بوابة الوفد:
2025-06-30@22:59:18 GMT

التسلح الرقمى

تاريخ النشر: 24th, November 2024 GMT

يشهد العالم اليوم سباقًا محمومًا نحو التسلح الرقمي، حيث تتنافس الدول الكبرى على تطوير قدراتها التكنولوجية فى مجالات مثل الذكاء الاصطناعي، والبيانات الضخمة، والحوسبة السحابية. هذا السباق الرقمى لا يقتصر فى كونه محاولة لمواكبة التطورات التقنية، بل يمثل استثمارًا استراتيجيًا فى مستقبل الأمن القومى والنمو الاقتصادي، ويتجاوز ذلك ليؤثر على العلاقات الدولية وموازين القوى بين الدول، بالنظر إلى تأثير السيطرة على التقنيات المتقدمة واستغلالها كأداة فى النفوذ الدبلوماسى والاقتصادى.

فى هذا السياق، تجد الدول العربية نفسها أمام تحديات عميقة، ولكنها تقف أيضًا أمام فرص واعدة يمكن أن تغيّر ملامح مستقبلها الرقمى وتموضعها فى الاقتصاد العالمى.

كسائر دول العالم، تواجه الدول العربية تحديات جوهرية فى مواكبة التطور الرقمى العالمى. ومن أبرز هذه التحديات ما يُعرف بـ«الفجوة الرقمية»، حيث تعانى العديد من الدول العربية من تفاوت كبير فى مستويات الوصول إلى التقنيات الحديثة والبنية التحتية الرقمية مقارنةً بالدول المتقدمة. ووفقًا لتقارير الاتحاد الدولى للاتصالات لعام 2023، فإن حوالى 45% من سكان المنطقة لا يتمتعون بوصول موثوق إلى الإنترنت، وهو ما يحدّ من قدرتهم على الاستفادة من التحول الرقمى ويعرقل جهود التنمية الاقتصادية. هذه الفجوة التقنية تنعكس أيضًا على نقص الكوادر البشرية المؤهلة للتعامل مع التحديات الرقمية المعقدة، إذ تُظهر الدراسات أن المنطقة العربية تعانى من نقص فى الكفاءات المتخصصة، خاصة فى مجالات مثل الأمن السيبراني، حيث تبلغ فجوة المهارات حوالى 3.4 مليون متخصص، وهو ما من شأنه أن يترك المؤسسات العربية عُرضة للمخاطر السيبرانية ويفاقم من هشاشة بنيتها التحتية الرقمية.

وإذا ما بحثنا فى الأسباب والمُسببات، نجد بأن الإنفاق العربى على البحث والتطوير فى مجال التكنولوجيا لا زال ضئيلًا مقارنةً بالمعايير العالمية. فبينما تخصص الدول المتقدمة ما معدله 2.3% من ناتجها المحلى الإجمالى لهذا القطاع، تخصص الدول العربية نسبًا أدنى بكثير، لا تتجاوز 0.8% فى بعض الدول. هذا العجز فى التمويل يجعل من الصعب على الدول العربية تطوير حلول محلية ومبتكرة للتحديات التقنية، بل يضعها فى وضعية «التابع» لتكنولوجيا الدول الأجنبية.

كما أن غياب الاستراتيجيات الوطنية المتكاملة للتحول الرقمى يشكل تحديًا آخر؛ حيث إن العديد من الدول العربية تفتقر إلى رؤية واضحة وشاملة لكيفية توظيف التكنولوجيا لدعم الخطط التنموية، وهو ما يؤدى بدوره إلى تشتيت الجهود وتبديد الموارد، فضلًا عن تحولها عُرضة للتهديدات السيبرانية المتزايدة نتيجة الاعتماد المتواصل على التكنولوجيا دون وجود المعرفة والإمكانات لحماية كافية للبنية التحتية الرقمية.

