النُضج ليس مسألة عُمر
تاريخ النشر: 24th, November 2024 GMT
د. أحمد بن موسى البلوشي
تُعدّ سمات مثل العقلانية، النضج، والرزانة وغيرها من الصفات التي يُفترض أن تتعمّق مع التقدم في العمر؛ حيث يكتسب الفرد توازنًا أكبر وحكمة في اتخاذ القرارات وتقييم المواقف المحيطة، وتعتمد هذه الصفات على عوامل كثيرة ومتنوعة تؤثر في تطور العقلية ونظرة الفرد للحياة، ومع تقدم السنوات، يُتوقع أن يكتسب الإنسان خبرات ومعارف تدعمه في اتخاذ قرارات أكثر حكمة، وتمنحه منظورًا موضوعيًا وتعاملًا أكثر حساسية واحترامًا لمشاعر الآخرين.
ولقد أثبتت الدراسات العلمية أن مناطق معينة في الدماغ تستمر في النمو والتطور حتى سن العشرينات والثلاثينات، وخاصة القشرة الأمامية، المسؤولة عن التفكير المعقد واتخاذ القرارات، ومع مرور الوقت، يصبح الإنسان أكثر قدرة على استيعاب الأمور بشكل عميق ومتوازن، مما يمنحه القدرة على التمييز بين الصواب والخطأ بشكل أدق، ولكن الكثير من الدراسات أتبتت بأن هناك العديد من العوامل تساعد على النضج الفكري والعقلي للشخص ولا ترتبط بالعمر، فالشخص مع مرور الزمن يكتسب العديد من التجارب، سواء كانت ناجحة أو فاشلة؛ هذه التجارب تؤثر بشكل كبير في تشكيل العقلانية، حيث إن الشخص يتعلم من أخطائه ويستفيد من نجاحاته. يُعتبر الصبر أحد علامات النضج لدى الشخص، ومع مرور الزمن، يصبح الشخص أكثر قدرة على التحكم في ردود أفعاله.
يميل الشخص الأكبر سنًا إلى التحلي بالصبر والهدوء حتى في المواقف الصعبة، ويستغرق وقتًا كافيًا للتفكير قبل اتخاذ أي قرار، هذا التصرف يجعل قراراته أكثر عقلانية وأقل تأثرًا بالعوامل الخارجية، فعندما يكبر الإنسان، يبدأ في فهم أن الحياة ليست فقط حول اللحظات الآنية، بل هي رحلة طويلة مليئة بالتحديات والفرص، هذه النظرة الواسعة للحياة تجعل الشخص أكثر تفهمًا للآخرين وأقل حكمًا، حيث يدرك أن لكل شخص ظروفه وتجربته. هذا التفهم يجعل الفرد أقل عرضة للحكم السريع وأكثر ميلًا للنظر للأمور بمنظور أكثر شمولية وتوازنًا.
سمات العقلانية والنضج لا تتعلق فقط بالخبرات السابقة، بل أيضًا بالاستمرار في التعلم، فالكثير من الأشخاص يحرصون على مواصلة التعلم واكتساب المعرفة في شتى المجالات، مما يسهم في تحسين قدرتهم على فهم العالم من حولهم وتحليل الأمور بموضوعية. هذا التعلم المستمر يجعل قراراتهم أكثر توازنًا وعقلانية، حيث لا ينحصر فهمهم في وجهة نظر واحدة أو جانب واحد.
الإنسان الناضج يدرك أن الأخطاء جزء طبيعي من الحياة، وأنها تمثل فرصًا للتعلم والنمو. هذا الوعي يساعده على تطوير مهاراته وتحسين طريقة تعامله مع المواقف المستقبلية. بدلًا من التمسك بالأخطاء أو الندم، فيختار الفرد أن يستفيد منها ويفهم أنها قد تكون سببًا في تحقيق النجاح لاحقًا، وهذه القدرة على التعلم الذاتي تُعتبر من أهم صفات النضج، حيث تعزز من ثقة الإنسان بقدراته وتجعله أكثر استعدادًا لمواجهة الصعوبات.
