أنقرة – بينما تعزز تركيا مكانتها كقوة اقتصادية إقليمية، إذ تبرز الأرقام الرسمية لعام 2024 شاهدة على نجاح أنقرة في ترسيخ علاقاتها التجارية مع الدول العربية.

وسجلت صادرات تركيا إلى الدول العربية 39.9 مليار دولار خلال الأشهر العشرة الأولى من العام الجاري، محققة نموا بنسبة 7.7% مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي.

وشكلت الدول العربية وجهة رئيسية لصادرات تركيا، إذ مثلت نحو 18.4% من إجمالي صادراتها نحو أسواق العالم البالغة 216.4 مليار دولار في الفترة ذاتها، وفق بيانات نظام التجارة العام التركي.

العراق في الصدارة

وتتصدر العراق قائمة المستوردين العرب للمنتجات التركية، تليها الإمارات ومصر والسعودية، مع تنوع ملحوظ في الصادرات يشمل مواد البناء، والمنسوجات، والأغذية، والأجهزة التقنية.

ولا يعكس هذا التنوع اتساع قاعدة الإنتاج التركي فقط، بل يُظهر قدرة الاقتصاد التركي على تلبية احتياجات أسواق مختلفة، سواء من السلع الأساسية للأسر أو المنتجات ذات القيمة المضافة التي تلبي احتياجات قطاعات حيوية ومتقدمة.

لكن هذه العلاقة الاقتصادية ليست وليدة اللحظة، فقد شكل التعاون التجاري بين تركيا والدول العربية لعقود ركيزة مهمة لتعزيز التكامل الإقليمي.

ومع ذلك، شهدت السنوات الأخيرة تحولًا نوعيًا في طبيعة هذا التعاون، وتجاوزت العلاقة حدود التجارة التقليدية لتصبح جزءًا من رؤية إستراتيجية واسعة تشمل مشاريع ضخمة في مجالات البنية التحتية والطاقة، خاصة في منطقة الخليج التي تشهد طفرة تنموية كبرى، وفق مراقبين.

وفتح هذا الوضع الجديد الأبواب أمام تركيا لتكون شريكًا إستراتيجيًا في توفير المواد والخبرات التي تتطلبها هذه المرحلة من النمو، مما يعزز مكانتها كواحدة من أهم المزودين الإقليميين.

قائمة الدول العربية الأكثر استيرادا من تركيا تصدر العراق القائمة بواقع 10.76 مليارات دولار. جاءت الإمارات ثانيا بـ6.84 مليارات دولار. ثم مصر 3.4 مليارات دولار. والسعودية 3.26 مليارات دولار. المغرب 2.8 مليار دولار.
الصادرات التركية إلى العالم العربي زادت 7.7% في 10 أشهر من العام الحالي 2024 (وكالة الأناضول) تطور في العلاقات التركية العربية

وأكد رئيس اتحاد الغرف العربية، سمير بن عبد الله ناس خلال الاجتماع الخامس المشترك للغرف العربية والتركية في فبراير/شباط الماضي، أن العلاقات الاقتصادية بين الدول العربية وتركيا تشهد نموًا مستمرًا وتطورًا على مختلف الأصعدة، مشيرا إلى أن تركيا تُعد شريكًا اقتصاديًا بارزًا للمنطقة العربية، إذ يبلغ حجم التجارة البينية بين الطرفين نحو 55 مليار دولار.

وأوضح ناس أن الصادرات التركية إلى الدول العربية تسجل نموًا سنويًا يصل إلى 10%، مدفوعة بتزايد الاستثمارات العربية المباشرة وغير المباشرة في تركيا، والتي شهدت نموا ملحوظًا ومتراكمًا خلال السنوات الأخيرة.

أسباب نمو التجارة بين تركيا والعرب

أوضح الباحث الاقتصادي، إمره أوزدمير أن النمو المتسارع في صادرات تركيا نحو الدول العربية يعكس تضافر مجموعة من العوامل السياسية والجغرافية والاقتصادية التي أسهمت في تعزيز مكانتها كشريك تجاري رئيسي في المنطقة.

وأشار في حديثه للجزيرة نت إلى أن التقارب السياسي بين أنقرة وعدد من العواصم الخليجية لعب دورًا محوريًا في استعادة الثقة وإعادة بناء العلاقات الاقتصادية التي تأثرت خلال فترات التوتر، مما أتاح للطرفين فرصة توسيع التعاون وإطلاق مشاريع مشتركة ذات أثر ملموس على حركة التجارة.

وأضاف أن هذه الجهود تُوجت بخطوات إستراتيجية لتعزيز التعاون التجاري، كان أبرزها إعلان وزارة التجارة التركية في نهاية يوليو/تموز الماضي عن عقد الجولة الأولى من مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة مع دول مجلس التعاون الخليجي في أنقرة.

