الفيتو الروسي ومحاولة اغتيال نجيب محفوظ
تاريخ النشر: 24th, November 2024 GMT
الفيتو الروسي ومحاولة اغتيال نجيب محفوظ
فايز السليك
ضجّت إذاعات الدنيا، في عام ١٩٩٤، حيث لم يكن في ذاك الوقت للأسافير وجود، وتساءل الناس عن دوافع تورط متهمين في محاولة اغتيال الأديب المصري الكبير نجيب محفوظ، الحائز على جائزة نوبل للآداب. مثل المتهمون أمام المحكمة، فكان خبر مثولهم حكاية تصلح رواية، فقد أثاروا الدهشة في النفوس، وصدمت حكايتهم الجميع؛ لأن الذين أرادوا اغتيال محفوظ، كانوا لا يجيدون القراءة والكتابة”.
وروى المستشار أشرف العشماوي، القاضي المسؤول عن التحقيق في القضية في حوار تلفزيوني: “أن أحد المتهمين كان يتعثر في النطق باسم نجيب محفوظ، لدرجة أنه كان ينطق اسمه مقلوبا فكان يقول محفوظ نجيب، أي أنه لا يعرفه من الأصل.
كانت جماعات الهوس الديني تستثمر في مناخات الجهل والفقر والبطالة، وتتاجر في تغييب العقول، ولا تتهاون في سفك دماء الأبرياء، لدرجة الشروع في اغتيال شخصٍ في قامة نجيب محفوظ، بواسطة مجموعة لم تقرأ له روايةً، لكنها صدقت مزاعم الجماعات، واقتنعت بتفسير قراءات المتطرفين للأدب، وتأثرت بنعيق فتاواها البائسة.
وفي السودان تستثمر ذات الجماعات اليوم في الجهل والتجهيل والتدليس والتضليل، فهي لا تخاطب عقولاً واعية، لكنها تخاطب عواطف ملتبسة، فانتظر ماذا ستكون الأجوبة إذا ما طرحنا سؤالاً حول سبب الترحيب بالفيتو الروسي ضد المشروع البريطاني حول السودان، هل قرأوا المشروع؟ هل فكروا في مضمونه؟ ما رأيهم إذا ما اكتشفوا أن المشروع يدعو لمحاسبة المتورطين في جرائم الحرب، لماذا يرفضون محاسبة متورطي الدعم السريع؟ وهل يرفضون انشاء مناطق مدنية خالية من السلاح لحماية الملايين من ضحايا العنف؟ البعض يقولون لك مناطق الجيش أكثر أمناً، لكن إلى متى؟ ماذا لو اندلعت معارك؟ ولماذا الفرار أصلاً من مناطق السكن والعمل؟ وهل سيكون الهروب أبدياً؟
أظنُّ وليس كل الظن اثمٌ أن مئات الآلاف لم يكلفوا أنفسهم عناء الاطلاع على المشروع البريطاني، ولو اطلعوا عليه لم يفهموه على طريقة “حافظين، لكن ما فاهمين”، فهل فكروا في جدوى المشروع البريطاني بالنسبة لحياة ملايين السودانيين في الجزيرة؟ وهل فكروا في أن المشروع يطالب بفك الحصار عن مدينة الفاشر؟ وهل يعرفون دوافع روسيا، ولماذا وقفت وحدها، ولم تشاركها الجزائر ولا الصين في الموقف المريب؟ هل فعلاً وقفت روسيا لمصلحة السودان؟ أم هو موقفٌ جاء لمصلحة تدفق أسلحة الدوشكا والكلاشينكوف وطائرات الانتنوف على ساحات القتال للطرفين؟
هل يا ترى يعلم هؤلاء أن السلاح الروسي هو الذي يتقاتل به الطرفان؟ وهو ذات السلاح الذي قتلوا به المواطنين في شرق الجزيرة والسريحة؟ أم تناسوا رغبة موسكو في إيجاد قاعدة على البحر الأحمر؟ أم أنها لم تكن تستقبل طائرات الذهب المهرب من الطرفين؟ لم تخضع قضية السودان للمناورات السياسية مع الأزمة في أوكرانيا؟
بكل جهل وعنجهية يقول البعض “روسيا يا أخت بلادي”، هؤلاء هم من ينطبق عليهم قول الفيلسوف الفرنسي غوستاف لوبون في كتابه “سيكولوجية الجماهير” “إن العديد من خصائص الجماهير الخصوصية، من مثل سرعة الانفعال، والنزق، والعجز عن المحاكمة العقلية وانعدام الرأي الشخصي والروح النقدية والمبالغة في العواطف والمشاعر وغيرها، كل ذلك نلاحظه لدى الكائنات التي تنتمي إلى الأشكال الدنيا من التطور”.
