تحليل.. ذوبان القطب الشمالي يعيد رسم العلاقات الدولية
تاريخ النشر: 24th, November 2024 GMT
أكد الباحث المستقل أحمد إبراهيم أن القطب الشمالي لم يعد تلك المنطقة المتجمدة النائية كما كان في السابق. فمع ذوبان الجليد، تتصاعد المخاطر الجيوسياسية والاقتصادية والاستراتيجية. أصبحت المنطقة الغنية بالموارد الطبيعية المحيطية مثل النفط والغاز والأسماك والمعادن الأرضية النادرة نقطة محورية لاهتمام القوى العالمية.
بإمكان طريق الحرير القطبي، إذا تم تشغيله، أن يقلل بشكل كبير من مسافات الشحن بين الصين وأوروبا
من شنغهاي إلى روتردامكتب إبراهيم في منصة "مودرن دبلوماسي" أن القطب الشمالي يحتوي على احتياطات هائلة غير مستغلة من الموارد الطبيعية. أصبحت غرينلاند مشهورة بمعادنها الأرضية النادرة، في حين تعد سيبيريا كنزاً كبيراً من إمدادات الطاقة. تجذب هذه الأصول الانتباه بشكل متزايد، وبخاصة من الدول ذات المصالح الخاصة بتأمين الموارد غير المستغلة وتنويع طرق التجارة.
‘The land is tearing itself apart’: life on a collapsing Arctic isle. On #Qikiqtaruk, off #Canada, researchers at the frontier of #climatechange are seeing its rich ecology slide into the sea as the melting permafrost leaves little behind https://t.co/uyDQa5MiCP pic.twitter.com/KqcoRkh6L6
— MIX (@mixdevil66) November 21, 2024بالنسبة إلى الصين، إن إمكانات طريق الحرير القطبية، كجزء من مبادرة الحزام والطريق، تحمل جاذبية اقتصادية واستراتيجية. بإمكان طريق الحرير القطبي، إذا تم تشغيله، أن يقلل بشكل كبير من مسافات الشحن بين الصين وأوروبا. إن الرحلة من شنغهاي إلى روتردام عبر طريق القطب الشمالي أقصر بنحو 6400 كيلومتر من الطرق التقليدية عبر مضيق ملقا وقناة السويس، وهذا يعني توفيراً كبيراً في الوقت والتكلفة، مما يقلل من رحلة تستغرق 48 يوماً إلى نحو 35 يوماً.
التحديات
إن الاضطرابات الأخيرة في طرق التجارة التقليدية – مثل تلك الناجمة عن هجمات المتمردين الحوثيين على السفن البحرية التجارية في البحر الأحمر – تسلط الضوء على القيمة المحتملة للشحن في القطب الشمالي. بالرغم من هذه الحوافز، لا تزال حركة المرور على طول طريق البحر الشمالي ضئيلة. في 2023، تمكن طريق البحر الشمالي الروسي من نقل 34 مليون طن من البضائع، وهو جزء ضئيل مما يزيد على مليار طن مرت عبر مضيق ملقا في السنة نفسها. لم تجرؤ سوى حفنة من السفن غير الروسية على عبور مياه القطب الشمالي، مما يسلط الضوء على التحديات اللوجستية والبيئية والسياسية في المنطقة.
Thanks to @NATO_CCASCOE for hosting us this afternoon to explore why climate change is such a critical security issue both setting our geopolitical context and our operational effectiveness - nowhere more so than in Canada’s Arctic which is warming 4x faster than average. pic.twitter.com/ZkCVWF9fer
— David Prodger (@DaveProdgerFCO) November 23, 2024لا تزال الملاحة في القطب الشمالي محفوفة بالمخاطر. بالرغم من ذوبان الجليد، تصبح ظروف الإبحار أقل قابلية للتنبؤ بسبب كتل الجليد العائمة والطقس المتطرف والظلام المطول خلال أشهر الشتاء. وتتطلب السفن هياكل معززة لتحمل الاصطدامات الجليدية، وتفتقر المنطقة إلى البنية الأساسية القوية اللازمة للشحن التجاري.
