ترأس متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الارثوذكس المطران الياس عودة، خدمة القداس في كاتدرائية القديس جاورجيوس، بحضور حشد من المؤمنين.

بعد الإنجيل قال في عظة: "سمعنا في المقطع الإنجيلي أن إنسانا دنا إلى يسوع مجربا، قائلا له: «أيها المعلم الصالح ماذا أعمل لأرث الحياة الأبدية؟» سؤال هذا الإنسان مهم، لأنه ينتظر جوابا بهدف الخلاص، لكن المشكلة كانت في سبب طرحه.

يقول النص إنه قصد الرب «مجربا له»، منتظرا منه أن يقول شيئا مخالفا لتعاليم اليهود وللناموس ليشتكي عليه بشهادة السامعين. لكن «العارف مكنونات القلوب» عرف أفكار الشاب وأجابه: «لماذا تدعوني صالحا وما صالح إلا الله وحده؟». عند اليهود، صفة «صالح» لا تطلق إلا على الله، لذلك سأل الرب الشاب عن سبب دعوته صالحا، كأنه يقول له: إما أنك تعترف بأني الله، أو إنك لا تعرف ناموسك. كان هدف الشاب أن يسمع من المسيح إلغاء للوصايا، لكن الرب ثبتها، وذكره بها معددا القسم الثاني منها. كان اليهود يعتبرون أن اللوح الأول من لوحي العهد كان يحوي الوصايا التي تتحدث عن علاقة الإنسان بالله، أما الثاني فيحمل الوصايا التي تحدد علاقة الإنسان بالآخر. لافت أن الرب ذكر الوصايا الموجودة في اللوح الثاني: «لا تزن، لا تقتل، لا تسرق، لا تشهد بالزور، أكرم أباك وأمك».

أضاف: "جاء جواب الرب بأن ميراث الحياة الأبدية يكون عبر تطبيق الوصايا حول علاقة الإنسان بالآخر. طبعا، لا يقصد الرب أن علاقتنا بالله ليست مهمة، إنما علاقتنا بالآخر تحدد علاقتنا بالله. هذا ما يؤكد عليه يوحنا في رسالته الأولى حيث نقرأ: «إن قال أحد إني أحب الله وأبغض أخاه فهو كاذب، لأن من لا يحب أخاه الذي أبصره كيف يقدر أن يحب الله الذي لم يبصره؟ ولنا هذه الوصية منه أن من يحب الله يحب أخاه أيضا» (4: 20-21). يأتي جواب الشاب سريعا: «هذه كلها حفظتها منذ حداثتي»، لكن الرب يعقب: «يعوزك أيضا شيء»، وكأنه يقول له إن حفظ الوصايا منذ الحداثة لا يعني العمل بها، لذلك ينقص تطبيقها والعيش بموجبها. لقد أتى الشاب طالبا سبيل الحياة الأبدية، فكان الجواب أن الحياة الأبدية تبدأ بمحبة القريب. لم يكتف الرب بجواب نظري، بل أعطى الشاب حلا عمليا طالبا منه أن يبيع كل ما يملك ويوزعه على المساكين ليكون له كنز في السماء، ثم «تعال اتبعني»، موضحا له كيف يكنز في السماء ويربح الحياة الأبدية. جواب الرب لم يأت كما أمل الشاب الذي «حزن لأنه كان غنيا جدا».  