واعتبر إمره أوزدمير أن هذه المفاوضات تمثل نقلة نوعية في العلاقات الاقتصادية، وتفتح المجال أمام تعزيز حركة التجارة والاستثمارات بين الجانبين بشكل أكثر كفاءة وتنظيما.

وأضاف أن الموقع الجغرافي لتركيا ظل عنصرًا رئيسيًا يدعم حركة التجارة مع الدول العربية، إذ إن قربها من الأسواق الخليجية والشامية، إلى جانب شبكة النقل الحديثة التي طورتها، جعلاها خيارًا مفضلا لتجارة السلع والبضائع.

وأوضح أوزدمير أن هذا الموقع الجغرافي وشبكة النقل التركية يوفران إمكانية تسليم المنتجات بسرعة أكبر وتكاليف أقل مقارنة بالدول الأوروبية أو الآسيوية التي تواجه تحديات لوجستية أكبر.

كما أشار إلى أن المشاريع التنموية الكبرى التي تشهدها دول الخليج، مثل رؤية السعودية 2030 وكأس العالم 2022 في قطر، لعبت دورا كبيرًا في زيادة الطلب على مواد البناء والمعدات الصناعية.

وأوضح الباحث الاقتصادي أن هذه الطفرة التنموية دفعت الشركات التركية إلى لعب دور محوري في تلبية احتياجات تلك المشاريع، بفضل قدرتها على تقديم منتجات ذات جودة عالية وأسعار تناسب طبيعة هذه المشروعات الضخمة، مما عزز مكانة تركيا كمزود رئيسي وموثوق لدعم هذه النهضة.

تصدر العراق قائمة العرب المستوردين من تركيا بواقع 10.76 مليارات دولار (غيتي إيميجز) تحدي المنافسة وتقلبات أسعار الصرف

من جهته أوضح الباحث بالشأن الاقتصادي، محمد أبو عليان أن نجاح تركيا في تعزيز تجارتها مع الدول العربية لا يخلو من تحديات قد تعيق استمرار هذا الزخم التجاري.

وأشار في حديثه للجزيرة نت، إلى أن المنافسة الدولية تشكل أبرز العقبات، حيث تواجه المنتجات التركية ضغوطا من دول مثل الصين والهند التي تقدم بدائل بأسعار تنافسية، إضافة إلى المنتجات الأوروبية التي، رغم ارتفاع كلفتها، ما زالت تحتفظ بجودة عالية في الأسواق العربية.

وأكد أبو عليان أن تقلبات سعر الصرف تمثل تحديًا آخر، إذ إن التذبذب المستمر في قيمة الليرة التركية يؤثر على كلفة الإنتاج ويضع الشركات المصدرة أمام صعوبات في الحفاظ على أسعار تنافسية.

كما أشار إلى أن الأوضاع السياسية غير المستقرة في بعض الدول العربية قد تؤدي إلى اضطرابات في الطلب وسلاسل التوريد، ما يزيد من تعقيد المشهد التجاري ويعرضه لتقلبات غير متوقعة.

فرصة واعدة

وفيما يتعلق بمستقبل العلاقة الاقتصادية بين تركيا والدول العربية، يرى أبو عليان أن الأرقام المشجعة الحالية تعكس فرصا واعدة للتعاون المستقبلي، خاصة مع تحسن العلاقات السياسية وتزايد الطلب على المنتجات التركية.

إلا إنه شدد على أن استدامة هذا النجاح تتطلب تخطيطًا إستراتيجيًا يركز على تنويع المنتجات المصدرة، وتعزيز الاستثمارات في الأسواق الناشئة، فضلًا عن استغلال الفرص التي توفرها مشاريع التنمية الكبرى في المنطقة.

ولفت أبو عليان إلى أن الشراكة الاقتصادية بين تركيا والدول العربية ليست مجرد علاقة تجارية، بل تمثل نموذجا لتكامل إقليمي متوازن يحقق مصالح مشتركة على الصعيدين السياسي والاقتصادي.

ومع استمرار هذا النهج، يبدو أن المنطقة على أعتاب مرحلة جديدة من التعاون المثمر الذي يحمل في طياته فوائد مستدامة للطرفين، بحسب قوله.

 

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات الدول العربیة ملیارات دولار ملیار دولار أبو علیان إلى أن

إقرأ أيضاً:

عصر ذهبي للصناعات الدفاعية التركية ينقلها إلى العالمية

أكد تقرير لوكالة الأناضول أن تركيا حققت قفزة كبيرة في قطاع الصناعات الدفاعية، حيث أصبحت منتجاتها في هذا القطاع -التي غيرت مفاهيم الحروب- خيارا مفضلا للعديد من الدول الحليفة والصديقة.

وأصبحت المنتجات العسكرية التركية محط أنظار العديد من جيوش العالم، وارتقت تركيا إلى المركز الـ11عالميا بين الدول المصدرة للصناعات الدفاعية.

