لجريدة عمان:
2024-11-24@09:20:24 GMT

السلطان هيثم.. القائد الذي يصنع عُمان الجديدة

تاريخ النشر: 24th, November 2024 GMT

السلطان هيثم.. القائد الذي يصنع عُمان الجديدة

عندما نقرأ أحداث التاريخ ونتصفح مساراته نجد بشكل واضح أن الدول والشعوب تقف، دوما، عند مفترق الطرق، ويتحدد مصيرها في منعطفات الأحداث على أيدي قادتها الذين يصنعون التحولات الكبرى التي يتضح حجمها وأبعادها البنائية والتأسيسية بعد حين: بعد سنوات وربما عقود وأحيانا بعض نصف قرن أو أكثر؛ فليس سهلا أن يشكل الباحث أو المتأمل للأحداث التاريخية رؤية متكاملة في لحظة تداعي الحدث وتوالي تفاصيله.

في كتابه "الأبطال" يطرح المؤرخ الإسكتلندي توماس كارليل رؤية عميقة عن دور القادة العظماء في تشكيل مسار التاريخ فيعتبر "البطل" هو الشخص الذي يتمتع بصفات استثنائية، تجعل منه مصدر إلهام لأمته/شعبه، ويمنحه القدرة على التأثير العميق في مجريات الأمور وتوجيه الناس في اللحظات الحاسمة. البطل، في نظر كارليل، ليس مجرد شخصية تاريخية عظيمة، بل رمز للقوة الروحية والأخلاقية التي تشع منها أفكار وإلهام قادران على تحريك الشعوب وتغيير مصائرهم.

ويرى كارليل بأن التاريخ الإنساني هو في جوهره تاريخ الأبطال، وأن هؤلاء القادة العظام هم المحرك الأساسي للتغيرات الكبرى.

واللحظات الحاسمة في التاريخ تتطلب ظهور أبطال عظام يمتلكون القدرة على تحويل مسار الأمور، ويمثلون الأمل الأخير للشعوب في الأوقات العصيبة. والقائد البطولي هو الذي يظهر في هذه اللحظات ليوجه الأمة ويمنح الناس رؤية واضحة للمستقبل.

وهذه الرؤية التي يطرحها كارليل تبدو شديدة الوضوح في عهد حكام أسرة ألبوسعيد منذ الإمام المؤسس أحمد بن سعيد وإلى اليوم حيث يتسنم عرش عُمان العظيم جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم، حفظه الله ورعاه، الذي تتجسد فيه بشكل واضح موصفات "البطل" الذي جاء لأمته في لحظة حاسمة وعند مفترق طرق وألهم فيها الأمل واستطاع بحكمته تحويل مسار الأمور في لحظة تحولات كبرى في المنطقة والعالم إلى حيث الاستقرار والقدرة على بناء يقين بالمستقبل.

كان المشهد الداخلي والخارجي في عُمان شديد التعقيد في اللحظة التي وصل فيها حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم، حفظه الله ورعاه إلى سدة الحكم؛ فقد كانت عُمان، سليلة التاريخ والأمجاد تعيش في لحظة إقليمية وعالمية شديدة التعقيد، وفي لحظة داخلية صعوبة بعد رحيل السلطان قابوس الذي فُجع به الجميع.. كانت عُمان تعيش أزمة مالية خانقة أثرت على الاقتصاد ورفعت المديونية إلى رقم تاريخي، وتعيش أزمة صحية بسبب جائحة كوفيد19، وتعيش حزنا كبيرا على رحيل السلطان قابوس.. بدا الأمر شديد التعقيد، ومسارات حلوله صعبة للغاية لأنها ترتبط بالمشهد العالمي، حركته المالية وحركته الاقتصادية ومسارات التعافي من الوباء لم تكن واضحة على الإطلاق ليس في عُمان فقط ولكن في العالم أجمع. وأمام هذا المشهد كان لا بد من "بطل" يستطيع أن يصنع تحولا تاريخيا يبدأ من الداخل بإعادة اليقين إلى الناس ويجري إصلاحات اقتصادية ومالية وهيكلية في بنية الحكومة، ثم يمتد الأمر إلى الخارج للعمل على حفض حدة التوترات الإقليمية.