وتابع: "المسيحية لا تجرم الغنى الذي هو عطية من الله. نجد في الكتاب المقدس عدة شخصيات غنية بارة كإبراهيم وأيوب ويوسف الرامي وغيرهم. المشكلة لا تكمن في الثروة بل في محبة المال كما يقول بولس الرسول: «محبة المال أصل لكل الشرور، الذي إذا ابتغاه قوم ضلوا عن الإيمان وطعنوا أنفسهم بأوجاع كثيرة» (1تي 6: 10). في مجتمعنا، الممتلكات تحدد علاقتنا بالآخرين. مثلا، عندما يتقدم شاب طالبا الزواج، لا يسأله الأهل عن علاقته بالرب، بل عما يملك، وعن عمله ووضعه الإجتماعي. كذلك من يملك ثروة يستحق الإحترام في أعين معظم الناس أكثر من المعدم. لكن الغنى ليس دائما مصدرا للفرح والسعادة إذ قد يشكل سببا للخوف والقلق. فبعض الأغنياء يصرفون العمر في تجميع الثروة والقلق من إمكانية فقدها فلا تكون مصدرا لسعادتهم أو سعادة غيرهم. يشدد آباء الكنيسة على أن كثرة الأموال تنسي الإنسان تدخل الله في حياته، إذ يظن أنها تستطيع تحقيق كل حاجاته. يقول القديس باسيليوس الكبير: «لم يخبرنا أن نبيع ما لنا لأنها أشياء شريرة بطبعها، وإلا ما كانت من صنع الله. لم يأمرنا أن نلقيها عنا كأمور رديئة بل أن نوزعها. لا يدان أحد لأنه يملك شيئا، إنما لأنه يفسد ما يملكه. لهذا، فإننا بحسب وصية الله نلقي عنا ما لنا لغفران خطايانا والتمتع بالملكوت». أما القديس يوحنا الذهبي الفم فيقول: «حتى إن كنت غنيا، فالطبيب قادر أن يشفيك. إنه لن ينزع الغنى، إنما ينزع العبودية للغنى ومحبة الطمع في الربح». غنى الشاب كان مصدرا لحزنه لأنه كان عائقا دون وصوله إلى ما يصبو إليه: الحياة الأبدية. قد يظن من يقرأ إنجيل اليوم أن كلام الرب موجه للأثرياء فقط وهذا ليس صحيحا، لأن كل إنسان لديه ما يتعلق به أو يستغني به. فمن طلب ملكوت الله عليه ألا يدع شيئا يتسلط عليه بل أن يجعل المسيح وحده مبتغاه. لذا نحن مدعوون في فترة صوم الميلاد، كما في سائر أيام حياتنا، إلى التحرر من عبودية المال وسلطته، وجعل الله غنانا علنا نرث الحياة الأبدية ونؤهل لأن نقدم أنفسنا هدايا ثمينة للطفل الإلهي المتجسد من أجل خلاصنا".

وقال: "مرت منذ يومين ذكرى الإستقلال حزينة، فارغة من معناها، لأن معظم اللبنانيين يشعرون بأن وطنهم يضيع واستقلالهم يتقهقر. لبنان مكبل، ضائع، بسبب النزاعات والإختلافات   والمصالح والتدخلات وعدم تطبيق الدستور وترك سدة الرئاسة خالية من رئيس هو بمثابة البوصلة والربان. قال الرب: «مرتا مرتا أنت تهتمين وتضطربين لأجل أمور كثيرة ولكن الحاجة إلى واحد. فاختارت مريم النصيب الصالح الذي لن ينزع منها» (لو 10: 41). النصيب الصالح هو ما يجب طلبه. لذا على اللبنانيين ألا يصرفوا أنظارهم عن الأمر الوحيد الذي يحميهم وهو وجود دولة قوية عادلة، ديمقراطية، دولة الدستور والقوانين، دولة العدالة والمساواة بين المواطنين، واحترام الحقوق والواجبات. دولة يتولى جيشها القيام بواجباته دون أن يشكك به طرف أو ينتقده آخر. ولكي تتحقق هذه الدولة نحن بحاجة إلى رجال دولة يضعون مصلحة البلد فوق كل المصالح. نحن بحاجة إلى يقظة وطنية لنخلص لبنان من الكارثة. إنقاذه وحمايته تبدآن بانتخاب رئيس يحمل صوت لبنان إلى العالم، وينتزع المبادرة من كل دخيل، ويعمل مع حكومته على تصويب الأوضاع وقيادة المفاوضات ورسم خطة الإنقاذ وبناء المؤسسات وجمع اللبنانيين تحت كنف الدولة التي وحدها تحمي أبناءها وتذود عنهم. لقد حان الوقت لوقف المقامرة بحياة اللبنانيين ومصير أبنائهم."

وختم: "حان وقت إنهاء المغامرة بهذا البلد من أجل أهداف لا تخصه، وإيقاف آلة الموت والدمار. حان وقت القرار الشجاع يتخذه الأمناء لهذا البلد ويعملون على استرجاع الدور كي نستحق استقلالا نحتفل به مرفوعي الرأس، مرتاحي الضمير. فلنتكل على الله الذي لا يخذل محبيه، وعلى ذوي الضمائر الحية والإرادة السليمة".

