كيف نفعل الخير ويقبله الله؟.. علي جمعة يجيب
تاريخ النشر: 24th, November 2024 GMT
يسأل الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، كيف نفعل الخير؟ يقول سيدنا رسول الله ﷺ : «من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفّس الله عنه كربةً من كرب يوم القيامة، ومن يسّر على معسرٍ يسّر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلمًا ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه، ومن سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهّل الله له طريقًا إلى الجنة، وما جلس قومٌ في بيتٍ من بيوت الله يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده، ومن أبطأ به عمله لم يُسرع به نسبه».
وقال جمعة، فى منشور له عبر صفحته الرسمية بموقع التواصل الإجتماعي فيسبوك، أن رسول الله ﷺ صدق في تلك الوصايا الجامعة وهي سبعة «من نفّس عن مؤمنٍ كربةً من كرب الدنيا» مريض وقفت معه مديون سددت دينه، فقير أنهيت عوزه «من نفّس عن مؤمنٍ كربةً من كرب الدنيا» غارم مسجون أخرجته من سجنه، فعلت خيرًا نفّست فيه كربة فإن الله لا يُضيّعها عليك، ويوم القيامة يوم الكربات يحتاج كل واحدٍ منا إلى هذا التنفيس، ويريد أن يُنَفّسَ عليه يومئذٍ بين يدي المالك سبحانه وتعالى، افعل لآخرتك في دنياك، عمّر هذه الحياة الدنيا التي هي موطن امتحان وابتلاء لآخرتك، نفّس الكُرب عن الناس، أصلح بين الناس ففي ذلك تنفيسٌ للكربات.
وورد عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما عن سيدنا ﷺ أنه قال: «من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته» يعني إذا قمت بحاجة أخيك كنت مستجاب الدعاء، كنت محل نظر الله سبحانه وتعالى، رأيت الله وقد وقف معك، وهل بعد هذه المعية من خيرٍ ومن فضل؟ أبدًا والله فإن رب العالمين الذي معه كن فيكون، القادر على كل شيء يقف معك.
«ومن يسّر على معسر» والتيسير على المعسر إما بإنذاره وهو فرضٌ عليك، وإما بإسقاط دينه، ويجوز أن يكون ذلك من الزكاة فإذا أسقطت دينه أو أنذرته، وإسقاط الدين هنا ليس فرضًا عليك، ولكن هذا من القليل الذي يفوق فيه النفل الفرض، الفرض خيرٌ من النفل دائمًا، صلاة الظهر خيرٌ من السنة بعدها، صوم رمضان خيرٌ من صوم الاثنين والخميس مثلًا بعدها، ولكن إلا في هذه الحالة، وفي قليلٍ من أبواب الفقه نراها تتكرر كرد السلام فإن إلقاء السلام نافلة، ورد السلام واجب، وإلقاء السلام خيرٌ من رد السلام.
إذن فالفرض أفضل من النفل إلا في أمورٍ قليلة منها إسقاط الدين عن المعسر، وإن كان نفلًا فهو أفضل من الفرض، وسيدنا النبي ﷺ أمرنا بالإخوة، وأمرنا بستر عيوب الناس، وأمرنا ألا نفضح المسلمين، وألا نتكلم في أعراضهم رجالًا ونساء، وقال: «إذا رأيت أخاك على ذنب فاستره ولو بهدبة ثوبك» ما هذا الجمال والرقي عامله كابنك ؛ فلو فعل ابنك المعصية سترته ونصحته، وكان قلبك يتقطع عليه، افعل هكذا مع كل الناس فإن الله سبحانه وتعالى يسترك في الدنيا وفي الآخرة كما قال ووعدنا سيدنا ﷺ.
