدن بأنها “تفتقرُ إلى الوضوح الاستراتيجي” في مواجهة اليمن، معتبِرًا أن فشل الولايات المتحدة في وقف الهجمات البحرية اليمنية المساندة لغزة يعودُ إلى عدم وجود سياسة واضحة.

مع ذلك، فقد ناقض التقرير نفسه عندما استعرض مظاهرَ الفشل، ومنها أن “ثمنَ القوات والتقنيات الأمريكية المنتشرة في البحر الأحمر -مثل الصواريخ الاعتراضية وطائرات (إم كيو-9 ريبر) بدون طيار والقنابل الموجهة بدقةٍ- يفوق إلى حَــدٍّ كبيرٍ التكلفةَ المنخفضة نسبيًّا لطائرات الحوثيين بدون طيار” حسب توصيفه، وأن “واشنطن تخسر عشرات الملايين من الدولارات مع كُـلّ طائرة (ريبر) يتم إسقاطها، في حين تظل خسائرُ الحوثيين ضئيلةً، وتستمرُّ السفنُ التجارية في مواجَهة التهديدات”.

هذه المظاهر لا تعبِّر عن غياب سياسة واضحة -كما ادعى التقرير- بل عن مأزِقٍ عملياتي ميداني واضح، لا يمكن تجاوزه؛ فحتى “السياسة الهجومية” التي اقترح التقرير أن تتبعَها الإدارة الجديدة لن تستطيعَ أن تلتفَّ على التكاليف العالية، بل إن تلك التكاليف ستزيد في حالة “شن هجوم أوسعَ على مراكز القيادة والسيطرة” كما يقترح التقرير، ولن تكون النتيجة مختلفة كَثيرًا من حَيثُ التأثير؛ لأَنَّ العديد من المسؤولين العسكريين قد أكّـدوا أكثر من مرة أن الولايات المتحدة تعيشُ حالةً من العمى الاستخباراتي فيما يتعلق بالأهداف في اليمن، وقد صرَّحَ قائدُ الأسطول الأمريكي الخامس، جورج ويكوف، في أغسطُس الماضي بأنَّ “من الصعب للغاية العثورَ على مركز ثقل مركَزي واستخدامه كنقطة ردع محتملة”.

لقد اتخذت إدارةُ بايدن بالفعل الخيارَ العدواني (الهجومي بحسب وصف التقرير) لكن أُفُقَه العملياتي كان مسدودًا؛ ليسَ بسَببِ “تردّد” هذه الإدارة، بل لأَنَّ واقع المعركة كان عصيًّا على “استراتيجية الردع الأمريكية الكلاسيكية” بحسب تعبير ويكوف أَيْـضًا، وهذا ما تؤكّـده أَيْـضًا الاقتراحاتُ والتوصيات الأُخرى المقدمة للإدارة الأمريكية الجديدة بشأن التعامُلِ مع الجبهة اليمنية، والتي تتضمن توسيعَ الجهود الأمريكية لتشمَلَ مواجهةَ كُـلٍّ من إيران والصين وروسيا؛ بناءً على دعايات وجود دعم من هذه الجهات لليمن، وهي توصية مثيرة للسخرية وغير واقعية؛ فالمأزق العملياتي التي تواجهه واشنطن في البحر الأحمر في مواجهة اليمن فقط لن يصبح أقلَّ صعوبة عندما تستفز الولايات المتحدة ثلاث دول إضافية تمتلك الكثيرَ من القدرات المتطورة وأدوات الضغط والرد، وأصبح لديها الآن رؤيةٌ واضحة حول نقاط ضعف البحرية الأمريكية.

وينطبق الأمر نفسُه على التوصيات التي قدمها تقرير (ريل كلير ديفينس) للإدارة الجديدة، وهي توصيات قدمتها تقاريرُ نشرتها جهاتٌ أُخرى مثل (معهد دراسات الحرب) الأمريكي ومجلة (ناشيونال ريفيو) وغيرها، والتي تحدثت عن ضرورة استخدامِ ورقة “آلية التحقُّق والتفتيش الأممية” لتشديد الحصار على اليمن، وفرض عقوبات اقتصادية صارمةٍ على الشعب اليمني من خلال تصنيف “المنظمة الإرهابية الأجنبية” ودعم “الجماعات المسلحة في اليمن” وإزالة البنوكِ العاملة في المناطق الحرة من نظام (سويفت).. فقد واجهت إدارةُ بايدن كُـلَّ هذه الخيارات ودرستها جيِّدًا، ولم تكن المشكلة في أنها تردّدت في اتِّخاذها، بل في أن هذه الخيارات لن تغيِّرَ واقعَ الهزيمة ولن تخفِّضَ تكلفة المأزق الأمريكي، وقد حاول البيتُ الأبيض بالفعل دفع المرتزِقة ودولَ العدوان لتحريك الجبهات والتصعيد الاقتصادي ضد البنوك؛ لأَنَّ حزمَ القيادة اليمنية والاستعداد المسبق للتعامل مع أية خطوات عدوانية بصرامة هو من أفشل هذه المحاولاتِ وليس “تقاعس” إدارة بايدن كما تروِّجُ هذه التقارير.

