تعمين مهنة الإرشاد السياحي
تاريخ النشر: 24th, November 2024 GMT
د. عبدالله باحجاج
بينما كنت قبل أيام في أحد المراكز التجارية بصلالة، استوقفني شاب عُماني يعمل مرشدًا سياحيًا، ويصطحب معه مجموعة سياح من أوروبا، وبدا على النساء منهم التزامٌ طيبٌ مُراعاةً للمظهر العام، وبعد جولة المجموعة في المركز، قرَّرَتْ المجموعة السياحية أن تستريح قليلًا في المقهى الذي كنتُ أتواجد فيه، ومن حُسن حظي، أنَّ هذا الشاب اختار طاولة قريبة مني، ووجدتها فرصة سانحة أن أسأله عن دورهم في توعية السياح بالالتزام بالحشمة، وأجابني قائلًا: "ما تراه الآن هو ما قدرنا نحصل عليه منهم"، في ردٍ دقيقٍ وبليغٍ ينُم عن وعي وثقافة هذا الشاب، وينُم كذلك عن خطوات ذكية اتخذها الشاب حتى تمكَّن بكل هدوء من الحصول على نتائج طيبة.
هذه الواقعة أرجعتني إلى واقعة؛ بل وقائع أخرى، شاهدتُ فيها مرشدين سياحيين وافدين مع مجموعات سياحية من الجنسين، مُتحرِّرَة من ضوابط الأمكنة العامة في بلادنا، ومن بينها شاطئ الحافة، علمًا بأنَّ السائح الغربي أكثر تفهمًا لضوابط وشروط المواقع التي يزورها. وتظل القضية هنا، كيف تصل إليه مثل هذه الرسائل بأسلوب حضاري؟ بينما لو تُرِكَ دون علم، سيعتقد أنَّ الأمر مباح كما لو أنَّه في بلاده. وقد نجح الشاب المرشد السياحي في تعريف السياح بالضوابط، بينما عَزَفَ عن ذلك المرشدون الوافدون، رغم وجود التعليمات والضوابط والتوجيهات.
لن يحرص على مصالح البلاد إلّا أبناؤها؛ لأنهم فقط الحريصون على أن تظل السياحة مصدر إيراد للدولة ومصدر رزقهم في آنٍ واحدٍ، وفي الوقت نفسه حرصهم على هويتهم العُمانية، وسيُخرِجُون هذه المعادلة وفق سياقات التعريف ببلادهم بكُليَّاتها المادية والمعنوية والروحية، بصورة شيقة، دون أن تكون وكأنها قيودًا على السائحين.
تعيش ظفار هذه الأيام موسم السياحة الشتوية للعام 2024، وأكثر السياح القادمين إليها من الدول الأوروبية، عبر السفن السياحية العملاقة أو الرحلات الجوية. وفي أفضل أعوامها السياحية وصل عدد السفن السياحية من أوروبا إلى 200 سفينة في السنة، وكل التوقعات تُشير إلى أنَّ قطاع السياحة في بلادنا سيكون المُوَلِّد الأكبر لفرص العمل.
لماذا؟ لأنَّ قطاع السياحة من بين 5 قطاعات تُعوِّلُ عليها رؤية "عُمان 2040" لكي تكون مصادرَ بديلة للنفط، والطريق إلى هذا الهدف الاستراتيجي يسيرُ بخطواتٍ مُتناغمةٍ في التطور، وإن كُنَّا نُطالب بإعادة النظر في المُستهدفات والاستثمارات المُخطَّط لها بعد نجاح مسيرة التطوير للفترة من (2021- 2025)، والتي يُتوَقَعُ لها أن ترفع مُساهمة قطاع السياحة في الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة إلى 920 مليون ريال، بحلول العام 2025؛ بما يمثل 2.75% إلى 3% من إجمالي الناتج المحلي.
ولكي نُعزِّزُ فرص العمل في قطاع السياحة في بلادنا، نحتاجُ لمسارين متوازيين؛ هما: الأول: تعمين مهنة المرشدين السياحيين لما سبق ذكره من أسباب، وكذلك لحاجتنا إلى التخفيف من ضغوط قضية الباحثين عن عمل. وفي هذا السياق، لم نعثر على إحصائية مُحدَّثة لأعداد المرشدين السياحيين في بلادنا، وإنما عثرنا على أرقام قديمة ترجع إلى عام 2019 وتحصر عددهم في أكثر من 340 مرشدًا؛ بما فيهم الوافدون. والثاني، أنَّ الحاجة للمرشدين السياحيين العُمانيين في تزايدٍ بفضل نمو السياحة في بلادنا، ومن هنا تنبع أهمية استغلال فرص العمل في قطاع السياحة.
