منذ ظهور أولى الروايات التي اعتمدت جانب التأريخ في سرديتها والتي يعتقد أنها رواية "وايفرلي" لوالتر سكوت والرواية التاريخية تحظى بقبول وشعبية، سيما أنها ارتبطت في أذهان القراء والمتلقين بروائع عالمية تناولت الشأن التاريخي بقلم الإبداع الأدبي المحافظ على روح الأدبية ومزج التاريخ ببعض الخيال. وهذا ما فعله ليف تولستوي في "الحرب والسلم" عندما قدم حالة اجتماعية صاخبة بالحياة وقصص الحب والخيانة واللهو والسعي وراء المال والمكانة الاجتماعية.

وهذا ما فعله "ألكسندر دوما" وما فعله أيضا جرجي زيدان بإفراط شديد في إعمال الخيال في التأريخ، فهل هذا ما حاولت الكاتبة أمل بنت عبدالله الصخبورية من سلطنة عمان مجاراته وتجريبه في روايتها "عروس الغرقة" الصادرة عن دار "الآن ناشرون وموزعون" الأردنية؟

وإذا كان تولستوي قد حرص على التفريق بين عمل الكاتب وعمل المؤرخ فجعل ما ينقله الأديب المبدع بقلمه أهم مما يدونه المؤرخ لأسباب تتعلق بنظرته إلى دور كل منهما في نقل التاريخ وتوثيق الإنسان، وما يكتنفه من مشاعر تلازم كل مرحلة حاسمة تمر بها البشرية في بقعة ما من الكرة الأرضية، فإن أمل عبدالله تضع نفسها في خضم مواجهة مع التاريخ من زاوية معينة، وكأنها تعلم أن كتابة التاريخ وحده كما هو لا يسمى أدبا، فكان المحك كبيرا وحساسا ذلك الذي امتحنت فيه قدرة قلمها وخيالها على إحاطة المادة التوثيقية التي تسجل فيها أحداثا ومواقف مرت على بلدها سلطنة عمان بسردية أدبية فيها من الخيال الذي يغذّي حوارات الشخصيات وينمي المشاعر التي تحملها كل شخصية ويمتلئ بها كل موقف، غازلة لخيوط رفيعة تربط الحكاية وتمسك بيد السرد سائرة به قُدما في زمنين متوازيين، لتبدو رواية "عروس الغرقة" نصين لا نصا وسيرتين لا سيرة واحدة وعالمين مختلفين في الظاهر: عالم غدق الشابة العمانية "العروس" وحياتها الجديدة في منزل سعود "الزوج" والذي حددته الكاتبة بعام 2007م، وعالم زيانة حمد المولودة في زنجبار لوالد عماني وأم زنجبارية. وهذه إحالة تاريخية ذكية من الكاتبة التي فتحت نصًا موازيًا على تاريخ غير معلن في الرواية وهو العلاقات التاريخية بين سلطنة عمان وزنجبار التي كانت ذات يوم مرتبطة بسلطنة عمان ارتباطا وثيقا.

"رغم أننا لم نلتق إلا على الورق، إلا أنها زارتني في المنام بلباس تقليدي أخضر تسحب شالها مثل عروس شامخة.. وبقربها طبق فخاري مملوء بالحلوى العمانية حفر على سطحها اسم زنجبار وبجانبه رسمة هلال".

هكذا تبدأ أمل منذ العتبات الأولى للرواية بشحن عقل القارئ وتهيئته للجرعة المكثفة والمختزلة التي سيمتلئ به نصها لعرض الموروث العماني الفكري والاجتماعي، واستخدامه كمؤثث لنص يصلح للمحاكمة الثقافية التي تحدث عنها عبد الله الغذامي في "إشكاليات النقد الثقافي".

لقد اعتمدت الكاتبة على التأثيث الثقافي المستند إلى الموروث العماني اعتمادا واضحا، وهذا يفسره الطبيعة التاريخية للحكائية التي تسردها عن "سيرة انتفاضة الماء". وثيمة الماء تكاد تكون مؤثثًا حاضرًا في كثير من الروايات العمانية ومن أشهرها بلا شك رواية الكاتب زهران القاسمي "تغريبة القافر" التي وصِفت أنها رواية مائية فهل يمكننا إطلاق ذات الوصف على رواية "عروسة الغرقة"؟

الماء حاضر في كل تفاصيل حياة الإنسان وممارساته ولكنه في الموروث العماني يأخذ خصوصية متفردة، فهو من جهة يتصف بالشح والندرة وما يتبعه من سرديات البحث والتنقيب ومتابعة جريانه في الأرض، ومن جهة أخرى يرتبط بالكوارث الطبيعية والأعاصير الناجمة عن غزارة الأمطار والتي أحدثت أضرارا بالغة وخلّفت مآسي كثيرة. وربما ارتبط عنصر الماء روائيا بمفردات البيئة العمانية المليئة بالعيون المتفجرة مثل عين غلا وعين الحمام وعين الفج والمسفاة وعين وضاح وغيرها، التي أضفى عليها العقل الشعبي هالة من القداسة والتبرك وجعلها أسبابا للاستشفاء والعلاج.