وقد أكّـد (معهد دراسات الحرب) الأمريكي ذلك، حَيثُ ذكر في تقريرٍ نشره هذا الأسبوع أن كُـلَّ هذه الخيارات “تنطوي وبشكل مؤكَّـد على مخاطِرَ كبيرة” وهو ما يعني بوضوح أن الإقدامَ عليها سيكون مغامرة غير مضمونة وأن الأفق سيكون مفتوحًا على نتائجَ عكسيةٍ تكرِّسُ واقعَ الهزيمة الأمريكية، في الوقت الذي سيبقى فيه هدفُ ردع اليمن صعبَ التحقّق كما هو؛ فخيارات العدوان والواسع والحصار المشدّد قد جُرِّبت بالفعل منذ 2015 وفشلت.

هذا ما تؤكّـده أَيْـضًا طبيعة وقائع الهزيمة الأمريكية أمام اليمن، فبحسب المعهد الأمريكي أصبح اليمن يشكل “تهديدًا استراتيجيًّا له تداعياتٌ عالمية على الولايات المتحدة وحلفائها” وأصبحت القوات المسلحة اليمنية تمتلك “قدرًا هائلًا من البيانات والدروس حول كيفية استجابة دفاعات الولايات المتحدة والحلفاء للهجمات الصاروخية والجوية، وهي بيانات يمكن استخدامُها لتحسين فعاليةِ السفن الحربية الأمريكية والمنشآت البرية في المستقبل” بل ويمكن مشاركةُ هذه البيانات والدروس مع خصومِ الولايات المتحدة، بحسب ما يحذّر المعهد، وبالتالي فَــإنَّ المشكلة التي تواجهها واشنطن أكبرُ بكثير من أن يتم حلها بالاندفاع إلى تصعيد عسكري أوسعَ لن تكون أدواته مختلفة كَثيرًا عن التصعيد القائم.

ويناقض المعهد الأمريكي نفسَه أَيْـضًا وبوضوح عندما يتحدث عن ضرورة التوجّـه نحو تصعيد أكبر ضد اليمن، وفي الوقت نفسه ينتقد تحول البحر الأحمر إلى أولوية لدى الولايات المتحدة بدلًا عن منطقة غرب المحيط الهادئ، حَيثُ يقول إن هذا التحول “يتسبب في حرمان الولايات المتحدة من الموارد في منطقة المحيطَينِ الهندي والهادئ، في حين تقول استراتيجية الدفاع الوطني لعام 2022م: إن الصين تشكل التحدي الأكثر شمولًا وخطورةً على الأمن القومي الأمريكي”، فخيار التصعيد الذي يقترحُه المعهدُ على الإدارة الأمريكية الجديدة، لن يحل هذه المشكلة بل سيفاقهما بشكل أكبر؛ فإذا كانت خياراتُ التصعيد المقترحة نفسها تنطوي على “مخاطرَ كبيرة” بحسب المعهد، فَــإنَّ هدف “الحسم السريع” لا يمكنُ ضمانَه بأي حال، وَإذَا تورطت الولايات المتحدة في معركة أطولَ ضد اليمن فَــإنَّ جميع التداعيات التي يتم انتقاد إدارة بايدن عليها ستتفاقم بشكل أكبرَ بكثير، بما في ذلك استنزاف الموارد لمواجهة بقية التهديدات.

ووفقًا لكل ما سبق، فَــإنَّ الحديثَ عن ضرورة تبنِّي الإدارة الأمريكية القادمة “سياسةً هجوميةً” ضد اليمن، لا يعدو عن كونه محاولةً لتسييس واقع الهزيمة المدوية في البحر الأحمر وجعلها محصورةً على إدارة بايدن فقط، بينما يؤكّـد الواقعُ والاعترافاتُ العسكرية أن تلك الهزيمة قد لحقت بنظامِ الهيمنة الأمريكي نفسه وبأدواته الأَسَاسية وأن اختلاف الإدارات لن يغيِّرَ هذه الحقيقةَ.

المصدر: يمانيون

كلمات دلالية: الولایات المتحدة البحر الأحمر إدارة بایدن ف ــإن

إقرأ أيضاً:

طريقان أمام ترامب للعودة إلى البيت الأبيض لولاية ثالثة.. ليست مستحيلة

جدد الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، رغبته في البقاء في البيت الأبيض لولاية جديدة ثالثة بعد انتهاء ولايته التي لم يكد يبدأها، رغم أن الدستور يحظر ذلك.

 مؤخرا

 قال ترامب إنه لم يكن يمزح بشأن السعي لفترة رئاسية ثالثة لكنه أضاف أن من السابق لأوانه التفكير في ذلك.

وأضاف "أنا لا أمزح. ولكن من السابق لأوانه التفكير في الأمر".



وتابع "هناك طرق يمكن من خلالها القيام بذلك"، محجما عن الخوض في تفاصيل محددة عن تلك الطرق.

