سودانايل:
2025-01-24@06:59:24 GMT

الفيتو الروسي ومحاولة اغتيال نجيب محفوظ

تاريخ النشر: 24th, November 2024 GMT

ضجّت إذاعات الدنيا، في عام ١٩٩٤، حيث لم يكن في ذاك الوقت للأسافير وجود، وتساءل الناس عن دوافع تورط متهمين في محاولة اغتيال الأديب المصري الكبير نجيب محفوظ، الحائز على جائزة نوبل للآداب.مثل المتهمون أمام المحكمة، فكان خبر مثولهم حكاية تصلح رواية، فقد أثاروا الدهشة في النفوس، وصدمت حكايتهم الجميع؛ لأن الذين أرادوا اغتيال محفوظ، كانوا لا يجيدون القراءة والكتابة".


وروى المستشار أشرف العشماوي، القاضي المسؤول عن التحقيق في القضية في حوار تلفزيوني : "أن أحد المتهمين كان يتعثر في النطق باسم نجيب محفوظ، لدرجة أنه كان ينطق اسمه مقلوبا فكان يقول محفوظ نجيب، أي أنه لا يعرفه من الأصل»
.كانت جماعات الهوس الديني تستثمر في مناخات الجهل والفقر والبطالة، وتتاجر في تغييب العقول، ولا تتهاون في سفك دماء الأبرياء، لدرجة الشروع في اغتيال شخصٍ في قامة نجيب محفوظ، بواسطة مجموعة لم تقرأ له روايةً، لكنها صدقت مزاعم الجماعات، واقتنعت بتفسير قراءات المتطرفين للأدب، وتأثرت بنعيق فتاواها البائسة.
وفي السودان تستثمر ذات الجماعات اليوم في الجهل والتجهيل والتدليس والتضليل، فهي لا تخاطب عقولاً واعية، لكنها تخاطب عواطف ملتبسة، فانتظر ماذا ستكون الأجوبة إذا ما طرحنا سؤالاً حول سبب الترحيب بالفيتو الروسي ضد المشروع البريطاني حول السودان، هل قرأوا المشروع؟ هل فكروا في مضمونه؟ ما رأيهم إذا ما اكتشفوا أن المشروع يدعو لمحاسبة المتورطين في جرائم الحرب، لماذا يرفضون محاسبة متورطي الدعم السريع؟ وهل يرفضون انشاء مناطق مدنية خالية من السلاح لحماية الملايين من ضحايا العنف؟ البعض يقولون لك مناطق الجيش أكثر أمناً، لكن إلى متى؟ ماذا لو اندلعت معارك؟ ولماذا الفرار أصلاً من مناطق السكن والعمل؟ وهل سيكون الهروب أبدياً؟
أظنُّ وليس كل الظن اثمٌ أن مئات الآلاف لم يكلفوا أنفسهم عناء الاطلاع على المشروع البريطاني، ولو اطلعوا عليه لم يفهموه على طريقة " حافظين، لكن ما فاهمين، فهل فكروا في جدوى المشروع البريطاني بالنسبة لحياة ملايين السودانيين في الجزيرة؟ وهل فكروا في أن المشروع يطالب بفك الحصار عن مدينة الفاشر؟. وهل يعرفون دوافع روسيا، ولماذا وقفت وحدها، ولم تشاركها الجزائر ولا الصين في الموقف المريب؟ هل فعلاً وقفت روسيا لمصلحة السودان؟ أم هو موقفٌ جاء لمصلحة تدفق أسلحة الدوشكا والكلاشينكوف وطائرات الانتنوف على ساحات القتال للطرفين؟.
هل يا ترى يعلم هؤلاء أن السلاح الروسي هو الذي يتقاتل به الطرفان؟ وهو ذات السلاح الذي قتلوا به المواطنين في شرق الجزيرة والسريحة؟ أم تناسوا رغبة موسكو في إيجاد قاعدة على البحر الأحمر؟ أم أنها لم تكن تستقبل طائرات الذهب المهرب من الطرفين؟ لأم لم تخضع قضية السودان للمناورات السياسية مع الأزمة في أوكرانيا؟.
بكل جهل وعنجهية يقول البعض " روسيا يا اخت بلادي"، هؤلاء هم من ينطبق عليهم قول الفيلسوف الفرنسي غوستاف لوبون في كتابه " سيكولوجية الجماهير "أن العديد من خصائص الجماهير الخصوصية، من مثل سرعة الانفعال، والنزق، والعجز عن المحاكمة العقلية وانعدام الرأي الشخصي والروح النقدية والمبالغة في العواطف والمشاعر وغيرها، كل ذلك نلاحظه لدى الكائنات التي تنتمي إلى الأشكال الدنيا من التطور".
ويضيف " حين تكون السلطة غير منطقية، أو غير شرعية، أو استبدادية، أو فرعونية، حينئذ تسود ديناميات مرضية مثل الكذب والخداع والنفاق والعدوان السلبي واللامبالاة من جانب الجماهير". ليس غريباً سيطرة " عقلية القطيع" وعلو أصوات الغوغاء، والتهريج وانتشار الكتابات الهتافية التي تنتشر بتخطيط واعٍ من مراكز مهمتها صناعة التضليل وبضاعة التدليس، وخداع الجماهير،
وغالباً ما يسوقون هذه البضائع المسمومة في أوراق سلوفان جميلة المظهر عليها علامات الكرامة والوطنية، إلا أنها أبعد ما تكون عن ذلك، وإلا لماذا ينساق مواطن بسيط في الجزيرة وراء هتافات لفيتو روسي يفجر أنهر الدماء، متفرجاً على شلالاتها المتدفقة. تنتشر في أزمنة الجهل والتجهيل الأخبار الكاذبة، والمعلومات المضللة، وتنشط الجماعات التي تستثمر في الجهل في تلك المناخات، كانت مصر تعيش أحد حقب غيبوبتها، ضجيج غوغاء الجماعات الدينية والسلفية المتطرفة، فسبقت محاولة اغتيال محفوظ، حادثة اغتيال المفكر فرج فودة في الثامن من يونيو ١٩٩٢، وشهدت الحقبة ذاتها الحكم بارتداد د. حامد نصر أبوزيد وتفريقه من زوجته بسبب أفكاره التي لم تستوعبها العقول المغلقة، وقبل ذلك اغتالت الجماعة المتطرفة الرئيس المصري الأسبق محمد أنور السادات في السادس من أكتوبر عام ١٩٨١. بعد محاولة اغتياله قال «نجيب محفوظ " نحن من فشلنا في توعية الناس وتغيير مفاهيهمهم"،
ويرى كثيرون أن نجيب محفوظ، كان يرى أنه ليس المقصود بتلك الحادثة، لكن القصد اغتياله كرمز ثقافي، وبالتالي فإن قتله كان سيؤدي إلى صمت المثقفين وخوفهم».
وهنا في السودان نعيش حقبةً مشابهة لحقب الغيبوبة المصرية؛ في وقت تنتشر فيه وسائط التواصل الاجتماعي التي تسيطر عليها جحافل الحمقى، وتدير مشاهد مسرح العبث حيث امتلاء الفراغات بالغث من الهتافات، وشرر نافخات الكير، وعويل مستأجراتٍ نائحاتٍ.في المقابل تغيب قوى الاستنارة، ولا تقدم أطروحاتها البديلة، وتتعثر خطابات القوى المدنية، وتغيب الأصوات القليلة وسط جوقة الرجرجة والدهماء وبغاث الطير، فهل من عودة إلى تفكيرٍ هادئٍ ورزين كي يعود الوعي الغائب؟