ويضيف “حين تكون السلطة غير منطقية، أو غير شرعية، أو استبدادية، أو فرعونية، حينئذ تسود ديناميات مرضية مثل الكذب والخداع والنفاق والعدوان السلبي واللامبالاة من جانب الجماهير”. ليس غريباً سيطرة “عقلية القطيع” وعلو أصوات الغوغاء، والتهريج وانتشار الكتابات الهتافية التي تنتشر بتخطيط واعٍ من مراكز مهمتها صناعة التضليل وبضاعة التدليس، وخداع الجماهير،
وغالباً ما يسوقون هذه البضائع المسمومة في أوراق سلوفان جميلة المظهر عليها علامات الكرامة والوطنية، إلا أنها أبعد ما تكون عن ذلك، وإلا لماذا ينساق مواطن بسيط في الجزيرة وراء هتافات لفيتو روسي يفجر أنهر الدماء، متفرجاً على شلالاتها المتدفقة. تنتشر في أزمنة الجهل والتجهيل الأخبار الكاذبة، والمعلومات المضللة، وتنشط الجماعات التي تستثمر في الجهل في تلك المناخات، كانت مصر تعيش أحد حقب غيبوبتها، ضجيج غوغاء الجماعات الدينية والسلفية المتطرفة، فسبقت محاولة اغتيال محفوظ، حادثة اغتيال المفكر فرج فودة في الثامن من يونيو ١٩٩٢، وشهدت الحقبة ذاتها الحكم بارتداد د. حامد نصر أبوزيد وتفريقه من زوجته بسبب أفكاره التي لم تستوعبها العقول المغلقة، وقبل ذلك اغتالت الجماعة المتطرفة الرئيس المصري الأسبق محمد أنور السادات في السادس من أكتوبر عام ١٩٨١. بعد محاولة اغتياله قال نجيب محفوظ “نحن من فشلنا في توعية الناس وتغيير مفاهيهمهم”. ويرى كثيرون أن نجيب محفوظ، كان يرى أنه ليس المقصود بتلك الحادثة، لكن القصد اغتياله كرمز ثقافي، وبالتالي فإن قتله كان سيؤدي إلى صمت المثقفين وخوفهم.
وهنا في السودان نعيش حقبةً مشابهة لحقب الغيبوبة المصرية؛ في وقت تنتشر فيه وسائط التواصل الاجتماعي التي تسيطر عليها جحافل الحمقى، وتدير مشاهد مسرح العبث حيث امتلاء الفراغات بالغث من الهتافات، وشرر نافخات الكير، وعويل مستأجراتٍ نائحاتٍ. في المقابل تغيب قوى الاستنارة، ولا تقدم أطروحاتها البديلة، وتتعثر خطابات القوى المدنية، وتغيب الأصوات القليلة وسط جوقة الرجرجة والدهماء وبغاث الطير، فهل من عودة إلى تفكيرٍ هادئٍ ورزين كي يعود الوعي الغائب؟
الوسومالهوس الديني حرب السودان روسيا نجيب محفوظ
المصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: حرب السودان روسيا نجيب محفوظ
إقرأ أيضاً:
ما بعد الفيتو الروسي
ما بعد الفيتو الروسي
ياسر عرمان
أُشبع الفيتو الروسي تحليلاً وتخميناً بمعلومات صحيحة من مظانها الحقيقية وأخرى خاطئة عن قصد أو دونه من مختصين ومطلعين وأخرين قافزين بالزانة أو بالشباك، ليس لدي ما أضيفه ونحن نتعامل مع العلاقات الإقليمية والدولية في أخطر فترة يواجهها المجتمع والدولة السودانية الحديثة منذ نشأتها.
يجب ان نكون حذرين وصبورين في التعامل مع جيراننا الاقربين وفضائنا الحيوي وامتداداتنا في الجغرافيا السياسية والمصالح المتقاطعة سيما في البحر الاحمر والقرن الأفريقي وحزام الساحل الذي تشهد بعض بلدانه انهيار الدولة الوطنية مثلنا والاطماع في الموارد وغياب النواة الصلبة التي توحد التنوع وضبابية الرؤية وعدم وحدة القيادة.
الوطنيون حقاً يخشون على بلادنا من ثلاثة مصاير أولها اطالة امد الحرب وثانيها تقسيم شعبنا وارضنا وثالثهم الشيطان عودة النظام القديم في دولة هشة، وبحكم مشاركتي في قضايا الحرب والسلام وامتداداتها في العلاقات الاقليمية والدولية كتبت أكثر من عشرة مقالات في هذه القضية منذ بداية الحرب في محاولة للمساهمة في الحوار الهام بين قوى الثورة والتغيير حول كيفية الوصول إلى اطار متكامل وحزمة منسجمة لوقف وانهاء الحرب تضع الإغاثة قبل السياسية والحقوق الطبيعية قبل السياسية وتجعل من مخاطبة الكارثة الإنسانية وتطبيق مبدأ حماية المدنيين مدخلاً للعملية السياسية التي يجب ان تقوم في فضاء مفتوح قائم على حماية المدنيين ومشاركتهم وان تكون ذات مصداقية لا ان تقوم على الحلول التجارية السريعة القائمة على الربح والخسارة وغير المستندة على المبادئ والمؤقتة والهشة.
