كيف رسخت العائلة الملكية البريطانية استخدام اللون الأسود للحداد؟
تاريخ النشر: 24th, November 2024 GMT
ارتبط اللون الأسود -على مر سنين طويلة- بالموت، إذ يرتديه الكثيرون في الجنازات، حتى إنه بات يُعرف بـ"لون الحزن" في الكثير من الثقافات.
فلماذا يعتبر الأسود لون الحداد؟ وما هي ألوان الحزن الأخرى في الثقافات المختلفة؟.
حكاية اللون الأسود في الجنازاتقبل أكثر من 400 عام -وتحديدا سنة 1603-، نُقل جثمان الملكة إليزابيث الأولى إلى قبرها في موكب جنائزي غلب عليه اللون الأسود، إذ ارتدى الكثير من أفراد العائلة ورجال الدولة ملابس وقبعات سوداء، بل حتى إن الخيول كانت مغطاة بالمخمل الأسود الناعم.
وبحسب موقع "ذا أتلانتيك"، كان استخدام اللون الأسود في الجنازات موجودا منذ القرن السادس في الكنيسة الإنجليزية. وبحلول القرن الـ14، ارتبط اللون الأسود بشكل واضح بفكرة الموت.
لكن في المقابل، كانت الألوان الأخرى -مثل الأبيض والبني- تعتبر مناسبة للحداد لدى عامة الناس في الثقافة الأنجليكانية، وهي كنائس بروتستانتية العقيدة في إنجلترا وعدد من الدول الأخرى.
كان اختيار اللون الأبيض يرجع، في الأساس، إلى سهولة الحصول عليه من خلال تبييض الصوف أو الكتان غير المصبوغ، واللون البني، كذلك، لكونه عمليا في الإنتاج، لأنه كان من السهل الحصول عليه بأقل تكلفة مقارنة بالألوان الأخرى، حيث لم يتطلب عمليات صباغة معقدة أو مواد باهظة الثمن. وغالبا ما كان يشار إلى اللون الأسود باعتباره "لون الحزن".
كان السبب الذي ميز اللون الأسود عن غيره، وساعد في ترسيخ مكانته باعتباره لون الحداد الراقي بحلول وقت جنازة الملكة إليزابيث الأولى عام 1603، هو تكلفته الباهظة التي لا يستطيع عامة الناس تحملها.
فقد كان استخراج الأصباغ الفاخرة يتطلب جولات متعددة ومكلفة من الصباغة باستخدام نباتات وأعشاب غير متوفرة بكثرة. وكانت الجنازات الملكية التي ارتدى المشاركون فيها اللون الأسود مشهدا سياسيا، لم يكن هدفها مواساة أهالي الميت فحسب، بل إظهار الفارق الكبير بين الطبقات الحاكمة وعامة الناس من خلال عرض مبالغ فيه أيضا.
كان الإسراف في الجنازات محظورا على عامة الشعب بموجب قوانين "الترف" التي حكمت إنجلترا ومعظم أوروبا منذ القرن الـ14. هذه القوانين لم تسمح للناس العاديين بإقامة جنازات ذات مظاهر باهظة، وكان ارتداؤهم لألوان وملابس خارج الحدود التقليدية يعتبر جريمة، حيث كانت تحدد الألوان والأقمشة التي يمكن لكل شخص ارتداؤها وفقا لمكانته الاجتماعية، مما جعل التمييز الطبقي واضحا من الوهلة الأولى.
فكان يسمح للعمال بارتداء الكتان وبعض أنواع الصوف الأقل جودة، لكن لم يكن مسموحا لهم ارتداء الحرير المطرز أو الساتان أو الفراء الناعم، أو استخدام أزرار وخيوط ذهبية أو أرجوانية أو فضية.
لكن في العام 1861، أصبح الأسود لونا جنائزيا شائعا بعد أن ارتدته الملكة فيكتوريا ملكة إنجلترا بعد وفاة زوجها الأمير ألبرت عام 1861، كعلامة على احترامها لشريكها الراحل حتى يوم وفاتها بعد 40 عاما، وفقا لصحيفة "ذا ديلي ستار" البريطانية.
المعنى الرمزي للون الأسود في الحدادفي الحضارات القديمة مثل اليونان وروما، كان ارتداء الألوان الداكنة تقليدا يعبر عن الاحترام للمتوفى. وأصبح ارتداء الأسود في أوروبا خلال العصور الوسطى، مرتبطا بالأثرياء كمؤشر على مكانتهم الاجتماعية العالية. ومع مرور الوقت، ترسخ هذا التقليد، وأصبح اللون الأسود اليوم يعبر عن الاحترام، وتقدير الذكرى، والحزن في الجنازات.
في الوقت نفسه، يعكس ارتداء الأسود في الجنازات مشاعر الحزن والألم، ويظهر التضامن مع أسرة المتوفى وأصدقائه لخلوه من البهرجة. كما يرمز إلى الحداد الجماعي على فقدان أحد الأحباء.
