على الفاتح يكتب: يوم الصفعات على وجه واشنطن..!
تاريخ النشر: 24th, November 2024 GMT
إذا استمرت سياسة إدارة بايدن تجاه الصراع فى شرق أوروبا، والشرق الأوسط، وبحر الصين الجنوبى مع الولاية الثانية للرئيس الأمريكى المنتخب دونالد ترامب فالعالم متجه إما نحو حرب ثالثة مدمرة، وإما ستشهد نهاية إمبراطورية الكاوبوى الأمريكى.
وثَّق الخميس ٢١ نوفمبر تشرين الثانى ٢٠٢٤ لصفعتين ثقيلتين على وجه من يعتقد أنها ما زالت القوة العسكرية والاقتصادية الأكبر فى العالم.
تزامن الصفعتين لم يكن مقصوداً، لكنهما -وعلى أية حال- تأتيان رداً على صلف وعنجهية السياسات الأمريكية الاستفزازية فى مختلف بؤر الصراع حول العالم.
قرار المحكمة الجنائية الدولية باعتقال رئيس الحكومة الإرهابية فى الكيان الصهيونى بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف جالانت لكونهما ارتكبا جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب فى قطاع غزة؛ لم يكن فى جوهره موجهاً ضد الكيان الصهيونى الإرهابى فقط، وإنما ضد داعمه الأول فى واشنطن.
مطلع الأسبوع الماضى رفضت الولايات المتحدة تقريراً صادراً عن لجنة خاصة بالأمم المتحدة اتهم جيش الاحتلال الصهيونى بارتكاب جرائم ضد المدنيين فى غزة واستخدام التجويع بمنع المساعدات الغذائية، وحظر معونات الأدوية والطاقة كأداة حرب.
إدارة بايدن اتهمت اللجنة الأممية بالانحياز، وفى اليوم التالى استخدمت حق الفيتو فى مجلس الأمن مجدداً ضد قرار دولى بوقف الحرب فى غزة.
ذات الموقف أعلنه بايدن ضد قرار المحكمة الجنائية الدولية واصفاً إياه بالمشين لأنه ساوى بين حماس ودولة الكيان الصهيونى.
فى الواقع أن مواقف واشنطن المتكررة والداعمة لحرب الإبادة ضد الفلسطينيين جديرة بامتياز بوصف المشينة؛ لأنها ساهمت عبر عقود، وليس من تاريخ الثامن من أكتوبر ٢٠٢٣ فقط، فى تشويه صورة الولايات المتحدة كدولة تدّعى الدفاع عن الحريات وحماية حقوق الإنسان.
ومواقفها الأخيرة الرافضة لكل محاولات الإدانة الدولية ودعمها جيش الاحتلال بصفقات سلاح تجاوزت الـ١٨ مليار دولار يجعلها متورطة فى حرب الإبادة ويلطخ أيديها بدماء عشرات الآلاف من الأبرياء فى فلسطين ولبنان.
كما أن دعمها اللوجيستى والاستخباراتى لجيش الاحتلال فى العدوان على غزة على مدار أكثر من عام يجعلها شريكاً لحكومة الكيان الصهيونى فى جرائم الإبادة الجماعية، وهو ما يتطلب جهداً إضافياً من منظمات حقوق الإنسان لإثبات تورط الرئيس الأمريكى الحالى جو بايدن وعناصر إدارته فى جرائم التطهير العرقى ومعه كل رؤساء الحكومات الأوروبية التى عاونت جيش الاحتلال على ارتكاب جرائمه عبر إمداده بصفقات السلاح المتنوعة.
هذا السعار الأمريكى فى رفض قرار المحكمة الجنائية الدولية إنما يعكس تخوفاً من أن يكون القرار دافعاً لدول ومنظمات تناهض السياسات الأمريكية لتتخذ خطوات قانونية شجاعة ضد مجرمى الحرب الحقيقيين فى واشنطن.
