الصين وروسيا وإيران وكوريا الشمالية.. لماذا تخشى أميركا "تحالف الرعب"؟
تاريخ النشر: 24th, November 2024 GMT
يتناول هذا المقال المترجم عن موقع فورين أفيرز الأبعاد العسكرية للتحالف الناشئ بين الصين وروسيا وإيران وكوريا الشمالية، وهو محور يبدو أنه يثير الكثير من القلق في واشنطن.
وتجادل الكاتبة أوريانا سكايلر ماسترو، زميلة معهد فريمان سبوغلي للدراسات الدولية في جامعة ستانفورد، والباحثة غير المقيمة في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، أن هذا التحالف يفقد الولايات المتحدة أفضليتها العسكرية للمرة الأولى منذ عقود، ولكن الأهم أن واشنطن لم تجد بعدُ صيغة فعالة للتعامل معه بسبب مرونة الارتباط بين أعضائه وقدرتهم على التصرف مجتمعين وبشكل مستقل على السواء.
يضم هذا التحالف، الذي تقوده الصين افتراضيا، ثلاث دول نووية، ودولة رابعة يعتقد أنها تقف على العتبة النووية، وهو ما يخلق معضلة للقوة الأميركية المصممة على التعامل مع صراع كبير واحد في آن واحد، ولم تنخرط في جهود لاحتواء أكثر من قوة نووية في الوقت نفسه.
لذلك تدعو سكايلر واشنطن إلى التعامل مع الدول الأربع كمحور موحد حقيقي يهدف إلى تحدي الهيمنة الأميركية، بدلا من تضييع وقتها في التعامل مع كل دولة على حدة، واستشكاف طبيعة العلاقة التي تجمع هذه الدول مع بعضها البعض.
نص الترجمة:
في مؤتمر صحفي مشترك عقد في يونيو/حزيران 2024، أبدى وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، والأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ، قلقهما إزاء تعزيز العلاقات بين الصين وإيران وكوريا الشمالية وروسيا. ولا يعد الرجلان بدعا من السياسيين الأميركيين في ذلك الموقف، فقد أصبح الاتفاق غير الرسمي بين هذه الأنظمة الأربعة موضع اهتمام في واشنطن، ووصفه المسؤولون الديمقراطيون والجمهوريون على السواء بأنه "محور شر جديد".
ويشير المحللون إلى أن هذه البلدان تنسق النشاط العسكري والدبلوماسي بينها، وتتبنى خطابا متشابها، ولديها مصالح مشتركة، ويبدو أنها تشترك في هدف واحد رئيسي هو إضعاف الولايات المتحدة.
يتمتع كل بلد من هذه البلدان بمفرده بقدرات هائلة، ولكن تظل الصين هي اللاعب المركزي في هذا التكتل، فهي تمتلك العدد الأكبر من السكان والاقتصاد الأكبر حجما، وهي التي تقدم أكبر قدر من المساعدات. وتعد بكين الحليف التجاري الرئيسي لكوريا الشمالية، كما ساعدت إيران في التعامل مع العقوبات الدولية، ووقعت اتفاقية "شراكة إستراتيجية شاملة" معها عام 2021.
وبشكل لا يقل أهمية، قدمت الصين لروسيا أكثر من 9 مليارات دولار من السلع ذات الاستخدام المزدوج -السلع ذات التطبيقات التجارية والعسكرية- منذ غزو الأخيرة لأوكرانيا. وقد حال هذا الدعم دون انهيار الاقتصاد الروسي، رغم العقوبات الغربية الهادفة إلى شل قدرات موسكو الحربية (تشكل البضائع الصينية حاليا 38% من الواردات الروسية).
ولكن الصين لا تريد أن يُنظر إليها باعتبارها زعيما لهذا التكتل، بل لا تريد حتى أن يُنظر إليها كعضو فيه من الأساس. ففي أبريل/نيسان 2023، زعم رئيس مجلس الدولة الصيني، لي تشيانغ، أن "العلاقات الصينية الروسية تلتزم بمبادئ عدم الانحياز وعدم المواجهة وتجنب استهداف طرف ثالث". وقبلها في عام 2016، أكد فو ينغ، نائبُ وزير الخارجية الصيني أن بكين "ليس لديها أي مصلحة" في تشكيل "كتلة معادية للولايات المتحدة أو معادية للغرب من أي نوع". وبناءً على ذلك، امتنعت الحكومة الصينية حتى حينه عن توقيع معاهدات دفاعية مع إيران وروسيا، حتى إنها عملت أحيانا ضد مصالح إيران وكوريا الشمالية وروسيا في الصراعات الدولية.
هناك سبب واضح وراء هذا الغموض، فالصين تريد أن تحل محل الولايات المتحدة كقوة مهيمنة في العالم، ورغم أن الشراكة مع إيران وكوريا الشمالية وروسيا تساعد بكين في هذا الجهد، فإن الثلاثي يمكن أن يقوض أهدافها أيضا. فمن ناحية، تساعد الدول الثلاث في إضعاف واشنطن من خلال جذب مواردها وتشتيت انتباهها عن بكين، لكنها من ناحية أخرى تثير عداوات شديدة مع جيران أقوياء لا تريد الصين تنفيرهم مثل ألمانيا واليابان والمملكة العربية السعودية. ونتيجة لهذا، يتعين على المسؤولين الصينيين أن يسيروا على خط رفيع بين توثيق علاقتهم مع هذا المحور بما يكفي للسيطرة عليه وتوجيهه، دون الوصول إلى الحد الذين يتحملون فيه المسؤولية عن سلوكياته.
المؤسف أن الولايات المتحدة تسمح للصين بالحصول على أفضل ما في الأمرين. لقد ركزت واشنطن تركيزا زائدا على استكشاف ما إذا كانت هذه البلدان ستشكل تحالفا دفاعيا تقليديا، وذلك بغية فهم النهج الريادي الحالي الذي تنتهجه بكين في التعامل مع شراكاتها ومدى نجاح هذا النهج.
لكنْ في ظل الترتيب الحالي، تتسبب إيران وكوريا الشمالية وروسيا في إحداث المتاعب للغرب. ولأن أيا من هذه الدول ليس حليفا رسميا للصين، فلا يمكن محاسبة بكين على أفعالها. الأخطر أن هذا المحور يقسم التحالف الأميركي، حيث يرفض العديد من أصدقاء الولايات المتحدة، المنشغلين بمثيري المشكلات في مناطقهم، الانضمام إلى واشنطن في منافستها ضد بكين.
