في ذكرى وفاته.. الشيخ الحصري أول من قرأ القرآن بالبيت الأبيض والأمم المتحدة
تاريخ النشر: 24th, November 2024 GMT
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
تحل، اليوم الأحد، ذكرى وفاة الشيخ محمود خليل الحصري في 24 من نوفمبر كل عام، ويُعد الحصري أحد أشهر قراء العالم الإسلامي، وأول من سجل المصحف المرتل برواية حفص عن عاصم.
الشيخ محمود خليل الحصريوُلد الشيخ محمود خليل الحصري، في السابع عشر من سبتمبر من عام 1917، الموافق غرة ذي الحجة سنة 1335 هجرية، في قرية شبرا النملة التابعة لمركز طنطا بمحافظة الغربية.
وفي الرابعة التحق بالكتاب وأتم حفظ القرآن الكريم في سن الثامنة، وعندما بلغ 12 عامًا انضم إلى المعهد الديني بطنطا، وبعدها للأزهر الشريف، حيث أتم تعلم القراءات العشر وتفرغ بعد ذلك لدراسة علوم القرآن.
في 1944م تقدم لامتحان في الإذاعة المصرية وكان ترتيبه الأول بين المتقدمين، وحصل على العمل وكان أول بث مباشر على الهواء له في 16 نوفمبر من العام نفسه، واستمر البث الحصري له على أثير إذاعة القرآن المصرية لمدة عشرة سنوات.
ذكرى وفاة الشيخ محمود الحصريكان أول من سجل المصحف الصوتى المرتل برواية حفص عن عاصم وهو أول من نادى بإنشاء نقابة لقراء القرآن الكريم، ترعى مصالحهم وتضمن لهم سبل العيش الكريم، ونادى بضرورة إنشاء مكاتب لتحفيظ القرآن في جميع المدن والقرى، وقام هو بتشييد مسجد ومكتب للتحفيظ بالقاهرة.
أدرك الشيخ الحصري، منذ وقت مبكر أهمية تجويد القرآن في فهم القرآن وتوصيل رسالته، فالقراءة عنده علم وأصول؛ فهو يرى أن ترتيل القرآن يجسد المفردات القرآنية تجسيدًا حيًا، ومن ثَمَّ يجسد مدلولها التي ترمي إليها تلك المفردات، كما أن ترتيل القرآن يضع القارئ في مواجهة عقلانية مع النص القرآني، تُشعر القارئ له بالمسؤولية الملقاة على عاتقه.
محطات في حياة الشيخ:1957م عين مفتشا للمقارئ المصرية.
1958م عين وكيلًا لمشيخة المقارئ المصرية.
1958م تخصص في علوم القراءات العشر الكبرى، وطرقها وروايتها بجميع أسانيدها ونال عنها شهادة علوم القراءات العشر من الأزهرالشريف.
1959م عين مراجعًا ومصححًا للمصاحف بقرار مشيخة الأزهر الشريف.
1960م أول من ابتعث لزيارة المسلمين في الهند وباكستان وقراءة القرآن الكريم في المؤتمر الإسلامي الأول بالهند، وكان ذلك في حضور الرئيس جمال عبد الناصر والرئيس جواهر لال نهرو، وزعيم المسلمين بالهند.
1961م عين بالقرار الجمهورى شيخ عموم المقارئ المصرية.
1961م أول من سجل المصحف المرتل في أنحاء العالم برواية حفص عن عاصم وظلت إذاعة القرآن الكريم تقتصر على إذاعة صوته منفردا حوالي عشر سنوات.
1962م عين نائبا لرئيس لجنة مراجعة المصاحف وتصحيحها بالأزهر الشريف ثم رئيسًا لها بعد ذلك.
1963م زيارته لدولة الكويت بدعوه من وزارة الأوقاف والشؤن الإسلامية لتلاوت القرآن الكريم في شهر رمضان المبارك.
1964م أول من سجل المصحف المرتل في أنحاء العالم برواية ورش عن نافع.
1965م قام بزيارة فرنسا وأُتيحت له الفرصة إلى هداية عشرة فرنسيين لدين الإسلام بعد أن سمعوا كلمات الله أثناء تلاوته للقرآن الكريم.