الصفعة الثقيلة الثانية جاءت من يد القيصر الروسى فلاديمير بوتين بتوجيهه ضربة لمجمع صناعى عسكرى أوكرانى بأحدث صاروخ باليستى متوسط المدى بلغت سرعته ثلاثة آلاف متر فى الثانية رداً على سماح واشنطن وباريس ولندن لجيش زيلينسكى باستهداف عمق الأراضى الروسية بالصواريخ الغربية بعيدة المدى، وتعرض روسيا بالفعل إلى هجوم بصواريخ أتكامز الأمريكية وسمورت شادو البريطانية.
بوتين أكد أن صاروخه الجديد أورشينك لا يمكن اعتراضه من قبَل أحدث المنظومات الدفاعية الغربية وأن قرار واشنطن التصعيدى بشأن استهداف الأراضى الروسية أعطى الصراع الإقليمى فى شرق أوروبا طابعاً عالمياً.
الدب الروسى أبى أن يزود صاروخه الجديد برؤوس نووية رغم تصديقه على مرسوم تعديل العقيدة الروسية النووية أملاً فى إعطاء فرصة أخيرة للأمريكيين للتراجع عن سياساتهم التى تدفع العالم نحو أتون حرب عالمية ثالثة.
فى التحليل النهائى تتسق السياسات الاستفزازية للإدارة الأمريكية الديمقراطية تجاه مناطق الصراع المختلفة وتتماهى مع بعضها البعض، سواء فى أوكرانيا أو الشرق الأوسط ونظرتها إلى إيران وحركات التحرر الوطنى فى فلسطين ولبنان أو إزاء الصين وحول جزيرة تايوان.
وإذا كان الرئيس الأمريكى المنتخب دونالد ترامب جاداً فى حديثه بشأن السلام فعليه المضى فى هذا المسار على كافة المحاور دون أن يتخذ خطوات لإنهاء الصراع بشرق أوروبا وتخفيض وتيرته فى بحر الصين الجنوبى ليشعله فى الشرق الأوسط.
فلو أن ترامب تماهى مع رغبات حكومة نتنياهو الإرهابية بشأن ضم الضفة الغربية واستمرار التصعيد العسكرى ضد المدنيين فى قطاع غزة وجنوب لبنان وضد إيران ومشروعها النووى؛ سيؤدى ذلك أيضاً إلى جعل احتمالات الحرب الثالثة قائمة لأن حرباً إقليمية واسعة ستندلع وستكون شرارتها الأولى مع توقيع قرار ضم الضفة الغربية ومصادقة ترامب عليه.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: الانتخابات الأمريكية بايدن ترامب روسيا الاتحادية المحکمة الجنائیة الدولیة الکیان الصهیونى
إقرأ أيضاً:
عنقاء الحداثة
د. عصام عبدالفتاح
ثمة كتب ثورية حينما يقرؤها الإنسان فإنه لابد أن يخرج منها بحصيلة فكرية عميقة تزوّده بإضاءات لامعة فى تفكيك الإشكاليات الحضارية التى تعانى منها المجتمعات المتخلفة، أى التى لم تطرق بعد باب الحداثة رغم أنها تغترف من ثمارها بل ـ وهنا تبدو المفارقة ـ تتباهى بكونها جمعت بين الأصالة والحداثة!.
إن مؤلفات عالم النفس الاجتماعى مصطفى حجازى هى من هذا الطراز الفريد الذى يغير من فكر قارئه ويمتعه بتحليلاته للمجتمع العربى وإشكالياته الكأداء. فمثلا كتابه الشهير «التخلف الاجتماعى: مدخل إلى سيكولوجية الإنسان المقهور» يعد من أهم الدراسات التحليلية فى علم النفس الاجتماعى «سيكولوجية الإنسان العربى المهدور». ففيه يتناول حجازى، بمنهجيته الاستقرائية الدقيقة، ظاهرة «العنف العربى» التى لم تتمكن المجتمعات العربية حتى يومنا هذا من الخلاص منها. لماذا؟ يجيبك حجازى بكلمة السر التى تتنوع مترادفاتها فى القاموس الدينى والسياسى والاجتماعى، بدءا من الطائفية والعصبية، مرورا بالتحزبية، وانتهاء بالأصولية والدوجمائية، فمثلا دولة كالسودان، منذ أبريل ٢٠٢٣، يعانى شعبها من حرب ضارية بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع أدت إلى تفاقم الأزمات الطاحنة فى بلاده وأطاحت بكل استقرار سياسى فيها وأدخلتها فى دوامة لا نهاية لها من النوازل الاقتصادية والإنسانية. إن السودان يشكو حاليا من أزمة نزوح لا نظير له. فثلث سكانه نازحون مشردون فى العراء بلا غذاء ولا ماء ولا مأوى ولا رعاية طبية. امتدت عواقب هذا الصراع المروع بين المتحاربين إلى ما وراء حدود السودان. وحسب تقارير الأمم المتحدة سيرتفع عدد ضحايا الصراع العبثى إلى أكثر من مليون شخص فى عام ٢٠٢٥.