هذا النهج الصيني سيكون فعالا في حالة نشوب حرب، فإذا اضطرت بكين وواشنطن إلى المواجهة، فإن المحور أصبح الآن قويا بما يكفي ومنسقا في الشؤون العسكرية بحيث يمكنه خوض قتال مشترك وهزيمة الولايات المتحدة. ولأن دول المحور ليست كتلة متناسقة بإحكام، فقد تشن بسهولة صراعات منفصلة تؤدي إلى تقسيم الموارد الأميركية، وتشتيت انتباه حلفاء الولايات المتحدة، وبالتالي مساعدة الصين على الانتصار.
لذا يتعين على واشنطن أن تغير مسارها، فبدلاً من محاولة تخمين مدى قرب هذه البلدان من بعضها البعض أو العمل على تمزيقها، يتعين على الحكومة الأميركية أن تبدأ في التعامل معها باعتبارها كتلة واحدة، وتشجيع حلفائها في مختلف أنحاء العالم على القيام بالمثل. ويتعين عليها أيضا أن تتعامل مع الصين باعتبارها قائد هذا المحور، سواء أكان هذا هو الواقع فعليا أم لا.
قدم في الداخل وأخرى في الخارج
بحلول عام 1950، ومع اندلاع الحرب الباردة، أبرم الحزب الشيوعي الصيني والحزب الشيوعي السوفياتي معاهدة صداقة وتحالف ومساعدة متبادلة لمدة 30 عاما. هذه المعاهدة التي أُبرمت في أعقاب انتصار الشيوعيين على القوميين في الحرب الأهلية الصينية، تم تأطيرها من قبل الطرفين على أنها التقاء طبيعي بين دولتين اشتراكيتين ثوريتين.
وعلى هذا النحو، دعت المعاهدة بكين وموسكو إلى الدفاع عن بعضهما البعض والتشاور "بشأن جميع القضايا الدولية المهمة التي تؤثر على المصالح المشتركة للاتحاد السوفياتي والصين".
ولكن على صعيد الممارسة العملية، سرعان ما أصبحت العلاقات بين البلدين أكثر تعقيدا، فقد تعاونت الدولتان في كثير من الأحيان، وكان أبرز ميادين تعاونهما دعمَ مؤسس كوريا الشمالية كيم إيل سونغ في حربه ضد جارته الجنوبية. لكن البلدين اختلفا حول الأحقِّ بقيادة الكتلة الشيوعية، وقد تجلى ذلك في تنافسهما على تسليح فيتنام الشمالية، ومقاومة الصين للجهود السوفياتية الرامية إلى إحداث انفراجة مع الولايات المتحدة.
واليوم أصبحت علاقة الصين مع خصوم أميركا تدور تحت شعار "قدم في الداخل وأخرى في الخارج". من ناحية أخرى، هناك الكثير من التعاون، على شاكلة قيام بكين في عام 2021 بتجديد معاهدة الدفاع المشترك بينها وبين كوريا الشمالية، وشرائها نحو 90% من النفط الإيراني عام 2023.
وفي غضون ذلك تجري الصين وإيران وروسيا مناورات بحرية مشتركة منتظمة في خليج عمان. وفي عام 2018، وافقت الصين على الانضمام إلى روسيا في مناورة عسكرية وطنية تدرب فيها الجيشان، من بين أمور أخرى، على كيفية التعامل مع حرب محتملة في شبه الجزيرة الكورية.
ولكن على الجانب الآخر، لم تؤيد الصين غزو أوكرانيا ولم تقدم لروسيا مساعدة عسكرية مباشرة في هذا الصدد، بل إن الخارجية الصينية اعتبرت أن لقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون في يونيو/حزيران الماضي وتوقيعهما على معاهدة تتضمن دعم بعضهما البعض عسكريًا إذا تعرض أيٌّ منهما للهجوم، مسألةٌ ثنائية بين موسكو وبيونغ يانغ.
وعندما اشتبكت الإمارات العربية المتحدة مع إيران حول مناطق السيادة البحرية، أصدرت بكين بيانًا مشتركًا مع الإمارات أعلنت فيها دعمها "لحل سلمي". وفي يناير/كانون الثاني 2024، طلب المسؤولون الصينيون من نظرائهم الإيرانيين الحد من هجمات الحوثيين على الشحن في البحر الأحمر، في إشارة إلى أن استمرار الهجمات يعرض علاقاتهما الاقتصادية للخطر.
خلال الحرب الباردة، دفعت الصين ثمنًا لإرسال رسائل مختلطة إلى حليفها السوفياتي، وبمرور الوقت، ابتعدت موسكو عن بكين، مما أدى في النهاية إلى ما يسميه المحللون الانقسام الصيني السوفياتي. ولكنْ في هذه المرة، تستفيد بكين بشكل أمثل من موقفها "المزدوج"، حيث تحصل على الغاز الطبيعي من روسيا بخصم 44% مقارنة بما تدفعه أوروبا. ولم توقع إيران على خطاب يدين الصين بسبب عنفها ضد الإيغور في شينغيانغ، وعرضت على بكين الدعم السياسي لسيطرتها على هونغ كونغ ومطالباتها بجزيرة تايوان.
في الوقت نفسه، تمكنت بكين من الحفاظ على علاقات جيدة مع معظم حلفاء الولايات المتحدة. مثلا، لا تدعم كوريا الجنوبية، ولا اليابان إلى حد بعيد، جهود الردع الأميركية ضد الصين بشكل كامل، حيث تظل بكين الشريك التجاري الأكبر لكلا البلدين. وحتى الاتحاد الأوروبي لا يزال يشعر بالراحة في تداول أكثر من 800 مليار دولار من البضائع مع الصين في عام 2023، بنسبة 15% من إجمالي تجارته. وخلال زيارته للصين في عام 2023، قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إن بلاده لن تتبع الولايات المتحدة بشكل أعمى في الأزمات التي لا تهمها، في إشارة إلى تايوان، بينما أكد المستشار الألماني أولاف شولتز في مناسبات عديدة أن برلين ليست جزءًا من كتلة جيوسياسية ولن تنضم إلى واحدة. وبالمثل، لم تُعرّض شراكة الصين مع إيران علاقاتِها مع دول الخليج أو إسرائيل للخطر.
نظام الفوضى
في البداية، قد يبدو الأمر وكأن النهج المختلط الذي تنتهجه الصين تجاه إيران وكوريا الشمالية وروسيا مقبول لدى الولايات المتحدة. ففي ظل الوضع الراهن، لا تقدم الصين لروسيا مساعدات عسكرية صريحة لمهاجمة أوكرانيا، وتستمر في دعم الحلول الدبلوماسية لوقف البرنامج النووي الإيراني، وفي الوقت نفسه، قد تعمل العلاقة بين الاتحاد الأوروبي وبكين على تعديل سلوك طهران على المدى البعيد.