وإذا كان دور الحكايات الشعبية استخدام هذا الموروث بطريقة تلائم المتلقي البسيط الذي يرى في توفر الماء نوعا من الأمل بالخير والبركة فإن الروائي له أدوات أكثر صرامة وليونة في ذات الوقت. ومن أهم هذه الأدوات الوصف الذي يشكل مع السرد علاقة عكسية من حيث التأثير على الإيقاع. فالسرد يسرع إيقاع النص والوصف يعرقل مسيرته ويخضعه لمجموعة من الإحالات التي تتناص على تلك المؤثثات التي أشرت إليها. تقول زيانة حمد الشخصية القادمة من 1874م من زنجبار: "أكتب رسالتي الأولى في فناء بيتنا تحت شجرة البيذام" وتقول أيضا: "عملت أمي من باب التسلية وتحسن الدخل مربية لأحد الأمراء في قصر بيت الساحل". وتقول غدق "العروس": "حين تأملت الخالة زيانة الصندوق كانت كمن يغوص في البحر" وتقول في موضع آخر من الرواية: "فبيوت القرية أغلب بنائها الأساسي من الطين ومكوثها تحت الماء لساعات يجعلها عرضة للانهيار بلا سابق إنذار". ولكن سمة الاعتدال بين المتعاكسين: السرد والوصف مكنت الكاتبة من السير بأمان والتنقل بين عالمين راغبة في الوصول إلى نهاية منطقة ومبررة لولوجها خطين من الزمن والتاريخ..فعالم غدق المليء بحكايات القرية وعادات أهلها الاجتماعية التي أظهرتها الكاتبة بوضوح تام في وصف الطعام واللباس والأمكنة التي تتنقل فيها الشخصيات،أما عالم زيانة حمد فيعكس صورة لحقبة تاريخية احتاجت معها الكاتبة إلى العودة إلى بعض المراجع، تلك الحقبة التي قد لا نعرف عنها الكثير ولو لم يحمل الأدب على عاتقه مهمة الإضاءة على المظلمات لظلت غارقة في غياهب الجهل والنسيان.

"عروس الغرقة" للكاتبة أمل بنت عبدالله الصخبورية نموذج من نماذج الأدب العماني الحديث الذي لم يتخلَّ رواده عن هاجس التاريخ العماني الذي ارتبط وثيقا بالماء وسردياته المتنوعة وهي نموذج روائي مكتمل العناصر اتصف بلغة سامقة وتمكن واضح من المكون اللغوي وتوظيف للأداة الوصفية بشكل يساهم في رسم صورة متخيلة لعناصر الرواية.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

12 بطولة «ثنائية» على شاشة رمضان

محمد قناوي (القاهرة) 

أخبار ذات صلة سامية الطرابلسي.. «جارية» ألف ليلة محمد فراج.. «منتهي الصلاحية» في رمضان

يشهد موسم دراما رمضان 2025، ظاهرة الثنائيات الفنية، التي تجمع نجوم الصف الأول في أعمال متنوعة بين الاجتماعي والرومانسي والكوميدي، ومعتمدة على تعدد أبطال المسلسل، بعيداً عن البطولة الواحدة أو المطلقة.

ريهام وإياد
بعد نجاحهما في مسلسل «وش وضهر»، يعود الثنائي إياد نصار وريهام عبد الغفور ليقدما على شاشة رمضان المقبل، مسلسل «ظلم المصطبة» الذي يتناول بعض العادات والأعراف الظالمة التي تحكم الأرياف والأقاليم بعيداً عن القانون والشرع، ويشاركهما البطولة فتحي عبد الوهاب وبسمة، تأليف أحمد فوزي صالح، سيناريو وحوار محمد رجاء، وإخراج هاني خليفة. 

طه ومالك 
يجتمع الثنائي أحمد مالك وطه دسوقي في الكوميديا الاجتماعية «ولعة ومفتاح»، إخراج شادي عبد السلام، وتدور أحداثه حول صديقين عاشا في دار للأيتام، مع تسليط الضوء على رحلتهما في الحياة وكيف تحولا إلى لصين محترفين.

هشام وأسماء 
بعد نجاح الجزء الأول من مسلسل «أشغال شاقة»، الذي عُرض في رمضان الماضي، يعود الثنائي هشام ماجد وأسماء جلال في الجزء الثاني من العمل الذي يواصل سرد مغامرات الطبيب الشرعي والمذيعة المتزوجين حديثاً، وسط مواقف كوميدية وإنسانية، والعمل من إخراج خالد دياب.