كانت هذه المواصفات متوفرة في السلطان هيثم، الرجل الهادئ وصاحب النظرة العميقة والمتأملة، وكان العمانيون على يقين أنه يملك القدرة على إحداث التغيير في لحظة تاريخية لا تقبل التجريب.

واستطاع جلالة السلطان المعظم أن يعيد بناء المشهد الداخلي وفق رؤية واضحة المعالم هي رؤية "عُمان 2040" التي لم تكن رؤية تجريبية ظهرت في لحظة حاجة ماسة ولكنها رؤية بنيت على أسس عالية الدقة من التخطيط المحكم والمشاركة الشعبية. رسخ السلطان هيثم منذ خطاباته الأولى مصطلح "النهضة المتجددة" واستطاع هذا المصطلح ومعطياته التطبيقية التي وظفها الإعلام العماني بشكل مهني من تجسير الفجوة بين مرحلتين وبين عهدين، وألهم المصطلح العمانيين الذين شعروا عمليا أن النهضة "تتجدد" وأن هناك متغيرات حقيقية تجاوزت التغييرات العابرة إلى تغيرات هيكلية عميقة طالت بنية الحكومة التي أعيد هيكلتها بعد أقل من ثمانية أشهر من تولي السلطان لمقاليد الحكم، وبعد عام كامل عند إصدار نظام أساسي جديد للدولة وضع مسارا محكما لعملية انتقال ولاية الحكم ورسخ لدولة العدل والمساواة والحقوق ورسخ لمبدأ الحوكمة وكذلك للقيم الثقافية والأخلاقية التي تنطلق منها مبادئ سلطنة عمان.

وكانت الإصلاحات التي طالت الاقتصاد ومسارات الانفاق المالي والتي حققت نتاج إيجابية بشكل سريع فاق التوقعات هي الأكثر تأثيرا في يقين العمانيين وألهبت طموحاتهم وتطلعاتهم نحو غد أكثر إشراقا وأيقنوا سريعا أنه القائد/ البطل القادر على صناعة مستقبل مختلف لعُمان وفق رؤية تجمع بين تاريخ عريق واستراتيجيات حداثة، تمثل النهضة الشاملة.

ولكي نفهم جوهر الفكر القيادي الذي يتمتع به جلالة السلطان المعظم لا بد من العودة إلى الجذور التي نشأت فيها جلالة السلطان والتي شكلت وعيه بعُمان وبتاريخها وشكلت وعيه بالمنطقة المحيطة بعمان والتي تؤثر في كل مسارات الأحداث.

القيادة الأخلاقية

ولد السلطان هيثم في بيت حكمة وسياسة وبطولة فهو سليل سلاطين البوسعيد الذين حولوا عُمان إلى واحدة من أعظم إمبراطوريات العالم في القرن التاسع عشر وراكموا أمجادها عبر قرون طويلة من الفعل الحضاري، وتربى، حفظه الله، على القيم التي جعلت عُمان دولة ذات حضور مستقل وصوت معتدل في المحافل الدولية. ومر السلطان هيثم بتجارب صقلت تجربته القيادية. فعلاوة على أنه كان قريبا من الناس ومن نبضهم فقد كان على مستوى كبير من الوعي السياسي بعد سنوات طويلة من العمل في وزارة الخارجية حيث مركز الدبلوماسية العمانية وتماسها من القضايا العالمية ومواقفها الممتدة من عمق مبادئها السياسية والتاريخية، وعبر ذلك أدرك المحركات الثقافية التي تحرك الأمم والشعوب وتنعكس على سياساتهم الخارجية. كانت تلك التجربة مهمة جدا في بناء شخصية القائد في فهم الأبعاد الخارجية للعالم أجمع. ثم كانت تجربة وزارة التراث والثقافة والتي لا تقل أهمية عن تجربة الخارجية. وعبر هذه التجربة تعمق وعي جلالة السلطان بتاريخ وطنه ومنجزه الحضاري ومواطن قوته الأمر الذي جعله تصوراته حول المستقبل أكثر يسرا وسهولة.