ظاهريا، يُعد الوضع الراهن أفضل من السيناريو الذي تقدم فيه بكين الدعم الكامل لهذه البلدان. ولكن لا ينبغي للمسؤولين الأميركيين أن يطمئنوا إلى هذا الوضع، بالنظر إلى حقيقة أن التباعد بين الصين وشركائها أو تقاربها مع الغرب لم يضع قيودا حقيقية على بكين. ربما تلوّح الصين بإصبعها أحيانا في وجه إيران أو تنتقد روسيا بهدوء، ولكن عندما يحين الوقت، فإنها تقدم قدراً هائلاً من المساعدة لهذه الدول. على سبيل المثال، دعمت بكين حملة تضليل في عام 2022 زعمت فيها أن المختبرات البيولوجية الأوكرانية الممولة من الولايات المتحدة كانت تصنع أسلحة بيولوجية، وهو ما قدم مبررا لغزو أوكرانيا. كما تعمل الصين وشركاؤها معا لتحدي لغة حقوق الإنسان التقليدية التي تستخدمها المؤسسات الدولية، بحجة أن مفاهيم مثل الحريات المدنية وسيادة القانون هي مفاهيم غربية حصرا.
لكنّ دعم بكين لهذه الدول يتجلى -أكثر ما يتجلى- في مسائل الأمن والدفاع، حيث زودتها بالتكنولوجيا العسكرية المتطورة، كما شاركت الصين المعلومات الاستخباراتية مع روسيا، بما يشمل شبكتها الواسعة من الأقمار الصناعية، مما ساعد جهود موسكو العسكرية. وفي المقابل، تزود موسكو بكين بمليارات الدولارات من الأسلحة سنويا، الأمر الذي أثمر تحسنا في قدرة الصين على استهداف الطائرات والقواعد والسفن الأميركية. كما قدمت موسكو لبكين التقنيات التي يمكن استخدامها لتطوير أو تعزيز إنتاجها المحلي من الأسلحة.
كنتيجة جزئية لهذا التعاون، فقدت الولايات المتحدة أفضليتها العسكرية للمرة الأولى منذ عقود، فالصين وحدها لديها جنود نشطون أكثر من واشنطن، كما تمتلك بكين وموسكو معا سفنا حربية ودبابات أكثر منها. ونظرا لمدى استعداد البلدين للتعاون، فهناك فرصة جيدة لأن تتغلبا على القوات الأميركية إذا قاتلتا معا في مسرح عسكري واحد، كأن تساعد الصين وروسيا كوريا الشمالية في حرب ضد جارتها الجنوبية، أو تساعد روسيا الصين في شن هجوم على تايوان.
أكثر من ذلك، ربما يكون "التحالف الرباعي" قادرا على إحداث حالة من الفوضى عبر القتال بشكل منفصل (على مسارح متعددة) في وقت واحد. وسوف تعاني الولايات المتحدة لتحقيق النصر في حرب متزامنة على جبهتين، حيث صُمم جيشها لخوض حرب واحدة مع ردع نشوب الصراعات الإقليمية الأصغر. وهذا يعني أنه إذا كانت الحروب مستعرة في أوروبا، والشرق الأوسط، وفي شبه الجزيرة الكورية، وتايوان، فسوف تضطر الولايات المتحدة إلى ترك كل مسارح الحرب، باستثناء مسرح واحد، من أجل الدفاع عن وضعها، على الأقل في البداية.
صحيح أن العديد من حلفاء الولايات المتحدة يمتلكون جيوشا قادرة على محاربة أعضاء "المحور الصيني"، لكن في ظل انشغالهم جميعا بمواجهة "شياطينهم" الإقليمية فإنهم سيترددون في مساعدة الدول الأخرى في صراعاتها. وفي حالة اندلاع حرب متعددة الجبهات، فسيرغب هؤلاء الحلفاء في الاحتفاظ بقواتهم في الداخل للدفاع عن النفس، ويعني هذا أن واشنطن لن يكون بمقدورها الاعتماد على حلفائها لمساعدة القوات الأميركية حين تحتاج إلى ذلك.
على سبيل المثال، إذا ركزت الولايات المتحدة على الدفاع عن تايوان بينما كانت كوريا الشمالية تحاول الاستيلاء على كوريا الجنوبية، فإن سول وطوكيو لن ترغبا في تقديم الدعم لواشنطن. والواقع أن المخاوف بشأن كوريا الشمالية جعلت الجارة الجنوبية تتردد فعليا بشأن السماح للقوات الأميركية المتمركزة داخل حدودها باتخاذ أي إجراءات خارج شبه الجزيرة الكورية. ومن المؤكد أن أوروبا، التي تحاول حماية علاقاتها التجارية، ستظل بعيدة عن مثل هذا الصراع.
وبالمثل سوف تعاني الصين لمساعدة شركائها في معاركهم الخاصة إذا اضطروا إلى مواجهة الولايات المتحدة، ودليلها في ذلك درس تاريخي قاسٍ. فخلال الحرب الأهلية الصينية، خسر الشيوعيون تايوان جزئيا لأنهم اختاروا مساعدة كوريا الشمالية، الأمر الذي أعطى الرئيس الأميركي هاري ترومان، الوقت لإرسال الأسطول السابع إلى مضيق تايوان، ولن يرغب الرئيس الصيني الحالي شي جين بينغ في تكرار هذا الخطأ.
ومع ذلك، سيكون كل واحد من أعضاء المحور الصيني قادرا بمفرده على خلق أزمات تستهلك موارد واشنطن وحلفائها، دون إطلاق صراعات محفوفة بالمخاطر وكاملة النطاق. والأهم أن جميعهم يمتلكون القدرة على منح بكين ميزة نوعية دون الانضمام إلى حربها الخاصة. مثلا، يمكن لروسيا أن تساعد الصين على تحمل حصار الطاقة من خلال إرسال النفط والغاز عبر البر، وذلك عبر خط أنابيب "سيبيريا – المحيط الهادي" الذي يرسل النفط الروسي إلى الأسواق الآسيوية، والقادر على تصدير 35 مليون طن سنويا إلى الصين، ومن المقرر أن ترتفع طاقته إلى 38 مليونا في عام 2025. كما يمكن لموسكو المساهمة برأس مالها وعمالتها لمساعدة الصين في التصنيع، وتمتلك الدولتان بالفعل أنظمة تصنيع مشتركة تشمل صناعة الأسلحة.
