شهادة حية عن السجون الإسرائيلية بعد 7 أكتوبر.. قراءة في ذاكرة الجدران المعتمة
تاريخ النشر: 24th, November 2024 GMT
عندما يكتب عن تجربة قاسية من عاينها وعاش معمعانها بالتأكيد ستختلف عن كتابة من سمع عن التجربة، وعندما يكتب أيضا من يملك قدرا كافيا من زمام اللغة القادرة على أن تحمل على جناحيها دقّة المعاني وبراعة التصوير فهذا أمر عظيم، وإذا أضفنا إلى ذلك الحسَّ الإنساني المرهف الذي يمتلكه إنسان هو طبيب عيون قائم على صحّة البصر بروح بصيرة عالية؛ فهذا يزيد النصّ روعة وقوّة وبراعة.
هذا ما اجترحه الدكتور فاروق عاشور من تجربته ليخرج لنا نصّا بديعا يجيد فيه تصوير عالم السجن بما حوى من مشاهد مريعة، بوفاء تامّ لإخوانه المعتقلين وليوصل رسالتهم بصورة تفي بالغرض، وترسم وثيقة شاهدة على ما يجري هناك من جرائم في حق الإنسانيّة التي ألقيت رقبتها على مذبح الحريّة بكلّ قسوة وخسّة ونذالة لم تعرفها البشرية من قبل.
وقد أبدع النص كثيرا في الوصف والسرد ونجح في إدخال القارئ بسلاسة في عالم السجن، وكأن المَشاهد شاخصة رأي العين، إضافة إلى ضخّ الروح بحيث تشترك مشاعر وأفكار وكلّ مكوّنات القارئ مع ما تريد أن تصل إليه فقرات الكتاب وفصوله. لم يكن نصّا جافّا ذهنيا مجرّدا، بل كانت فيه روح تسري وقدرة عالية على نقل الحالة الشعورية بين الكاتب والمتلقّي، فكانت اللغة الأدبية المؤثّرة سيدة الموقف رغم قساوة المشهدية المظلّلة للنصّ.
سيعتبر الكتاب شهادة قانونيّة ووثيقة تعتمد لتوثيق الجريمة بأبعادها المتعدّدة، وفي نفس الوقت سيعتبر رسالة إنسانيّة استطاعت نقل المعاناة الصعبة والألم النازف والتعبير عن المعذّبين تعبيرا صادقا موحيا بحقيقة ما يحدث هناك، وسيعتبر أيضا نصّا أدبيّا رائقا حلّق عاليا في عالم الأدب ونجح في رسم الحدث بلغة جميلة راقية.
أصّل عاشور بداية لموضع السجون وعذاباته، وذهب إلى المنحى الفلسفي والتاريخي لفكرة السجون، ودخل إلى انطباعاته الشخصيّة النفسيّة بإحساسه المرهف ليعبر بذلك من عالم الحريّة إلى عالم عتمة السجون وعذاباتها، ثم ليعقد مقارناته بين السجون قبل السابع من تشرين الأول/ أكتوبر وما طرّا عليها من انقلاب هائل بعد ذلك.
ثم شرع برؤية طبيب عيون حاذق يرينا كل الجوانب المعتمة في دهاليز السجن، القمع والتنكيل بأشكاله المختلفة؛ الإهانات والتحقير والسحق المعنوي والنفسي، وتعرّض للقيود والتضييقات المعيشيّة والإهمال الطبّي المتعمّد والعنف المفرط غير المبرّر، والتفنّن في صناعة الألم وضرب الاستقرار المعيشي والنّفسي، وذهب بنا إلى المهازل التي تسمّى محاكم ورحلة القمع وطريق الالام في البوسطة.. الخ، وتعرّض لما تقوم به إدارة السجن من إثارة للفتن والدسائس وضرب البنية الاجتماعية للمعتقلين.
