ما يهم كثيرا هو أنه بعد مرور ثلاثة قرون ونصف من عرض العمل المسرحي الأول فـي القارة الأمريكية، أي «موريون ومسيحيون»، فـي القرن السادس عشر (وتحديدا، كما أسلفت، فـي العام (1540، فإنه قد جاء أوان الحديث عن تومس أدسن Thomas Edison الذي برز دوره الكبير فـي تشكيل بعض من مفردات الحياة الغربية الحديثة مع نهايات القرن التاسع عشر.

لقد كان أدسن هذا – كما لا يجهل معظمنا -- رجل أعمال ومخترعا أمريكيا كبيرا، وشخصا شديد الدهاء وغير خال أبدا من اللؤم والعصامية، يعزى إليه الإسهام المباشر فـي تشكيل بعض تقنيات وثقافة القرن العشرين بأكمله؛ فهو أحد المخترعين الأمريكيين الكبار فـي عدة مجالات مهمة مثل الهاتف، والتيليغراف، والفونوغراف، والنسخة المبكرة من المصباح الكهربائي. بيد أن ما يعنينا أكثر أنه، وعلى الرغم من جدل تاريخي غير محسوم تماما ولا يقع فـي صلب اهتمامي هنا، فإن أدسن هو حامل براءة اختراع الكاميرا السينمائية الأولية التي عرفت باسم «كينيتوغراف» (kinetograph) التي تعرض ما تصور على جهاز العرض السينمائي الأصل، والمسمى «كينيتوسكوب» (kinetoscope) المنسوب اختراعه إلى أدسن أيضا. وفـي هذا الإطار كان من أعماله السينمائية المبكرة («السينمائية» هنا بمعنى «فقرة» number]]) «الشيخ حاج طاهر حاج شريف» [Sheik Hadj Tahar Hadj Cherif]، الذي كانت مدته دقيقة واحدة، وكان أحد أربعة أعمال معروضة للجمهور الأمريكي فـي مساء يوم السادس من أكتوبر 1894. لقد كان ذلك مساء تاريخيا حاسما بكافة المقاييس.

أما أحد الأعمال السينمائية المبكرة التي تصور شخصيات وثيمات عربية وإسلامية مما عرض على الضفة الأخرى للمحيط الأطلسي، فـي فرنسا تحديدا، فقد كان «المسلم الظريف» للأخوين لوميير Lumiere Brother، وذلك فـي العام 1902. والحقيقة أن الأعمال السينمائية المبدئية الأمريكية التي أنتجت فـي نهايات القرن التاسع عشر، والتي تمثل شخصيات أو ثيمات عربية تتضمن أعمالا مثل: «فاطمة» [Fatima] (من انتاج International Film Company، 1897)، و«عربي شارع» أو «عربي من الشارع» [A Street Arab] (من إنتاج أدسن، 1898)، و«مفتل مدفع عربي» [Arabian Gun Twirler] (من إنتاج أدسن، 1898).

لكن، فـي هذا الإطار، أظن أنه ينبغي التوقف عند عنوان الفـيلم الفرنسي المبكر «المسلم الظريف»؛ فهو يعكس بصورة مباشرة بعضا من التوسمات والتنميطات والتكريسات الاستشراقية النموذجية فـي شخصية المسلم مثل الخفة والظرافة والانبساط والفكاهة والخبث غير المؤذي كثيرا، والقدرة على التسلية والتهريج. وأرى أنه ينبغي الانتباه إلى أن هذين العنوانين السينمائيين - الأمريكي والفرنسي- المبكرين («الشيخ حاج طاهر حاج شريف» و«المسلم الظريف») إنما يضعان الإسلام بصورة بارزة فـي الواجهة. لكن هذا لا ينبغي أن يكون مستغربا، فـي الحقيقة، بالنظر إلى أن اختراع السينما قد تزامن مع أوج العهد الصناعي الغربي، والاستشراق، والكولونيالية، حيث كانت الكولونيالية الأوروبية (التقليدية) ومنافستها الجديدة (الإمبريالية الأمريكية) تعيثان فـي الشرق عموما، والشرق العربي على وجه الخصوص.