وإذا ما اختارت موسكو أن تصبح أكثر انخراطا في حرب بين الولايات المتحدة والصين، فسيخلق ذلك صداعا أكبر لواشنطن. على سبيل المثال، يمكن للطائرات المقاتلة الروسية أن تجري دوريات جوية دفاعية مشتركة مع القوات الصينية، كما فعلت في الماضي، بما قد يجعل الولايات المتحدة تحجم عن ضرب الأهداف الصينية، للحيلولة دون الدخول في صراع مباشر مع روسيا. وبغض النظر عن درجة تورط روسيا، فإن شراكتها مع الصين تضيف ديناميكية جديدة مرعبة إلى الحسابات الأميركية.
ففي الماضي، لم تضطر الولايات المتحدة قط إلى التعامل مع أكثر من منافس نووي في وقت واحد، لكن عليها الآن أن تتعامل مع موسكو وبكين معا. ومن المؤسف بالنسبة لواشنطن (والعالم)، أن محاولات منع الصراع مع إحدى هاتين القوتين من شأنها أن تقوض الردع ضد الأخرى. حدث ذلك سابقا حين وقعت الولايات المتحدة معاهدة الصواريخ النووية متوسطة المدى مع الاتحاد السوفياتي في عام 1987 بهدف تحييد صواريخه النووية المنطلقة من الأرض. لقد نجحت المعاهدة بالفعل في خفض التوترات بين البلدين، لكنها في المقابل تركت الصين بلا قيود، مما ساعدها على اكتساب ميزة كبيرة في مجال الصواريخ الباليستية متوسطة المدى. ويمكن أن تمنح المفاوضات المستقبلية بين أي دولتين من الدول الثلاث؛ الدولةَ الثالثة حافزا جديدا لتوسيع الانتشار النووي.
في سلة واحدة
في ضوء ذلك، اقترح بعض الإستراتيجيين الأميركيين أن على الولايات المتحدة أن تسعى لتقسيم هذا المحور للتعامل معه، وهو نهج وجد آذانا صاغية لدى المسؤولين الأميركيين. ففي مارس/آذار 2023، على سبيل المثال، سعى بلينكن إلى دق إسفين بين بكين وموسكو، مصرحا بأن روسيا "هي الشريك الأصغر" في العلاقة مع الصين. وتعود جذور هذه السياسة إلى الحرب الباردة عندما عملت واشنطن على تقسيم المحور الصيني السوفياتي، ومع تزايد التباعد بين بكين وموسكو، أنشأ الدبلوماسيون الأميركيون قنوات اتصال مع نظرائهم الصينيين، مما أدى إلى إجراء الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون زيارة إلى الصين في عام 1972 أثمرت إقامة علاقات رسمية بين واشنطن وبكين بعد 7 سنوات، وفي نهاية المطاف تعاون البلدان معا في التجسس على السوفيات.
لكن في عالم اليوم، من المرجح أن تكون مثل هذه الجهود غير مجدية، فالتحالف الحالي (مع روسيا وإيران وكوريا الشمالية) يوفر للصين الدعم السياسي، وإمدادات الطاقة، والتكنولوجيا التي لا تستطيع الحصول عليها من الغرب. والواقع أن محاولة إقناع أي من هذه البلدان بأن حلفاءها الحاليين يشكلون تهديدا أكبر من الولايات المتحدة؛ غيرُ فعّالة بقدر ما هي حمقاء. وبدلا من محاولة تقسيم هذه الكتلة، يتعين على واشنطن أن تفعل العكس: أن تُعامل أعضاءها على أنهم مترابطون تماماً، بما يعني أن "السلوك السيئ" من أحد أعضائها يؤدي إلى فرض عقوبات على الجميع.
وبدلاً من فرض عقوبات حصرية على الشركات الصينية التي تدعم المجهود الحربي الروسي، على واشنطن أن تعامل الدولة الصينية ككيان داعم للروس وتفرض قيودا اقتصادية ضدها، وتخبرها أن تلك القيود ستظل قائمة إلى أن تأتي روسيا إلى طاولة المفاوضات، وسوف تصرخ بكين بأنها لا تملك أي نفوذ على موسكو، وربما يكون هذا هو الحال بالفعل، ولكن مع تحملها المسؤولية، ستعمل بجدية أكبر لاكتساب النفوذ الذي تحتاجه للضغط على روسيا بنجاح.
إن وضع الصين وحلفائها في سلة واحدة يساعد واشنطن أيضاً على توحيد تحالفها الخاص. ربما لا تدرك أوروبا بشكل كامل التهديد الذي تشكله بكين للنظام الدولي، لكنها بالتأكيد تفهم المخاطر التي تشكلها موسكو. ومع ذلك، لم تبذل الولايات المتحدة ما يكفي من الجهد لإقناع الدول الأوروبية بالسبب الكامن وراء ارتباط الصين وروسيا على نطاق واسع، بل أكدت بدلاً من ذلك على الروابط المحدودة التي تربط بكين بالغزو الروسي لأوكرانيا. وإذا ما نجحت واشنطن في توضيح منظورها للعلاقة الأوسع، فسيكون الأوروبيون أكثر ميلا إلى أخذ التحدي الأمني الذي تشكله بكين على محمل الجد، وأكثر استباقية في محاولة تشكيل سلوكها.
ومع ذلك، ينبغي للولايات المتحدة أن تتجنب النهج الأيديولوجي، وأن تبتعد عن تأطير المنافسة الحالية بوصفها مواجهة بين الديمقراطيات والأنظمة الاستبدادية، فحتى الشركاء الديمقراطيون في العالم النامي مثل البرازيل وإندونيسيا وجنوب أفريقيا، لن تعجبهم هذه الصيغة. والحقيقة، أن الفضل في نجاح الصين في بناء شبكتها الواسعة من الأصدقاء يعود إلى تجنبها الصدام مع الأنظمة، والتركيز بدلا من ذلك على التنمية. وفي خطاباته الموجهة للمستمعين الأجانب، يحب الرئيس شي جين بينغ أن يبرز احترام بكين "لسيادة الدولة"، والتزامها "بعدم التدخل"، ورغبتها في رؤية الدول الفقيرة تنمو وتزدهر.
ويبدو أن العالم النامي يستمع إلى صوت الزعيم الصيني، ففي صيف عام 2024، عندما التقى الرئيس شي مع خوسيه راموس هورتا، رئيس تيمور الشرقية -وهي دولة صغيرة فقيرة ولكنها ديمقراطية- أعلن راموس هورتا أنه لا يهتم بالتنافس بين القوى العظمى أو ماهية حلفاء بلاده، وقال إنه إذا كانت الصين قادرة على تخفيف الفقر وسوء التغذية في تيمور الشرقية، "فإن بكين ستكون البطل بالنسبة له".
