آلة التصنيف الفكري وتحديات التبدّل
تاريخ النشر: 24th, November 2024 GMT
يدفعنا الواقع المعاصر إلى الحديث عن مربعات التصنيف الفكري للشعوب عبر مراحل تاريخية مختلفة، وتحديد الوقت المعاصر لا يعني الانقطاع الزمني عن التاريخ عبر مراحله وعصوره المختلفة؛ إذ عرف التاريخ قديمُه وحديثه هذه التصنيفات تأسيسا وتوظيفا، ثم نقدا وصل في أحيان كثيرة إلى القطيعة ورمي متلبس الفكر بالضلالة، وتجريمه وعقابه بأقسى صنوف العذاب، وحيث إن آلة التصنيف الفكري منذ بدايتها لم تكن بمعزل عن الدعم السياسي ومكوناته فإن تنظيمات الدول والحكومات كانت وما زالت شريكة في وضع تلك التأسيسات ودعمها ثم رفضها ونبذها ومهاجمتها، فما هي تلك التصنيفات؟ وما الذي دفع الحكومات لتأسيسها قبل التخلي عنها، ثم رفضها ومهاجمتها لاحقا؟ وكيف يمكن اليوم تحميل الأفراد مسؤولية مراحل التجييش الفكري والدعم المالي الضخم لتلك التصنيفات الفكري بما تضمنته من جماعات ومؤسسات وتنظيمات؟
تحاول مقالة اليوم تذكير المؤسسات المالية والإدارية بمسؤوليتها تجاه تأسيس تلك التصنيفات الفكرية التي استغرقت عقودا من الزمن وأجيالا من معتنقيها في كل أرجاء العالم، مع التأكيد على بديهيات العقائد الفكرية التاريخية التي يمكن تأسيسها انطلاقا من أفكار فاضلة ومبادئ نبيلة، ثم حشد الجماعات في كل مكان لتبنيها بما تتضمن من قيم ومبادئ تلامس عاطفة الشعوب وتتبنى قضاياهم، وتدافع عن إنسانيتهم في سعيها لحماية منظومة القيم العليا والأخلاق الرفيعة، من عدالة ومساواة.
كما يتضمن القرن العشرون «حركة الوحدة الإسلامية» وهي حركة سياسية تدعو إلى وحدة المسلمين تحت دولة إسلامية واحدة أو خلافة واحدة بينما الوحدة العربية تدعو إلى وحدة واستقلال العرب بغض النظر عن الدين، الوحدة الإسلامية تدعو إلى وحدة واستقلال المسلمين بغض النظر عن العرق، ومن هذه الحركة انبثقت مجموعات تصنيفات فرعية مثل: الجماعة الإسلامية، وتنظيم القاعدة، والخلافة الإسلامية، وعصائب أهل الحق، والمجاهدون، والمنظمات الجهادية، وكذلك الأمر في تبنيها ودعمها من كثير من الجماعات والدول انطلاقا من دعوتها الأوسع «جغرافيا» للوحدة في الدفاع عن الإسلام والمسلمين، لكنها اتصلت كذلك بكثير من المصالح السياسية كمحاربة الاتحاد السوفييتي حينها وهي دعوة سياسية أكثر منها دينية لما كان يعرف عن الاتحاد السوفييتي حينها من دعمه لحركات التمرد والثورة في الوطن العربي مما ألّب عليه الحكومات العربية خاصة الملكية التي كان يدعو صراحة لتقويضها، فلم يكن أفضل من تجييش الشعوب العربية والإسلامية لمحاربة الروس أعداء الدين و الأمة الإسلامية، ويعيد التاريخ ما حدث مع القومية العربية لتخرج هذه الحركة عن أهدافها الأولى إلى أهداف أخرى سياسية، أو مادية اختلط فيها القيمي النبيل مع الدنيوي الهزيل، والقناعة مع التضليل، والحق مع الباطل وبدأت هذه الحركات سواء الأولى أو الثانية بنقد تطبيقها وتوسيع مجالات التنفيذ وحدود التأثير لتبدأ الكثير من الحكومات (ومنها حكومات غربية كان لها مصالح مشتركة مع قادة هذه الجماعات) بالتحول والتبدل على هذه الحركات ومهاجمتها بعد نصرتها، سواء كان ذلك عبر جسر من اختلاق الذرائع المصنوعة أو مجرد الاتهامات المدفوعة إعلاميا للتأثير على ما تأسس من سمعة لهذه الحركات عبر عقود.
