كييف- تحول لافت في الموقف الأوكراني تجاه شبه جزيرة القرم، فالرئيس فولوديمير زيلينسكي يرى اليوم أنها "ستعود بالطرق الدبلوماسية حتما لأن البلاد لا تملك ما يكفي من سلاح لاستعادتها بالقوة، ولن تضحي بعشرات الآلاف من جنودها على ذلك الطريق".

وبحسب زيلينسكي، لن تعترف كييف بالقرم وغيرها من الأراضي المحتلة جزءا من روسيا، لكن نهجه الجديد يخالف قانونا أقرته بلاده في سبتمبر/أيلول 2022، بعد أن ضمت موسكو أراضي مقاطعات دونيتسك ولوغانسك وزاباروجيا وخيرسون؛ وهو قانون يمنع التفاوض مع روسيا في ظل حكم الرئيس الحالي فلاديمير بوتين.

كما يخالف جذريا ما طال الحديث عنه سابقا في أوكرانيا لاسيما بعد أن حررت البلاد أجزاء واسعة من مقاطعة خيرسون في نوفمبر/تشرين الثاني 2022، وكان قادتها العسكريون "منتشين" آنذاك، وعازمين على المضي قدما نحو القرم في الجنوب، التي ضمتها روسيا في مارس/آذار 2014.

فيسينكو يرى أنه بعودة ترامب ستضطر كييف لقبول التفاوض مع موسكو (الجزيرة)  أسباب التراجع

وبالإضافة إلى الأسباب التي ذكرها زيلينسكي في كلماته، يُرجع مراقبون سبب هذا التراجع عن العزم السابق إلى عدة عوامل أخرى ترتبط ببعضها، وأهمها:

زيادة الضغط الروسي على جبهات دونيتسك ولوغانسك وزاباروجيا وخاركيف وحتى كورسك الروسية، وعجز القوات الأوكرانية عن التمسك بمواقعها طويلا، ناهيك عن القيام بعمليات مضادة ناجحة. نقص الذخيرة والجنود، فالبلاد لا تخفي أن الغرب لا يمدها بكل ما تحتاج إليه، وإنتاجها المحلي لا يرقى لسد نسبة تذكر من تلك الحاجة، كما أنها تعيش أزمة تعبئة إجبارية تعكس توترا على المجتمع. عودة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب إلى البيت الأبيض تشكل هاجسا بالنسبة لأوكرانيا، خاصة وأن خططه لإنهاء الحرب لا تزال غامضة. وترتبط بهذا العامل أيضا توقعات بأن يتراجع الدعم الغربي عموما والأوروبي خصوصا، في ظل عدم حماسة ترامب لاستمرار تدفق المساعدات "المجانية" إلى كييف.

في السياق، يوضح الخبير فولوديمير فيسينكو رئيس مركز الدراسات السياسية التطبيقية "بنتا"، للجزيرة نت، أن مصدر هذه الهواجس هو عدم معرفة ماذا يريد ترامب، وهل سيستطيع الدفع نحو إنهاء الحرب فعلا وكيف، "لكننا ندرك أن فشله يعني أن مساعدة بلاده ستكون مكلفة وعبئا ثقيلا على أوكرانيا في المستقبل".

ويبدو المشهد وكأن كييف بدأت تمهد لخوض غمار مفاوضات يريدها ترامب ولمح إليها مرارا خلال حملته الانتخابية، حتى وإن كانت صعبة عليها ولن تنتهي لصالحها.

ويقول فيسينكو "إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن ترامب عازم على تحقيق نهاية سريعة للحرب، فأغلب الظن أنه سيدفع نحو تجميدها على أساس خطوط القتال الحالية. وبغض النظر عن التفاصيل، هذا سيكون في صالح موسكو ويعني أن ملف القرم وإقليم دونباس ومقاطعات أخرى سيوضع جانبا لفترة طويلة".

وبرأيه، ستكون كييف مضطرة للقبول، فدون الدعم الغربي ستقاتل ولكنها ستخسر أكثر بكثير من مساحة الأراضي الخاضعة حاليا لسيطرة روسيا، وتبلغ نحو 20% من مساحة أوكرانيا.