أدرك السلطان هيثم عبر قربه من نبض المجتمع وعبر فهمه العميق لثقافته ولوعي المجتمع المبني على وعيه التاريخي آمال العمانيين وخاصة أجيال الشباب منهم وبنى رؤيته على فكرة التوازن في الحفاظ على الهوية والانفتاح على العالم فكان يركز في كل مناسبة على البناء الأخلاقي والتمسك بالقيم العماني وبالوسطية والاعتدال رغم حديثه المستمر عن الدولة العصرية المتقدمة والانفتاح الاقتصادي.

هكذا تبدو شخصية السلطان هيثم واضحة المعالم، فالانفتاح من وجهة نظره لا يعني الانسلاخ من قيم المجتمع ومن مبادئه وهذا الرؤية هي رؤية القائد الذي لا يبني لحظة آنية تهمل البناء الحضاري، إنه قائد معني بالبناء الأخلاقي والحضاري الذي يمتلك صفة الاستدامة والبقاء والتأثير العميق.

رؤية عمان

لم تكن رؤية عمان 2040 التي يمكن أن ننظر لها باعتبارها مشروع حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم لعمان في لحظة تاريخية مهمة مجرد وثيقة تخطيط لتسيير العمل الحكومي في الدولة، إنما كانت انعكاسا لطموحات بلد بأسره كان يبحث عن رؤية في لحظة تحولات كبرى في العالم. كانت الرؤية تستند إلى تلك الطموحات التي تم بلورتها عبر دراسات معمقة واستشارات واسعة مع جميع فئات المجتمع. من يتأمل وثيقة الرؤية يدرك أنها تعزز فكرة أن الاستدامة والابتكار هما ركيزتان أساسيتان، وتستهدف تحويل التحديات إلى فرص واعدة، مع التركيز على العمانيين باعتبارهم الثروة الأهم والهدف والغاية النهائية من كل عمل.

وكان واضحا أن فكر السلطان هيثم الاستراتيجي المبني، كما سبق، على رؤية واسعة وعميقة لعُمان وللعالم يدرك خطر الاعتماد على النفط وحده في وقت لم يعد فيه النفط في المكانة العالية التي يمكن أن تضمن المستقبل في ظل التقلبات الاقتصادية العالمية؛ ولذلك، اتجه إلى تنويع مصادر الدخل، عبر تبني الاستثمار في الطاقة المتجددة وفي التكنولوجيا المتقدمة وفي قطاعات السياحة، والخدمات اللوجستية.. ورغم أن الطريق ما زال في عتباته الأولى في إطار إحداث تغيرات جوهرية في بنية اقتصادية إلا أن الأهداف بدأت تتحقق في الكثير من مسارات العمل وبدأت مساهمة القطاعات غير النفطية تنمو بشكل واضح. ومثل هذه الرؤية التقدمية ستصنع مع الوقت اقتصادا متينا ومستداما يستطيع يوفر حياة كريمة للأجيال القادمة.

إن ما يميز رؤية السلطان هيثم واستراتيجيته المستقبلية التي نقرأها في "رؤية عمان" هو ارتباطها الوثيق بالإنسان؛ فهي تهدف إلى تطوير التعليم والتدريب، ليكون أبناء عمان هم صناع المستقبل، وليس مجرد مستهلكين له.

لم تتوقف خطوات جلالة السلطان المعظم عند الخطط الاقتصادية من أجل الانتاج، بل امتدت لتشمل إصلاحات عميقة في بنية الاقتصاد وفلسفته وكذلك الإدارة وغاياتها. لقد شرع السلطان، أعزه الله، في سلسلة من الإصلاحات الاقتصادية، تعيد هيكلة المؤسسات وتحقق الاستدامة المالية، وتزيد من كفاءة الأداء الحكومي.. وكان هذا التوجه مبنيا على فهم أن الإصلاح الاقتصادي ضروري لبقاء الدولة قوية ومرنة أمام التحديات الكبرى التي تحدث في العالم وتقلبات الأسواق والحروب التي بليت بها المنطقة. ومن بين أهم الإصلاحات التي أقرتها رؤية السلطان هيثم للحكم تنظيم سوق العمل، ودعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وتطوير القطاع السياحي ليكون مصدرا مستداما للدخل خاصة وأن سلطنة عمان تمتلك مقومات سياحية استثنائية.