يجب على واشنطن أن تتعلم من كتاب بكين، فإذا كانت تريد أن تكون زعيمة العالم بأسره، وليس فقط العالم الحر، فستحتاج إلى كسب الدعم من الجميع، بما يشمل الدول غير الديمقراطية (وفقًا لمنظمة فريدوم هاوس، يعيش 80% من سكان العالم في دول غير حرة أو حرة جزئيًا فقط). ويعني ذلك أن على الولايات المتحدة أن تكون أكثر مرونة، وأن تصمم عروضها ورسائلها لمعالجة ما يهتم به كل بلد على حدة. هذه العملية لا تشمل فقط تقديم المساعدات، ولكن أيضا المساهمة في الأنواع الصحيحة من المشروعات، مثل تلك المتعلقة بالرعاية الصحية والتعليم العالي والأمن السيبراني، كما تنطوي أيضا على المزيد من المشاركة الدبلوماسية والتعاون العسكري والعلاقات الثنائية بين الشعوب.
صحيح أن الولايات المتحدة وحلفاءها ربما يدفعون الصين إلى إقامة علاقات أقوى مع إيران وكوريا الشمالية وروسيا من خلال فرض المزيد من الضغوط عليها، لكن بكين تستفيد فعليا بشكل كبير من هذه العلاقات، وبالتالي ليس أمام واشنطن خيار سوى اتخاذ موقف أكثر صرامة. والحقيقة أن أي شيء تفعله الولايات المتحدة لفرض تكاليف على الصين فسوف يزعجها، والطريقة الوحيدة لتجنب ذلك هي منحها ما تريده، وهو السيطرة الإقليمية على تايوان، والسيادة في بحر الصين الجنوبي، والهيمنة الاقتصادية والعسكرية والسياسية في آسيا. ولا يمكن لواشنطن أن تتراجع عن تكبيد الصين ثمن مساعدة الفاعلين السيئين، وخاصة عندما يمنحها هذا التراجع القدرة على الادعاء أنها بعيدة عن الصراع.
المصدر: الموقع بوست
كلمات دلالية: وإیران وکوریا الشمالیة على سبیل المثال فی التعامل مع على واشنطن أن الصین وروسیا هذه البلدان بکین وموسکو هذا المحور الصین على هذه الدول یتعین على الصین فی مع إیران مع الصین إذا کانت أکثر من فی حرب فی عام من هذه
إقرأ أيضاً:
سؤال يؤرق واشنطن.. صنع في المكسيك أم الصين؟
في عام 2023، أظهرت بيانات التجارة الخارجية الأميركية تحولا واضحا، ولأول مرة منذ عشرين عاما تتخطى المكسيك الصين، وتصبح أكبر مصدر للولايات المتحدة، بقيمة وصلت إلى 475 مليار دولار.
هذا التفوق المكسيكي، يأتي في سياق أوسع عنوانه حرب تجارية بين واشنطن وبكين، لتحصد المكسيك مكاسب هذا النزاع بعدما وقعت اتفاقية تجارة حرة بداية عام 2020 مع الولايات المتحدة وكندا.
هذه الاتفاقية جعلت الاستثمارات الأجنبية تتدفق لولايات البلد اللاتيني، إذ وجد الصينيون عبر المكسيك طريقا معفى من الجمارك نحو الولايات المتحدة.
برنامج "الحرة تتحرى"، الذي تثبه قناة "الحرة" رصد مساعي بكين للالتفاف على رسوم الجمارك الأميركية، وكيفية التفاف الشركات الصينية وإخفاء بلد المنشأ لبضاعتها، للتحايل على اتفاق التجارة الحرة بين دول أميركا الشمالية.
الباحث الاقتصادي في جامعة جورج مايسون الأميركية، أومود شكري يقول إنه خلال إدارتي دونالد ترامب الأولى، وجو بايدن وبهدف حماية الصناعة الأميركية فرضت واشنطن رسوما جمركية عالية على الواردات من الصين كالسيارات الكهربائية وألواح الطاقة الشمسية.
وأضاف أن الصين تحاول تجاوز التعريفات الجمركية، ونقلت مصانعها قرب الحدود الأميركية، لتصدر منتجاتها إلى الولايات المتحدة بشعار "صنع في المكسيك".
ديفيد غانتس، محام في التجارة الدولية وزميل جامعة أريزونا قال إن هذا يسمى بـ "النقل القريب، بأن تنقل الشركات الأميركية أو الأوروبية أو الآسيوية، مصانعها إلى المكسيك حيث تكاليف العمالة منخفضة وسهولة الشحن للسوق الأميركية شديدة القرب، هذه ممارسة مستمرة في المكسيك منذ أكثر من 30 ثلاثين عاما وفي السنوات الأخيرة، اتبعتها شركات صينية كثيرة.
وعلى مدى العقدين الماضيين، بذلت بكين جهودا كبيرة للاستثمار حول العالم، وأينما تشرق الشمس، يوجد استثمار صيني، الذي سيستفيد بالطبع من موقع المكسيك، شديد القرب من السوق الأميركية، على ما يؤكد جيانغ جي شي وهو أستاذ شؤون أميركا اللاتينية بجامعة شنغهاي الصينية.
مصدر قلق للإدارة الأميركية واشنطن زادت الرسوم الجمركية على البضائع الصينية . أرشيفيةويشرح الباحث الاقتصادي شكري لماذا يشكل هذا الأمر مصدر قلق للولايات المتحدة، إذ أن المنتجات الصينية مثل أنظمة السيارات الكهربائية الحديثة، الصينية وغيرها، تشمل كاميرات وأجهزة استشعار، وهذا قد يمثل تهديدا للأمن القومي، فهذه الأنظمة، تجمع معلومات وبيانات، وإن كان صاحب السيارة، من موظفي الحكومة، أو أجهزة الاستخبارات، فقد يتم جمع معلومات عن مكان عمله.
وفي ربيع 2024، فرضت الإدارة الأميركية، تعريفة جمركية، على واردات صينية، بقيمة ثمانية عشر مليار دولار، والتي شملت قائمة الصلب، وأشباه الموصلات، والسيارات الكهربائية.
وقال الرئيس الأميركي، جو بايدن حينها إنهم "أحيانا يسرقون براءات الاختراع، عبر هجمات سيبرانية، وهذا موثق ومعروف دوليا، عندما تتبع تكتيكات كهذه، فهذا غش، وليس منافسة".
بايدن لنظيره الصيني: منافسة أميركا والصين يجب ألا تتحول إلى نزاع أعلن الرئيس الأميركي المنتهية ولايته جو بايدن السبت خلال اجتماعه الثنائي الأخير مع نظيره الصيني شي جين بينغ أنه يتعين على الولايات المتحدة والصين بذل كل ما في وسعهما لمنع المنافسة بينهما من "التحول إلى نزاع".اتهامات واشنطن لبكين، بإغراق السوق الأميركية ببضائع مقلدة، ورخيصة الثمن، ليست جديدة.