سابقا، صف ترامب نفسه بـ"الملك"، وكتب على صفحته على منصة "تروث سوشيال"، وتطرّق إلى فرضية ترشّحه لفترة ثالثة، خلال خطاب ألقاه أمام أعضاء ‏ونواب منتخبين من الحزب الجمهوري في واشنطن، بعد فوزه في الانتخابات بمواجهة الرئيس السابق، جو بايدن.

ماذا يقول الدستور؟

يمنع الدستور في التعديل الثاني والعشرين انتخاب أي شخص لمنصب الرئيس أكثر من ولايتين، ويمنع أي شخص تولى مسؤوليات الرئاسة أكثر من عامين خلفا لرئيس منتخب - لسبب أو آخر - من أن يصبح رئيسا لأكثر من مرة.

خيارات ترامب

يمكن لترامب أن يترشح لمنصب نائب الرئيس في الانتخابات المقبلة، وعليه يمكن أن يعود رئيسا في حال، مات، أو أقيل، أو استقال الرئيس الذي ينوبه.

الحالة الثانية؛ هي أن يقنع ترامب الكونغرس الأمريكي، والولايات الأمريكية، بتعديل الدستور للسماح للرئيس بحكم البلاد لولاية ثالثة، وهو أمر ممكن وإن كان شبه مستحيل.

ماذا عن الانتخابات المبكرة؟ 

على خلاف العديد من الدول، التي تسمح أنظمتها بانتخابات مبكرة، قد تمنح الرئيس عددا إضافيا من الولايات، لا يسمح النظام الانتخابي في الولايات المتحدة الأمريكية، بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة وينص الدستور فقط على أن تُجرى الانتخابات الرئاسية كل أربع سنوات.

ماذا قالوا؟

◼ قال ستيف بانون، المستشار المقرب من ترامب إنه يعتقد بأن ترامب سيترشح مجددا في 2028 وإن هناك جهودا تُبذل لدراسة السبل الممكنة لتحقيق ذلك، ومنها دراسة تعريف الحد الأقصى للولايات الرئاسية.

◼ قال وزير العمل السابق، روبرت رايش إن "الخيار الآن هو الديمقراطية أو الديكتاتورية. ونحن ننزلق بشكل أسرع مما كنت أعتقد".



◼ قال حاكم ولاية إلينوي جي. بي. بريتزكر: "ليس لدينا ملوك في أمريكا، ولا أنوي الانحناء لأي أحد".

◼ قالت النائبة الجمهورية لورين بويبرت: "نحن بحاجة إلى ضمان بقاء أغلبيتنا الجمهورية في مجلس النواب قوية، ويجب أن نتجمع وراء الرئيس ترامب لتأمين فترة ولايته الثالثة".

◼ قالت أستاذة السياسة في جامعة كورنيل، ومديرة مركز الديمقراطية العالمية، راشيل بيتي ريدل، إن خطاب ترامب دليل واضح على أجندة لرفض المبادئ الديمقراطية.

◼ قالت المتحدثة السابقة باسم وزارة العدل الأمريكية سارة إيسغور إن تعديل الدستور أمر صعب جدا في ظل الانقسام الجمهوري الديمقراطي.

ماذا يلزم لتعديل الدستور؟

◼ لتعديل الدستور في الولايات المتحدة، يجب اتباع طريق صعب الهدف منه الحد من التعديلات الدستورية لإبقاء البلاد في استقرار سياسي.

◼ يتعين على ثلثي أعضاء مجلسي النواب (290 من 435) والشيوخ (67 من 100) في الكونغرس الأمريكي الموافقة على طرح التعديل الدستوري ليوسد الأمر بعد ذلك إلى الولايات.

◼ يتعين بعد ذلك على ثلاثة أرباع برلمانات الولايات الأمريكية الخمسين الموافقة على التعديل (38 من 50) وإرسال إخطار بالموافقة إلى مكتب السجل الفيدرالي ليتم إعلانه تعديلا دستوريا معتمدا.

ومنذ اعتماد الدستور الأمريكي عام 1787 تم اقتراح ما يزيد على 11 ألف تعديل، نجح منها 27 تعديلا فقط في اجتياز العملية المعقدة.

مقالات مشابهة

  • الدنمارك: الولايات المتحدة الأمريكية لن تسيطر على جرينلاند
  • طريقان أمام ترامب للبقاء في البيت الأبيض لولاية ثالثة.. ليست مستحيلة
  • “جيميل”.. فضيحة أخرى داخل البيت الأبيض
  • طريقان أمام ترامب للعودة إلى البيت الأبيض لولاية ثالثة.. ليست مستحيلة
  • البيت الأبيض يطوي صفحة “فضيحة سيغنال”
  • البيت الأبيض: ضرباتنا على الحوثيين دفاعية لأنهم يهاجمون السفن الأمريكية
  • البيت الأبيض: الرسوم الجمركية على السيارات ستدخل حيز التنفيذ في هذا الموعد
  • البيت الأبيض: ترامب اتخذ قراره بشأن الرسوم الجمركية وسيعلنه غدا
  • فون دير لاين تعلن سبل الرد على “الحرب التجارية” مع الولايات المتحدة
  • البيت الأبيض تعلن اتخاذ إجراءات لضمان عدم تكرار أزمة تسريبات سيجنال