ورغم كل هذه التحديات، إلا أن الدول العربية تمتلك فرص فريدة يمكن استغلالها. فالتركيبة السكانية فى المنطقة العربية تُشكل أحد أهم عناصر القوة، حيث يمثل الشباب حوالى 60% من إجمالى السكان. هذه النسبة المرتفعة للشباب تفتح أبوابًا واسعة للاستثمار فى تدريبهم وصقل مهاراتهم التقنية، وللمساهمة فى الارتقاء بالقدرة التنافسية للمنطقة فى سوق العمل الرقمى العالمى. إضافةً إلى ذلك، فإن مخصصات الميزانيات الحكومية السنوية لتمويل مشاريع البنية التحتية الرقمية يمكن أن تُحدث فارقًا كبيرًا فى الحضور الرقمى للدول العربية.

أما فى سياق الاستفادة من هذه الفرص، فإن التحول الرقمى فى القطاعات الحيوية كالصحة والتعليم والزراعة يُمثل مدخلًا مهمًا لإحداث نقلة نوعية فى الاقتصاد العربي، وتوفير فرص عمل جديدة، وتحقيق التنوع الاقتصادى. أضف إلى ذلك التعاون الإقليمى بين الدول العربية فى مجال التكنولوجيا والذى من شأنه أن يسهم فى تبادل الخبرات وتوحيد الجهود لمواجهة التحديات المشتركة، وتنمية قدرات المنطقة على المنافسة فى الساحة العالمية.

ولكى تتمكن الدول العربية من اللحاق بركب التطور الرقمي، فإنها تحتاج إلى مجموعة من الخطوات الاستراتيجية المتكاملة. أولي هذه الخطوات تتمثل فى تطوير منظومة التعليم، وتحديث المناهج لتركز على مهارات القرن الحادى والعشرين، مثل البرمجة وتحليل البيانات. ولا يجب الاقتصار هنا على التعليم الأكاديمي، بل أن يمتد إلى تطوير القوى العاملة المستقبلية من خلال الاستثمار فى البرامج التدريبية المتخصصة لتأهيل الشباب فى مجالات التكنولوجيا المتقدمة، ولجعلهم قادرين على المساهمة الفعالة فى الاقتصاد الرقمى الوطنى.

فى الوقت نفسه، يتعين على الحكومات أن تستثمر فى تطوير البنية التحتية الرقمية، وذلك ببناء شبكات اتصالات سريعة وموثوقة، وتوفير متطلبات الطاقة اللازمة لدعم هذه التقنيات. كما أن توفير بيئة جاذبة للاستثمار فى الشركات الناشئة فى مجال التكنولوجيا سيساهم فى تعزيز الابتكار وخلق المزيد من فرص العمل. ومن جانب آخر، يُعد رفع مستوى الأمن السيبرانى ضرورة مُلحة فى ظل تزايد التهديدات الرقمية، ويتطلب ذلك وضع قوانين صارمة لحماية البيانات الشخصية، وبناء قدرات محلية لمواجهة التهديدات السيبرانية المتزايدة.

من المحاور الأخرى التى لا يمكن الاختلاف عليها هو محور التعاون الدولى والذى يُمثل ركيزة أساسية لتدعيم التحول الرقمي، حيث إن التعاون مع الدول المتقدمة فى مجال التكنولوجيا وتبادل المعرفة والخبرات سيُمكّن الدول العربية من الاستفادة من أفضل الممارسات العالمية. وفى هذا الإطار، يصبح من الضرورى وضع سياسات مُحفزة للاستثمار فى مجال التكنولوجيا، إلى جانب معالجة العقبات البيروقراطية المعيقة لنمو وتطور القطاعات ذات الأولوية، خاصة المرتبطة منها بالبنية التحتية التكنولوجية، والتعليم الرقمي، وتنمية المهارات البشرية المتخصصة.

