بقلم عمر العمر
كما الفيل تتمدد حربنا المُدمِّرة عبر المكان والزمان فتتضخم معها أسوأ كارثة إنسانية على سطح المعمورة . تحت دخانها يتصاعد إيقاع المُهجرين إذ بلغت أعدادهم نحو ثُلث السكان.المحنة آخذة في الاتساع على نحو يهدد بتحويل (سلة غذاء العالم) إلى أفدح بقعة للجوع يعرفها العالم إبان الأربعين سنة الأخيرة.
*****
الساسة كذلك كأطفال أمام فيل بحجم الوطن. السياسة لديهم سفسطة هراء خارج المنطق ،التاريخ ،الجغرافيا والواقع. هم طبول جوفاء لايصدر عنها قراءات موضوعية، ممارسة النقد الذاتي، الاعتراف بالخطأ والاعتذار للشعب.ما منهم من يتسلح بالحد الأدنى من عدة الكاريزما .غالبية النشطاء الجائلين في المعترك العام تغلب عليهم غريزة القطيع ، يدافعون أو يهاجمون بثوابت المواقف الصمدية المسبقة. تحت كل هذا الركام تندثر قنوات الحوار مثلما تضيع مصائر ملايين الهائمين في الفضاء محرومين من الشروط الدنيا للحياة المعاصرة.وسط الضجيج المتخذ لغة سياسية تحترق فرص كسب العيش أمام ملايين الشباب دع عنك بناء حيوات أسرية.الألاف من من أفراد الأُسر يتساءلون في لوعة من الوجع عمّا إذ كان ستتاح لهم فرص إعادة جمع الشمل قبل الممات.هذه همومٌ لا ترد على خاطر مقاولي السياسة وزبانية الحرب.فهم ماقرأوا مانديلا(الأمن هو أمن الناس ليس أمن الحكومات)
*****
بعض المحاججة على منابر السياسة لا تخرج عن اللجاجة.فإعادة انتاج التجارب الخاطئة لا يصبغ عليها صوابية.فالدفاع عن استيلاد نظام الإنقاذ الجنجويد استنادا إلى إرث سوداني قديم أو عُرف دولي يقفز فوق حواجز عقلانية.إذ استعانة الجيش بفرق من قبائل تضررت مصالحها من قبل جماعات رفعت السلاح في وجه الدولة كانت صفقات محدودة الزمكانية . الصادق المهدي لم يفلح في بسط مظلة الدولة على فرق عرب التماس في مواجهة حركة غرنغ. الدولة القابضة على قوام أمنها الوطني لا تركن إلى الاستعانة بميليشيات . الضباط الوطنيون يرفضون بناء أجسام عسكرية خارج ظل الجيش. الدول ذات المصالح عابرة الحدود تسمح ببناء ميليشيات بدوافع متعددة ليس بينها البتة استخدامها ضد شعوبها .في الغالب تستعين بها بغية إنجاز مهام قذرة وراء الحدود حماية لجنودها وهربا من المساءلات.فالميلشيات وليدة جراحات قيصرية حكومية،ليست نتاج مخاض مجتمعي
*****
الجنجويد صناعة إنقاذية صرفة هندستها الدولة ثم أصبغت عليها مشروعية دستورية بدوافع غلبت عليها حماية النظام وتحقيق غايات ليست وطنية.المفارقة المحزنة صمت الجنرالات ازاء التوغل في التعدي على هيبة الجيش. عمليات تسمين الميليشيا تمت تحت رعاية كل الضباط ، بل بمشاركة بعضهم و على حساب الجيش. النظام فتح مسارب الاستعانة بشتات حزام وسط الغرب الإفريقي . الغاية العليا لذلك حماية النظام ليس الوطن أو المواطن.المفارقة المحزنة حدوث تلك الممارسات بينما ظل الجيش جيشاً للنظام أكثر مما هو جيشٌ للدولة. حتى مع استفحال حرب الفجار لايزال السؤال مطر حا عمّا إذا ما هو جيشٌ قومي للوطن أم تنظيمٌ عسكري للحزب.؟ مما يعيد طرح التساؤل بقاءُ الجيش والجنجويد جناحين عسكريين للإنقاذ حتى وقت إنفجار حرب السعار.
*****
على الضفة المقابلة لا يشفع لاداء القوى السياسية الهزيل خروجُها منهكةً من تحت قبضة النظام القمعي.صحيحٌ أنها حققت بعضاً من إجازٍ إبان فترة مبكرة من المرحلة الانتقالية .لكن تركيبتها المسكونة بالهزال السياسي ساهم في قعودها على نحو لم تستوعب معه مكامن التربص بها .أكثر من ذلك غلب حسن النوايا حد السذاجة السياسية على أداء ومواقف طاقم افتقد حاسة الانفعال مع ما يسمى باللحظة التاريخية لثورة مجيدة. قعود حمدوك وطاقمه أفرغ الزخم الجماهيري من مضمونه الثوري حد الهبوط إلى درك الإحباط . مع انتشار الحرب فقدت الحركة المدنية ماتبقى من قواها فظلت تمارس السياسة فقط من على المنصات . هكذا انقطع الحبل السري بين القيادة والجماهير المبعثرة في ملاذات اللجوء على صعيدالداخل والخارج.