ومن التصنيفات الفكرية في القرن العشرين كذلك «حركة الإخوان المسلمين» وهي حركة إسلامية سياسية تصف نفسها بأنها «إصلاحية شاملة» أسسها حسن البنا في مصر في 22 مارس 1928م عقب تخرجه من دار العلوم فانتشرت تعاليم البنا إلى ما هو أبعد من مصر، حيث أثرت على مجموعة متنوعة من الحركات الإسلامية من المنظمات الخيرية والدعوية إلى الأحزاب السياسية، الهدف المعلن للجماعة حسب موقعها الرسمي هو إقامة دولة مدنية ديمقراطية ذات مرجعية إسلامية تحكم بالشريعة الإسلامية، وكذلك وجدت هذه الحركة ما سبقتها إليه باقي الحركات من التبدل والتحول والصدام مع السياسيين في محاولة للإلغاء أو الإحلال.
ختاما؛ ما يعنينا في هذه المقالة ضرورة تحمل الحكومات ومتخذي القرار مسؤولياتهم عن تأسيس وتبني ودعم هذه الحركات عبر عقود، أو على الأقل إغفال نشاطاتها وإهمال نقدها وتوجيه معتنقيها، وليس من العدل اليوم تحميل أفراد تبنوا فكريا ما وضع أمامهم مبدأ راسخا، ووضعهم ضمن دوائر التهميش والإقصاء المجتمعي لمجرد استجابتهم لمؤثرات الحكومات إعلاميا وفكريا، كما لا يمكن إزالة وإلغاء آثار تلك الحركات أو بعض آثارها المتطرفة في غمضة عين، لذلك فلا سبيل لأي انتقال فكري مرحلي جديد إلا عبر الحوار المعزز بمنطلقات منطقية مُقْنِعة، ومبادئ قيمية مقبولة وإيجاد بدائل ممكنة تسعى للإحلال مكان السابق في التأثير الفكري المجتمعي.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: هذه الحرکات هذه الحرکة إلى وحدة
إقرأ أيضاً:
الحركة الوطنية ردا على تصريحات ترامب عن قناة السويس: زمن الإملاءات الاستعمارية انتهى
قال المهندس أسامة الشاهد، رئيس حزب الحركة الوطنية المصرية، أن قناة السويس ليست مجرد ممر مائي، بل هي تاريخ من التضحيات المصرية، ورحلة من الكفاح الوطني الذي كتب بدماء الشعب المصري وعزيمته من مقاومة الاحتلال البريطاني إلى تأميم القناة عام 1956، حيث وقف العالم كله أمام إرادة مصر التي ضحت بالآلاف من أبنائها للدفاع عن حقها في سيادتها على ترابها ومياهها، مؤكدا الرفض القاطع لأي محاولة للتقليل من قيمة هذه التضحيات أو المساس بحقوق مصر المشروعة.
جاء ذلك في تصريحات له ردا علي حديث الرئيس الأمريكى ترامب بشأن قناة السويس والتى قال فيها إنه لا ينبغي فرض رسوم على السفن الأمريكية لاستخدام قناة السويس المصرية أو قناة بنما، حيث ذكر فى منشور له على منصة "تروث سوشيال"، وقال فيه: "يجب السماح للسفن الأمريكية، العسكرية والتجارية على حد سواء، بالمرور مجانًا عبر قناتي بنما والسويس. هاتان القناتان ما كانتا لتوجدا لولا الولايات المتحدة الأمريكية"، مضيفا أنه طلب من وزير الخارجية ماركو روبيو "التعامل فورًا مع هذا الوضع."
وأكد الشاهد على ضرورة أن يتذكر الرئيس الأمريكى أن قناة السويس تحظى بحماية الاتفاقيات الدولية، بدءا من اتفاقية القسطنطينية (1888) التي أكدت حياد الممر، وصولًا إلى اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل (1979) التي تضمن حرية الملاحة للجميع تحت السيادة المصرية الكاملة. ومصر كدولة مسؤولة، التزمت دائمًا بهذه الاتفاقيات وحمت الممر الدولي حتى في أحلك الأزمات.
ولفت رئيس حزب الحركة الوطنية إلي أن مصر أثبتت للعالم أنها القادرة على إدارة القناة بكفاءة غير مسبوقة، بل وتحملت وحدها تبعات تعويم السفينة الجانحة "إيفر غيفن" عام 2021، بينما وقف العالم يشاهد باحترام إدارة مصر للأزمة، متسائلا باستنكار: من يملك الجرأة اليوم ليعطي دروسًا في الإدارة أو السيادة؟!
وواصل حديثه: "نقولها بكل وضوح: لا وصاية لأحد على مصر، ولا مساومة على سيادتها، فقناة السويس مصرية بدماء أبنائها، وشرعيتها مستمدة من القانون الدولي، وإدارتها تثبت يوميا أن مصر دولة عظيمة تحترم التزاماتها وتدافع عن حقوقها، وليدرك السيد ترامب أن زمن الإملاءات الاستعمارية قد انتهى إلى الأبد.