1966م عين مستشارًا فنيًا لشئون القرآن الكريم بوزارة الأوقاف.
1966م اختاره اتحاد قراء العالم الإسلامى رئيسا لقراء العالم الإسلامي بمؤتمر اقرأ بكراتشي بباكستان.
1967م عين خبيرا بمجمع البحوث الإسلامية لشئون القرآن الكريم (هيئة كبار العلماء) بالأزهر الشريف.
1967م حصل على وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى في عيد العلم.
1967م رئيس اتحاد قراء العالم.
1968م انتخب عضوا في المؤتمر القومى للإتحاد الإشتراكى عن محافظة القاهرة (قسم الموسكى).
1968م أول من سجل المصحف المرتل في أنحاء العالم برواية قالونورواية الدوري.
1969م أول من سجل المصحف المعلم في أنحاء العالم (طريقة التعليم).
1970م سافر إلى الولايات المتحدة لأول مرة موفدًا من وزارة الأوقاف للجاليات الإسلامية بأمريكا الشمالية والجنوبية.
1973م قام الشيخ محمود خليل الحصرى أثناء زيارته الثانية لأمريكا بتلقين الشهادة لثمانية عشر رجلًا وامرأة أمريكيين أشهروا إسلامهم على يديه بعد سماعهم لتلاوته القرآن الكريم.
1975م أول من رتل القرآن الكريم في العالم بطريقة المصحف المفسر (مصحف الوعظ).
1977م أول من رتل القرآن الكريم في أنحاء العالم الإسلامي في الأمم المتحدة والبيت الأبيض الأمريكي، أثناء زيارته للولايات المتحدة، بناء على طلب جميع الوفود العربية والإسلامية.
1978م أول من رتل القرآن الكريم في القاعة الملكية وقاعة هايوارت المطلة على نهر التايمز في لندن، ودعاه مجلس الشئون الإسلامية إلى المدينتين البريطانيتين، ليفر بول وشيفلد ليرتل أمام الجاليات العربية والإسلامية في كل منهما.
تسجيلات القرآن بصوته:تسجيل المصحف المرتل براوية حفص عن عاصم - 1961م.
تسجيل المصحف المرتل برواية ورش عن نافع - 1964م.
تسجيل المصحف المرتل برواية قالون، ورواية الدوري عن ابي عمرو البصري - 1968م.
تسجيل المصحف المعلِّم - 1969م.
تسجيل المصحف المفسر (مصحف الوعظ) - 1973م.
أحكام قراءة القرآن الكريم.
القراءات العشر من الشاطبية والدرة.
معالم الاهتداء إلى معرفة الوقف والابتداء.
الفتح الكبير في الاستعاذة والتكبير.
أحسن الأثر في تاريخ القراء الأربعة عشر.
مع القرآن الكريم.
قراءة ورش عن نافع المدني.
قراءة الدوري عن أبى عمرو البصري.
نور القلوب في قراءة الإمام يعقوب.
السبيل الميسر في قراءة الإمام أبى جعفر.
حسن المسرة في الجمع بين الشاطبية والدرة.
النهج الجديد في علم التجويد.
رحلاتى في الإسلام.
تزوج في عام 1938م ويروي عنه أحد أبناؤه: "كان يعطي كل من حفظ سطرًا قرش صاغ بجانب مصروفه اليومي، وإذا أراد زيادة يسأل ماذا تحفظ من القرآن فإن حفظ وتأكد هو من ذلك أعطاه، وقد كانت له فلسفة في ذلك فهو يؤكد دائمًا على حفظ القرآن الكريم حتى نحظى برضاء الله علينا ثم رضاء الوالدين، فنُكافأ بزيادة في المصروف وكانت النتيجة أن ألتزم كل أبنائه بالحفظ، وأذكر أنه في عام 1960 م كان يعطينا عن كل سطر نحفظه خمسة عشر قرشًا وعشرة جنيهات عن كل جزء من القرآن نحفظه وكان يتابع ذلك كثيرًا إلى أن حفظ كل أبنائه ذكورًا وإناثًا القرآن الكريم كاملًا والحمد لله".