ومن ناحية أخرى فإن عمل أدسن «الشيخ حاج طاهر حاج شريف» قد سجل حدثا تاريخيا (آخر): لقد بعثت (بكل المعاني الممكنة للكلمة) مسرحية «موريون ومسيحيون»، وعدلت، أو حررت، بما يقتضي السياق التاريخي والثقافـي الجديد، وأعيد إنتاجها سينمائيا هذه المرة. ومرة أخرى فإن البروز (الناتئ تقريبا) للقبين إسلاميين («شيخ» و«حاج») واسمي علم عربيين («طاهر» و«شريف») فـي عنوان مكون من خمس كلمات فقط يجعلان تبئير الإسلامي والعربي واضحان بما فـيه الكفاية. لقد سجل «الشيخ حاج طاهر حاج شريف» الريادة والسبق فـي دخول العربي و/أو المسلم سيئ السمعة عموما، لكن المتحول ثيماتيا بصورة شائقة كثيرا، إلى السينما الأمريكية فـي وقت مبكر جدا من تاريخ هذه الآلة التعبيرية الجديدة.

وما هو ذو مغزى، بصورة مساوية فـي الأهمية التاريخية، أن العمل التدشيني الذي أنتجه أحد آباء الفن السابع على الضفة الغربية من المحيط الأطلسي، لم يقدم «العربي السليولويدي» (أي عربي الصورة المصنوعة والمنْتجة فـي الشريط السينمائي) إلى قاطني «العالم الجديد» - وحقا، فـي الوقت الذي تلا ذلك مباشرة، إلى بقية سكان المعمورة – فحسب، ولكنه كذلك أسس بصورة جينيالوجية لا لبس فـيها العربي بوصفه «شيخا» مرة وإلى الأبد.

كما أن من الجدير بالاهتمام هنا أن الظهور الأول لشخصية العربي المسلم فـي تاريخ السينما الأمريكية يسبق ظهور الشخصية اليهودية التي كانت (وإن لم تعد) إحدى «الآخرين» الكلاسيكيين فـي المصنع الهوليوودي الغيْري الضخم؛ فبينما أنتج «الشيخ حاج طاهر حاج شريف» وعرض فـي العام 1894، كان علينا انتظار مرور تسع سنوات، أي إلى العام 1903، كي تسجل الشخصية اليهودية ظهورها السينمائي الأول. والمفارق كثيرا هنا هو أن الظهور التدشيني للشخصية اليهودية قد جاء متماهيا مع الشخصية العربية/ الإسلامية فـي عمل إدسن، نفسه لا غير، «رقص عربي يهودي» [Arabian Jewish Dance] و«رقص يهودي فـي القدس» [Jewish Dance at Jerusalem] (1).

------------------------------------

(1): انظر:

Patricia Erens, The Jew in American Cinema (Bloomington: Indiana University Press, 1984), 29.

يلاحظ هنا أنه بينما كان هناك عرب يهود عاشوا فـي العالم العربي باعتبارهم تاريخيا جزءا من المجتمع والثقافة العربيين، فإن الهويتين (العربية واليهودية) قد افترقتا وتمايزتا بصورة جذرية فـي الخطابات الثقافـية، والسياسية، والشعبوية الأمريكية لأسباب واضحة بعد العام 1948. ولهذا السبب تحديدا فإنه من المثير – وإن يكن بصورة استعادية فحسب - أن عنوانا مثل «رقص عربي يهودي» [Arabian Jewish Dance] يبدو تاريخيا لافتا للنظر من حيث أن السينما الأمريكية لم تكن تميز فـي بداياتها بين «العربي» (هوية قومية) و«اليهودي» (هوية دينية). وطبعا من المثير للاهتمام كذلك أن التمثيلات (representations) السينمائية للهويتين المذكورتين قد وضعتا على طريقين متباينين بصورة جلية فـي السياسة، والثقافة، والسينما الأمريكية بعد تأسيس الدولة الصهيونية فـي عام 1948.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: السینما الأمریکیة

إقرأ أيضاً:

لجنة لدراسة التصور المقترح للهوية البصرية لسور جامعة الفيوم

عقد مجلس شؤون خدمة المجتمع وتنمية البيئة فى جامعة الفيوم، جلسته رقم 202، برئاسة الدكتور عاصم فؤاد العيسوي نائب رئيس الجامعة لشؤون خدمة المجتمع وتنمية البيئة وعضوية اعضاء المجلس الموقر وذلك اليوم الأحد.

صرح الدكتور  عاصم فؤاد العيسوى  إن تم أحاطة المجلس علما بموافقة الدكتور رئيس الجامعة على اعتماد تشكيل لجنة لدراسة التصور المقترح للهوية البصرية لسور جامعة الفيوم بشكل يجمع بين التصور الفني للمقترح وتقنيات العمارة الحديثة بحيث يتماشى مع الهوية البصرية لمحافظة الفيوم وسوف يتم توزيع استبانة على مستوى الجامعه لدراسة المقترحات حول الموضوع.