وأمام هذه التغيرات الهيكلية والإصلاحات الاقتصادية العميقة برز إيمان جلالة السلطان هيثم بمبدأ الحوكمة باعتبارها أحد أهم ضمانات الكفاءة، وأعطى السلطان، حفظه الله، الشفافية والمساءلة أهمية كبرى باعتبارهما قواعد ثابتة في إدارة الدولة، مؤكدًا أن الولاء الحقيقي لعُمان يعني خدمة الوطن بكل تفان. وأكد على أهمية فتح قنوات تواصل بين الحكومة والمواطنين، ليكون المجتمع شريكا في رسم السياسات المستقبلية وهذا التوجه يعكس إيمان السلطان بأن النهضة لا تتحقق إلا بتكاتف الجميع.

ورغم إلحاح القضايا المالية والاقتصادية في اللحظة التي جاء فيها جلالة السلطان للحكم إلا أنه لم يتجاوز قيد أنملة الاهتمام بالقضايا الثقافية وبترسيخ الهوية الوطنية والتمسك بكل قوة بالقيم والمبادئ الأخلاقية التي تبقى صمام الأمان لأي مجتمع. ويبقى الحفاظ عليها أحد أهم أولويات القائد الذي تنطلق رؤيته من عمق مجتمع وثقافته.

كان هذا المسار الإصلاحي الهم الأول والأساسي الذي شغل جلالة السلطان هيثم المعظم منذ العتبات الأولى لعهده الميمون، لكنه لم يكن الهم الوحيد فقد كانت السياسة الخارجية ملحة جدا نظرا للأحداث الكبرى التي كانت تتشكل في العالم. حافظ جلالة السلطان المعظم على نظرية الحياد الإيجابي الذي تتبناه سلطنة عمان في سياستها الخارجية، وأضاف جلالته، أعزه الله، رؤيته الخاصة التي تعزز من دور عُمان كوسيط موثوق ومؤثر في الإقليم. ورغم الأحداث الكبرى والفاصلة التي شهدتها المنطقة خلال السنوات الأربع الماضية إلا أن عُمان لم تفرط في مبادئها السياسية التي الراسخة بل زاد تمسكها بها ونستطيع فهم ذلك من خلال قراءة مواقفها من الحرب الظالمة على قطاع غزة. أكسب عاهل البلاد المفدى السياسة الخارجية العمانية زخما جديدا يجمع بين الحوار والسعي لتحقيق السلام في منطقة تعصف بها التوترات ولكن دون تفريط في المبادئ والقيم. لقد أعطى جلالة السلطان المعظم خلال أحداث كبيرة محيطة بعمان درسا مهما في الحفاظ على استقلال القرار السياسي وعدم التأثر بالأحداث ولكن، أيضا، دون تفريط في العلاقات الطيبة مع دول العالم.

المشهد جميل لكن التحديات موجودة

يبدو المشهد مشرقا جدا، وهو كذلك لكن التحديات لم تختفِ على الإطلاق والعالم ما زال يعيش لحظات من غياب اليقين في قضايا كثيرة.. ما زال الاقتصاد العالمي متذبذب، وما زالت التغيرات المناخية تفاجئنا بحجمها وعُمان من بين الدولة المتأثرة بهذا التغيير بشكل كبير، وما زالت أزمات المنطقة مشتعلة ومعقدة جدا وعصية على الحل.

لم يكن العالم في يوم من الأيام خاليا من التعقيدات ومن الأزمات والتخطيط الجيد والثقة من شأنها أن تفتح آفاقا لمسارات المستقبل، وهي مسارات ممكنة جدا عندما تتوفر الإرادة والعزيمة والعمل الجماعي.

هكذا بدا جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم فيما نعتبرها سنوات التأسيس لعده الميمون قائد حمل قضايا وطنه على عاتقه وعاهد شعبه منذ اليوم الأول من يبقى مخلصا لقضاياه. لقد مزج بين عراقة الماضي التي تتمته به سلطنة عمان ورؤيته للمستقبل مستندا إلى إرادة صلبة وإيمان عميق بوطنه. ومرة أخرى لم تكن رؤيته مخطط اقتصادي بل حلم جماعي يسعى إلى تحقيق نهضة شاملة ومستدامة، يشارك فيها كل مواطن من أجل عُمان التي نحلم بها جميعا.