ورسوم بايدن، جاءت كجزء من حرب تعريفات جمركية، بدأها دونالد ترامب، عام 2018، وهو العام ذاته، التي سجلت الولايات المتحدة فيه، عجزا تجاريا مع الصين، بأكثر من 400 مليار دولار.
الرئيس الأميركي، ترامب قال في تصريحات وقتها "هذا يعني أن الصين، تمثل أكثر من نصف عجزنا التجاري، وهو الأكبر، الذي تشهده أي دولة في التاريخ، وهو أمر خارج عن السيطرة، لذا سنعمل على حل هذه المشكلة".
ومن وقتها، توالى فرض التعريفات، من الجانب الأميركي.
وقال المحامي غانتس إن "الرسوم الجمركية تتراوح بين 7 و25 في المئة، على بضائع قيمتها 350 مليار دولار، من الصادرات الصينية إلى الولايات المتحدة، فرضها ترامب قبل ست سنوات، وواصلها بايدن قبل أشهر، بتعريفة تبلغ 100 في المئة، على السيارات الكهربائية المستوردة مباشرة من الصين لأميركا، وهي قليلة العدد حاليا".
رغم انتقادها لإجراءات واشنطن، ردت الصين بتعريفات على صادرات أميركية، بقيمة 100 مليار دولار، شملت منتجات من الأغذية والغاز الطبيعي، إلى السيارات والطائرات.
وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، هوا تشون ينغ حينها إن "التصرف بعشوائية وتهور، خطأ وانعدام للمسؤولية، ما زلنا نتمنى أن يلتقي المسؤولون من الجانبين، لحل تلك القضايا، عبر الحوار البناء والتفاوض".
"الأبواب الخلفية" الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين تتنامى. أرشيفيةوبعد عامين من التفاوض، أبرم الجانبان اتفاقا، لكن بكين، ووفقا لتقارير أميركية، لم تلتزم ببنوده.
ويبين تقرير لمعهد بيترسون للاقتصاد الدولي بواشنطن أنه "بموجب الاتفاق، وافقت الصين على توسيع مشترياتها من سلع وخدمات أميركية، بمقدار 200 مليار دولار، بين الأول من يناير 2020، ونهاية ديسمبر 2021، وفي النهاية، اشترت الصين 58 في المئة فقط، من مجمل ما التزمت بشرائه وفق الاتفاق".
إضافة لذلك، لجأت شركات صينية لأبواب خلفية، للوصول إلى السوق الأميركية، دون دفع رسوم جمركية.
وقال شكري إن "الحكومة الصينية، وبغرض الالتفاف على التعريفات، أنشأت مصانع جديدة في كل دول العالم، كفيتنام، لإنتاج بضائع تحمل شعار، صنع في فيتنام، ولتخطي رسوم دخول السوق الأميركية أو الأوروبية، كهدف أساسي".
هل تنجح خطة ترامب الجمركية في كبح جماح الصين؟ آراء متباينة حول تبعات السياسات الاقتصادية، وبخاصة التعريفات الجمركية، التي ينوي الرئيس المنتخب دونالد ترامب تطبيقها لدى دخوله البيت الأبيض يناير المقبل.كانت فيتنام، أول تطبيق لهذه الممارسة، في بداية الأزمة، ويشير غانتس إلى أنه "إذا نظرت لبيانات التجارة الأميركية، فإن الواردات من فيتنام مثلا، والتي انتقلت إليها شركات كثيرة من الصين، زادت بشكل كبير في العامين الماضيين، ومن المؤكد أن الزيادة، بضائع بها مكونات صينية، أو هي إنتاج صيني كامل".
ووفقا لإحصاءات واشنطن الرسمية، تضاعفت صادرت البلد الآسيوي، إلى الولايات المتحدة، من 49 مليار دولار عام 2018، إلى 114 مليارا عام 2023.
لكن فيتنام، لم تكن منفذ الصينين الوحيد، باتجاه السوق الأميركية، ومنذ بداية الاشتباك الجمركي، بين واشنطن وبكين، تزايدت الاستثمارات الصينية في المكسيك، خاصة مع انضمام الأخيرة، لاتفاقية تجارة حرة، مع جارتها الشمالية.
استثمارات بالملياراتوفي عام 2023، نشرت الحكومة المكسيكية تقريرا، يشير لتعهد بكين، باستثمارات تتعدى، 12 مليار دولار.
فيكتور غاو، محام ونائب رئيس مركز الصين للعولمة في بكين قال إن "الحكومة المكسيكية منفتحة للغاية، ما سهل جذب الاستثمارات الصينية، إضافة لذلك، ساعد كون المكسيك، جزءا من منطقة التجارة الحرة في أميركا الشمالية، ألا يقتصر الإنتاج على سوقها المحلي، بل يُصدّر للولايات المتحدة وكندا، وكذلك لكل أميركا الجنوبية".
استثمارات بكين، لم تكن أمرا جديدا، فإحصاءات الحكومة المكسيكية تشير، إلى وجود صيني ضئيل نسبيا، وصل البلاد قبل نحو 25 عاما.
وهو ما يكشفه موقع وزارة الاقتصاد المكسيكية، الذي يلفت إلى أنه "في الفترة من يناير1999، إلى يونيو 2024، تلقت المكسيك ما مجموعه 2.48 مليار دولار، كاستثمارات أجنبية مباشرة من الصين".
لكن تقارير أميركية قدرت حجم هذه الاستثمارات، بنحو خمسة مليارات دولار، ضختها بكين في المكسيك، منذ عام 2007، أي ضعف المعلن رسميا.
كيف ستؤثر عودة ترامب على العلاقة مع الصين؟ في أعقاب لقاء الرئيس الأميركي جو بايدن بنظيره الصيني "شي جين-بينغ" في عاصمة البيرو قبيل انطلاق اعمال قمة العشرين، أكدت بكين أنها ستسعى جاهدة لضمان انتقال سلس في علاقاتها مع واشنطن، وأنها مستعدة للعمل مع إدارة الرئيس المنتخب دونالد ترامب.إنريكي دوسيل بيترز، وهو أحد أبرز الاقتصاديين المكسيكيين، المؤيدين لاستثمارات الصين في بلاده، يقدر الأرقام بأعلى منذ ذلك بكثير.
ويشير بيترز وهو مدير مركز الدراسات الصينية المكسيكية "في تقريرنا، سجلنا 22 مليار دولار، من الاستثمارات الصينية في المكسيك، بين عامي 2000 و2023، في حين تسجل المصادر المكسيكية الرسمية، مليارين ونصف المليار دولار".