أطراف الصراع هم سودانيون!، إن تحليل حجازى لظاهرة العنف فى المجتمعات العربية ينطبق برمته على الحالة السودانية عندما يقول: «يعود العنف السياسى الاجتماعى فى المجتمعات العربية إلى تفشى العصبيات وترسخها جذريا فيه. فالأنظمة العربية الاستبدادية لم تبنِ مجتمعا مدنيا، إنما راهنت القيادات على العصبيات، والعصبيات فى طبيعتها تحتوى على مكوِّن العنف، وهذا العنف يتفجر من العصبيات التى تنمو فى أزمنة الصراع ولا تستطيع العيش من دون عدو. كما ليس بإمكان الأنظمة العرقية الاستمرار خارج نطاق الصراع وصناعة العدو المتخيل أو الفعلى، لكى تتمكن من الحفاظ على ثباتها الداخلى بقوة الجمهور». ولئن تركز تحليل حجازى على لبنان بوصفه عينة خصبة للطائفية وجزء لا يتجزأ من نسيج المجتمع العربى فقد أراد به الكشف عن الداء العضال الذى لم يبرأ منه هذا المجتمع منذ قرون خلت فأعجزه تماما عن بلوغ الحداثة، إن هذا الداء هو نفسه «جرثومة التخلف» التى تحدث عنها د. مراد وهبة فى كتابه الشهير تحت هذا العنوان.
وفى مؤلفه الأخير «النقلات الحضارية الكبرى. أين نحن منها؟» يرى حجازى أن قوى التخلف أو حسب تعبيره «قوى العطالة فى مجتمعاتنا العربية» لا تتمثل فقط فى العصبيات وحدها وإنما هى تتجسد فى تحالف ثلاثى: العصبيات والفقه السلفى والاستبداد الظاهر منه والخفى. هذا التحالف يستخدم سلاحا خطيرا فى الإجهاز على أى محاولة تسعى إلى إيقاظ العقل العربى من سباته، آلية هذا السلاح هى: التأثيم والتحريم والتجريم. تكمن فاعليته فى أنه يشل طاقات الإنسان العقلية تماما ويدخله فى حالة من الانقياد والتبعية والجبرية وفقدان السيطرة على الذات والمصير!.
إن الحداثة التى يحلم بها المجتمع العربى أشبه بطائر العنقاء الذى لا وجود له فى الواقع، لأن متطلباتها لم تتوافر فيه بعد. وتتجلى ازدواجية المجتمع العربى، كما يقول حجازى، فى أنه يستورد كل منتجات الحداثة المادية والفكرية من الأمم المبدعة، لكنه لا يملك مشروعا إنتاجيا وطنيا خليقا بأن يحدث فيه نقلة نوعية تتحرر فيها طاقات العقل المبدع وينضج فيها وعيه السياسى. فتحت غطاء الدستور فى لبنان مثلا وحكم المؤسسات المقتبس من الغرب تتسم العملية السياسية فيه بالمحاصصة واقتسام النفوذ والغنائم على حساب البلد وكأننا بصدد شركة تجارية بين أطراف مؤسسين يسعى كل منهم إلى زيادة حصته من النفوذ والغنيمة وتحولت النيابة فيه إلى نوع من الوجاهة أكثر مما هى عملية تمثيل بالتفويض من قبل الشعب، فتحول الانتخاب فيه إلى نوع من المبايعة!.
نقلا عن المصري اليوم