إنه "البطل" الذي تحدث عنه كارليل، قائد صادق مع نفسه ومع الآخرين، وقادر على مواجهة الحقائق ولديه عمق في فهم العالم وقدرة على رؤية الحقيقة ويملك القوة على اتخاذ القرارات المصيرية ومستعد للوقوف مع الحق مهما كانت التحديات.

* عاصم الشيدي رئيس تحرير جريدة عمان

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: جلالة السلطان المعظم سلطنة عمان فی العالم حفظه الله فی لحظة رؤیة ع لم تکن

إقرأ أيضاً:

الطالبي : كفالة حقوق النساء والرفع من تواجدهن في مراكز القرار أحد معالم ربع قرن من حكم جلالة الملك

زنقة 20. الرباط

أكد رئيس مجلس النواب، راشيد الطالبي العلمي، أن المساواة والانصاف، وكفالة حقوق النساء، والرفع من تواجدهن في مراكز القرار التمثيلي والتنفيذي شكلت “أحد معالم 25 سنة من حكم صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، الذي حرص، ويحرص، على أن تكون رعاية حقوق النساء، وكفالة كرامتهن في صلب الإصلاحات التي حققتها المملكة خلال ربع قرن”.

وأعرب السيد الطالبي العلمي في كلمة اليوم الجمعة، في افتتاح أشغال المنتدى البرلماني السنوي الأول للمساواة والمناصفة، عن الامتنان لجلالة الملك على تفضل جلالته بإضفاء رعايته السامية على هذا المنتدى “تجسيدا من جلالته للعناية الفائقة التي يوليها لحقوق المرأة والأسرة عامة، وللإنصاف في مختلف أبعاده”.

وذك ر رئيس مجلس النواب في هذا السياق، ببعض الإصلاحات ذات الصلة بالتمكين الحقوقي للنساء التي راكمها المغرب ومنها “المصادقة في 2004 على مدونة الأسرة التي كان للتوجيهات الملكية السامية الدور الحاسم في أن تكون تشريعا منصفا للنساء والأطفال، وللأسرة بكل مكوناتها، وإصلاح قانون الجنسية لتمكين الأم المغربية من منح جنسيتها لأبنائها، واعتماد التمييز الإيجابي من أجل الرفع من تمثيلية النساء في البرلمان وباقي المؤسسات على المستوى الترابي، وانضمام المملكة إلى عدد من المواثيق والاليات الدولية ذات الصلة بحقوق النساء، فضلا عن إقرار القانون المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء، وجعل التمكين الاقتصادي والاجتماعي للنساء ال تقائيا في التشريعات الوطنية والسياسات العمومية واعتماد ميزانية النوع (…)”.

وأبرز أن دسترة حقوق الأسرة والنساء في مختلف أبعادها والتنصيص صراحة على عدم التمييز، “كانت محطة إصلاحية فارقة وحاسمة”، مضيفا أنه إذا كانت مقتضيات دستور المملكة غنية بالتنصيص على حقوق الإنسان، وضمنها حقوق النساء، فإن تخصيص الفصل الأول، من باب الحريات والحقوق الأساسية للتأكيد على تمتع الرجل والمرأة، على قدم المساواة، بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية الواردة في الدستور، وفي الاتفاقيات والمواثيق كما صادق عليها المغرب، “يكتسي أبعاد نبيلة، و رمزية خاصة، ورسالة ينبغي أن نت م ث ل ه ا من أجل الحاضر والمستقبل”.

وسج ل السيد الطالبي العلمي أن ما يجعل النموذج المغربي في الإصلاح، في هذا الباب كما في حقول أخرى، متفردا، هو كونه يتم على أساس التوافق، والتشاور والإشراك، وكونه يبني على التثمين والتراكم “وهو ما يكفل نجاعته واستدامته وغناه، ويجعله مفتوحا على مزيد من التطوير والتجويد تجاوبا وتفاعلا مع المواثيق الوطنية والدولية”.

