بوابة الوفد:
2024-12-27@07:31:36 GMT

مأساة فاوست: بين المعرفة والطموح المفرط

تاريخ النشر: 24th, November 2024 GMT

يُعتبر كريستوفر مارلو (1593-1564) من أبرز كتّاب المسرح الموهوبين فى عصر الملكة إليزابيث الأولى. فقد أظهرت أعماله، مثل دكتور فاوست، مهارته الاستثنائية فى دمج الدراما والشعر والموضوعات الفلسفية العميقة. ومنذ بداية دراستى فى الأدب الانجليزى وأنا أعتقد أنّ موهبته كان من الممكن أن تتفوق على موهبة وشهرة ويليام شكسبير، لو لم يُقْتَل بشكل مفاجئ فى مشاجرة عام 1593 عن عمر لا يتجاوز 29 عامًا.

لقد منعه موته المبكر من أن يحقّق كامل إمكانياته، لكن تأثيره فى تطور التراجيديا الإنجليزية كان عظيما.

تظل شخصية فاوست واحدة من أبرز الأساطير التى ألهمت الفكر الإنسانى عبر العصور، حيث تتجسد مأساة الإنسان فى سعيه الحثيث وراء المعرفة المطلقة والطموح اللامحدود. وكريستوفر مارلو لم يكن وحده الذى عالج هذه الاسطورة فقد تناولها كل من غوته فى مسرحيته الشعرية (عام 1808)، فاوست وكذلك توماس مان فى روايته دكتور فاوست (عام 1947)، التى تصوّر بطلها الموسيقار، وهو يعقد اتفاقًا مع الشيطان ليحصل على العبقرية الفنية.

كانت رؤية فاوست للمعرفة أداة للسلطة والخلود، اعتقادًا منه أن امتلاك هذه المعرفة سيمنحه القدرة على التحكم فى الحياة وتحقيق الخلود. لكنّه فى غمرة طموحه، فقد البوصلة الأخلاقية، فباع روحه فى صفقة غير قابلة للإلغاء. كما يوضّح مارلو، فإن السعى وراء القوة هو فخٌ يخدع صاحبه دون أن يدرك العواقب الكارثية التى قد تترتب عليه.

يعبّر فاوست عن تعطش مفرط لامتلاك المعرفة والسيطرة بقوله: « لَو كانت لى أرواحٌ بعدد النجوم فى السماء، لما ترددت فى أن أهبها جميعها لميفوستوفيليس (الشيطان). به سأصبح إمبراطورًا عظيمًا للعالم، وأبنى جسرًا فى الهواء المتحرك لعبور المحيط مع كوكبة من الرجال؛ سأوحّد الجبال التى تفصل الشواطئ الأفريقية، وأجعل تلك الأرض قارة تتصل بإسبانيا، لتكونا معًا ثروتى الملكية...»

تطرح المسرحية تساؤلات هامة عن العلاقة بين المعرفة والأخلاق. ففى سعيه الحثيث وراء «الحقول الكاملة» للمعرفة، لم يتساءل فاوست عن الثمن الذى سيُدفع مقابل ذلك. ورغم نبل سعيه لفهم العالم، أغفل الأسئلة الأعمق المتعلقة بالأخلاق وقيمة الروح.

فى نهاية المسرحية يصرخ فاوست: «إلهى، إلهي! لا تنظر إليّ بتلك النظرة القاسية! أيتها الأفاعى والثعابين، دعونى أتنفس قليلًا! يا جهنم القبيحة، لا تفتحى فمك!»

تُجسد هذه الصرخات اليائسة لفاوست فى نهاية المسرحية التحوّل الكامل فى شخصيته. هنا، يحاول العودة إلى حياة البراءة ويتوسل لله، بعد فوات الاوان، أن يغفر له ذنبه العظيم.

مأساة فاوست تقدم درسًا تحذيريًا غاية فى الأهمية: تظل الروح، ذلك الوميض الوحيد فى عتمة الوجود، أغلى ما يملك الإنسان، ولا يجب بأى حال أن تُباع أو تُستبدل مهما توافرت المغريات وعَظُمَت المكاسب.

 

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: الأدب الإنجليزى

إقرأ أيضاً:

مركز ريادة يطلق منصة “رَادَ” لتعزيز وتنمية قدرات القطاع الوقفي

الرياض : البلاد

 أطلق مركز ريادة الذراع المعرفي والتمكيني للهيئة العامة للأوقاف بالشراكة مع المركز الوطني للتعليم الإلكتروني النسخة التجريبية من منصة “رَادَ”، التي تُعدّ أحدث المبادرات المخصصة لتنمية قدرات القطاع الوقفي بجميع مكوناته، بما في ذلك الواقفون، والنُظّار، والعاملون في القطاع، وعموم أفراد المجتمع.

 وتسعى المنصة إلى إثراء المعرفة الوقفية من خلال تسهيل الوصول إلى محتوى معرفي عالي الجودة وفق أفضل معايير التدريب الإلكتروني من خلال شراكات محلية ودولية لتوفير تجربة تعلّم متميزة تُسهم في تطوير القطاع الوقفي ورفع مستوى الوعي به.

 كما تركز المنصة على تنمية رأس المال البشري عبر توفير فرص لتطوير المهارات وبناء مسارات مهنية متخصصة تسهم في تعزيز نمو الأوقاف واستدامتها وضمان جاهزيتها لمواكبة احتياجات المستقبل، بالإضافة إلى رفع الوعي المجتمعي من خلال توسيع نطاق المعرفة بأهمية الأوقاف ودورها التنموي، وذلك عبر تقديم برامج توعوية، ومجموعة متكاملة من البرامج التدريبية والمصادر المتنوعة لإثراء المعرفة في القطاع.

 يُذكر أن الهيئة العامة للأوقاف تعمل على تعزيز قطاع الأوقاف وحوكمته، وتطويره ورفع الوعي به من خلال إطلاق منتجات توعوية، وخدمات وقفية مبتكرة تقدم للمستفيدين، ليكون رائدًا في التنمية المستدامة محليًا وعالميًا، وذلك بما يحقق شروط الواقفين، ويدعم تطبيق أفضل الممارسات، وسنّ الأنظمة واللوائح التي من شأنها الارتقاء بالعمل الوقفي وتطويره وتمكينه، وتعظيم أثره في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والتكافل الاجتماعي.

مقالات مشابهة

  • بوتين يعلن سعيه لإنهاء حرب أوكرانيا ويحدد دولة "الوساطة"
  • بوتين يعلن سعيه لإنهاء حرب أوكرانيا ويحدد دولة "الوساطة"
  • محمد بن راشد: روّاد العلوم والبحوث الطبية يطورون مخزون المعرفة البشرية
  • الرياضة النسائية في سلطنة عُمان .. بين التحديات والطموح !
  • ظنّتها أعراض الاستخدام المفرط للهاتف.. لتفاجأ بمرض دماغي خطير
  • مكسرة الدنيا .. دنيا سمير غانم تروّج لأحدث أعمالها المسرحية بهذه الطريقة
  • أستاذ بـ"القومي للبحوث الاجتماعية": سمة "جيل زد" الانفتاح على العالم وحب المعرفة
  • في معركة القيادة والطموح .. الغرب يتراجع والشرق يتقدم
  • بدء تصوير المسرحية العمانية "أبوحاير حاير"
  • مركز ريادة يطلق منصة “رَادَ” لتعزيز وتنمية قدرات القطاع الوقفي