وحققت صادرات الصناعات الدفاعية والطيران التركية في عام 2024 رقما قياسيا جديدا، حيث بلغت قيمتها 7 مليارات و154 مليون دولار.
وساهمت المنظومات التي تم تسليمها للقوات الأمنية التركية وحدها بإضافة 40 مليار دولار على الأقل إلى الاقتصاد التركي، وفق التقرير.

ميزانية البحث والتطوير في قطاع الصناعات الدفاعية التركية بلغت 3 مليارات دولار العام 2024 (شترستوك) زيادة كبيرة في الصادرات الدفاعية

بلغت ميزانية البحث والتطوير في قطاع الصناعات الدفاعية التركية خلال العام الماضي نحو 3 مليارات دولار، وتجاوزت نسبة المكون المحلي 80%، في حين ارتفع حجم المشاريع إلى أكثر من 100 مليار دولار، مسجلا زيادة بـ29% مقارنة بعام 2023.

وفي العام 2024 صدّرت تركيا نحو 300 منتج دفاعي إلى أكثر من 180 دولة، وجاءت أوروبا في مقدمة المستوردين للمنتجات الدفاعية التركية.

 

وشملت الواردات الأوروبية من قطاع الصناعات الدفاعية التركي:

إعلان المسيرات. الصواريخ الذكية. المركبات البرية. أبراج الأسلحة. السفن الحربية. الطائرات والمروحيات. الرادارات وأجهزة المحاكاة.

ويعمل في قطاع الصناعات الدفاعية التركية أكثر من 3 آلاف و500 شركة، وينفذون أكثر من 1100 مشروع نشط.

وقدمت تركيا خلال العام الماضي أكبر عدد من المشاريع للمشاركة في برامج حلف شمال الأطلسي (ناتو)، مقارنة بالسنوات السابقة.

أما أبرز إنجازات عام 2024 فتمثل في تصدير سفن حربية إلى البرتغال.

منتجات برية وجوية

خلال هذه الفترة -يذكر التقرير- صدّرت تركيا:

4 آلاف و500 مركبة برية إلى 40 دولة. 3 طرادات حربية إلى 3 دول. 140 منصة بحرية إلى أكثر من 10 دول. ذخائر وصواريخ إلى 42 دولة. 770 مسيرة (استطلاعية وهجومية) إلى أكثر من 50 دولة.  1200 نظام كهروبصري، ومنظومات أسلحة مثبتة إلى 24 دولة. مروحيات هجومية إلى 8 دول. رادارات إلى 10 دول وأسلحة وبنادق ومسدسات بمختلف الأحجام إلى 111 دولة. 1500 مسيرة كاميكازي (انتحارية) إلى 11 دولة. طائرتان من طراز "حركوش" إلى دولتين. طموح عام 2025

ويقول تقرير الأناضول إنه بعد النجاحات التي حققتها خلال عام 2024، تتوقع تركيا تسجيل أرقام قياسية جديدة في الإنتاج والصادرات الدفاعية لعام 2025.

ومن المنتظر أن يتم تسليم 3 دبابات من طراز "ألطاي" للقوات المسلحة التركية بعد خروجها من خط الإنتاج التسلسلي.

وتستمر الجهود لتصنيع محرك محلي لدبابة ألطاي، كما تعمل تركيا على تطوير محركات دفع للصواريخ.

ويواصل المهندسون الأتراك جهودهم لتطوير محرك محلي للمقاتلة المحلية "قآان"، فيما يتم التخطيط لتطوير محرك محلي لمروحية غوكباي.

مشاريع فضائية وجوية

وبدأت شركة الصناعات الجوية والفضائية التركية (توساش) اختبارات نموذج جديد لقمر "غوكتورك-2" الاصطناعي، الذي أطلقته تركيا إلى الفضاء في وقت سابق.

ومن المنتظر أيضا توقيع عقود تتعلق بمشاريع "ميلكار" و"ميلكيد" المرتبطة بأنظمة الاتصالات الفضائية والحرب الإلكترونية خلال العام الجاري.

إعلان

مقالات مشابهة

  • تركيا وسوريا تتفقان على البدء بمفاوضات إحياء اتفاقية التجارة الحرة
  • تركيا تستهدف دول الخليج
  • عصر ذهبي للصناعات الدفاعية التركية ينقلها إلى العالمية
  • صادرات الحمضيات التركية تتجاوز مليار دولار في 2024
  • "طوفان الانفصالات في تركيا: لماذا تنهار زيجات المشاهير بهذه السرعة؟"
  • تركيا وسوريا تتفقان على إحياء اتفاقية التجارة.. وقرار بتجميد حسابات نظام «الأسد»
  • تحذير جديد من وزارة التجارة التركية: احذروا من شراء هذه المنتجات لأطفالكم
  • تركيا وسوريا تتفقان على التفاوض لإحياء اتفاقية التجارة الحرة
  • تركيا وسوريا تتفقان على مفاوضات لإحياء اتفاقية التجارة الحرة المعلقة منذ 2011
  • بعد مفاوضات مكثفة.. تركيا وسوريا تتفقان على حل أزمة الجمارك