جمهورية اليهود المخفية.. «بيروبيدجان»
تاريخ النشر: 24th, November 2024 GMT
هل أحد يتخيل أن هناك دولة يهودية كل سكانها يهود، استطاع الكيان الصهيونى إخفاء أخبارها عن الإعلام لمدة أكثر من تسعين عامًا. إنها جمهورية اليهود الأولى أوبلاست المعروفة باسم عاصمتها «بيروبيدجان»، تقع فى جنوب شرق روسيا، ومساحتها تصل ٤١,٢٧٧ كم تماثل مساحة بلد أوروبى مثل سويسرا، بكثافة سكانية ضئيلة تصل إلى ١٤ نسمة/ميل مربع، مقابل ٩٤٥ نسمة/ميل مربع فى الكيان الصهيونى، و١٧٢٨ نسمة/ميل مربع فى الأراضى الفلسطينية.
ما تخافه إسرائيل والدول الغربية الداعمة لها، هو الترويج لفكرة عودة اليهود إلى موطنهم الاول فى هذه الجمهورية، واقناع العالم بعودة آمنة لليهود المقيمين فى فلسطين، إلى جمهورية بيروبيدجان ليعيشوا بأمان وسلام، وينعموا بأجواء الثقافة اليهودية السائدة فيها، ويتحدثوا لغة ال «يديش» لغة يهود أوروبا، من دون أى معاداة للسامية، كما تروج له الصهيونية العالمية حاليا. وفى حالة حدوث ذلك، يمكن إنهاء مأساة تهجير العرب الفلسطينيين المشردين فى أنحاء الأرض، وتسهيل عودتهم إلى فلسطين.
هذه الفكرة تتعارض مع أهداف الصهيونية العالمية والدول الغربية المستفيدة من وجود دولة إسرائيل فى الوطن العربى والشرق الأوسط، بسبب وجود اسرائيل القائم على تبادل المنافع فى حماية المصالح الغربية، والاعتماد عليها للقيام بحروب الوكالة فى بعض الأحيان، ضد من يهددون مصالح الغرب وأولهم العرب. الشىء الذى يجهله العرب، أن جمهورية اليهود هذه تأسست عام ١٩٢٨، بعد أن أعلنت رئاسة اللجنة التنفيذية المركزية للاتحاد السوفيتى فى ٢٨ مارس ١٩٢٨، بيروبيدجان «منطقة قومية يهودية» مفتوحة للاستيطان، وسرعان ما وصل إليها أول المستوطنين فى إبريل من العام ذاته، وجرى تأسيس مزارع جماعية لهم، وتم الاعتراف ب «اليديشية» لغة رسمية فى الاقليم، وكان سكان بيروبيدجان ينالون الجنسية الروسية، وكل ذلك بدعم وتشجيع من يهود امريكا أنفسهم، ممثلين فى هيئة كانت تضم فى عضويتها عالم الفيزياء اليهودى أينشتاين والكاتب الامريكى المعروف غولدبرغ. وهكذا خدعت الصهيونية العالمية العالم أجمع، عندما زعموا إبان الحرب العالمية الثانية، أنهم فى أمسّ الحاجة إلى أرض فلسطين كوطن قومى لهم، وانهم مشردون فى الارض، ولا يوجد لهم وطن قومى يؤويهم، وتذرعوا بذلك لتشريد الفلسطينيين والاستيلاء على أراضيهم. فخيار الانتقال لتلك الجمهورية كان متاحًا أمامهم، لكنهم فضلوا فلسطين لأنهم كانوا يطمعون بالسيطرة على القدس، التى يوجد بها «المسجد الأقصى» قبلة المسلمين الأولى، والدفاع عنه يعتبر قضية المسلمين والعرب الأولى. هذه الحقيقة التاريخية، تحاول إسرائيل والصهيونية العالمية إخفائها، وثمة الكثير من الناس، وبسبب من التعتيم الصهيونى الإعلامى الموجه والمنظم، لا يعرفون أن هناك أكثر من وطن بديل لليهود فى العالم، فرضته الحقائق التاريخية التى تؤكد أن الذين استقدموا إلى فلسطين ليغتصبوا أرضها، ويبنوا دولتهم المزعومة هم ثلة من الناس تحكمت بهم الدعاية الصهيونية واقتلعتهم من بلدانهم الأصلية، التى كانوا يعيشون فيها مثل بريطانيا، وفرنسا، وألمانيا، وبولونيا، وروسيا، والولايات المتحدة وغيرهم من الدول، ليحلوا محل الشعب العربى الفلسطينى بعد تشريده من دياره وأراضيه، فى أكبر جريمة تهجير جماعى، وتغيير ديموغرافى.
