سعيد ذياب سليم
استيقظتُ مذعورًا ليلة الأمس بعد أن رأيتُ في الحلم أنني أسير في عتمةٍ كثيفة، بيدي عصا يتخللها شقوق. وفي أحد المنعطفات، اعترض طريقي كلب ذو رأسين؛ أحدهما يزمجر بشراسة، والآخر يحدق فيّ بعينين جامدتين، وكأنما يريد أن يقول شيئًا. هل لهذا الحلم من معنى؟ هل ألجأ إلى تفسير فرويد، يونغ، أم ابن سيرين؟
تفسير الحلم وفقًا لسيغموند فرويد:
النفس البشرية تتكون من مستويين رئيسيين:
اللاوعي: مستودع للرغبات المكبوتة، خاصة الغرائز الجنسية والعدوانية التي تظهر في الأحلام والسلوك اللاواعي.
وفقًا لفرويد، العصا في الحلم رمز للقوة أو السيطرة التي قد أسعى لتحقيقها، بينما شقوقها تعكس تهديدًا داخليًا أو شعورًا بالضعف أمام تحديات معينة. السير في العتمة يمثل حالة من التردد أو الشك في قراراتي.
أما الكلب ذو الرأسين، فهو يعبر عن الصراع بين رغباتي المكبوتة وقوى العقل؛ الرأس المزمجر يمثل الرغبات العدوانية التي تسعى للظهور، بينما الرأس الصامت يعكس جانبًا تأمليًا يحث على ضبط النفس.
تفسير الحلم وفقًا لكارل غوستاف يونغ:
من منظور يونغ، النفس البشرية أعمق وأوسع، وتتكون من: الوعي: يمثل إدراكنا المباشر للأحداث. اللاوعي الشخصي: يحوي الذكريات والخبرات المكبوتة. اللاوعي الجمعي: يضم رموزًا ونماذج أولية مثل “الظل”، “الأم”، و”البطل”، وهي مشتركة بين كل البشر.
يرى يونغ أن الأحلام جسر بين هذه المستويات النفسية، وهي وسيلة لاكتشاف الذات.
العتمة الكثيفة: تمثل اللاوعي، أو مرحلة غامضة في حياتي تنقصها الرؤية الواضحة.
العصا المتشققة: ترمز إلى وسيلة الحماية أو القوة التي أعتمد عليها، بينما الشقوق تعكس شعورًا داخليًا بعدم الاستعداد الكامل لمواجهة التحديات.
الكلب ذو الرأسين:
لرأس المزمجر يرمز إلى “الظل”، الجانب العدواني أو المظلم الذي أحاول كبته أو تجنبه.
الرأس الصامت يعبر عن جانب تأملي يدعوني إلى الهدوء وضبط النفس.
في الميثولوجيا الإغريقية، “أورثوس”، الكلب ذو الرأسين، كان حارسًا للثروات الثمينة. في حلمي، قد يكون رمزًا لما ينبغي علي مواجهته لحماية القيم المهمة أو لتحقيق نمو نفسي أعمق.
الرسالة من الحلم:
يجمع الحلم بين نظرتي فرويد ويونغ، فهو يعكس صراعًا داخليًا بين الرغبات المكبوتة والبحث عن التوازن النفسي. من منظور فرويد، الحلم ينبهني إلى مواجهة رغباتي الداخلية بعقلانية. أما من منظور يونغ، الحلم فرصة لاكتشاف الذات من خلال مواجهة “الظل” والتصالح مع العناصر المخفية في اللاوعي، مما يسهم في تحقيق التكامل النفسي والنمو الروحي.
الحلم يدعوني للتأمل في أدواتي النفسية واستكشاف قوتي الداخلية، مع فهم التوازن بين قمع المخاوف والتعامل معها بوعي.