فايز السليك  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: نجیب محفوظ

إقرأ أيضاً:

محفوظ عبدالرحمن ورحلة البحث عن مسلسل «أم كلثوم»

فى إطار احتفالية «الوفد» بمناسبة مرور خمسين عاما على رحيل «أم كلثوم»، كشف الكاتب الراحل محفوظ عبدالرحمن عن كواليس كتابة مسلسل «أم كلثوم»، موضحًا كيف تحول مشروع الكتابة إلى تحدٍّ فنى كبير، بعدما كانت فكرة العمل قديمة، بدأت الأمور تأخذ منحى جديًا عندما تواصل معه الراحل ممدوح الليثى، رئيس اتحاد الإذاعة والتلفزيون السابق، مقترحًا عليه العمل على مسلسل يروى سيرة حياة كوكب الشرق، بدأ عبدالرحمن رحلة بحث عميقة حول شخصيتها، ليكشف عن جوانب إنسانية وفنية لم تكن ظاهرة للجمهور، ليقدّم للمشاهدين صورة شاملة لهذه الشخصية الاستثنائية.

كشف الكاتب الراحل محفوظ عبدالرحمن عن تفاصيل عملية كتابة العمل، التى كانت بمثابة تحدٍّ كبير له، حيث أوضح أنه كانت لديه فكرة قديمة عن الشخصية، لكن الأمر بدأ بشكل جدى بعدما تواصل معه الراحل ممدوح الليثى، رئيس اتحاد الإذاعة والتلفزيون السابق، فى حادثة كان يذكرها دائمًا بكل حب، وقال عبدالرحمن: «كنت فى التليفزيون فى ممر طويل، وأتذكر أن ممدوح الليثى قال لى من بعيد: محفوظ، تعمل مسلسل عن أم كلثوم؟، فوافقت فورًا».