وفي هذا الصدد، استحضر السيد الطالبي العلمي حرص جلالة الملك على إطلاق حوار وطني ومشاورات لمراجعة مدونة الأسرة بعد عشرين عاما من اعتمادها، وتكليف جلالته هيأة من مؤسسات دستورية وقطاعات حكومية بالإشراف على هذا الحوار وإجراء استشارات واسعة، وعقد جلسات استماع مع مختلف مكونات المجتمع وتلقي اقتراحاتها.

واعتبر أنه إذا كان من عنوان يمكن اختياره للنموذج المغربي في الإصلاح والتطوير، فإنه سيكون بالضرورة “دسترة ومأسسة حقوق الإنسان”، وفي صلبها حقوق النساء، وإعطائها محتوى اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا، إلى جانب تفعيلها المؤسسي، كما أنه، يضيف السيد الطالبي العلمي، إذا كان من صفة تلازم مسلسل الإصلاح هذا، فإنها “التحديث والعصرنة”.

ولفت رئيس مجلس النواب إلى أن البرلمان المغربي يضطلع بدور حاسم في هذه الإصلاحات، وفي ت ب ي ن أثرها، وفي تملكها من طرف المجتمع، مذك را في هذا الصدد بتقييم القانون رقم 103.13 بشأن محاربة العنف ضد النساء الذي أنجزه مجلس النواب خلال السنة التشريعية الماضية ضمن مبادرات أخرى في مجالات التشريع والرقابة والدبلوماسية البرلمانية.

وأكد أنه إدراكا من مجلس النواب لن ب ل المشاركة النسائية، في ما يرجع إلى الحقوق والمساواة والمناصفة، والإنصاف والتمكين والمشاركة، ح ر ص على أن يكون إحداث مجموعة العمل الموضوعاتية المكلفة بالمساواة والمناصفة، موضوع فرع ثابت في نظامه الداخلي، مثنيا على دينامية هذه المجموعة وإسهام اقتراحاتها وأنشطتها، في إثراء النقاش المؤسساتي والعمومي وفي التفكير وصياغة اقتراحات لتعزيز المساواة والمناصفة.

وأوضح أنه في هذا الأفق، يندرج تنظيم المنتدى البرلماني السنوي الأول للمساواة والمناصفة كفضاء للحوار بمشاركة عدد من المؤسسات الدستورية والحكومة، وهيئات الحكامة، والمجتمع المدني المترافع عن حقوق النساء، واستشراف مداخل وعناوين لتعزيز المساواة والمناصفة في إطار ما ينص عليه الدستور وما تقتضيه الالتزامات الدولية التي صادق عليها المغرب.

وأعرب السيد الطالبي العلمي عن تطلعه إلى أن يساهم هذا المنتدى المنظم تحت شعار “البرلمان رافعة أساسية لتعزيز المساواة والمناصفة” في بلورة أفكار ت سعف في إخصاب مزيد من الاقتراحات لتعزيز المكتسبات.

مقالات مشابهة

  • أدوات جوجل الجديدة التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي لجعل حياتك أسهل
  • شاهد الشخص الذي قام باحراق “هايبر شملان” ومصيره بعد اكتشافه وخسائر الهايبر التي تجاوزت المليار
  • اللهم اغفر له وعافه واعف عنه.. هيثم سعيد ينعى الفنان محمد رحيم
  • الطالبي : كفالة حقوق النساء والرفع من تواجدهن في مراكز القرار أحد معالم ربع قرن من حكم جلالة الملك
  • دعمًا للحرف اليدوية .. الصندوق الثقافي يصنع فرص التمكين في “بنان”
  • السيد القائد: الذكرى السنوية للشهيد من المناسبات المهمة التي يحييها شعبنا ولها قدسيتها في مضمونها وأهدافها
  • جلالة الملك يأذن بانعقاد المجلس العلمي الأعلى
  • السيسي يجتمع بعدد من قادة القوات المسلحة بمقر القيادة الاستراتيجية بالعاصمة الإدارية الجديدة
  • الرئيس السيسي يجتمع بعدد من قادة القوات المسلحة بمقر القيادة الاستراتيجية بالعاصمة الإدارية الجديدة