جريدة الرؤية العمانية:
2025-04-10@05:50:44 GMT

آفاق التحالفات الإقليمية المقبلة

تاريخ النشر: 24th, November 2024 GMT

آفاق التحالفات الإقليمية المقبلة

 

مسعود أحمد بيت سعيد

masoudahmed58@gmail.com

 

مُنذُ بَدء عملية "طوفان الأقصى" تنامى اعتقادٌ لدى بعض النخب الثقافية العربية بأن الموقف من الحرب العدوانية الإرهابية على الشعب الفلسطيني وبقية محور المقاومة، قد أفرز تيارين واضحين في الأمتين العربية والإسلامية، ويعتقد هؤلاء أنهما سيؤسسان قواعد سياسية جديدة لمجمل التحالفات الاستراتيجية المقبلة في عموم منطقة الشرق الأوسط كلها.

مدى دقة هذه التقديرات في رصد المتغيرات القادمة انطلاقًا من المعطيات القائمة هو ما سنحاول تسليط الضوء عليه، عبر التذكير بطبيعة البُنى الاقتصادية والاجتماعية التي تُحدِّد بشكل عام المسارات الأساسية في رسم التوجهات السياسية؛ سواءً في اللحظة الراهنة أو المستقبلية، دون إهمال البُعد الآيديولوجي في الاصطفافات السياسية المرحلية. وإذا أُخِذَت هذه الحيثيات في الاعتبار، لن يبقى من تلك التطلعات سوى النزعات المثالية والانتهازية، التي تُستخدم لتمويه التناقضات، ولا ريب أن إعطاء مثل هذه القضايا الأهمية التي تستحق قد يُسَهِّل استشراف الأفق القادم، وممكناته على كافة الصعد السياسية والتحالفية وغيرها. وبطبيعة الحال، فإن الظروف الاستثنائية وما يرافقها من إرهاصات قادرة على أن تُداعِب أحلامًا خيالية، جُلُّها تنطلق من فرضية ترى أن ترتيب الواقع نظريًا يُمكن من ترتيبه واقعيًا! غير أن وقائع الحياة العملية تدحض باستمرار مثل هذه التصورات القائمة على توليفات غير متناسقة شكلًا ومضمونًا، والتي تساهم في ستر الحقائق المُستوحَاة من التجربة التاريخية.

لن يحتاج المرء للكثير من الاجتهادات الفكرية لرؤية الأمور كما تجري من الناحية الفعلية، التي لم يطرأ عليها إلى الآن تغيير جدي في الرؤى والمواقف الآيديولوجية السابقة؛ فما زالت جميع الأطراف الفاعلة سلبًا وإيجابًا ترى في اللحظة الراهنة لحظة عابرة وتحالفاتها مؤقتة؛ الأمر الذي يجعل التمسُّك بالثوابت التقليدية- بصرف النظر عن مدى صحتها- أمرًا قائمًا. ومن يتتبع الخطاب السياسي والإعلامي يلحظ ذلك بيُسرٍ، وهذا في حد ذاته مؤشر أولي على ثبات القناعات الفكرية والسياسية التاريخية، باعتباره انعاكسًا لثبات المواقع الطبقية والتناقضات التاريخية، وأن أي جهد يسعى لتحري الحقيقة خلف الستار الكثيف من التلميحات والتصريحات المتناقضة، وعليه أن يُعطي المرتكزات المادية والفكرية، الأوليةَ، بحيث لا يغيب طغيان ركائز آيديولوجية راسخة قائمة على احتكار الحقيقة، وإكسابها الطابع الكُلي غير القابل للمراجعة والنقد العلمي، والتي تحمل في ذاتها ميكانيزمات تستبعد التقاطعات الاستراتيجية البعيدة.

هذا المدخل بخطوطه العامة قد يحمل في داخله مسارًا آخرَ صاعدًا، لم يأخذ مداه داخل الواقع الخاص لكل حالة، وهو بحاجة إلى المزيد من الوقت حتى تتضح معالمه بشكل كافٍ. وربما هذا أحد مكامن حذر القاعدة الجماهيرية العربية التي ما زالت- رغم عنف الصراع وتفاعلاته- تعيش تناقضًا حادًا بين الانحياز المُطلق لنهج تُعِدُهُ وسيلةً للخلاص من السيطرة الاستعمارية الكولونيالية، وبين الأطر القائمة التي لا تُشكِّل وجودَها حالة اطمئنان كافية. وبتناقضاتها تلك يتجلى وعي جدلي مُركَّب يستمد مشروعيته من مخزون نظري وعملي مُتجذِّر في تُربة الواقع الاجتماعي، ويتمظهر بين قُطبي المقاومة والتغيير الاجتماعي؛ كخيار استراتيجي وبين الضمانات التي يجب أن تصُب في مصلحتها اقتصاديًا واجتماعيًا وسياسيًا وفكريًا. ولا ضير من الاعتراف بأن مبعث تردُّدِها هو الإحساس الغامض بأنَّ كل ما هو مطلوب منها يُراد به تكريس خياراتٍ ما زال حولها جدل فلسفي وفكري وسياسي، ولم يُشكِّل يومًا عنصرَ إجماعٍ، لا في جانبه الفكري والفقهي، ولا في جانبه السياسي والتنظيمي؛ وهي معضلة بحاجة إلى الكثير من الممارسات النزيهة حتى تأخذ حيِّزها المُستَقِر في العقل والوجدان؛ بعيدًا عن توظيف الدواعي الآنية في بوتقة نعرات الماضي القاتلة.