ختامًا، السباق نحو التسلح الرقمى لم يعد خيارًا مطروحًا بل بات ضرورة استراتيجية، ولا بد للدول العربية أن تضع الإرادة السياسية فى صدارة أولوياتها لدفع أجندة التحول الرقمى والتقدم الاقتصادى. وبطبيعة الأمر، يتطلب ذلك توجيه الجهود والموارد نحو تحقيق الأهداف الوطنية والإقليمية، مدعومة برؤية مستقبلية واضحة واستثمارات استراتيجية وخطط تنفيذية مدروسة، لتتمكن من تجاوز التحديات والاستفادة من الفرص كشرط لتحقيق مكانة مؤثرة فى الاقتصاد الرقمى العالمى.

 

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: التسلح الرقمي الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة التطورات التقنية الأمن القومي والنمو الاقتصادي التحتیة الرقمیة الدول العربیة فى الاقتصاد

إقرأ أيضاً:

اعتقالات واقتحامات واسعة في الضفة.. واستهداف متصاعد للصحفيين والبنى التحتية (شاهد)

واصلت قوات الاحتلال الإسرائيلي، السبت، حملات الاقتحام والاعتقال في محافظات الضفة الغربية المحتلة، حيث اعتقلت 27 فلسطينيا على الأقل، بينهم صحفي، خلال عمليات مداهمة واسعة طالت مدناً وبلدات عدة، في إطار تصعيد مستمر منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، يوازي العدوان الجاري على قطاع غزة.

وتركزت عمليات الاعتقال في محافظات نابلس وقلقيلية وسلفيت وجنين شمالي الضفة، وفق ما أفاد به "مكتب إعلام الأسرى" التابع لحركة المقاومة الإسلامية "حماس".

نابلس: استهداف متكرر للصحفيين والأسرى 
في محافظة نابلس، اعتقلت قوات الاحتلال الصحفي مجاهد بني مفلح من بلدة بيتا جنوب المدينة، إلى جانب الأسير المحرر مصعب قطاوي بعد توقيفه على حاجز دير شرف شمال غرب المدينة. 

كما طالت الاعتقالات مواطنين من قريتي زواتا وتل، إضافة إلى 18 شاباً من قرى مادما وعصيرة القبلية وعوريف جنوباً، في حملة وصفت بأنها من الأكبر خلال الفترة الأخيرة، شملت اقتحام عشرات المنازل وتفتيشها والعبث بمحتوياتها.
لحظة اعتقال قوات الاحتلال الشاب إيهاب فالح شحادة شقيق الشهيد مهند شحادة من قرية عوريف جنوب نابلس

لتغطية أوسع، تابعونا على قناتنا عبر التيليجرام : https://t.co/npZgVjcriR pic.twitter.com/mzAuScAUkV — قناة القدس (@livequds) June 28, 2025
قوات الاحتلال تعتقل الصحفي مجاهد بني مفلح بعد مداهمة منزله في بلدة بيتا جنوب نابلس، فجر اليوم. pic.twitter.com/ENuEQOqpI7 — القسطل الإخباري (@AlQastalps) June 28, 2025
جنين: عدوان متواصل للـيوم الـ159
في مدينة جنين، أصيب مواطن بجروح جراء اعتداء جنود الاحتلال عليه بالضرب داخل منزله في الحي الشرقي للمدينة، بحسب ما أفادت به جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني. كما اقتحمت قوات الاحتلال المنطقة برفقة جرافات عسكرية، وداهمت عدداً من المنازل واحتجزت سكانها واستجوبتهم ميدانياً، فيما شهدت المنطقة دماراً واسعاً في الممتلكات والبنية التحتية، لاسيما في حي البيادر وشارع نابلس.

ودخل العدوان الإسرائيلي على مدينة جنين ومخيمها يومه الـ159، وسط استمرار عمليات التجريف، وإحراق المنازل، وتحويل بعضها إلى ثكنات عسكرية. 

ووفق إحصاءات محلية، بلغ عدد الشهداء في جنين منذ بدء العدوان 40 شهيداً، إلى جانب عشرات المصابين والمعتقلين.