المصدر: لبنان ٢٤

كلمات دلالية: الحیاة الأبدیة

إقرأ أيضاً:

بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام

سأل الفنان حمزة العيلي، حول حكم الصيام لشخص يسافر غدا من المملكة العربية السعودية إلى مصر، في حين أن غدا عيد الفطر في السعودية والمتمم لشهر رمضان في مصر.

منشور حمزة العليلي

قال الفنان حمزة العيلي، في منشور على فيس بوك (أنا مسافر من السعودية بكره بمشيئة الله وهيكون عيد، وسفري الظهر على مصر، هوصل ألاقى الدنيا صيام، أفطر ولا أصوم؟

بدورها أكدت دار الإفتاء المصرية، أنه من المقرَّر شرعًا وجوبُ الصَّوم والفِطر على المكلَّفين بمجرد رؤيةِ الهلال؛ قال الله تعالى: ﴿فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾ [البقرة: 185].

استشهدت دار الإفتاء بما روي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال: سمِعتُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، يقول: «إِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَصُومُوا، وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ» متفقٌ عليه.

فإذا أذن الفجر على المسلم في السعودية في هذه الحالة، فله الفطر مع البلد الذي فيها، ولكن إذا سافر إلى مصر فلا يجب عليه الصيام إلا أنه يمتنع عن الفطر أمام الناس ويمسك معهم حتى الإفطار.

حكم مَن سافر إلى بلد تأخَّر فطرهم؟

وقالت دار الإفتاء إن مَن سافر إلى بلد تأخَّر فطرهم فعليه أن يُوافق أهل البلد في رؤيةِ هلال شوال؛ فيصُوم معهم وإن جاوز الثلاثين يومًا، وتكون هذه الزيادة في الصَّوم نفلًا، ولا يلزمه قضاءُ هذا اليوم لو أفطر أخذًا بمذهب من أجاز من الفقهاء، والأولى أن يقضيه خروجًا مِن الخلاف لكونه صار واحِدًا منهم.

وأوضحت أن المسافِر يلزمُه حكم أهلِ البلد الذين انتَقَل إليهم صومًا وإفطارًا؛ لأنَّه صار واحِدًا منْهم.

وقد أجمَعَ العلماءُ على أن الشهر إمَّا أن يكون تسعة وعشرين يومًا، وإمَّا أن يكون ثلاثين يومًا، فإذا صام الشخص أقلَّ مِن تسعة وعشرين يومًا فقد وجب عليه القضاءُ اتفاقًا؛ لأنَّ الشهر القمري لا ينقُص عن ذلك.

وأمَّا إذا كان المسافِرُ قد صام ثلاثين يومًا -وهو محل السؤال- فعليه أن يُوافِق الجماعة في الصَّوم ولو زاد عن ثلاثين يومًا، وتكون هذه الزيادة في الصَّوم نفلًا.

فإذا أفطر الشخصُ المسافِر هذا اليوم الزائِد عن الثلاثين: فلا يلزمه قضاؤه؛ لأن وجُوبه إنما هو على جهةِ الموافقة لأهل هذه البلد، وليس على جهة الوجوبِ عليه أصالة؛ ولأنه قد أتم صيام شهره.

وذكرت دار الإفتاء أن هذا الأوْلى للسائل قضاءُ هذا اليوم الزائد عن الثلاثين؛ خروجًا مِن خلاف مَن أوجب عليه القضاء، ولكونه صار واحِدًا منهم، فتجري عليه أحكامُهم.

مقالات مشابهة

  • ترامب يقول إنه واثق من ضم غرينلاند إلى أمريكا
  • استشهاد فلسطيني من طمون متأثراً بإصابته برصاص العدو واحتجاز جثمانه
  • استشهاد شاب من طمون متأثرا بإصابته برصاص الاحتلال
  • استشهاد شاب برصاص الاحتلال في بلدة طمون جنوب شرق طوباس
  • بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام
  • اليُتْمُ الذي وقف التاريخُ إجلالًا وتعظيمًا له
  • من الاكتئاب إلى المغامرة.. قصة جدة صينية عبرت القارات على دراجتها
  • عالم أزهري: توديع رمضان بالفرح والشكر لا بالحزن.. فيديو
  • من يريد إنهاء الأونروا… وما الذي يُخيفهم منها؟
  • عودة الحياة تدريجياً إلى أسواق مدينة معرة النعمان بريف إدلب بعد التحرير وعودة الأهالي إلى منازلهم