ولعل المسألة الجوهرية في صياغة التحالفات القادمة، تتوقف بالدرجة الأولى على دور الأمة العربية في تجاوز الإخفاقات ولَمْلَمَة أوضاعها الذاتية والاعتراف بالهزيمة كمعطى موضوعي، وما نتج عنها من تِيهٍ، جعلها عرضةً للانتهاكات المزدوجة، وهو أمر طبيعي في ظل تفشي المشاريع القُطرية التي تتطلب ظهيرًا خارجيًا من ناحية، واستغلال المشروع الإمبريالي والصهيوني للحالة المتردية لبسط سيطرته المطلقة من ناحية أخرى. وما بينهما من حركة موازية للمشاريع الإقليمية الخاصة، وكلها تدور رحاها في فضاء الجغرافيا العربية المُنهكة بالحروب العبثية، بحيث لا تستطيع التحالفات المُجزَّأة صدها، مهما كانت مبررات اللحظة الراهنة؛ الأمر الذي يفرض ضرورة وأهمية إعادة الاعتبار للمشروع القومي، كإطار وَحْدَوِيٍ جامعٍ، وانتشالِ ما تبقى من شتات عوالم التقسيم الاستعماري بكل صعوباته وتعقيداته، وإطلاق الفعالية الفكرية والنقد الحُر الذي يطال الماضي والحاضر، دون محاذير مُسبَقة، حتى يُبحر العقل طليقًا في عالم المعرفة والحقائق العلمية والتحرر من التعصب البدائي الأعمى.

وعلى ضوء حركة الجدل بين الواقع والفكر، سيتضح مدى المساحات المشتركة مع الذات والآخر، بكافة أبعادها الإقليمية والدولية، ثم يأتي العمل السياسي ليؤطِّر حصيلة الإنتاج المعرفي، والاحتكام لشروط الزمان والمكان، وفق صيغ ومقاربات نيِّرة، تُفرزها عملية الجدل الموضوعي ومُتطلبات الواقع واستحقاقاته.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

فليك يطالب برشلونة بالتواضع والبقاء على أرض الواقع

 
برشلونة (رويترز)

أخبار ذات صلة فيليب لام: كرة القدم الإيطالية «سيارة فيراري منخفضة السرعة»! أنشيلوتي يحسم قراره بين فينيسيوس ومبابي قبل مواجهة أرسنال!


لم يخسر برشلونة أي مباراة هذا العام لكن مدربه هانز فليك لا يشعر بتفوق فريقه قبل ذهاب دور الثمانية لدوري أبطال أوروبا لكرة القدم ضد بروسيا دورتموند الأربعاء.
ويتصدر برشلونة الدوري الإسباني، متقدماً على ريال مدريد مع تبقي ثماني مباريات على نهاية الموسم، ويواجه غريمه التقليدي في نهائي كأس ملك إسبانيا هذا الشهر.
وقال فليك للصحفيين «يمكننا أن نحلم، لكن يتعين على اللاعبين والمدربين أن يتحلوا بالتواضع ويبقوا على أرض الواقع، وعلينا أن ننظر إلى ما حققناه، بناء على العمل الجاد، ويجب ألا يكون هذا هو النهاية، علينا أن نبذل قصارى جهدنا للمضي قدماً، ونريد أن نستمر بدون خسارة هذا العام، لكن يتعين علينا أن نؤدي بأفضل ما لدينا ضد منافس قوي للغاية».
وخسر دورتموند أمام ريال مدريد بطل أوروبا 15 مرة في نهائي الموسم الماضي، لكنه عانى محلياً هذا الموسم ويحتل المركز الثامن فقط بالدوري الألماني.
وتلقى ضربة أخرى هذا الأسبوع عندما تم استبعاد قلب الدفاع الألماني شلوتربيك حتى نهاية الموسم بسبب إصابة خطيرة في الركبة.
وقال المدرب الألماني «أفضل اللعب ضد الفريق الأفضل، أشعر بالأسف لغياب شلوتربيك وأتمنى له التوفيق، دورتموند يضم العديد من اللاعبين المميزين، وبلوغهم دور الثمانية له سبب وجيه، لن تكون للغيابات تأثير كبير عليهم».
وتلقى المدرب السابق لبايرن ميونيخ الألماني سؤالاً عن المهاجم البرازيلي رافينيا الذي شارك كبديل في تعادل برشلونة 1-1 على أرضه مع ريال بيتيس في الدوري الإسباني يوم السبت الماضي.
وسجل رافينيا (28 عاماً) 27 هدفاً وقدم 20 تمريرة حاسمة في 44 مباراة في كافة المسابقات مع برشلونة هذا الموسم.
وقال فليك «حاولنا بعد فترة التوقف الدولي، أن نجعله يستعيد لياقته البدنية، ما أراه في التدريبات هو نفسه ما رأيته سابقاً: إنه نشيط للغاية ويقظ وديناميكي، وهذا يُظهر جاهزيته لمباراة الغد». 

مقالات مشابهة

  • مستشار الرئيس الفلسطيني: مصر من اللحظة الأولى موقفها صارم ضد التهجير
  • زوجة تبحث عن إلزام زوجها بسداد نفقة ملبس لأطفالها بعد هجره لهم
  • التحديات الاقتصادية في لبنان: الواقع والآمال
  • فليك يطالب برشلونة بالتواضع والبقاء على أرض الواقع
  • العلاقي: على الليبيين لوم أنفسهم والقدر الذي وضعهم في هذا الواقع المتردي
  • عبدالفتاح البرهان: بين التحالفات المتعددة و العداوات المتجددة (2)
  • البيت الأبيض يُلغي مؤتمر ترامب ونتنياهو في اللحظة الأخيرة
  • القضية الكردية في خضم الصراعات الإقليمية
  • المثقف الإسلامي بين اللحظة واستشراف المستقبل.. معادلة الوعي والبناء الحضاري
  • سوسن بدر تتحدث عن النضج الفني وتُلمّح إلى اعتزالها