ارتبط اللون الأسود -على مر سنين طويلة- بالموت، إذ يرتديه الكثيرون في الجنازات، حتى إنه بات يُعرف بـ"لون الحزن" في الكثير من الثقافات.

فلماذا يعتبر الأسود لون الحداد؟ وما هي ألوان الحزن الأخرى في الثقافات المختلفة؟.

حكاية اللون الأسود في الجنازات

قبل أكثر من 400 عام -وتحديدا سنة 1603-، نُقل جثمان الملكة إليزابيث الأولى إلى قبرها في موكب جنائزي غلب عليه اللون الأسود، إذ ارتدى الكثير من أفراد العائلة ورجال الدولة ملابس وقبعات سوداء، بل حتى إن الخيول كانت مغطاة بالمخمل الأسود الناعم.

وبحسب موقع "ذا أتلانتيك"، كان استخدام اللون الأسود في الجنازات موجودا منذ القرن السادس في الكنيسة الإنجليزية. وبحلول القرن الـ14، ارتبط اللون الأسود بشكل واضح بفكرة الموت.

لكن في المقابل، كانت الألوان الأخرى -مثل الأبيض والبني- تعتبر مناسبة للحداد لدى عامة الناس في الثقافة الأنجليكانية، وهي كنائس بروتستانتية العقيدة في إنجلترا وعدد من الدول الأخرى.

كان اختيار اللون الأبيض يرجع، في الأساس، إلى سهولة الحصول عليه من خلال تبييض الصوف أو الكتان غير المصبوغ، واللون البني، كذلك، لكونه عمليا في الإنتاج، لأنه كان من السهل الحصول عليه بأقل تكلفة مقارنة بالألوان الأخرى، حيث لم يتطلب عمليات صباغة معقدة أو مواد باهظة الثمن. وغالبا ما كان يشار إلى اللون الأسود باعتباره "لون الحزن".

كان السبب الذي ميز اللون الأسود عن غيره، وساعد في ترسيخ مكانته باعتباره لون الحداد الراقي بحلول وقت جنازة الملكة إليزابيث الأولى عام 1603، هو تكلفته الباهظة التي لا يستطيع عامة الناس تحملها.

فقد كان استخراج الأصباغ الفاخرة يتطلب جولات متعددة ومكلفة من الصباغة باستخدام نباتات وأعشاب غير متوفرة بكثرة. وكانت الجنازات الملكية التي ارتدى المشاركون فيها اللون الأسود مشهدا سياسيا، لم يكن هدفها مواساة أهالي الميت فحسب، بل إظهار الفارق الكبير بين الطبقات الحاكمة وعامة الناس من خلال عرض مبالغ فيه أيضا.

كان الإسراف في الجنازات محظورا على عامة الشعب بموجب قوانين "الترف" التي حكمت إنجلترا ومعظم أوروبا منذ القرن الـ14. هذه القوانين لم تسمح للناس العاديين بإقامة جنازات ذات مظاهر باهظة، وكان ارتداؤهم لألوان وملابس خارج الحدود التقليدية يعتبر جريمة، حيث كانت تحدد الألوان والأقمشة التي يمكن لكل شخص ارتداؤها وفقا لمكانته الاجتماعية، مما جعل التمييز الطبقي واضحا من الوهلة الأولى.

فكان يسمح للعمال بارتداء الكتان وبعض أنواع الصوف الأقل جودة، لكن لم يكن مسموحا لهم ارتداء الحرير المطرز أو الساتان أو الفراء الناعم، أو استخدام أزرار وخيوط ذهبية أو أرجوانية أو فضية.

لكن في العام 1861، أصبح الأسود لونا جنائزيا شائعا بعد أن ارتدته الملكة فيكتوريا ملكة إنجلترا بعد وفاة زوجها الأمير ألبرت عام 1861، كعلامة على احترامها لشريكها الراحل حتى يوم وفاتها بعد 40 عاما، وفقا لصحيفة "ذا ديلي ستار" البريطانية.

المعنى الرمزي للون الأسود في الحداد

في الحضارات القديمة مثل اليونان وروما، كان ارتداء الألوان الداكنة تقليدا يعبر عن الاحترام للمتوفى. وأصبح ارتداء الأسود في أوروبا خلال العصور الوسطى، مرتبطا بالأثرياء كمؤشر على مكانتهم الاجتماعية العالية. ومع مرور الوقت، ترسخ هذا التقليد، وأصبح اللون الأسود اليوم يعبر عن الاحترام، وتقدير الذكرى، والحزن في الجنازات.