اثناء تفكك الإتحاد السوفيتى، كانت جمهورية بيروبيدجان مؤهلة لإعلان الاستقلال عن روسيا الاتحادية، مثلها مثل الشيشان، ولكن الصهيونية منعت حدوث ذلك، بسبب حساسية ظهور جمهورية خاصة باليهود، فى مكان غير فلسطين، وخطورة رفع الوعى لدى يهود العالم بوجود تلك الدولة وتحويل هجرتهم اليها بدلا من فلسطين. والشىء الغريب أن الغرب دفع بالعرب والمسلمين، للجهاد لتحرير الشيشان وفك ارتباطها من روسيا، وكان بإمكانهم فعل الشىء نفسه، ودعم جمهورية بيروبيدجان للاستقلال عن روسيا، وجعلها وطنًا بديلًا لليهود عن فلسطين. والواضح، كان لا احتياج إلى مبادرات السلام الكثيرة المتعددة خلال ٧٥ عامًا، والتى ترسخ الظلم والعنصرية، وتسلب أصحاب الأرض الفلسطينيين وطنهم، وتصادر أراضيهم، وتهدم بيوتهم، وتحرق مزارعهم، وتقتل أطفالهم وشبابهم، وتعطى شرعية المحتل الغاصب القاتل، وتدين الضحية. اليوم تواجه الإنسانية أسوأ كوارثها على الاطلاق، إذ يستهدف الكيان الصهيونى قتل المدنيين من النساء والأطفال فى منازلهم وداخل المستشفيات والمدارس.
هذا كان ومازال يحدث منذ ٧٥ عامًا على الطريقة النازية البشعة، وبمباركة الغرب المنافق، الذى يكيل بمكيالين، رغم أن المعاهدات والتشريعات الدولية تعطى الحق للشعوب المحتلة أن تقاوم المحتل، بأى طريقة كانت لإخراجه من أرضها واستعادة وطنها. والغريب بالأمر، أن المواطن العربى لا يعرف شيئا عن هذه الحقيقة.
وأخيرًا، نوجه نداء إلى المسلمين والعرب، أن يقوموا بتشكيل قوة سياسية ودبلوماسية واقتصادية للترويج لجمهورية بيروبيدجان كوطن، يمكن إعادة ترحيل يهود فلسطين اليها، وإعادة الفلسطينيين إلى بلدهم فلسطين المغتصبة، ومحاولة الضغط على الدول المساندة للمحتل الغاصب من منطلق القوة والمصالح، وأولهم أمريكا لاتمام هذه المهمة.
محافظ المنوفية الأسبق
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: دولة يهودية بلد أوروبي سويسرا الصهیونیة العالمیة
إقرأ أيضاً:
سوريا في وجه الغطرسة الصهيونية: حين تنهض الشعوب لا تُهزم
ليس غريبا أن يمدّ الاحتلال الصهيوني أنيابه نحو الجنوب السوري، متوهما أن الجراح المفتوحة تعني غياب الوعي أو غفوة الروح. لكنه يجهل أن سوريا، وإن أُنهكت بالحروب، لا تنكسر. فالشعوب التي أرهقتها الدماء قد تستفيق في لحظة، وتُشعل بركان المقاومة من تحت الركام. وما بين القنيطرة ودرعا، تتوقد شرارات الرفض الشعبي، في أرضٍ لا يمكن للاحتلال أن يستقر فيها، ولا للغزاة أن يتنفسوا بحرية على ترابها.
لكن سوريا ليست وحدها في هذا الطريق، فالتاريخ زاخر بشعوب قاومت وانتفضت وأسقطت مشاريع استعمارية كانت تبدو، في لحظات كثيرة، عصيّة على الهزيمة.
هذه النماذج تلهمنا وتُذكّر العدو أن الغطرسة لم تكن يوما ضمانة بقاء، وما صمود غزة المحاصرة منذ ثمانية عشر عاما عنا ببعيد.
فيتنام.. الأرض التي كسرت جبروت أمريكا
حين اجتاحت جيوش الولايات المتحدة أرض فيتنام، كانت واثقة أن النصر مسألة وقت. لكن "الڤييت كونغ" كان له رأي آخر.
الدعوة إلى مقاومة شعبية لا تعني دفع الجيش النظامي إلى مواجهة شاملة، بل تعني إرسال رسالة واضحة: هذه الأرض ليست خالية، هذا الشعب حيّ، يرفض الاحتلال، ويقاومه بكل الوسائل الممكنة. فالمحتل لا يرهب الجيوش وحدها، بل يرهب الرفض الشعبي، والشعور الجمعي بأن كل بيت في سوريا يرفضه
حفروا الأنفاق، زرعوا الفخاخ، وصمدوا تحت أعتى قصف جوي في التاريخ. وعلى مدى عشرين عاما، قاوم الفيتناميون بأسنانهم، حتى خرجت أمريكا تجرّ أذيال الهزيمة عام 1975، بعد أن خسرت أكثر من 58 ألف جندي، وتركت وراءها هيبة محطّمة.