له ابنة هي الحاجة إفراج، الشهيرة بياسمين الخيام، والحاصلة على ليسانس آدا قسم فلسفة وعلم نفس، والتي عملت بعد تخرجها بمجلس الأمة (مجلس الشعب) حتى درجة وكيل أول وزارة، وهي الآن ترأس جمعية الشيخ الحصري للخدمات الدينية والاجتماعية.
وفاته:كان الشيخ حريصًا في أواخر أيامه على تشييد مسجد ومعهد دينى ومدرسة تحفيظ بمسقط رأسه قرية شبرا النملة.
وأوصى في خاتمة حياته بثلث أمواله لخدمة القرآن الكريم وحُفَّاظه، والإنفاق في كافة وجوه البر.
وتوفى مساء يوم الإثنين 16 محرم سنة 1401 هـ الموافق 24 نوفمبر 1980 بعد صلاة العشاء بعد أن امتدت رحلته مع كتاب الله الكريم ما يقرب من خمسة وخمسين عامًا.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: محمود خليل الحصري الشيخ محمود خليل الحصري الحصري الشيخ الحصري الشیخ محمود خلیل القرآن الکریم فی فی أنحاء العالم القراءات العشر
إقرأ أيضاً:
السيرة النبوية ودور الإملاءات السياسية والمذهبية.. قراءة في كتاب
الكتاب: الوحي و النص قراءة في المشروع المحمديالكاتب: فراس السواح
الناشر: دار التكوين للنشر و التوزيع ـ الشارقة ـ الطبعة الأولى 2024
(397 صفحة من القطع الكبير)
لقد بالغت المصادر الإسلامية القديمة في مسألة تجارة مكة مثلما بالغت في وصف الكعبة وطقوسها وآلهتها، وتبعها في ذلك الباحثون المحدثون، والكل يعتمد على سورة قريش في القرن الكريم: (لإيلافِ قُرَيْشٍ إِلَيْفِهِمْ رِحْلَةَ الشَّتَاءِ وَالصَّيْفِ فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَءَامَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ). وقد اختلف المفسرون على مدى تاريخ التفسير في معنى كلمة إيلاف، بينما تبنى معظم المحدثين رأي ابن حبيب مؤلف كتاب المحبر المتوفى عام 245هـ القائل إن الإيلاف هو ميثاق بين قريش وقبائل طريق التجارة، تتعهد فيه القبائل بحماية قوافل قريش التي تعبر أراضيهم مقابل إشراك سادتها في أرباح التجارة. أما عن رحلتي الشتاء والصيف فقد اتفق الجميع على أنهما رحلتان تجاريتان في كل عام واحدة إلى اليمن وأخرى إلى الشام على الرغم من أن السورة قالت رحلة ولم تقل "تجارة"، وهي الكلمة التي وردت عشرات المرات في النص القرآني. وهكذا نشأت أسطورة تجارة قريش والثروة التي حققتها من سيطرتها على تجارة اليمن والشام.
يقول المؤرخ التونسي هشام جعيط في كتابه السيرة النبوية الجزء الثاني: إن التجارة القوافلية كانت من قبل بأيدي اليمنيين ثم الأحباش ثم اللخميين، وبعدها آلت إلى قريش في اتجاه اليمن أولاً ثم في اتجاه سورية، عندما سيطرت على الطريق الرئيسي لتجارة البخور واللبان والمر والبهارات الهندية، الصاعد من العربية الجنوبية إلى الشام. وهذه التجارة كانت في الأساس تجارة ترانزيت، أي عابرة لبلاد العرب، ولكن القرشيين كانوا يقومون على الطريق ببعض المبادلات التجارية مع القبائل العربية. وقد قادت ثروة مكة التي جنتها من التجارة إلى تعقيد المشهد الاجتماعي؛ فهنالك الأشراف وعشائرهم من أقحاح قريش، وسلالات داخل العشائر، وموال وحلفاء وعبيد من الروم والأحباش والسريان يعملون في المهن، أي إن مكة كانت بشكل ما تلعب دور الميتروبول (= Metropolis). وبما أن التجارة لا تأخذ أكثر من شهرين في اتجاه الجنوب أو اتجاه الشمال، فإنه يتوفر لدى الأشراف وأبنائهم وقت طويل ملؤوه بالترفه والتزين، من شرب خمر وغناء واستجلاب قيان.