كما  تمت احاطة المجلس  بموقف اتفاقات التعاون التي تم ابرامها بين القطاع أو الكليات مع المؤسسات المختلفه وأخيرا الانشطه الخاصة بقطاع خدمه المجتمع في الكليات.

اليوم العالمى للسكرى

وقد نظمت كليتي الطب والتربية الرياضية  فى جامعة الفيوم بالتعاون مع جمعية صعيد مصر للسكري عدد من الفعاليات بمناسبة اليوم العالمي لمرض السكري وذلك تحت رعاية الدكتور ياسر مجدي حتاتة رئيس جامعة الفيوم وإشراف الدكتور عاصم فؤاد العيسوى نائب رئيس الجامعة لشئون خدمة المجتمع وتنمية البيئة والمشرف على قطاع التعليم والطلاب بحضور الدكتور نجلاء الشربيني القائم بأعمال عميد كلية الطب و الدكتور معتز على حسن وكيل كلية التربية الرياضية لشئون خدمة المجتمع وتنمية البيئة و الدكتور محمد مشاحيت رئيس قسم الأمراض الباطنة بكلية الطب وأستاذ السكر والغدد الصماء وعدد من الأطباء بقسم الباطنة بكلية الطب وذلك اليوم الأحد.

 شمل اليوم العديد الفعاليات تضمنت تنظيم يوم رياضي لطلاب الفرقة الأولى ببرنامج السياحة الرياضية بملاعب الجامعة بكلية الزراعة و شارك فيها حوالي ٥٠٠ طالب وطالبة وذلك للتأكيد على أهمية الحفاظ على ممارسة الرياضة للوقاية من الإصابة بمرض السكري ، كما تضمن اليوم قياس للضغط ونسبة السكر لتحديد الإصابة بمرض السكري من عدمه ، وأيضََا تم تنظيم محاضرة توعوية عن مخاطر مرض السكري.

في مستهل كلمتها أكدت الدكتورة  نجلاء الشربيني على أهمية دور كلية الطب في نشر الوعي الصحي سواء لطلاب الجامعة أو للمجتمع الخارجي في مختلف التخصصات الطبية ، كما توجهت بالشكر والتقدير لكلية التربية الرياضية على التعاون الجاد والمثمر في المشاركة  بفعاليات اليوم العالمي للسكر الذي تنظمه جامعة الفيوم .

وأشاد الدكتور  معتز علي بالدور الخدمي والتوعوي الذي تقوم به كلية الطب من خلال عقد العديد من المؤتمرات والندوات والقوافل الطبية التي من شأنها رفع الوعي الطبي لدى منسوبي جامعة الفيوم وأيضَا المواطنين بمحافظة الفيوم .

وقام الدكتور  محمد مشاحيت بتعريف مرض السكري بأنه اضطراب ينجم عن عدم قيام الجسم بإنتاج ما يكفي من الأنسولين أو الاستجابة بشكل طبيعي للأنسولين ، وهو يعد مرض قديم تم اكتشافه عام ١٩٢١ م وهو من الأمراض المنتشرة جدا حيث يوجد حوالي ٥٥٠ مليون مريض سكر على مستوى العالم و ١١ مليون شخص مريض سكر في مصر مؤكدَا أن مصر تحتل المركز الثامن على مستوى العالم في نسبة الإصابة به ، كما أضاف أن مرض السكري هو السبب الأول في فقدان البصر وبتر الساق.

6 7 8

مقالات مشابهة

  • جامعة الفيوم: مجلس شؤون خدمة المجتمع وتنمية البيئة يعقد جلسته رقم 202
  • لجنة لدراسة التصور المقترح للهوية البصرية لسور جامعة الفيوم
  • تكليف شركتين دوليتين لدراسة السوق المصرفية العراقية
  • عادل حمودة: الشيخ زايد انتقد بشجاعة السياسة الأمريكية
  • وداعًا يا شوقي.. لاعبو كفر الشيخ يرتدون «تيشرتات» بصورة اللاعب الراحل| صور
  • جامعة عين شمس تعلن عن 400 منحة لدراسة الدكتوراه في هونج كونج
  • محافظ أسوان: مصلحة المواطن تقع فى مقدمة الأولويات ونعمل للوصول للأفضل دائماً
  • شكوى إسرائيل ضد العراق.. مقدمة لعمل عسكري مرتقب
  • شكوى إسرائيل ضد العراق.. مقدمة لعمل عسكري مرتقب -عاجل