جنوب أفريقيا.. مقاومة تحطّم العنصرية والصهيونية
لم يكن نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا ليصمد لولا الدعم الصهيوني اللامحدود. لكن مقاومة شعبية قادها نيلسون مانديلا ورفاقه، أسقطت ذلك النظام القذر. سُجن القادة، وقُتل الأبرياء، لكنهم انتصروا في النهاية. وسقط وهم التفوّق العنصري تحت أقدام شعب أبيّ، رفض الاستسلام.
كوبا.. جزيرة التحدي في وجه الحصار الأطول
منذ أكثر من ستين عاما، تواجه كوبا حصارا أمريكيا خانقا. بلد صغير، محدود الموارد، لكنه رفض أن يخضع. صمدت كوبا رغم العزلة، وعلّمت العالم أن الكرامة أغلى من الرغيف، وأن الحرية لا تُشترى.
* * *
إلى دعاة "النأي بالنفس": ماذا تنتظرون؟
الشعوب الحرة لا تستكين لظالم، ولا ترضخ لمستعمر. أما "العقلانيون" جدا، و"الواقعيون" حدّ التخلي، فأسألهم بكل ود:
ماذا تنتظرون أكثر؟
هل تنتظرون إعلان نتنياهو رسميا احتلال محافظة درعا؟ أم تترقبون اعترافا صريحا بأن الجنوب السوري بات "منطقة نفوذ" صهيوني؟
هل استباحة الأجواء السورية ليلا ونهارا لا تكفيكم؟
هل اختطاف سوريين من داخل أراضيهم -كما جرى في القنيطرة وريف دمشق- لا يحرّك فيكم شيئا؟
ماذا بقي من السيادة لتنتظروا المسّ بها؟
أيّ منطق يرى في الصمت سياسة، وفي اللاموقف وطنيّة؟
وأنا أتحدث هنا عن نشطاء ومؤثرين وقادة رأي مجتمعي، لا عن الدولة التي لها حساباتها.
المقاومة الشعبية: الصوت الذي لا يُقهر
المشروع الصهيوني ليس مجرد عدوان على الأرض، بل هو اعتداء على الذاكرة، على التاريخ، على الكرامة. ومن هنا، فإن المقاومة الشعبية في سوريا اليوم ليست مجرد رد فعل على توغّل عسكري، بل هي انتفاضة على مشروع صهيوني يحاول أن يرسم خريطة
الدعوة إلى مقاومة شعبية لا تعني دفع الجيش النظامي إلى مواجهة شاملة، بل تعني إرسال رسالة واضحة: هذه الأرض ليست خالية، هذا الشعب حيّ، يرفض الاحتلال، ويقاومه بكل الوسائل الممكنة. فالمحتل لا يرهب الجيوش وحدها، بل يرهب الرفض الشعبي، والشعور الجمعي بأن كل بيت في سوريا يرفضه.
أيها الصهاينة.. سوريا ليست هشّة كما تظنون.. ربما تظنون أن الجراح أضعفتها، وأن غبار الحرب أنسى أبناءها الأرض، لكن من يجهل التاريخ، يعيد أخطاءه.. من فيتنام إلى جنوب أفريقيا، ومن كوبا إلى كل أرض قاومت، تعلّموا: الشعوب حين تثور تطيح بالإمبراطوريات، وتكسر الاحتلالات، وتكتب نهايات لم تكن على بال.
المشروع الصهيوني ليس مجرد عدوان على الأرض، بل هو اعتداء على الذاكرة، على التاريخ، على الكرامة. ومن هنا، فإن المقاومة الشعبية في سوريا اليوم ليست مجرد رد فعل على توغّل عسكري، بل هي انتفاضة على مشروع صهيوني يحاول أن يرسم خريطة من النيل إلى الفرات، في غفلةٍ من الزمن.
لا أمان لكم على أرض تعرف معنى التضحية.. سوريا اليوم ليست سوريا الضعف، بل سوريا الوعي، وحين يستيقظ الوعي الشعبي، تتحطم آمال الغزاة. وإن كانت درعا والقنيطرة أولى الجبهات، فإن قلب سوريا كله جبهة، وما دامت الشعوب تنهض، فالصهاينة إلى زوال.. مهما طال الليل.