وفي العديد من الثقافات، يعتبر ارتداء الأسود علامة على الاحترام والتعبير عن الأسى، وفي بعض الديانات مثل المسيحية الكاثوليكية، يُنظر إليه كرمز للإيمان.
ألوان الحزن الأخرىلا شك في أن اللون الأسود أصبح تقليدا في ثقافات متعددة، وفي دول كثيرة يرتديه المعزون خلال الجنازات وفترة الحداد كما في الدول الغربية وإيطاليا واليابان والمكسيك وبعض الدول العربية.
لكن مع ذلك، ليست كل ألوان الحزن سوداء، بل يرتدي كثيرون في بلدان مختلفة ألوانا أخرى ترمز إلى الحزن، وفقا لموقع "لوف تو نو":
الأرجواني: في تايلاند، يرمز اللون الأرجواني إلى الحزن. حيث ترتدي الأرامل اللون الأرجواني عند الحداد على أزواجهن، بينما يرتدي جميع المعزين الآخرين اللون الأسود. الأحمر: في جنوب أفريقيا وغانا، يكون الأحمر هو لون الحداد. وهو مرتبط بإراقة الدماء. الأصفر: كان اللون الأصفر هو لون الحداد في بورما ومصر القديمة. الأبيض: في الصين، ينتشر اللون الأبيض في الجنازات، ويرتبط اللون الأبيض تاريخيا بالموت في العديد من الثقافات الآسيوية. وفي الدوائر الهندوسية، تعتبر الملابس البيضاء أيضا الخيار المفضل.المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات اللون الأسود فی الجنازات الأسود فی
إقرأ أيضاً:
لا أحب الرمادي لكنها الحياة
عندما انتقلت لغرفتي الحالية منذ أشهر، لم انسجم مع لون جدارها الرمادي، كان يشعرني بالاختناق في كل مرة أعود إليها حتى أني توقفت عن أداء أبسط المهام فيها، رغم محاولاتي لتجّميل هذا اللون وتقبُّله عبر اللوحات والإضاءة، لكنها لم تكن تشبهني في أي شيء،
حتى جاء الوقت الذي قررت فيه إلغاء وسطية الرمادي، فإما الاستسلام لحلكة اللون، أو السير نحو الضوء في نهاية نفق الجدران الأربعة، وحدث أن قمت بتغيير اللون لأكثر الألوان بهجة، حينها لم تكن حالتي النفسية وحدها التي تغيرت، بل شعرت بعودة رغبتي في ممارسة كل ما تركته من هوايات ومهارات وطرق استغلال وقتي وكنت أحبه، فبدأت بحماسة بتزّيينها وتجهيزها لاستقبال عام جديد مليء بالخطط.
لكن ورغم بهجة الألوان الفاتحة، فالحياة بحد ذاتها رمادية، ترمز للتوازن بين المتناقضات فلا أبيض وحده أو أسود فيها، فهي عبارة عن مزيج من الصعود والسقوط، والحزن والفرح، والنجاح والفشل، لا يمكننا تصنيفها في فئة واحدة، فهي في مكان ما بين هاتين الفئتين، معلّقة وتتأرجح من جانب لآخر، ذهابًا وإيابًا، فاللون الرمادي في الحياة يشير للتوازن، لأنه يشير، ويسلط الضوء على أهمية فائدة التجارب الإيجابية والسلبية على حد سواء باعتبارها جزءًا لا يتجزأ من الحياة.
ولهذا علينا أن ندرك أن الحياة بمفهومها الرمادي، هي جزءً ما بين كفتي الأبيض والأسود، لأن في الحياة فيما يخصنا ستكون هناك لحظات رائعة في حياتنا ولحظات مؤلمة، فعلينا أن نعتز بكليهما، لأنها ستعلمنا شيئًا ما، وفيما يخص من حولنا، فلا علينا أن نتوقع أن يتغير الشخص، أو سلوكه، لأجلنا فجأة، فتكوين السلوك يستغرق سنوات، ولا يمكن تغييره بسرعة، وفيما يخص المجتمع، سيكون هناك عدد قليل جدًا من الأشخاص الذين يحتفلون بفوزنا وتجاوزنا الصعاب، والكثير الذين تسعدهم خسارتنا، ولهذا علينا التمسك بمن تسعده انتصاراتنا، بالمقابل علينا أن ندرك أنه لا يمكننا الفوز في كل مرة، وعلينا ارتكاب الأخطاء حتى نتعلم ونتقن التعامل مع الحياة بصورتها السهلة والصعبة.
لكن، ورغم ذلك، ليس علينا إلغاء حدية الأسود والأبيض، فاختيار أحدهما مطلب في بعض الأوقات، لأن الرمادية في بعض المواقف يكون ليس واضحًا، أو مباشرًا، وقد يكون هناك بعض الغموض، أو عدم اليقين فيه، ممّا يوقعنا في حيرة لونه، التي لا تجعلنا نتخذ قرارًا، أو حكمًا بصورة صحيحة، أو كما تغنت لطيفة التونسية في الحب حين قالت: “كلام مش بيحود، يا أبيض يا إسود لكن مش رمادي”.
i1_nuha@