الفارق الكبير بين تقدير دوسيل، والأرقام الرسمية، والذي يصل لتسعة أضعاف، فسرته دراسة أممية، نشرت قبل أكثر من عشر سنوات، وأفادت بأن الكثير من الاستثمارات الصينية، تصل عبر دول وسيطة، تصنف كملاذات ضريبية.
تعد أميركا اللاتينية ومنطقة الكاريبي، وجهة مهمة للاستثمار الأجنبي الصيني المباشر، والذي يتركز بشكل شبه كامل في الملاذات الضريبية، بإجمالي يبلغ 31 مليار دولار، ومع ذلك، فإن أكثر من 90 في المئة منها، تتركز في جزر كايمان وجزر العذراء البريطانية.
وقال بيترز إنه "إذا ضخ مستثمر صيني، أمواله عبر دولة ثالثة، ولتكن الولايات المتحدة، فإن المصادر الرسمية، تعتبره استثمارا أميركيا وليس صينيا، أما نحن ولأننا نعلم أنها شركة صينية، فإننا نسجلها كذلك".
كيف أخفت شركات صينية جنسية بضائعها؟ مصانع مكسكية تغزو المكسيك. أرشيفية - تعبيريةفي عام 2016، وقبل بدء الحرب التجارية، بين واشنطن وبكين، أسس الصينيون مدينة صناعية، باسم مجمع هوفوسان، في ولاية نويفو ليون المكسيكية، إلا أن انطلاقتها الفعلية، بدأت بعد حرب الرسوم الجمركية.
عشرات الشركات، قررت نقل خطوط إنتاجها، إلى المجمع، الذي لا يبعد سوى 200 كلم، عن الحدود الأميركية.
مدير منظمة كينترا للصناعيين بنويفو ليون، خوان بابلو غارسيا أكد أنه "واقع نلمسه، استثمارات جديدة، تتدفق من كل الدول، إلى نويفو ليون، وشركات موجودة في الولاية، تزيد استثماراتها، لمواكبة النمو والنشاط الاقتصادي، والتصدير شمالا، إلى الولايات المتحدة".
خبراء: الصين مركز جديد لغسيل أموال كارتلات المكسيك حذر خبراء خلال جلسة استماع بالكونغرس الأميركي من أن شبكات متنامية مختصة بتبييض الأموال في الصين باتت تغذي وباء الإدمان على المخدرات الذي أضحى أكبر قاتل لفئة الشباب في الولايات المتحدة، وفقا لما ذكرت صحيفة "التايمز" البريطانية.وعندما دفعت طفرة التجارة، المكسيك، لأن تصبح أكبر مصدر للسوق الأميركية، عام 2023، أظهرت بيانات الملاحة الدولية، زيادة لافتة، في حركة الشحن البحري، من الصين، إلى البلد اللاتيني.
وتظهر بيانات منصة زينيتا لتحليل بيانات الشحن البحري أنه في يناير 2024 ارتفع نمو الطلب على واردات الشحن بالحاويات من الصين إلى المكسيك، بنسبة 60 في المئة، ما زاد الشكوك في أن المكسيك، أصبحت بابا خلفيا إلى الولايات المتحدة.
ويؤكد مدير مركز الدراسات الصينية المكسيكية، بيترز أن هذه "الشركات تطرح منتجاتها داخل المكسيك، وبعضها يدمج بضائعه في صادرات المكسيك، لأكثر من 100 دولة، ولكن 80 في المئة من صادرات المكسيك تذهب للولايات المتحدة بالطبع".
لكن خبراء صينيون، يدعون نبل الغاية من وراء هذه الاستثمارات، وقال أستاذ شؤون أميركا اللاتينية بجامعة شنغهاي الصينية، جيانغ جي شي "لا تشغل بالك بالقط، طالما أنه قادر على الإمساك بالفأر، أعني أن الاستثمار الصيني في المكسيك، مفيد للاقتصاد المحلي، والمكسيك الأكثر ازدهارا، ستختفي منها المخدرات والهجرة غير الشرعية، وهذا مفيد للولايات المتحدة".
ويرى الباحث شكري "أن الحكومة المكسيكية عليها أن تشعر بقلق بالغ، لأن الحكومة الأميركية، صارت تراقب باهتمام كبير، كل ما يرد إليها من بضائع صينية، عبر المكسيك".
وتحتكم هذه المراقبة الأميركية، إلى بنود اتفاق التجارة الحرة مع مكسيكو سيتي، وشروطه لإعفاء البضائع الواردة من الجنوب.
وذكر بيترز أن "اتفاقية التجارة الحرة، بين الولايات المتحدة والمكسيك وكندا، تأخذ في عين الاعتبار، أن صناعة السيارات أو الحواسيب أو الشاشات، تحتاج إلى مئات المكونات، التي لا تنتجها المكسيك، فتستوردها من الخارج، وفي النهاية يقال إن هذا الحاسوب، صنع في المكسيك، فإذا كانت القيمة المضافة محليا من 50 إلى 80 في المئة، تدفع تعريفة واحدة، وإن كانت أقل، تضاف رسوم أخرى".
سلع صينية تحت المجهر الولايات المتحدة اتخذت خطوات هامة لإحياء صناعات أميركية في مواجهة الصين . تعبيريةوتحظى سلع صينية بعينها بالاهتمام الأكبر، من جانب واشنطن، ويلفت غانتس إلى أن "الولايات المتحدة لا يساورها التخوف، بسبب الإنتاج الصيني في المكسيك عموما، ولكن ما يحظى بالاهتمام بصورة أكبر، هو السيارات الكهربائية وبطارياتها، التي قد تجمعها شركات صينية في المكسيك، وتصدرها للسوق الأميركية".
في فبراير 2024، أعلنت شركة BYD الصينية، عزمها تأسيس مصنع لإنتاج السيارات الكهربائية، في المكسيك.
جاء ذلك في وقت تهيمن فيه الصين، على سوق المركبات الكهربائية العالمية، بحسب تقرير نشرته وكالة أسوشيتد برس نقلا عن شركة الاستشارات والتحليل غلوبال داتا، تتفرد الصين بالمركز الأول بفارق كبير، 62 في المئة من أصل 10.4 مليون سيارة كهربائية، تم إنتاجها في جميع أنحاء العالم العام الماضي، فيما جاءت الولايات المتحدة في المرتبة الثانية، بحوالي مليون مركبة، أي أقل من عشرة في المئة من الإنتاج العالمي.
والعامل الحاسم وراء هذا التفوق، كان السعر، فالسيارة الصينية، تباع بنحو نصف سعر نظيرتها الأميركية.