يؤكد الخبراء أن المخاطر تفوق الفوائد. قد يثبت وقوع حادث مشابه لقناة السويس في القطب الشمالي، مثل جنوح سفينة كبيرة، أنه كارثي، الأمر الذي يترك الطواقم عالقة في عزلة جليدية. بالإضافة إلى ذلك، تعمل قدرات الدوريات والإنقاذ المحدودة لروسيا على تكثيف هذه المخاطر.
تأثير حرب أوكرانيا
ليس القطب الشمالي مجرد ساحة معركة اقتصادية بل هو مسرح لمنافسة استراتيجية متنامية. في أعقاب غزو روسيا لأوكرانيا، قام مجلس القطب الشمالي – وهو هيئة تنسق التعاون الإقليمي بين ثماني دول في القطب الشمالي – بتهميش موسكو إلى حد كبير. وقد أدى هذا إلى إضعاف مكانة روسيا الدبلوماسية، بخاصة أن جميع أعضاء مجلس القطب الشمالي الآخرين هم دول في حلف شمال الأطلسي (الناتو).
إن انضمام السويد وفنلندا الأخير إلى حلف الناتو يزيد من تغيير التوازن ضد روسيا، مما يعزز الوجود العسكري للحلف في المنطقة. لقد أظهر الناتو استعداده للقطب الشمالي من خلال تدريبات مثل "الاستجابة الشمالية" التي شارك فيها آلاف الجنود من النرويج والسويد وفنلندا. في الوقت نفسه، كان الوجود العسكري الروسي في القطب الشمالي، بالرغم من أهميته، مجهداً بسبب حربها في أوكرانيا، مع إعادة توجيه الموارد الحيوية إلى الخطوط الأمامية.
حذر روسي
حتى الصين، وهي دولة خارج القطب الشمالي من حيث الجغرافيا، أعلنت نفسها "دولة قريبة من القطب الشمالي". إن طموحات بكين، كما هو موضح في ورقتها البيضاء حول القطب الشمالي، تتلخص في شقين: تأمين الوصول إلى موارد القطب الشمالي واستغلال ممرات الشحن الناشئة. مع ذلك، تظل روسيا حذرة بشأن تجاوز الصين لهيمنتها في القطب الشمالي. وفي حين تسمح موسكو بمشاركة صينية محدودة في مشاريع الطاقة، هي تفرض ضوابط صارمة، بما في ذلك رسوم العبور ومتطلبات الإرشاد للسفن الصينية.
بالرغم من شراكتهما ضد الهيمنة الغربية، تحتضن روسيا والصين طموحات متضاربة في القطب الشمالي. يمثل القطب الشمالي جزءاً كبيراً من الناتج المحلي الإجمالي والصادرات الروسية، مما يجعله أولوية قصوى لموسكو. تمتلك روسيا حالياً أكبر أسطول من كاسحات الجليد. وبجانب كاسحات الجليد التقليدية التي تعمل بالطاقة التقليدية، تعد روسيا الدولة الوحيدة التي تشغل كاسحات جليد تعمل بالطاقة النووية.
وتعتبر كاسحات الجليد مهمة لشق الطريق، وبخاصة في فصول الشتاء عندما يمكن للجليد المتجمد أن يعيق عبور السفن التجارية. وتنظر روسيا إلى التطلعات الصينية في القطب الشمالي بعين الريبة، يتضح هذا من ترددها في منح الصين حق الوصول التفضيلي إلى موانئ القطب الشمالي أو السماح للصين بامتلاك حصص أغلبية في مشاريع الطاقة الاستراتيجية.
ومن ناحية أخرى، تتبنى الصين نهجاً طويل الأجل. فهي تستثمر بكثافة في أبحاث القطب الشمالي وتطوير تقنيات الشحن القطبي وكسر الجليد واستخراج الموارد. ومن خلال توسيع قدراتها التكنولوجية، تعمل الصين على وضع نفسها للاستفادة من إمكانات القطب الشمالي في العقود المقبلة. مع ذلك، إن خطاب بكين حول طريق الحرير القطبي هدأ خلال السنوات الأخيرة، مما يعكس التحديات اللوجستية والجيوسياسية التي يفرضها هذا الطريق.