أما العلم فما بالكم بالعلم ﴿اقْرَأْ﴾ ، أول ما نزل ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾ ، ﴿وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾ ، ﴿وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ﴾ ، أمرنا بالعلم دائما، وهذه أمة علم ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلَمَاءُ﴾ ، ولم يقل أحد الأدباء على مر التاريخ، ولم يرد في حكمة الحكماء، ولا في كلام الأنبياء لم يرد أبلغ من هذا «من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهل الله له طريقًا إلى الجنة» يعني وأنت تذهب تشتري كتاب، أو تحضر درس علم، أو تذهب إلى جامعتك تُلقي الدرس، أو تستمع إلى الدرس فأنت في طريق الجنة، هذا تصويرٌ لم يتم إلا على لسان سيد الخلق وأفصح البشر ﷺ ، وكتاب الله هو محور حضارة المسلمين، «ما جلس قومٌ في بيتٍ من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم وأحاطت بهم الملائكة» والخير كل الخير «وذكرهم الله فيمن عنده» .
فاللهم يا ربنا اذكرنا فيمن عندك، ولا تجعل يا ربنا أعمالنا تُبطّئ بنا فإن أنسابنا لا تُسرع بنا فوفقنا إلى ما تحب وترضى، وأقمنا في العمل الصالح، وارض عنا، وانقلنا من دائرة سخطك إلى دائرة رضاك.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: الله فی طریق ا ل الله من کرب
إقرأ أيضاً:
علي جمعة: الفتن سببها العبد عن مراد الله في التلاعب بالألفاظ
قال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، انه في محاولة للبحث عن المخرج من الفتن التي تحيط بنا، والتي أرى أن سببها الأساسي البعد عن مراد الله في التلاعب بالألفاظ، والاستخفاف بأمر الطعام، ومعاجزة الله في آياته وكونه، وتقديم الإنجاز على الأخلاق.
واضاف جمعة، في منشور له عبر صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، ان نبحث عن النخبة كمحاولة للخروج من الفتن، تلك النخبة التي أرشدنا الله للاستفادة من خبرتها فقال تعالى : (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) , فالله تعالى أمرنا أن تكون لنا نخبة، فضيعنا النخبة، والنخبة قد تكون طاغية، وقد تكون صاغية.
أما الطاغية فالتي تأمر بالمنكر وتنهى عن المعروف وتتجبر في الأرض وتكفر بالله رب العالمين، وأما الصاغية فالتي صغت قلوبها لذكر الله لا تريد علوا في الأرض ولا فسادا، لقد استبدلنا بالصاغية الطاغية، أهلكنا الصاغية وأخرناهم عن القيادة وعن العمل في الحياة الدنيا وقدمنا الطاغية ثم بعد ذلك اختلط الحابل بالنابل، فلا الطاغية بقت ولا الصاغية حلت محلها وأصبح الناس شذر مذر لا ملأ لهم ولا أهل ذكر يرجعون إليهم ويلتقون حولهم.
كان هذا بدعوى الشعبية والديمقراطية، وأن العصر هو عصر تلك السماتالتي تخالف سنن الله في خلقه، ولا يقوم بها المجتمع ولا تستقر بها نفس ، فالتساوي المطلق الذي تدعو إليه الديمقراطية، هو أحد إفرازات النسبية المطلقة، وهو أمر مرفوض.
وأن القضاء على النخبة والدعوة إلى التساوي المطلق، قد تتضمن في طياتها هلاك العالم، وهناك مجموعة من النصوص التي يمكن أن تكون أساسًا لهذا المعنى، قال تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِى المَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انشُزُوا فَانشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) ، وقال تعالى : (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ) ، وقال تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِى الأَمْرِ مِنكُمْ) ، فجعل الله للناس رؤوسًا، وجعل ذلك طبقا لكفاءاتهم، ورغبتهم في الإصلاح دون الإفساد، ونعى على ذلك التصور الذي يكون فيه جميع الناس في تساو مطلق فقال : (لَّوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا) ، وقال : (وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ).
وعدم التساوي لا يعني أبداً عدم المساواة، فربنا يقول : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِى خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً).
وقال النبي ﷺ : (الناس كأسنان المشط) [رواه القضاعي في مسند الشهاب، والديلمي في مسند الفردوس] وقال ﷺ : (يا أيها الناس ألا إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على أعجمي، ولا لأعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود، ولا أسود على أحمر إلا بالتقوى) [رواه أحمد والطبراني في الأوسط والكبير].