ماذا سنجد عند شيخ المفسرين ابن سيرين؟
تفسير الحلم وفقًا لابن سيرين يعتمد على رموز الحلم وما تمثله في الثقافة الإسلامية والتقاليد المرتبطة بتفسير الأحلام. بناءً على العناصر الأساسية في الحلم: السير في الظلام:
يدل السير في الظلام عند ابن سيرين على الحيرة أو الضياع في أمر ما، وقد يشير إلى البحث عن طريق الحق والهداية أو الوقوع في شكوك أو مشكلات في الحياة اليومية. الظلام يمكن أن يعكس خوفًا من المجهول أو قلقًا من المستقبل. العصا المتشققة:
العصا عند ابن سيرين ترمز إلى القوة أو السلطة، واستخدامها يدل على الاعتماد على وسيلة ما لتحقيق غاية أو مواجهة تحدٍ. إذا كانت العصا متشققة، فقد يشير ذلك إلى خلل في الوسيلة أو ضعف في الاعتماد على شيء أو شخص معين في الحياة. الكلب ذو الرأسين:
الكلب في المنام عند ابن سيرين يمكن أن يرمز إلى العدو أو الشخص الذي يحمل نوايا سيئة ولكنه لا يمتلك القوة لإلحاق الضرر الكبير.
رأسان للكلب قد يعبران عن ازدواجية في المواقف أو القرارات، وربما وجود شخص يتظاهر بشيء ويخفي آخر. الزمجرة تعكس العداء، بينما الرأس الآخر جامد النظرات قد يشير إلى شخص محايد أو صامت لكنه يراقب باهتمام.
الرسالة من الحلم وفقًا لابن سيرين:
الحلم قد يكون دعوة للتأمل في حياتي ومعرفة طريقي بوضوح. الظلام يعكس حالة من الحيرة أو التردد في قرارات مهمة، والعصا المتشققة تشير إلى ضرورة إصلاح وسائل القوة التي تعتمد عليها. أما الكلب ذو الرأسين، فقد يكون رمزًا لشخصين في حياتي يمثلان قوتين متعارضتين، أو قرارين أحتاج إلى الاختيار بينهما بحذر.
النصيحة:
ابن سيرين يدعو إلى السعي للهداية، والاستعانة بالله في إزالة الحيرة، وإعادة النظر في العلاقات والقرارات الحياتية لتجنب الاضطرابات والصراعات.
لقد أتعبني البحث في موضوع الحلم ورموزه. أتذكر جيدًا حديث ابنتي تلك الليلة عن رحلتها الباكرة نحو الحافلة التي تقلها إلى الجامعة، وكيف هددها كلب في الظلام خرج من زقاق قريب، وكيف نصحتها أن تواجهه بثبات دون أن تُظهر خوفها. أكان هذا الحادث هو الشرارة التي أشعلت هذه الرؤيا؟ أم أن اللاوعي يحمل معانٍ أعمق مما نراه في الواقع؟ ربما الحلم هو مجرد انعكاس لقلقي كأب، وربما هو دعوة صامتة لأستعد لما هو أبعد من ذلك، في العتمة التي نخطو فيها جميعًا، لا أعتقد أن الحلم نوع من أنواع الهلوسة فقط. مقالات ذات صلة كل اليهود لإسرائيل جنود / الجزء الرابع 2024/11/23
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: ابن سیرین
إقرأ أيضاً:
روائيون عمانيون : الإبداع الأدبي في سلطنة عمان يحمل زخمًا متزايدًا في مختلف الأجناس الأدبية
أكد روائيون عمانيون أن الإبداع الأدبي في سلطنة عمان يحمل زخمًا متزايدًا في مختلف الأجناس الأدبية، وعلى رأسها السرد. جاء ذلك في ندوة حوارية اليوم السبت بمعرض القاهرة الدولي للكتاب حملت عنوان "السرد العُماني .. الحضور المتصاعد"، بمشاركة أربعة من أبرز المبدعين العُمانيين لإلقاء الضوء على تجاربهم الأدبية المتنوعة والحديث عن واقع السرد في عمان وتحدياته وآفاقه المستقبلية.
ووجه الإعلامي العُماني سليمان المعمري، الذي أدار الجلسة ، الشكر لإدارة معرض القاهرة الدولي الكتاب على الاحتفاء بوفد سلطنة عمان ، وقال إن معرض القاهرة للكتاب يعد منصة أدبية وجسرا للتلاقي الحضاري والثقافي بين الشعوب.