في هذا الكلام نموذج عن التهويل فيما يتعلق بتجارة مكة وثرائها، لا سيما عندما يقول المؤلف إن مكة كانت تؤدي دور الميتروبول، لأن كلمة الميتروبوليس اليونانية بالاستخدام الحديث تعني المدينة العظيمة التي يبلغ عدد سكانها نصف مليون نسمة، والضواحي حولها مرتبطة بها، وفيها مقرات حكومية ومقرات سلطة دينية، فهل كانت مكة كذلك؟
السيرة النبوية ودور الإملاءات السياسية والمذهبية
عندما يعمل المخيال الجمعي على صياغة سيرة تأسيسية لأصول ثقافية انتقلت من البساطة إلى التركيب لابد من خضوع هذه السيرة للإملاءات السياسية والمذهبية. وهذا ما نجده بكل وضوح في السيرة النبوية، التي قام مدونوها بجمع شتات من هذه الإملاءات دون بذل جهد للتوفيق بينها، ولذلك نجد لكل مذهب أو حزب سياسي حصة فيها. فبعد وفاة الرسول بدأت الأحزاب السياسية بالتشكل عندما لم يدع الهاشميون إلى اجتماع سقيفة بني ساعدة، حيث تم اختيار خلف للرسول في إدارة الدولة الإسلامية، وما تبع ذلك من تأخر علي بن أبي طالب عن إعطاء البيعة لأبي بكر مدة أسبوع، لأنه اعتبر نفسه الأحق بالخلافة لأنه ابن عم الرسول وزوج ابنته فاطمة، والأقرب إليه خلال حياته. ومنذ ذلك الوقت بدأ بالتشكل مصطلح أهل البيت الذي عُني به أسرة علي وفاطمة وولديهما الحسن والحسين. ثم تبعهم في ذلك أسرة العباس عم الرسول، الذين اعتبروا أنفسهم أهل البيت أيضاً. علماً بأن تعبير "أهل البيت"، بمعنى آل بيت محمد قد ورد مرة واحدة في القرآن بمعنى نساء النبي، وذلك في سورة الأحزاب حيث نجد خطاباً موجهاً إلى نساء النبي يبتدئ بقوله ينساء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاءِ، وينتهي بقوله: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ ويطهركم تطهيراً) الأحزاب: 32-33
عندما يعمل المخيال الجمعي على صياغة سيرة تأسيسية لأصول ثقافية انتقلت من البساطة إلى التركيب لابد من خضوع هذه السيرة للإملاءات السياسية والمذهبية. وهذا ما نجده بكل وضوح في السيرة النبوية، التي قام مدونوها بجمع شتات من هذه الإملاءات دون بذل جهد للتوفيق بينها،يقول المؤرخ فراس السواح: "عندما آلت الخلافة أخيراً إلى علي، وما تبع ذلك من أحداث الفتنة الكبرى ومعركة الجمل بينه وبين خصومه من الصحابة، ثم معركة صفين بين علي ومعاوية والي الشام، أخذت معالم عدة أحزاب سياسية بالتوضح وهي:
1 ـ شيعة علي أي الذين وقفوا إلى جانبه وناصروه وحاربوا معه.
2 ـ الحزب الأموي، وهم بنو أمية ومن ناصرهم في تحويل الخلافة إلى معاوية بن أبي سفيان.
3 ـ الخوارج، وهم أتباع علي الذين انشقوا عنه بعد معركة صفين لقبوله التحكيم مع معاوية وقالوا: "لا حاكم إلا الله، وأن الخلافة يجب أن تكون للأكفأ وأنه لا فضل لأحد لمجرد انتمائه بالنسب إلى النبي، لأن أكرم الناس عند الله أتقاهم (سورة الحجرات: 13)، ولأن النبي أعلن عن موقفه من الخلافة عندما قال: "لا فضل لعربي على عجمي ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى". وما عدا ذلك من أحاديث في فضل آل البيت باطل في رأيهم، وقد تجمع أربعة آلاف من هؤلاء في النهروان غير بعيد عن موقع بغداد فيما بعد، فحمل عليهم علي وأفناهم تقريباً، ولكنهم بقوا بعد ذلك مشكلة لحكام بني أمية وبني العباس، وقوة عسكرية معارضة أزعجت مقام الخلافة.