أمريكا تحاول اللحاق
يظل القطب الشمالي أحد المناطق البحرية القليلة التي لا تهيمن عليها البحرية الأمريكية. وقد أثار هذا مخاوف بين خبراء الاستراتيجية الدفاعية الأمريكيين بشأن النفوذ المتزايد لروسيا والصين.
وتدرك الولايات المتحدة تدريجياً الأهمية الاستراتيجية للقطب الشمالي. وفي حين تتخلف قدرات كاسحات الجليد الأمريكية عن قدرات روسيا، تبقى الجهود جارية لتعزيز الجاهزية العسكرية للقطب الشمالي. كما أن نتيجة حرب أوكرانيا سوف تخلف آثاراً كبيرة على الجغرافيا السياسية للقطب الشمالي. فقد تكافح روسيا ضعيفة للحفاظ على هيمنتها في المنطقة، مما يفتح الباب أمام زيادة المنافسة بين القوى العالمية.
يظل مستقبل القطب الشمالي طريقاً غير مؤكدة للتجارة. في حين يفتح الجليد الذائب نظرياً إمكانات جديدة، إن التحديات العملية التي تتراوح بين الظروف القاسية والتوترات الجيوسياسية تحد من حيويته. ويرجح الكاتب أن تتوقف تنمية المنطقة على الاختراقات في التكنولوجيا والتحولات في توازن القوى العالمي والأطر التعاونية لاستخراج الموارد المستدامة.
المخاطر مرتفعة
بالرغم من العقبات الحالية، تظل منطقة القطب الشمالي منطقة ذات إمكانات هائلة. فبالنسبة إلى روسيا، تشكل المنطقة شريان حياة للحفاظ على الأهمية الجيوسياسية. وبالنسبة إلى الصين، تشكل المنطقة حدوداً استراتيجية لتأمين الموارد وتنويع طرق التجارة. وبالنسبة إلى الولايات المتحدة والناتو، تشكل المنطقة مسرحاً لمواجهة النفوذ الاستبدادي المتزايد. وربما لا تضاهي منطقة القطب الشمالي قناة السويس أو مضيق ملقا كشريان للتجارة العالمية، ولكن المنافسة البطيئة الصامتة تحت جليدها الذائب تعيد تشكيل ملامح العلاقات الدولية. وفي هذا المسرح من الأحلام المجمدة والطموحات المحمومة، تكون المخاطر عالية بمقدار انخفاض القمم الجليدية القطبية.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: عودة ترامب عام على حرب غزة إيران وإسرائيل إسرائيل وحزب الله الانتخابات الأمريكية غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية الحرب الأوكرانية فی القطب الشمالی کاسحات الجلید بالرغم من فی حین
إقرأ أيضاً:
بوتين: مستعدون لتطبيع العلاقات مع الولايات المتحدة دون المساس بمصالح روسيا
أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، اليوم الأحد، أن روسيا مستعدة لتطبيع العلاقات مع الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى ولكن دون المساس بمصالح روسيا.
وقال بوتين، في مقابلة صحفية، ردا على سؤال حول إمكانية تطبيع العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة: من الممكن أن نفعل كل شيء بناء على الرغبة، لم نتخل أبدا عن هذه الرغبة.
وأكد الرئيس الروسي أن كل شيء يتغير في العلاقات الدولية والمصالح فقط تبقى ثابتة، وفي هذه الحالة مصالح روسيا وشعبها.
وأضاف بوتين: إذا رأينا أن الوضع يتغير بطريقة تجعل هناك فرص وآفاق لبناء علاقات مع دول أخرى، فنحن على استعداد لذلك، إنها ليست مسألة تتعلق بنا بل هي مسألة تتعلق بهم، ولكن يجب أن يكون هذا دون المساس بمصالح الاتحاد الروسي.
اقرأ أيضاًبوتين: المخاطر تتزايد بشأن احتمال اندلاع حرب عالمية ثالثة
باحث: بوتين لا يعترف بشرعية زيلينسكي.. وروسيا لا تتفاوض مع من لا يمثل أوكرانيا
بوتين: أنا مستعد للتحدث والاجتماع مع ترامب في أي وقت