تقبل التفاوض

ورغم ذلك، لم يسبب تصريح زيلينسكي حول "الدبلوماسية لاستعادة القرم" أي سخط في المجتمع، ويبدو أن الشارع الأوكراني سئم الحرب وتداعياتها وبدأ يميل فعلا نحو تقبل فكرة التفاوض على إنهائها، مع فروق في وجهات النظر بحسب المناطق.

ووفق استطلاع أعده مركز "رازومكوف للدراسات" في كييف، تبين أن نسبة المؤيدين للتفاوض ارتفعت من 21% في سبتمبر/أيلول 2023 إلى 35% في سبتمبر/أيلول الماضي. كما تراجعت نسبة الذين يرون أن المفاوضات مع روسيا يجب أن تتم حصرا بعد انسحاب قواتها إلى حدود عام 1991، من 61% إلى 49%.

ويعكس الاستطلاع فروقا بين نسب المؤيدين والمعارضين وفق المناطق، فنسبة المعارضين للمفاوضات في المناطق الغربية التي لم تشهد عمليات قتالية، تصل إلى 61%، لكنها عند حدود 29% في المناطق الوسطى، و27% في الشرقية التي تشهد معظم العمليات القتالية.

لكن مراقبين يشككون في صدق نوايا زيلينسكي بخصوص استعادة القرم دبلوماسيا، ولا يستبعدون أنه "يراوغ" سياسيا لتحقيق هدف عسكري ما على الأرض.

يقول أوليغ جدانوف الخبير العسكري والعقيد في قوات الاحتياط للجزيرة نت "آمل ألا تتجه كييف (أو تُدفع) نحو السبل الدبلوماسية في القرم، وأن تكون في تصريحات زيلينسكي مراوغة معينة كتلك التي كانت في مقاطعة سومي قبل أن تنطلق منها عمليات مقاطعة كورسك داخل روسيا".

خطط موسكو

وتابع الخبير جدانوف أن كل العسكريين يعلمون أن تحرير القرم أهم وأسهل نسبيا من تحرير أراضي دونباس المتصلة حدوديا مع روسيا أو غيرها، لأنه يتصل معها بشرايين رفيعة على الأرض يمكن قطعها (أهمها جسر القرم).

وبرأيه، من شأن هذا أن يغير مسار الحرب فعلا لصالح أوكرانيا، فهو "سيوجع" موسكو أكثر من أي شيء آخر وسيعزز موقف كييف على أي طاولة تفاوض معها.

ورأى أن "الدبلوماسية لن تنفع لاستعادة القرم، والأيام الماضية كشفت أن لدى موسكو خططا كبيرة لتقسيم أوكرانيا على المدى الطويل، لا لإنهاء الحرب معها".

وكانت وسائل إعلام روسية وأوكرانية قد كشفت قبل أيام عن مخطط روسي لتقسيم أوكرانيا، وهو ما أكدت صحته دائرة الاستخبارات العسكرية في وزارة الدفاع الأوكرانية.

وترمي الخطط إلى تقسيم أوكرانيا لـ3 مناطق:

شرقية تابعة لروسيا، والقرم جزء منها. وسطى عاصمتها كييف وسلطاتها موالية لموسكو. غربية محايدة عاصمتها مدينة لفيف.

وقال نائب رئيس الدائرة فاديم سكيبيتسكي لوكالة "إنترفاكس أوكرانيا" إنه "تم إعداد وثيقة خطة التقسيم من قبل وزارة الدفاع وهيئة الأركان الروسية في ديسمبر/كانون الأول الماضي، ليتم العمل على تنفيذها في الفترة ما بين 2026-2035، مع إمكانية التمديد حتى عام 2045".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات

إقرأ أيضاً:

مبعوث نتنياهو بين موسكو وواشنطن: هل تتخلّى روسيا عن إيران؟

لم تعلن القنوات الرسميّة في روسيا عن زيارة وزير الشؤون الاستراتيجيّة الإسرائيلي رون ديرمر إلى موسكو، ولم تعلّق على رواية الإعلام الإسرائيلي حيال طلبٍ حمله كبير أمناء نتنياهو إلى موسكو "للمساعدة في قطع طرق الإمداد العسكريّة لصالح حزب الله انطلاقاً من الأراضي السورية". قبل زيارة ديرمر بأيام،كان المتحدّث باسم الرئاسة الروسيّة ديمتري بيسكوف يؤكّد أنّ بلاده تواصل بذل كلّ ما في وسعها للمساعدة في حلّ الصراع بين إسرائيل ولبنان، ليبقى الأهم ما طرحه الرئيس بوتين في 18 تشرين الأول الماضي، حيال استعداده للتقدّم بوساطة بين إيران وإسرائيل لمنع التدهور إلى حرب، قائلًا "لروسيا علاقات ثقة مع الدولتين، إسرائيل وإيران، ونعتقد بأنّه يجب وضع حدّ لتبادل القصف بينهما، والتوصّل إلى تفاهمات ترضي الطرفين". بعد موسكو، طار ديرمر اليميني الإيديولوجي المتشدّد والمقّرب من نتنياهو إلى واشنطن، والتقى الرئيس المنتخب دونالد ترامب في منتجع "مار لاغو" في ولاية فلوريدا، قبل أن يبدأ الأخير لقاءاته الرسميّة لاحقا في واشنطن. لماذا تنقّل الوزير الاسرائيلي بين موسكو وواشنطن؟ ما حقيقة الدور الروسي في أيّ تسوية لوقف الحرب على لبنان؟ هل تقبل روسيا بالاصطفاف ضدّ حليفها الإيراني؟ وهل يسمح ترامب لنظيره الروسي أن يكون شريكًا في صياغة المشهديّة الجيوسياسيّة التي تحيكها بالنار إسرائيل ومن خلفها الولايات المتحدة؟  
نتنياهو يلتقط تحولًا في العلاقات الروسيّة الأميركيّة
كثيرة هي الأسباب التي تدفع الإسرائيلي لاستقطاب القيصر، فروسيا ليست قوّة عظمى تملك حقّ النقض في مجلس الأمن فحسب، بل هي دولة موجودة عسكريًّا في سوريا وتحت تصرّفها ميناء ومطار، وهناك جهاز أمني بين موسكو وتل أبيب ينسّق عملهما العسكري في سوريا، تجنّبًا للتصادم بين قواتهما. بعد فوز ترامب في الانتخابات الرئاسيّة، سارع الإسرائيلي للتحرك بين موسكو وواشنطن، نظرًا للتغيير الذي سيطرأ على العلاقات الروسيّة الإميركيّة، وفق مقاربة الخبير في الشؤون العسكرية والقانون الدولي أكرم سريوي في اتصال مع "لبنان 24" لافتًا إلى أنّ التفاوض بين الأميركي والروسي كان شبه مقطوع في عهد بايدن، واقتصر على خطّ عسكري ساخن، كي تبقى الحرب الأوكرانيّة مضبوطة دون سقف حرب شاملة. وبوصول ترامب فُتح الباب أمام آفاق جديدة في العلاقات الروسيّة الأميركيّة، من ضمنها ترتيبات الشرق الأوسط، انطلاقًا من المصالح المشتركة التي تجمعهما، كالحدّ من النفوذ الإيراني في سوريا، وهذا ما يبرر التغاضي الروسي المطلق عن الضربات الإسرائيليّة التي تستهدف مواقع إيرانيّة في سوريا.
الفرق بين بايدن وترامب في مقاربتها للدور الروسي فق سريوي"أنّ الأول راوده حلم استنساخ تجربة تفكيك الاتحاد السوفياتي عبر تفكيك روسيا وإضعافها. أمّا ترامب  فليس لديه هذا التوجه، وهو يرى أنّ مشكلته الأساسيّة مع الصين، وأنّ دفعَ روسيا إلى الحضن الصيني لا يصبّ في مصلحة الولايات المتحدة. لكن هذا لا يعني أنّ إدارة ترامب ستشرك موسكو بدور فاعل في أيّ اتفاقيّة سلام بين الاسرائيلي والفلسطيني واللبناني، بل ستعمل على حصر الدور الروسي في جغرافيّة سوريا فقط".