لكن ما نلاحظه اليوم في وسائل التواصل الاجتماعي أو في المواقف اليومية من تصرفات البعض، يُبرز بشكل واضح أن النضج العقلي لا يرتبط بالضرورة بالتقدم في العمر عند هذه الفئة. فقد يكون العمر مجرد رقم، بينما تعكس السلوكيات مستوى التطور الشخصي والنضج الحقيقي. فبينما يُفترض أن يُثمر التقدم في العمر عن زيادة في الحكمة، العقلانية، والاتزان، نجد أحيانًا تصرفات تخالف هذه التوقعات تمامًا. على سبيل المثال، قد يظهر العناد المفرط، والتمسك بمعتقدات وآراء قديمة دون أدنى استعداد لمراجعتها أو فتح حوار حولها. كما تُلاحظ أحيانًا تصرفات تتسم بالاندفاع، عدم التعاطف، أو حتى النزاعات غير المبررة، سواء على المنصات الرقمية أو في الحياة اليومية. مثل هذه السلوكيات قد تكون انعكاسًا لتجارب سلبية تُركت دون معالجة، مما أدى إلى تراكمات نفسية أو فكرية تُعيق النضج الحقيقي، وتُسهم وسائل التواصل الاجتماعي في كشف هذه الأنماط السلوكية بشكل أكبر، إذ إنها تتيح للجميع التعبير العلني دون قيود، مما يجعل بعض التصرفات غير الناضجة أكثر وضوحًا وانتشارًا. كما أن بيئة هذه المنصات قد تُغذي بعض السلوكيات السلبية، مثل الرغبة في جذب الانتباه أو الدخول في جدالات غير منتجة.
وبالرغم من أن التقدم في العمر يُعد فرصة للنمو والنضج، إلّا أن بعض العوامل قد تعيق تحقق ذلك النضج، فبعض الأشخاص يعيش حياة محصورة بلا تجارب جديدة، مما يقلل فرصتهم في تطوير النضج، التعليم يؤدي دورًا كبيرًا في زيادة الوعي وتوسيع الأفق، ونقصه قد يؤدي إلى محدودية النظرة وعدم النمو الفكري، التركيز الزائد على الذات وعدم التعاطف مع الآخرين قد يمنع الشخص من الوصول إلى النضج الحقيقي، إذ يبقى متمحورًا حول رغباته واحتياجاته الخاصة فقط، الأفراد الذين يرفضون النظر لوجهات نظر مختلفة أو يرفضون النقد قد يجدون صعوبة في التطور والنضج الفكري.
في النهاية.. النضج هو رحلة تطور مستمرة يتأثر فيها الإنسان بعوامل عديدة كالتجارب، وتحمّل المسؤوليات، والاستفادة من الأخطاء. ومع تقدم العمر، يُفترض أن تتعمق في الفرد سمات مثل العقلانية، الصبر، الرزانة، والتعاطف، مما يساعده على اتخاذ قرارات حكيمة، والتعامل مع الناس والمواقف بحساسية واتزان. ورغم أن العمر يوفر فرصًا للنضج، إلّا أن استغلال تلك الفرص يتطلب استعدادًا للتعلم والانفتاح على التجارب والنمو الذاتي، ليصبح الفرد أكثر قدرة على تحقيق التوازن والسعادة في حياته.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
الأعياد والأطعمة الشهية.. كيف يمكننا تجنب زيادة الوزن؟
الأعياد على الأبواب، ومعها تزداد الأطعمة الشهية والحلويات التي تميز هذه الفترة. ورغم الأجواء الاحتفالية التي تضفي البهجة على القلوب، إلا أن العديد من الأشخاص يشعرون بالقلق من زيادة الوزن نتيجة تناول كميات كبيرة من الأطعمة الدسمة والحلويات. ولكن، ما هي الطرق التي يمكن اعتمادها للحفاظ على الوزن وتجنب زيادته خلال فترة العيد؟
أخصائية التغذية أنتونا-ماريا مطران اشارت في حديث لـ "لبنان 24"، إلى أن "البعض يميل إلى تخطي وجبتي الإفطار والغداء، بهدف تناول العشاء في فترة العيد". موضحةً أن "هذا سلوك خاطئ، لأن تخطي الوجبات يؤدي إلى الشعور بالجوع الشديد في المساء، مما يدفع الشخص لتناول كميات كبيرة من الطعام."