4 ـ الحزب الزبيري، وهم اتباع عبد الله بن الزبير بن العوام، وأمه أسماء بنت أبي بكر. وقد نشأ هذا الحزب بعد أن رفض عبد الله بن الزبير مبايعة يزيد بن معاوية على الخلافة، ثم أعلن نفسه خليفة بعد وفاة يزيد الذي لم يستطع إخضاعه ودانت له بلاد العرب والعراق بعد ذلك.
5 ـ وفي غمرة الصراع بين شيعة علي وبني أمية، والثورات العديدة الفاشلة للحزب الشيعي ضد بني أمية، نشأ الحزب العباسي الذي راح يدعو إلى خلافة بني العباس عم الرسول، باعتبارهم من آل البيت أيضاً.
6 ـ خلال الصراع السياسي بين هذه الأحزاب، تحول بعضها من حزب سياسي إلى طائفة مذهبية، وأخص بالذكر هنا الشيعة والخوارج فبعد استشهاد الحسين في كربلاء على يد الجيش الأموي الذي أرسله يزيد بن معاوية لقتاله، بدأ شيعة علي بالتحول إلى مذهب ديني يقوم على فكرة الإمامة، دعي فيما بعد بمذهب الشيعة الاثني عشرية. وبعد ذلك حصل انشقاق داخل المذهب الشيعي أدى إلى ظهور المذهب الإسماعيلي. كما تحول الخوارج بدورهم من جماعة سياسية إلى مذهب إسلامي مستقل اعتبر نفسه الممثل الوحيد لدين محمد وكفر غيره من المذاهب.
7 ـ في سياق العصر العباسي الأول (132-232هـ)، أخذت ملامح المذهب الأورثوذكسي الإسلامي الذي زرع بذوره بنو أمية بالتوضح، وهو المعروف تاريخياً بأهل السنة والجماعة، وتشكلت مذاهبه الفقهية الأربعة التي رفعت من شأن الحديث النبوي إلى مرتبة القرآن سواء فيما يتعلق بالعقائد أو الأحكام. وقد قال هؤلاء بأولوية النقل عن السلف في فهم النصوص. وإلى جانب أهل السنة نشأ المذهب الاعتزالي الذي يعطي الأولوية للعقل لا للنقل. ومع الاعتزال نشأ علم الكلام الذي يستخدم المنطق في معالجة المسائل الاعتقادية التي أدى الخلاف بشأنها إلى ظهور مذهب الأشاعرة واستقلاله عن أهل السنة والجماعة، على الرغم من بقاء هذين المذهبين في خندق واحد في مقابل الشيعة والمذاهب الأخرى.
وقد راح كل فريق من هذه الأحزاب والمذاهب يبحث عن مؤيدات له في الحديث والسيرة اللذين وضعا في خدمة السياسة والمذهبية، حتى صار من الصعب التمييز بين الحقيقي والمتخيل فيما يورد كل فريق(صص 100-101).
من القرآن إلى المصحف
إن بقاء الخطاب القرآني متداولاً شفوياً خلال حياة الرسول، وإلى فترة طويلة امتدت قرناً بعد وفاته، ليس حالة منعزلة في تاريخ الثقافة والدين، بل إنه حالة عامة نجدها في الثقافات الكبرى عبر التاريخ، فأسفار الفيدا وهي السجل الفكري والتاريخي والحضاري للآريين الذي هاجروا إلى الهند في أواسط الألف الثاني قبل الميلاد لم تدون بلغتهم السنسكريتية إلا في القرن الثامن قبل الميلاد، عندما جاء تجار هنود من آسيا الغربية بأبجدية سامية اشتقت منها حروف الهجاء السنسكريتية. وأسفار الديانة الزرادشتية مثل أناشيد الغاتا والأفيستا، لم تدون إلا بعد عدة قرون من عصر زرادشت. والملاحم اليونانية مثل الأوديسة والإلياذة، وكتاب هزيود في أصل الآلهة، أو الثيوغونيا، التي تحتوي على مقدسات الشعب اليوناني، بقيت على حالتها الشفوية مدة تزيد على الثلاثة قرون قبل أن تدون في القرن السادس قبل الميلاد، وكانت محفوظة في ذاكرة الشعراء الجوالين، مثلما كان القرآن محفوظاً في ذاكرة القراء، الذين تقول الأخبار إن 150 قارئاً منهم قــد قتلوا في حروب الردة التي شنها الخليفة أبو بكر بعد وفاة النبي، الأمر الذي جعل أبا بكر يوافق عمر بن الخطاب على جمع القرآن في مدونة، وحسم الصراع بين القائلين بضرورة بقاء الوحي في الذاكرة والقائلين بتدوينه.