الرداد وإيمي 
في إطار كوميدي، يجتمع الزوجان حسن الرداد وإيمي سمير غانم مجدداً في مسلسل «عقبال عندكم»، تأليف أحمد سعد والي، وإخراج علاء إسماعيل، بعد أن جمعهما من قبل «حق ميت» عام 2015، و«عزمي واشجان» 2018، وتدور أحداث العمل الجديد حول زوجين يتعرضان للعديد من المواقف الطريفة، والمرحة.

آسر ومي 
يشكل آسر ياسين ومي عزالدين، ثنائياً في مسلسل «الحب كله»، الذي تدور أحداثه في إطار التشويق والإثارة حول مافيا تجارة العُملة، والعمل يتكون من 15 حلقة، وتدور أحداثه في إطار رومانسي تشويقي.

دينا وشريف 
في الموسم الثالث لمسلسل «كامل العدد»، يستمر الثنائي دينا الشربيني، وشريف سلامة في تعاونهما بعد نجاح الموسمين السابقين، وقد انضم عدد كبير من الفنانين للمشاركة في الجزء الثالث، من بينهم حسين فهمي، والعمل من تأليف رنا أبو الريش ويسر طاهر، وإخراج خالد الحلفاوي.

سهر وشعبان 
كما يشكل تعاون سهر الصايغ مع مصطفى شعبان ثنائياً مختلفاً في رمضان 2025، من خلال مسلسل «حكيم باشا» الذي يشهد تكرار التعاون بينهما للمرة الثالثة على التوالي، وتدور أحداثه في الصعيد، ويواجه الثنائي العديد من الصعوبات والمشكلات التي تعوق ارتباطهما الرسمي، ويدخلان في صراعات مع المحيطين بهما.

أمينة وشاهين 
أمينة خليل ومحمد شاهين يعودان في رمضان المقبل بمسلسل «لام شمسية»، ليكونا ثنائياً فنياً على الشاشة الفضية، بعد تعاونهما من قبل في «الهرشة السابعة»، ويشاركهما البطولة يسرا اللوزي، أحمد صلاح السعدني، ثراء جبيل، وصفاء الطوخي. 

أكرم وآية 
يجمع مسلسل «الكابتن» لأول مرة بين أكرم حسني وآية سماحة، ليشكلا ثنائياً جديداً في الموسم الرمضاني، وتدور الأحداث في إطار كوميدي، ويشارك في بطولته سوسن بدر ورحمة أحمد، والعمل مستوحى من قصة للكاتب أيمن الشايب، وإخراج معتز التوني. 

أمين وركين 
يقدم أحمد أمين في رمضان مسلسل «مذكرات نشال»، مع الأردنية ركين سعد، وتدور أحداث العمل، المكون من 15 حلقة، في إطار الفانتازيا والخيال، حيث يؤدي أمين دور لص يحاول التوبة، لكنه يواجه العديد من الصعوبات التي تمنعه من هذه الخطوة، لتظهر ركين سعد وتحاول مساعدته.

ياسمين وكريم
حقق الثنائي ياسمين عبد العزيز وكريم فهمي، نجاحاً كبيراً في «ونحب تاني ليه» قبل 5 سنوات في رمضان 2020، ليعودا للتعاون في مسلسل «وتقابل حبيب»، حيث يشاركهما البطولة خالد سليم ونيكول سابا، تأليف عمرو محمود ياسين، وإخراج محمد الخبيري.

العوضي وميرنا
يشكل أحمد العوضي وميرنا نور الدين، ثنائياً في مسلسل «فهد البطل» المقرر عرضه في رمضان المقبل، إخراج محمد عبد السلام، وتأليف محمود حمدان، ويدور في إطار شعبي، ويجسد العوضي شخصية عامل رخام، يترك الصعيد ويسافر إلى القاهرة ليتعرض للعديد من الأزمات والعقبات.

مقالات مشابهة

  • صدور رواية "يمكننا البدء مرة أخرى" للكاتبة منار عصام
  • كمية الماء التي نحتاج إليها في الشتاء
  • الكاتبة ريم مراد تطرح رواية "إليك أنتمي" في معرض الكتاب
  • نصوص تحمل عبق الماضي.. «عبارات ليست عابرة» إصدار جديد للكاتبة الكويتية نفيعة العنزي
  • دورس الألبانية.. عروس الأدرياتيكي التي تسحر زوارها بتنوعها الثقافي وجمالها الخلاب
  • 12 بطولة «ثنائية» على شاشة رمضان
  • تعرف على كمية الماء التي يحتاجها جسمك في فصل الشتاء
  • درع المستقبل.. مادة ثنائية الأبعاد قوية ومرنة!
  • كمية الماء التي يحتاجها الجسم في الشتاء.. نصائح من أخصائية الغدد الصماء
  • مثقفون: لعنة الخواجة رواية تنصف باني السد العالي وتعيد كتابة التاريخ المصري