وفي المقابل، شرح عن مجتمع السجن وعوامل قوّته وصموده، ودور أصحاب الهمم في رفع الروح المعنوية للمعتقلين والعمل على رفع القدرة الاستيعابية والاستفادة من وقت السجن قدر الاستطاعة، بالاستثمار في الحالة الإيمانية والاهتمامات الإيجابية بحفظ القرآن وتفسيره وإتقان تلاوته، والانشغال في التحليل السياسي والمناقشات الفكرية، والتغلّب على منع الرياضة بممارستها بطرق بعيدة عن عين السجان داخل الغرف، وشرح عن الحالة الصحيّة والحرمان من الأدوية.
وختم بالتعرض لبعض السلبيات بطريقة موضوعية مع تجليات شدة البلاء بإيجابيات عظيمة عزّزت البناء النفسي وأخرجت قوة ومناعة وعنفوان. وكان أن يفرد ليوم الحرية بعد هذا السفر الطويل على مدار عشرة أشهر نصا جميلا يعبّر فيه عن مظاهر الوفاء والاستقبال الحافل من أهله ومجتمعه، وأن يرسل سلامه لمن بقوا في السجون:
"سلاما لأرواحكم المعلّقة بقناديل النّجوم تناجي ربها بخشوع، سلاما لأنّات اشتياقكم تناغي صور أطفالكم ترتسم في وميض القمر أو شعاع الشمس، سلاما عليكم آل الصبر وأنتم تجتازون المحن".
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مدونات مدونات المعتقلين المعاناة السجون اسرى فلسطين الاحتلال معاناة سجون مدونات مدونات مدونات مقالات مقالات مقالات مقالات رياضة سياسة صحافة رياضة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة رياضة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
مكتبة الإسكندرية: إتاحة 92 ألف وثيقة ضمن أوراق صلاح عيسى على "ذاكرة مصر المعاصرة"
عقدت مكتبة الإسكندرية جلستين على هامش ندوة "أوراق صلاح عيسى في ذاكرة مصر بمكتبة الإسكندرية" بالتزامن مع إطلاق مشروع رقمنة أوراق الكاتب الكبير صلاح عيسى على موقع ذاكرة مصر المعاصرة عقب الانتهاء منه.
جاء ذلك بحضور الدكتور أحمد زايد؛ مدير مكتبة الإسكندرية، والكاتبة الصحفية السيدة أمينة النقاش؛ زوجة الكاتب الراحل.
واُستهلت الجلسة الأولى تحت عنوان "عرض أوراق صلاح عيسى على موقع ذاكرة مصر" تحدث فيها أحمد حسن؛ أخصائي توثيق بموقع ذاكرة مصر، والمهندس بيتر سكر؛ مهندس بقطاع تكنولوجيا المعلومات، وأدارها الدكتور أحمد سمير رئيس قطاع تكنولوجيا المعلومات بمكتبة الإسكندرية.
وأوضح أحمد حسن أن المكتبة تسلمت ما يزيد عن 92 ألف وثيقة، تتضمن أهم القضايا التي شهدتها مصر عن الجماعات الإسلامية والحركة الشيوعية، وأهم الاغتيالات السياسية، ومحاضر التحقيق مع الشخصيات السياسية والثقافية البارزة، وما نشر في الصحف عن المنظمات الشيوعية والتنظيمات الجهادية المتطرفة، فضلًا عن قضايا اجتماعية اخرى مثل قضية ريا وسكينة، واستعرض عددا من أغلفة القضايا، ومحاضر التحقيقات، وقرارات الاتهام، والمحاكمات.
واشار المهندس بيتر سكر، إلى عملية رقمنة الأوراق التي مرت بـ6 مراحل، وهي، استلام الوثائق، المعالجة، بداية التحول الرقمي من خلال مسحها ضوئيًا، إدخال البيانات والتوصيف، معالجة البيانات، وأخيرًا مرحلة النشر.
وجاءت الجلسة الثانية تحت عنوان "صلاح عيسى.. مثقف من طراز فريد" تحدث فيها فريد زهران، رئيس اتحاد الناشرين المصريين، والدكتور أحمد زكريا الشلق، أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر، ومايسة زكي، كاتبة صحفية، وإيمان رسلان، كاتبة صحفية، وأدارها الكاتب الصحفي سيد محمود.