وأضاف الراحل عبدالرحمن: «فكرة العمل كانت فى البداية أن أكتب المسلسل عن أم كلثوم كفنانة، لكن مع البحث والتعمق فى شخصيتها، اكتشفت أن هناك الكثير من الجوانب الأخرى التى كانت بحاجة للكشف عنها، بدأت أقرأ عنها وأبحث بشكل مكثف، قابلت العديد من الأشخاص الذين عاصروها وعملوا معها، لكن لم أستفد كثيرًا منهم، ولكن عندما بدأت فى الاطلاع على الصحف والمجلات التى تناولت أم كلثوم، بدأت أفهم شخصيتها بشكل عميق، كانت الشخصية بالنسبة لى محورية، وأصررت على أن أكتب عنها فقط بعد أن أتعرف عليها جيدًا».

وكان التحدى الأكبر فى المسلسل هو تقديم أم كلثوم بالشكل الذى يليق بها، إذ كان عبدالرحمن مصرًّا على أن يتم تقديم الشخصية بصدق، وقال: «لأننى قروى وهى أيضًا قروية، كان من السهل علىّ أن أفهم شخصيتها وأقرب لها، هذا الارتباط الشخصى جعلنى أقدم أم كلثوم بالشكل الذى شعر به الجمهور، حتى أن بعض الأحداث مثل مشهد الوسام الذى حصلت عليه وأثر ذلك على عائلتها كان مشهدًا صادقًا للغاية، حيث كانت ردود الفعل المفاجئة تعكس التفاعل الحقيقى مع الشخصية».

وفيما يخص اختيار بطلة المسلسل، كشف الكاتب الراحل عن الصعوبات التى واجهته فى البداية، كان ترشيحه الأول للبطولة هو الفنانة نجلاء فتحى، ولكن سرعان ما اعترضت المخرجة إنعام محمد علِى علىَ هذا الترشيح، معتبرة أن ملامح نجلاء فتحى تتسم بطابع تركى، وهو ما لا يتناسب مع الشخصية المصرية الخالصة لأم كلثوم، ورغم اعتراضها، أصر عبدالرحمن على ترشيحها ولكن بعد اعتذارها عن قبول الدور، بدأت المخرجة فى البحث عن بديل.

الترشيح الثانى كان للفنانة سوسن بدر، التى كانت تتمتع بملامح مصرية خالصة، إلا أن المخرجة بعد جلسة عمل مشتركة لم تجد أن هذا الترشيح يتناسب مع الدور كما كانت تعتقد، لذلك قررت المخرجة التوجه نحو خيار آخر أكثر تحديًا، ورغم كون الفنانة صابرين لم تكن من نجمات الصف الأول فى ذلك الوقت، إلا أن المخرجة والممثلين قرروا تقديمها لتجسيد الدور، وهو ما أثبت نجاحه فى النهاية، حيث تمكنت من تقديم الشخصية بشكل متميز وحقيقى، خاصة بعد العمل المكثف والتعاون الوثيق مع محفوظ عبدالرحمن.

مسلسل «أم كلثوم» هو واحد من الأعمال الفنية التى أظهرت كيفية الدمج بين البحث والتوثيق والشخصية الفنية الكبيرة التى أثرت فى تاريخ الموسيقى العربية، وبفضل التعاون بين فريق العمل ورؤية الكاتب، تمكّن المسلسل من تسليط الضوء على الجوانب الإنسانية والإبداعية لشخصية أم كلثوم بشكل مميز، تاركًا بصمة كبيرة فى تاريخ الدراما المصرية.

 

 

 

مقالات مشابهة

  • "Wicked" يكتسح شباك التذاكر بـ 710 مليون دولار.. وصراع الجماهير يشعل مواقع التواصل!
  • ممول العدوان على غزة واستخدم الفيتو 51 مرة لصالح إسرائيل.. سجل أسود يلاحق بايدن بعد رحيله.. عاجل
  • سخرية ومحاولة سرقة.. تفاصيل تشوية وجه طالبة بـ 40 غرزة في الزيتون
  • محفوظ عبدالرحمن ورحلة البحث عن مسلسل «أم كلثوم»
  • المغرب يحصي 14 عملية اقتحام ومحاولة اقتحام لحدود سبتة ومليلية العام الماضي
  • أول تعليق من الإعلامي محمد سعيد محفوظ بعد تعرضه لحادث سير
  • نجيب الريحاني.. “الضاحك الباكي” الذي خطف القلوب في العصر الذهبي للفن المصري (تقرير)
  • نجل سالم الدوسري: فضل من الله محبة الجماهير لوالدي .. فيديو
  • سقوط سيدة أثناء بيع ذهب مسروق بالمعصرة
  • الضاحك الباكي.. ذكرى ميلاد الفنان نجيب الريحاني (فيديو)