في الوقت نفسه، يعكس ارتداء الأسود في الجنازات مشاعر الحزن والألم، ويظهر التضامن مع أسرة المتوفى وأصدقائه لخلوه من البهرجة. كما يرمز إلى الحداد الجماعي على فقدان أحد الأحباء.

وفي العديد من الثقافات، يعتبر ارتداء الأسود علامة على الاحترام والتعبير عن الأسى، وفي بعض الديانات مثل المسيحية الكاثوليكية، يُنظر إليه كرمز للإيمان.

ألوان الحزن الأخرى

لا شك في أن اللون الأسود أصبح تقليدا في ثقافات متعددة، وفي دول كثيرة يرتديه المعزون خلال الجنازات وفترة الحداد كما في الدول الغربية وإيطاليا واليابان والمكسيك وبعض الدول العربية.

لكن مع ذلك، ليست كل ألوان الحزن سوداء، بل يرتدي كثيرون في بلدان مختلفة ألوانا أخرى ترمز إلى الحزن، وفقا لموقع "لوف تو نو":

الأرجواني: في تايلاند، يرمز اللون الأرجواني إلى الحزن. حيث ترتدي الأرامل اللون الأرجواني عند الحداد على أزواجهن، بينما يرتدي جميع المعزين الآخرين اللون الأسود. الأحمر: في جنوب أفريقيا وغانا، يكون الأحمر هو لون الحداد. وهو مرتبط بإراقة الدماء. الأصفر: كان اللون الأصفر هو لون الحداد في بورما ومصر القديمة. الأبيض: في الصين، ينتشر اللون الأبيض في الجنازات، ويرتبط اللون الأبيض تاريخيا بالموت في العديد من الثقافات الآسيوية. وفي الدوائر الهندوسية، تعتبر الملابس البيضاء أيضا الخيار المفضل.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات اللون الأسود فی الجنازات الأسود فی

إقرأ أيضاً:

وداع مليوني حزين في تشييع نصر الله وصفي الدين في بيروت

بيروت- في مشهد يفيض بالحزن والأسى، احتشد أكثر من مليون مشيع في شوارع بيروت، مودعين الأمين العام السابق لحزب الله السيد حسن نصر الله وخليفته هاشم صفي الدين، في واحدة من كبرى الجنازات التي شهدها لبنان تاريخيا.

وتوافدت الجموع الغفيرة من مختلف المناطق اللبنانية، ومن دول عربية وأوروبية، لتشارك في وداع استثنائي، جسّد حجم الفقدان، وألقى بظلاله الثقيلة على قلوب المشيعين.

الجماهير احتشدت منذ ساعات الفجر الأولى وسط أجواء من الحزن والحداد (الجزيرة) حضور استثنائي

وسط الزحام والدموع، تحدث القادمون من مختلف الدول عن حزنهم العميق، وهو ما انعكس في كلام باقر الجابري، القادم من العراق، قائلا "باستشهاد سيد المقاومة وسيد الجهاد، جئنا نحن المواكب العراقية، وخاصة موكب جمعية أنصار الإمام الخيرية، لنشارك إخوتنا اللبنانيين حزنهم، ولنكون في خدمة المعزين والمشيّعين".

أما آيات أيوب، الفلسطينية القادمة من بيروت، فتعبر عن امتنانها وحزنها في آنٍ واحد، وتقول "حضرنا اليوم لنؤكد وجودنا وولاءنا، ولنعلن أننا باقون على خطاه، ماضون في مسيرته، نحن ممتنون جدًا للشعب اللبناني، ولأهل الجنوب الذين لم يساوموا على الحق".

ومن اليمن، جاء جميل محمد أحمد، متحدثا بحرقة وغضب "جئنا لتشييع سيد الشهداء وسيد الأمة، ولولا الإجراءات المشددة لكان كل الشعب اليمني هنا، لقد كان هذا الرجل نصيرا للعرب والمسلمين، قدم كل شيء لنصرة الحق، ودعم أهل غزة ورفع راية الإسلام هناك".