سلفيت وقلقيلية: استمرار المداهمات واعتقال المحررين
في سلفيت، اعتقلت قوات الاحتلال شاباً فلسطينياً والأسير المحرر أدهم إسماعيل صابر، بعد مداهمة منزليهما في بلدة الزاوية غرب المدينة. وفي محافظة قلقيلية، اعتقل جيش الاحتلال شاباً من بلدة عزون، إضافة إلى فلسطينيين اثنين في جنين.

الخليل وبيت لحم: اقتحامات ومداهمات واستفزازات
في جنوب الضفة، اقتحمت قوات الاحتلال بلدة دورا جنوب الخليل وفتشت عمارة سكنية وعدة منازل، عرف من أصحابها وائل عويمر وعبد الله الهندي، وعبثت بمحتوياتها. 

وفي بيت لحم، اقتحمت قوات الاحتلال قرية حوسان غرب المدينة، وتمركزت عند مدخلها الشرقي في منطقة "المطينة"، حيث نصبت حاجزاً عسكرياً ومنعت حركة المركبات.
مستوطنون يطاردون رعاة الأغنام في تل ماعين في مسافر يطا جنوب الخليل.

لتغطية أوسع، تابعونا على قناتنا عبر التيليجرام : https://t.co/npZgVjcriR pic.twitter.com/s3kZp9pSpB — قناة القدس (@livequds) June 28, 2025
مستوطنون ينصبون خياماً في أراضي عصيرة القبلية
وفي مؤشر جديد على التصعيد الاستيطاني، نصب مستوطنون، السبت، خياماً في أراضي قرية عصيرة القبلية جنوب نابلس، وخاصة في المناطق المصنفة "ب"، ورفعوا لافتات عنصرية، بينها واحدة مكتوبة بالعربية جاء فيها: "لا مستقبل بفلسطين"، في إشارة إلى إحدى شعارات عصابات "تدفيع الثمن" اليمينية المتطرفة.

وبالتوازي مع العدوان المفتوح على غزة، صعدت قوات الاحتلال والمستوطنون من وتيرة الانتهاكات في الضفة الغربية، بما فيها القدس المحتلة. 

وتشير الإحصاءات الفلسطينية إلى أن عدد الشهداء في الضفة بلغ حتى السبت 986 فلسطينياً، فيما تجاوز عدد المصابين 7 آلاف، بينما وصل عدد المعتقلين إلى أكثر من 17 ألف و500 معتقل منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023.

أما في قطاع غزة، فيواصل الاحتلال الإسرائيلي تنفيذ حرب إبادة جماعية خلفت أكثر من 189 ألف فلسطيني بين شهيد وجريح، غالبيتهم من الأطفال والنساء، إلى جانب أكثر من 11 ألف مفقود، ومئات آلاف النازحين، وسط أزمة إنسانية غير مسبوقة ومجاعة أودت بحياة العديد، بينهم أطفال رضّع.

مقالات مشابهة

  • القواعد الأجنبية في الدول العربية ووَهْم الحماية
  • تصنيع التكنولوجيا العسكرية.. ضرورة أمنية
  • الصحة العالمية تحذر من تداعيات استخدام التكنولوجيا الرقمية على حياة الأفراد
  • أكبر 10 اقتصادات إفريقية.. تعرّف على ترتيب الدول العربية!
  • تعرف على الدول المشاركة في البطولة العربية لسيدات السلة
  • العراق رابعاً في نمو الاقتصاد بين الدول النفطية العربية لعام 2025
  • موارد للتمويل والخدمات المالية العربية(AFS) يطلقان “مركز تمكين التكنولوجيا المالية “
  • تصنيف الدول العربية على مؤشر السلام العالمي للعام 2025 (إنفوغراف)
  • المستشار عادل ماجد: مبادرة «بداية» تهتم برفع الوعي بمنافع التكنولوجيا الرقمية ومخاطرها
  • اعتقالات واقتحامات واسعة في الضفة.. واستهداف متصاعد للصحفيين والبنى التحتية (شاهد)