الصين وأميركا.. توقعات باشتداد المنافسة على الذكاء الاصطناعي يتحدث الرئيس المنتخب، دونالد ترامب عن جهود لدعم التفوق الأميركي في سباق التسلح مع الصين في مجال الذكاء الاصطناعي.لذلك وصف ممثلو صناعة المركبات الكهربائية في الولايات المتحدة، إعلان BYD، تطورا يهدد بقاء صناعتهم.
ويقول الخبير القانوني غاو إنه "لأكثر من عشر سنوات، أظهرت الصين ثباتا، في بناء منظومات السيارات الكهربائية، وتحديدا بطارياتها، وهي متقدمة على منافسيها عالميا بخمس إلى عشر سنوات، أنت تصفها بالسيارات رخيصة الثمن، لكنك تغفل نقطة مهمة، فأسعار هذه السيارات في المتناول، ولكنها متطورة للغاية، ويمكن ربطها بسهولة بالفضاء الإلكتروني، وأنظمة الذكاء الاصطناعي".
لكن هذه التقنية، تثير مخاوف متعلقة بالأمن القومي، ويقول خبراء أميركيون إن تلك السيارات، إن دخلت السوق الأميركية، قد يكون بمقدورها، جمع صور ومعلومات من مواقع عسكرية وأمنية، إضافة إلى محطات إنتاج طاقة.
ويرى الباحث الاقتصادي شكري أنه "لا توجد ضمانة، ألا تشارك الشركات الصينية تلك المعلومات، مع حكومة بكين، التي تدعمهم ماليا، وتساعدهم على الاستثمار في الخارج، أيضا من منظور الأمن القومي، واقتصاديا كذلك، لو صنعت هذه السيارات في المكسيك، وتدفقت إلى السوق الأميركية، فهذا سيهدد مستقبل صناعة السيارات الكهربائية، في الولايات المتحدة، وخاصة كيانات مثل تسلا ولوسيد".
الالتفاف بتصدير المنتجات الحرب التجارية الأميركية الصينية. تعبيريةوفي سبتمبر من 2024 بادرت واشنطن بخطوة وقائية وحظر البيت الأبيض استيراد السيارات الصينية، التي تقترن بأنظمة تكنولوجية خارجية، يطورها صانعوها، لدواع أمنية، ولحماية الصناعة المحلية.
وقبل ذلك بأشهر، رصدت السلطات الأميركية، تلاعبا في بضائع أخرى وصلت بالفعل، عبر المكسيك.
وقال الرئيس الأميركي، بايدن حينها "نظرا لأن الشركات الصينية تنتج كميات من الصلب، أكبر بكثير من الاحتياج المحلي، لذل فهي تغرق السوق العالمية، بكميات إضافية، وبأسعار منخفضة بشكل غير عادل، هم لا يتنافسون، بل يغشون، يغشون".
نتيجة لحرب الرسوم والتعريفات، انخفضت مبيعات الصلب الصيني للولايات المتحدة، بنحو 30 في المئة، بين عامي 2018 و2023، لكن، خلال الفترة ذاتها، سجلت صادرات الصلب الصيني للمكسيك، زيادة تقدر بـ 60 في المئة.
وفي يونيو 2024، أعلن مكتب الإحصاء الأميركي، أن 13 في المئة من الصلب الوارد من المكسيك، مصنوع خارج الجارة الجنوبية.
ملامح جديدة في العلاقة التجارية الأميركية الصينية بعد يناير المقبل العاصمة البيروفية ليما ربما قد تحتضن آخر لقاء بين الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الصيني شي جين بينغ.ويشرح غانتس أن "معظم الصلب المستورد من خارج الولايات المتحدة وأميركا الشمالية، يخضع لرسوم جمركية، بنسبة 25 في المئة، ولو أمكن لشركة صينية، إرسال الصلب إلى المكسيك، وإعادة تصديره للسوق الأميركية، ستتجنب الرسوم الجمركية بالكامل، هذه ليست قضية تصنيع، بقدر ما هي قضية تحايل".
في واشنطن، حذر أربعة أعضاء بمجلس الشيوخ، من سوء استغلال اتفاقية التجارة الحرة، مع المكسيك، في خطاب إلى الرئيس، جو بايدن.
وقالوا في الخطاب "لقد أقر الكونغرس اتفاقية التجارة الحرة، مع المكسيك، وليس الصين، ولابد من اتخاذ إجراءات فورية، لمنع الحزب الشيوعي الصيني من استغلال اتفاقية الولايات المتحدة والمكسيك وكندا، وتحويل هذه الاتفاقية التجارية المهمة إلى سلاح".
ماذا بعد 2026؟ الصين تستغل اتفاقية المكسيك مع الولايات المتحدة لصالحها. أرشيفية - تعبيريةوبحلول عام 2026، ينتظر أن تراجع الدول الثلاث، الولايات المتحدة والمكسيك وكندا، اتفاقية التجارة الحرة بينهم، إما بغرض التجديد، أو الإلغاء، أو اللجوء لخيار ثالث، أكثر احتمالا.
أستاذة السياسات الاقتصادية بجامعة كارلتون الأميركية، ميريديث ليلي قالت "إذا لم تتفق الدول الثلاث على تجديد الاتفاق في عام 2026، فإننا سننتقل إلى فترة من المراجعات السنوية، وفي اعتقادي، لا يوجد سبب على الإطلاق، يدفع السياسيين لتجديد الاتفاقية".
القواعد العسكرية الصينية الجديدة.. "جرس إنذار" للغرب أنفقت الصين عشرات المليارات من الدولارات لتحويل الحقول الزراعية والموانئ البحرية التجارية إلى مجمعات عسكرية لعرض القوة عبر آلاف الأميال من المحيطات التي تدعي أنها ملك لها.ويسود توافق بين ممثلي الحزبين، الديمقراطي والجمهوري، بأن استثمارات بكين في المكسيك، هي مجرد حيلة للتسلل إلى الأسواق الأميركية، عبر إخفاء بلد المنشأ الحقيقي، بين قوسين، وبغرض التهرب من دفع الرسوم المستحقة.
ولهذا يقترح أعضاء في الكونغرس، إيصاد ذلك الباب، بحظر منتجات الشركات الصينية، المصنوعة في الجارة الجنوبية، بينما يعول آخرون، على قدرة سلطات الجمارك، على ضبط أي تلاعب محتمل، حتى موعد مناقشة اتفاق التجارة الحرة، عام 2026.
ولم تتلق "الحرة" أي رد على طلبات التعليق من وزارة الاقتصاد المكسيكية، كما لم تستجب وزارة التجارة الصينية لسؤالنا عن مدى التزام الشركات الصينية، العاملة في المكسيك ببنود بلد المنشأ في اتفاقية التجارة الحرة لدول أميركا الشمالية.