إعلان

أما الطفلة زهراء، التي وقفت بعينيها الواسعتين وسط الحشد، فكان لكلماتها وقع خاص، إذ قالت بصوت بريء "عندما استشهد، شعرنا بحزن عميق، لقد فقدناه، لكنه الآن في الجنة، ومع ذلك نشعر أنه ما زال معنا على هذه الأرض".

مظاهر الحزن والفقد كانت واضحة على وجوه مئات آلاف المشاركين (الجزيرة) حشود مليونية

انطلقت المراسم من ملعب كميل شمعون الرياضي في بيروت، حيث احتشدت الجماهير منذ ساعات الفجر الأولى، ووسط أجواء من الحزن والحداد، رفعت الأعلام اللبنانية وأعلام حزب الله، بينما علت الهتافات التي عبرت عن حجم الخسارة.

شهدت المراسم حضورا رسميا واسعا، حيث مثل رئيس مجلس النواب نبيه بري رئيس الجمهورية العماد جوزيف عون، في حين حضر وزير العمل محمد حيدر ممثلا لرئيس الحكومة القاضي نواف سلام، كما شاركت وفود رسمية وشعبية من أكثر من 70 دولة، أبرزها إيران، والعراق، واليمن، والكويت، والبحرين، وتونس.

واستُهلت المراسم بتلاوة آيات من القرآن الكريم، تلاها عزف النشيد الوطني اللبناني ونشيد حزب الله، قبل أن تُنقل الجثامين بين المشيعين لإلقاء نظرة الوداع الأخيرة، ومع تصاعد مشاعر الحزن، شهدت الأجواء تطورا أمنيا لافتا، حيث حلق الطيران الإسرائيلي على علو منخفض فوق المنطقة.

الجنازة امتدت على مسافة 3 كيلومترات (الجزيرة) المقاومة مستمرة

في كلمته التي ألقاها خلال التشييع، أكد الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم أن "المقاومة مستمرة كخيار إستراتيجي"، مشددا على أن الحزب باق على العهد رغم الخسائر الكبيرة، وأوضح قاسم أن "الموافقة على وقف إطلاق النار مع إسرائيل في هذه المرحلة تمثل نقطة قوة"، لكنه أكد في الوقت ذاته ضرورة تحمل الدولة اللبنانية مسؤولياتها.

وأضاف أن "إسرائيل لم تلتزم، وقد صبرنا، لكننا نواجه احتلالا وعدوانا، والقصف على الداخل اللبناني يعد اعتداء واضحا"، كما شدد على أن حزب الله لن يسمح للولايات المتحدة "بالتحكم بلبنان".

إعلان

وبعد انتهاء المراسم في المدينة الرياضية، حمل المشيعون نعش الأمين العام السابق حسن نصر الله، في مسيرة امتدت لنحو 3 كيلومترات، وصولا إلى موقع الدفن المستحدث خصيصا له بين الطريقين المؤديين إلى مطار رفيق الحريري الدولي، والذي من المتوقع أن يتحول إلى مزار اعتبارا من يوم غد الاثنين.

أما جثمان هاشم صفي الدين، فسيُنقل إلى مسقط رأسه في بلدة دير قانون النهر في جنوب لبنان، حيث سيُدفن يوم غد الاثنين.

مقالات مشابهة

  • وداع مليوني حزين في تشييع نصر الله وصفي الدين في بيروت
  • بريطانيا.. شاطئ شهير يتحوّل إلى اللون الأرجواني
  • «الضرائب» تطلق شعارا جديدا للمصلحة.. ماذا يشير اللون الأزرق؟
  • هيفاء وهبي تخطف الأنظار في شوارع بيروت.. صور
  • بتول الحداد عن شخصيتها بمسلسل «في لحظة»: «كان نفسي أعملها من زمان»
  • وداع شهيد الإنسانية حينما يلتقي الحزنُ بالفخر
  • اخصائي تغذية يكشف عن فوائد مذهلة للقهوة العربية.. فيديو
  • الأهلي ينعى أحمد برجاوي مخرج قناة النادي
  • علي الحداد: تناول السمسم يوميًا يعزز الطاقة الزوجية .. فيديو
  • اخصائي تغذية يكشف أسباب الصداع المؤثر على النوم.. فيديو