ونصحت "باتباع طريقة "One Plate Rule"، أي أن يملأ الشخص صحنه مرة واحدة فقط ويكتفي بتناول الأطعمة التي يرغب فيها بكميات معتدلة". مؤكدةً "على ضرورة تناول الطعام ببطء وشرب الكثير من الماء، مما يساعد على الشعور بالشبع".
وقالت مطران إنه "يجب البدء بتناول السلطة أولًا، لأنها غنية بالألياف التي تساعد على تحسين الهضم بشكل أسرع. بعد ذلك، يمكن اختيار الأطعمة المفضلة، مع إجراء مسح المنيو واختيار ما يرغبون فيه. يمكن تناول قطعة صغيرة من كل صنف، مما يساعد في الاستمتاع بالطعام دون الشعور بالذنب". وأضافت: "أنصح دائمًا الاسخاص الذين يقصدونني بتناول وجبات متكاملة تحتوي على البروتين، الألياف، الكربوهيدرات، والدهون الصحية، مما يساهم في تناول الطعام خلال العيد بشكل متوازن".
وردًا على سؤال عن الكمية المناسبة التي يجب تناولها، شرحت مطران أنّه "لا يمكن تحديد كمية معينة لأن كل شخص يختلف في وزنه وطوله وعمره ونسبة الحرق. لكن ما يمكن تأكيده هو أنه يجب على الشخص تناول الطعام حتى يصل إلى مستوى الشبع المريح، وهو عادةً عندما يشعر بالشبع بنسبة 80% أو 90%. لأن الشخص بعد 10 إلى 20 دقيقة تقريبًا سيشعر بالشبع الكامل، وبالتالي سيتجنب الإحساس بالإنزعاج إذا تناول كمية أكبر من التي اعتاد عليها".
أمّا بالنسبة للحلوى، فتنصح أخصائية التغذية أنه "إذا أرادوا تناول "Buche de Noel"، فلا داعي لتناول الوجبات الخفيفة في نفس الوقت. يمكنهم اعتبار كل قطعة من الحلوى كبديل لوجبة خفيفة واحدة، بذلك يكونون قد حافظوا على توازنهم الغذائي ولم يخرجوا كثيرًا عن النظام الغذائي الذي يتبعونه".
وأشارت إلى أنه "من المستحسن زيادة الحركة اليومية حتى وإن لم يمارسوا الرياضة في هذا اليوم. على سبيل المثال، يمكنهم القيام بأنشطة مثل الذهاب إلى أماكن للمشي، أو ممارسة الرقص، أو الألعاب التي تتضمن حركة. بهذه الطريقة، سيتمكنون من حرق السعرات الحرارية الزائدة".
واعتبرت مطران أنه" من الضروري بعد فترة العيد العودة إلى النظام الغذائي المعتاد". وأشارت إلى "أهمية الالتزام بالوجبات خلال يوم العيد أيضًا، بحيث يتم تناول الطعام بشكل صحيح. بهذه الطريقة، يمكن العودة إلى الانتظام في الأكل في اليوم التالي دون الحاجة للتخلي عن وجبة معينة أو الوجبة الخفيفة لتقليل السعرات الحرارية. بذلك، يستطيع الشخص الاستمتاع بالعيد دون التأثير على وزنه أو زيادته بعد العيد".
في الختام، تُعتبر الأعياد فرصة للاحتفال مع العائلة والأصدقاء، ولكن من الضروري الحفاظ على توازن غذائي صحي خلال هذه الفترة. باتباع هذه النصائح البسيطة، يمكنكم الاستمتاع بكل الأطعمة الشهية والحلويات دون القلق من زيادة الوزن.
المصدر: خاص "لبنان 24"