وهذا ما يجعلنا في مقالنا اليوم، نلفت الأنظار إلى الاهتمام بها؛ فهناك فرص عمل كثيرة يُنتجها تطور السياحة، وشبابنا أولى بها، وهي وظائف مُستدامة ومُتجدِّدة، ولذلك نقترح أن يتم تحديد فترة زمنية ما بين متوسطة وقصيرة الأجل لتعمين مهنة المرشدين، وتأسيس جيل مهني عُماني لمهنة الإرشاد السياحي؛ سواءً عبر الدراسة الأكاديمية أو إيفادهم لمواقع سياحية كبرى لاكتساب الخبرات، وما نقترحه يتناغم تمامًا مع مُستهدفات رؤية "عُمان 2040" التي تضع قطاع السياحة ضمن أحد مصادر الدخل البديل في البلاد.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
شاطئ سميسمة.. قطر تطلق مدينة ترفيهية لتعزيز قطاع السياحة
أعلنت دولة قطر عن بداية مرحلة جديدة في تطوير قطاع السياحة والترفيه، حيث تم وضع حجر الأساس لمشروع المدينة الترفيهية الكبرى في منطقة شاطئ سميسمة الخميس.
ويهدف المشروع، إلى تعزيز مكانة قطر كوجهة سياحية عالمية، ويمثل خطوة مهمة ضمن جهود الدولة المستمرة لتنمية السياحة وتعزيز التنوع الاقتصادي، مع التركيز على تحقيق أهداف رؤية قطر الوطنية 2030.
تفاصيل المشروع
وتستند المدينة الترفيهية الجديدة إلى موقع استراتيجي يمتد على مساحة ضخمة تبلغ 8 ملايين متر مربع، وتتميز بإطلالة ساحرة على واجهة بحرية طولها 7 كيلومترات، سيتم تصميم المدينة لتكون مركزًا ترفيهيًا عالميًا يشمل مجموعة واسعة من الأنشطة السياحية التي تجمع بين الثقافة والترفيه والرياضة، مما يعزز من قدرة قطر على استقطاب الزوار من مختلف أنحاء العالم. ويعكس هذا المشروع سعي الدولة لتطوير بنية تحتية متكاملة تدعم السياحة المستدامة وتوفر تجارب فريدة للزوار.
ويمثل الالتزام بالاستدامة جزءًا أساسيًا من استراتيجية المشروع. من خلال الاعتماد على الأنظمة الذكية، سيتم استخدام تقنيات البناء الحديثة التي تساهم في تقليل البصمة البيئية، فضلاً عن استخدام المواد المحلية والمعاد تدويرها، بما يتماشى مع الاتجاه العالمي نحو التنمية المستدامة. سيجمع المشروع بين الابتكار البيئي وتقنيات البناء الحديثة لتحقيق أعلى معايير الاستدامة، وهو ما يعزز مكانة قطر في مجال السياحة البيئية.
وضعنا اليوم حجر الأساس للمدينة الترفيهية في مشروع شاطئ سميسمة؛ كخطوة جديدة ومهمة نحو تعزيز قطاع السياحة والترفيه في قطر. نسعى إلى أن يكون هذا المشروع مساندًا لتعزيز المشهد السياحي وداعمًا لتحقيق أهداف رؤية قطر الوطنية 2030. pic.twitter.com/mtl5mqVSyY — محمد بن عبدالرحمن (@MBA_AlThani_) November 20, 2024
تطوير قطاع السياحة في قطر
ويعتبر مشروع شاطئ سميسمة جزءًا من خطة قطر الأشمل لتطوير البنية التحتية السياحية، والتي تشمل العديد من المشروعات الكبرى التي تم الإعلان عنها مؤخرًا، مثل مشروعات سياحية وفندقية ضخمة تهدف إلى جذب الزوار من جميع أنحاء العالم.
تمثل هذه المشاريع تحولًا في قطاع السياحة القطري، حيث تهدف الدولة إلى التوسع في تقديم تجارب سياحية متنوعة، بما يتماشى مع الأهداف الطموحة لرؤية قطر الوطنية 2030، التي تسعى لتحويل الدولة إلى وجهة سياحية عالمية متكاملة.
الدور الاقتصادي والتنموي
تعد السياحة قطاعًا محوريًا في استراتيجية التنوع الاقتصادي لدولة قطر. فإلى جانب الأهداف السياحية، يمثل هذا المشروع أيضًا فرصة كبيرة لتعزيز الاقتصاد الوطني من خلال خلق وظائف جديدة في مجالات البناء، والتكنولوجيا، والضيافة، والترفيه. كما سيؤدي إلى تعزيز دور قطر كمنطقة جذب سياحي للزوار من جميع أنحاء العالم، مما يساهم في تحسين اقتصادها الوطني وتنويع مصادر دخلها بعيدًا عن النفط والغاز.