وأكد "محمود"، إن تراث صلاح عيسى يمثل مرجعيه كبيرة في تاريخ دراسات الفكر المصري والتاريخ السياسي، ساردًا ذكرياته مع الكاتب الراحل قائلًا "أول كتاب اصدرته كان مهدى إليه، وقد تعرفت عليه في فترة مبكرة حيث لفت نظري طريقته في الكتابة في جريدة الأهالي والمجلة الأدبية اليسارية "خطوة" ومنذ هذه اللحظة تحول صلاح عيسى إلى بوصلة وقدوة".
وأشار "محمود" إلى أن صلاح عيسى لم ينل ما يستحق من تكريم ولم يحظ بجائزة الدول، ليكون تكريم مكتبة الإسكندرية هو الأول منذ وفاته، مشددًا على أن مؤلفات الكاتب الراحل كانت الأكثر مبيعًا في معرض الكتاب العام الماضي وهو ما يدل على مكانته فهو ليس مؤرخ من موقع هاوي فقط ولكن من منطلق منهجي، ويكتب التاريخ بعلم ومتعة وهو أمر نادر.
ومن جهته، عبر فريد زهران، عن سعادته بالاحتفاء بصلاح عيسى وذكر فكره اليساري، مشيرًا إلى أن علاقته به بدأت منذ في فترة الطفولة وشهدت مراحل مختلفة وصولًا لعملهما في مجلة الثقافة الوطنية، وكان صلاح عيسى أول من تحدث عن مصطلح أن الدولة ترعى الثقافة ولا تمتلكها، ومشددًا على اهتمامه بإعادة إحياء كتابات صلاح عيسى خاصة أنه كان يمتلك منهجيه البحث العلمي رغم إنه غير أكاديمي وهذا ما برز في كتابه عن الثورة العرابية.
وتحدث أحمد زكريا، عن شخصية صلاح عيسى الثرية، قائلًا "إذا أراد أحد أن يدرس الصحافة فقط في مسيرته سوف يجد مسيرة غنية لصحفي مميز كتاباته رشيقة استمرت منذ عام 1972 وحتى 2017، والجانب الأخر أنه كان أديبًا مبدعًا، علاوة على كتابته النقدية بنزعة إنسانية، ومؤرخًا إذ نشر ما يقرب من 20 كتابًا منهم 8 كتب تاريخيّة أكاديمية ومستوى أخر من كتابة التاريخ كقصة.
ومن جانبها، روت الكاتبة إيمان رسلان، ذكرياتها مع الكاتب الراحل فهو كان أستاذها الذي بدأت معه العمل الصحفي، مشددة على أنه نموذج للصحفي المتميز والوجه المصري المثقف، ويعد ظاهرة مماثلة للكاتب الكبير محمد حسنين هيكل، إلا أن الأول أهتم بالحديث عن الإنسان المصري الآخر والبعيد عن السلطة، متمنية أن تقوم كلية الإعلام بدراسة مسيرة صلاح عيسى.
وأشارت مايسة زكي، إلى أن تناول صلاح عيسى للتاريخ اتسم بالتنوع، واختلفت درجاته، فقد كان يمتلك مهارات بينية وزوايا متعددة للسرد القصة، ولديه حرية فكرية وجسارة إبداعية لا تعترف بحدود، بالإضافة إلى لغة مرنة تتعامل مع أفكار إبداعية، هذا كله جعله محلل اجتماعي ومؤرخ وأديب، والمفارقة لدية أنه يجمع بين الاهتمام بالآنية والتاريخ معًا، فقد كان مهتما بالقضايا الصحفية اليومية مع الفحص والتمحيص للتاريخ.
ويذكر أن مكتبة الإسكندرية أطلقت الثلاثاء مشروع رقمنة أوراق صلاح عيسى علي موقع ذاكرة مصر، وقدم الافتتاح الدكتور سامح فوزي كبير باحثين بالمكتبة، والمشرف على مشروع ذاكرة مصر، وتحدث كل من الدكتور أحمد زايد مدير المكتبة، وسيد عبد العال رئيس حزب التجمع وعضو مجلس الشيوخ، وأحمد شعبان عضو مجلس الشيوخ محافظة الاسكندرية، وضيفة الشرف أمينة النقاش الكاتبة الصحفية، وزوجة الكاتب الراحل صلاح عيسى.