شهد الشهر الأخير بداية جديدة وصحيحة في أوساط القوى المدنية في التركيز على قضية حماية المدنيين ومخاطبة الكارثة الانسانية قبل الدخل في اي عملية سياسية لا توفر الامن والطعام والسكن والعلاج واتساع الفضاء المدني قبل الدخول في حوار يرقص على ساق قسمة السلطة.
ما بعد الفيتو الروسي
أصدر مجلس الأمن قرارين حول السودان ورغم انقسام المجلس فان الخمسة الكبار سمحوا بتمرير القرارين في شهري مارس ويونيو (٢٧٢٤- ٢٧٣٦)، عجز القرارين ناجم عن عدم توفر الآليات لتطبيقهم وعدم وجود بعثة سلام للفصل بين القوات والتحقق وصدروهما خارج الفصل السابع، ورغم ان الكارثة الإنسانية والنزوح واللجوء وجرائم الحرب في بلادنا هي الأكبر على مستوى العالم لكن يتهرب المجتمعين الاقليمي والدولي من التزاماتهم في ظل انقسامات حادة وقضايا أخرى تستأثر باهتماهم سيما أوكرانيا وغزة.
الكارثة الإنسانية وحماية المدنيين مدخل لوحدة قوى الثورة والعملية السياسية:
الكارثة الإنسانية وتطبيق مبدأ حماية المدنيين تشكلان الحد الادني لوحدة قوى الثورة وأساس الحقوق الطبيعية في الحياة والإقامة، وفي نفس الوقت تشكلان المدخل الصحيح للعملية السياسية القائمة على حق الشعب في حقوقه الطبيعية قبل السياسية وهي تحرج المجتمعين الأقليمي والدولي وتذكرهما بالتزاماتهم المنصوص عليها في المواثيق الاقليمية والدولية والقانون الإنساني والدولي.
مجلسي الامن الأفريقي والدولي يوفران الإجماع:
في ظل الانقسام الذي يشهده مجلس الامن الدولي علينا العمل مع اعضاء مجلس الامن الأفريقي وتصعيد خطابنا حول الكارثة الانسانية وحماية المدنيين في ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﻥ حتى يخرج مجلس الأمن والسلم الأفريقي بخارطة طريق ستجد القبول والإجماع في مجلس الامن الدولي كما جرت العادة في ظل الانقسام الحالي، بل يجب الدعوة لاجتماع في مقر الاتحاد الأفريقي بين مجلسي الامن الأفريقي والدولي كما تم من قبل وبعد اتفاق نيفاشا وقد عقد مجلس الامن الدولي اجتماع في نيروبي قبل الاتفاق وزيارة للخرطوم بعد الاتفاق ومن الضروري مشاركة الجامعة العربية في هذا الاجتماع.
المناطق الأمنة ام نزع السلاح؟ تقليص الفضاء المدني أم العسكري؟
مفهوم المناطق الامنة للمدنيين علينا طرحه في اطار توسيع الفضاء المدني وتقليص الفضاء العسكري وحق المدنيين في نزع السلاح من اماكن تواجدهم لا عبر تحديد مناطق معزولة تقلص الفضاء المدني وتوسع الفضاء العسكري ويجب ان يتم ذلك بتطبيق القانون الإنساني الدولي الذي يعطي المدنيين حرية الحركة ويطالب العسكريين بالخروج من المناطق المدنية حتى تكون آمنة، الأمن يعني انسحاب العسكريين وحصر تواجدهم وليس العكس، وفي اي ترتيبات مقبلة لوقف العدائيات او اطلاق النار سيطالب العسكريين بالرجوع لأماكنهم قبل الحرب برقابة وتحقق من بعثة السلام وهذا لن يتوفر إلا باتفاق الطرفين أو تطبيق الفصل السابع وفي الوضع الدولي الحالي وعدم الاهتمام بالسودان الحل هو في تصعيد الضغوط الداخلية والاقليمية والدولية معاً.
ولنا عودة.
الحقوق الطبيعية قبل السياسية
الإغاثة قبل السياسية
الثورة أبقى من الحرب
والنصر للجماهير
٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤
الوسومالفيتو روسيا مجلس الأمن الدولي ياسر عرمان