*****
لا أحد ينكر تدني الامكانات المادية للقوى السياسية .لكن ذلك لا يبرر ضعف مخيالها السياسي ووهن مساهماتها على صعيد العمل الجماهيري .فحتى في ظروف البعثرة الشعبية ثمة متسعٌ للتواجد الفعال وسط النازحين واللاجئين. هناك فرصٌ لبناء شبكة - مفوضية-للإغاثة ولو رمزية على نطاق معسكرٍ لتفقد حال النازحين إن لم يبلغ الجهد تحسين ظروفه . من المتاح بناء (مفوضية للتعليم ) تساهم في تأمين استقرار طلاب النازحين في عدد من الدول .فهناك طلاب يحتاجون إلى عون من أجل استكمال امتحاناتهم.بعض الدول لم تكن تمانع بل ربما رحبت بمثل ذلك النشاط. عددٌمن أندية الجالية انجزت تلك المهام ومثلها. هذه المفوضيات ربما تتيح فرص تمارين لكوادر دولة مرتجاة.
*****
البؤس الناجم بفعل الإنسدادالماثل في الأفق السوداني لا يتطلب بالضرورة معجزة لتحقق اختراقاً. ففي زمن المآسي يحقق بعض الناس أشياء مذهلة. الإنسان السوداني أثبت رغم تواضعه قدرات ليست عادية على الابداع ، النجاة والتغيير. فعبر تاريخه الطويل تدرّب على مخاضات وطنية ثم استئناف الحياة دوما من جديد.هكذا فعل من أجل الخلاص من الاستعمار التركي.كذلك فعل تجاه الحكم الاستعماري الثاني الثنائي.هكذا أنجز عند إطاحة أول نظام عسكري ثم عقب انتفاضتة على جعفر نميري ثم مع مناة -الانقاذ -الثالثة . طلق طبعي أم قيصري فلابد من الجنين .الأصل في الجراحة القيصرية إختزال معاناة المخاض .كيفما تنتهي هذه الكارثة فلا ملجأ إلا إلي الشعب بغية تثبيت سلطة قابضة .ربما يتعلّم السودانيون من هذه المحنة كيفية عدم التفريط في مصيرهم عبر النوايا الساذجة والثقة المفرطة في من لايستحق.
aloomar@gmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: من أجل
إقرأ أيضاً:
أوكرانيا: ارتفاع عدد قتلى وجرحى الجيش الروسي إلى 730 ألفًا منذ بداية الحرب
أعلن الجيش الأوكراني، اليوم الأحد، ارتفاع عدد قتلى وجرحى العسكريين الروس منذ بداية الحرب على أوكرانيا في فبراير 2022، إلى نحو 730 ألفا و740 جنديًا، بينهم 1020 لقوا حتفهم، أو أصيبوا، خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية.
وجاء ذلك وفق بيان نشرته هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الأوكرانية، في صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، وأوردته وكالة الأنباء الوطنية الأوكرانية (يوكرينفورم) اليوم الأحد.
أخبار متعلقة زلزال بقوة 4.9 درجات يضرب تيمور الشرقيةفرنسا: أوكرانيا يمكنها إطلاق صواريخ بعيدة المدى على روسيا .article-img-ratio{ display:block;padding-bottom: 67%;position:relative; overflow: hidden;height:0px; } .article-img-ratio img{ object-fit: contain; object-position: center; position: absolute; height: 100% !important;padding:0px; margin: auto; width: 100%; } أوكرانيا: ارتفاع عدد قتلى وجرحى الجيش الروسي إلى 730 ألفًا منذ بداية الحربخسائر روسيةوبحسب البيان، دمرت القوات الأوكرانية منذ بداية الحرب 9423 دبابة، منها 17 دبابة أمس السبت، و19209 مركبة قتالية مدرعة، و20765 نظام مدفعية، و1254 من أنظمة راجمات الصواريخ متعددة الإطلاق، و1004 من أنظمة الدفاع الجوي.
وأضاف البيان أنه تم أيضا تدمير 369 طائرة حربية، و329 مروحية، و19366 طائرة مسيرة، و2764 صاروخ كروز، و28 سفينة حربية، وغواصة واحدة، و29864 من المركبات وخزانات الوقود، و3679 من وحدات المعدات الخاصة.