اسرائيل تطلب من روسيا قطع خط إمداد السلاح
أمّا بالنسبة للجانب الإسرائيلي، فالروسي مؤثر لعدّة اعتبارات، منها وجود ما يزيد عن المليون اسرائيلي من أصل روسي، وهو عدد كبير، وهؤلاء على تواصل مع أقارب لهم في روسيا. كما تجمع كلًا من موسكو وتل أبيب اتفاقياتٌ أمنيّة وتفاهمات حول الضربات في سوريا، ومصالحُ مشتركة، يلفت سريوي "من هنا نرى العلاقة متينة بينهما، رغم التقارب العربي الروسي. كما أنّ الوجود العسكري الروسي في سوريا منح موسكو دورًا في المنطقة لا يمكن لأيّ لاعب دولي تجاهله. أما زيارة ديرمر فكانت للحصول على ضمانة روسية بقطع خطّ إمداد السلاح من إيران إلى بيروت عبر سوريا، وأن يكون هناك تعاون بذلك من قبل النظام السوري. والأخير فعّل مؤخّرًا إجراءاته الأمنيّة، مقييّدًا من حرّية حركة الحزب في سوريا، لجهة إخراجه من الشام. لكن هذا لا يعني أنّ المصالح انتفت بينهما، على العكس من ذلك، كما أنّ النظام السوري لن يتخلّى عن هذه الورقة بلا مقابل".
بين طهران وموسكو مصالح وتضارب والـ "إس-400"
بالتوازي مع العلاقة التي تربط موسكو بتل أبيب، هناك علاقة تربطها بطهران كذلك، عمرها ثلاثة عقود، على رغم التباين حيال بعض الملفات الإقليميّة والدوليّة. في الشق العسكري، يطالب الإيرانيون روسيا بالمساهمة في رفع مستوى الردع العسكري لمواجهة التهديدات الإسرائيليّة، أبرزها مقاتلات سوخوي-35 ، ومنظومة "إس-400" للدفاع الجوي، التي سبق أن أتمّت إيران صفقة شرائهما. وكانت بعض المواقع الإخباريّة الناطقة بالفارسية قد نشرت تقارير عن وصول دفعة من المقاتلات الروسيّة المتطورة ومنظومة إس-400 للدفاع الجوي إلى إيران، وسط صمت رسمي حيال هذه التسريبات. في السياق يرى سريوي أنّ إسرائيل ستتدخل وتستخدم نفوذها لمنع وصول هذه الطائرات إلى إيران، لأنّ امتلاكها يتسبب بمشكلة للطيران الإسرائيلي والأميركي في حال دخولهما الأجواء الإيرانية.
بالخلاصة، قد تلعب روسيا دورًا في وقف إطلاق النار في لبنان، ولكن ضمن جغرافيّة سوريا. أمّا لاحقًا، وفي حال تمت بلورة رؤية أميركية للصراع الفلسطيني الإسرائيلي في ولاية ترامب، يمكن لروسيا أن تساهم بدور أكبر، انطلاقًا من علاقتها مع حماس والدول العربيّة، ولكن ذلك رهن بالحلّ المستقبلي للقضية الفلسطينية.

المصدر: لبنان 24

مقالات مشابهة

  • زيلينسكي: حرب روسيا مع أوكرانيا تنتهي العام المقبل
  • زيلينسكي: حرب أوكرانيا يمكن أن تنتهي في 2025
  • ترامب يفكر في تعيين مبعوث خاص للصراع الروسي الأوكراني
  • زيلينسكي: تطوير دفاعات أوكرانيا الجوية لمواجهة التصعيد الروسي
  • وزير الدفاع الروسي: قواتنا تتقدم في أوكرانيا وتسحق أهم قوات كييف
  • مسؤول غربي ينفي إطلاق موسكو صاروخا على أوكرانيا.. وعقوبات أمريكية جديدة ضد روسيا
  • مبعوث نتنياهو بين موسكو وواشنطن: هل تتخلّى روسيا عن إيران؟
  • وسط التصعيد الأوكراني والتحذير من الرد الروسي.. ترامب يختار سفير أمريكا لدى الناتو
  • زيلينسكي: لا يمكن استعادة شبه جزيرة القرم إلا بالدبلوماسية