ونوه الى أن المعرض وضع نفسه في قائمة معارض الكتاب العربية والدولية ، وأوجد لنفسه مساحة كبيرة لدى الأدباء والكتاب من شتى أنحاء العالم.
من جهتها ، استعرضت الروائية العمانية بشرى خلفان مشروعها الأدبي الذي يتمحور حول مدينة مسقط ، باعتبارها مركز الطفولة والذاكرة ، وأشارت إلى أن انتماءها للمكان يشكل ركنًا جوهريًا في كتابتها، مؤكدة أن مشروعها يتبلور مع استمرارها في الكتابة.
وعن روايتها الأبرز (دلشاد)، التي انتهت نهاية مفتوحة، كشفت خلفان أن الجزء الثاني منها أو من أي عمل روائي يعتمد على مدى الحاجة إلى تطوير الشخصيات واستكمال الأحداث، مؤكدة أن الكتابة عملية تتطلب الصبر والتأمل.
من ناحيته ، تطرق الروائي والشاعر العماني زهران القاسمي، الحائز على الجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر) ، إلى الحديث عن روايته (تغريبة القافر) ، وعن رهبة الكتابة التي لازمته في بداياته، وكيف دفعه هذا الشعور إلى الغوص في الذاكرة الشعبية العُمانية واستلهام حكاياتها.
وأكد القاسمي أن لكل رواية جانبا بحثيا دقيقا، مشيرًا إلى تجاربه مع رواياته، مثل (القناص) التي استلهمها من حوارات مع صيادي الوعول، و (جوع العسل) التي استفاد فيها من خبرته في تربية النحل، و (تغريبة القافر) التي تطلبت بحثًا معمقًا في نظام الأفلاج العُماني.
وفي السياق ذاته ، نوه الأديب العماني عبدالله حبيب بتجربته الشخصية في الكتابة بوصفها وسيلة لاستكشاف جوهر الذات، مشيرًا إلى أن اختياراته للأشكال الأدبية المختلفة تأتي نتيجة لرغبته في التعبير عن ذاته بطرق متنوعة.
وأشار إلى أنه لم يكتب الرواية رغم اعتزازه بالشكل الروائي، موضحًا أن الرواية تتطلب ثقافة موسوعية وحنكة كبيرة، وهو ما يعتبره معيارًا صعبًا للالتزام به.
على صعيد متصل ، تحدث الكاتب والصحفي العماني محمد بن سيف الرحبي عن تجربته المتنوعة التي تجمع بين الصحافة والأدب والمسرح ، وأشار إلى أن خلفيته الصحفية أثرت على أسلوبه في الكتابة، مما مكنه من التنقل بين الأشكال الأدبية المختلفة، مثل أدب الرحلات والسيرة الذاتية.
وركز الرحبي على أن الرواية هي التي تختار مسارها، موضحًا أن تحويل الواقع إلى شكل فني عملية شاقة، لكنها ممتعة ومليئة بالمغامرة.
واختتم الرحبي الندوة الحوارية بالتأكيد على استحقاق الرواية العمانية للاحتفاء بسبب استحقاقها لذلك وليس فقط بسبب فوزها بالجوائز، لا سيما وأن هناك العديد من التجارب الأدبية العمانية التي استطاعت أن تثبت أقدامها بالآونة الأخيرة.
يذكر أن معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الـ 56 يقام هذا العام تحت شعار "اقرأ .. في البدء كان الكلمة"، يجمع بين دور نشر محلية ودولية تقدم مجموعة متنوعة من الكتب في شتى المجالات، بما في ذلك الأدب، التاريخ، التنمية الذاتية، والعلوم، كما يتميز بتنظيم أنشطة ثقافية وورش عمل تناسب كافة الأعمار، ما جذب العائلات والطلاب على حد سواء.
وتستمر فعاليات معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الـ 56 حتى 5 فبراير بمركز مصر للمعارض والمؤتمرات الدولية بالتجمع الخامس، وتشهد الدورة الـ 56 فعاليات ثقافية وفنية ، يشارك فيها نخبة من الكتاب والمثقفين المصريين والعرب والأجانب.