بعد استشهاد الحسين في كربلاء على يد الجيش الأموي الذي أرسله يزيد بن معاوية لقتاله، بدأ شيعة علي بالتحول إلى مذهب ديني يقوم على فكرة الإمامة، دعي فيما بعد بمذهب الشيعة الاثني عشرية. وبعد ذلك حصل انشقاق داخل المذهب الشيعي أدى إلى ظهور المذهب الإسماعيلي.يسود الاضطراب أخبار عملية جمع القرآن التي أنتجت المصحف، والتي نجدها في المصادر الرئيسية التالية؛ وهي متوفرة بطبعات حديثة:
ـ أبو بكر بن أبي داود السجستاني (ت عام 316هـ)، كتاب المصاحف.
ـ ابن النديم، محمد بن إسحاق (ت) عام 483هـ)، الفهرست.
ـ بدر الدين الزركشي (ت عام 794هـ)، البرهان في علوم القرآن.
ـ جلال الدين السيوطي (ت عام 911هـ)، الاتقان في علوم القرآن.
ـ وهناك مادة متوفرة أيضاً في مصنفات الحديث.
فقد قيل إن الجمع تم في حياة الرسول بأمر منه بعد أن كان موزعاً في رق وحرير وصحف وما شابهها من مواد، وقام بذلك خمسة من الأنصار في المدينة.
وقيل إن أول من جمع القرآن علي بن أبي طالب، الذي اعتكف في بيته ثلاثة أيام بعد وفاة الرسول حتى أتم المهمة، وكان مرتباً حسب النزول. وقيل إن الجمع تم في ولاية عمر بعد أن سأل عن آية في كتاب الله، فقيل له كانت فلان الذي قتل يوم اليمامة أثناء حروب الردة، فقال: إنا الله، ثم أمر بجمع القرآن وكان أول من جمعه في مصحف. وقيل إن الجمع تم في ولاية أبي بكر بتحريض من عمر، جمعه زيد بن ثابت الأنصاري. فقد ورد في صحيح البخاري عن زيد قوله:
أرسل إلى أبو بكر الصديق يوم مقتل أهل اليمامة، فإذا عمر جالس عنده، فقال أبو بكر: إن عمر أتاني فقال إن القتل استحر يوم اليمامة بقراء القرآن، وإني أخشى إن استحر القتل بالمواطن الأخرى، فيذهب كثير من القرآن، وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن. قلت لعمر: كيف تفعل شيئاً لم يفعله رسول الله؟ قال عمر: هذا والله خير. فلم يزل عمر يراجعني حتى شرح الله صدري لذلك ورأيت فيه ذلك الذي رأى عمر.
قال زيد: "قال أبو بكر إنك رجل شاب عاقل لا نتهمك وكنت تكتب الوحي لرسول الله فتتبع القرآن فاجمعه قلت: كيف تفعلون شيئاً لم يفعله رسول الله؟ قال: هو والله خير. فلم يزل أبو بكر يراجعني حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر أبي بكر وعمر. فتتبعت القرآن أجمعه من العسب واللخاف وصدور الرجال، حتى وجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري لم أجدها مع أحد غيره لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ... التوبة: 128 حتى آخر السورة. فكانت الصحف عند أبي بكر حتى توفاه الله، ثم عند عمر طيلة حياته، ثم عند حفصة بنت عمر راجع البخاري الحديث رقم 4986، والترمذي 3103.
يقول المؤرخ فراس السواح: "هاتان الروايتان المتناقضتان عن الجمع في ولاية أبي بكر أو ولاية عمر تنفيان رواية الجمع في حياة الرسول، كما تقدمان لنا معلومة عن جمع المادة من مصدرين هما ما دون على العسب واللخاف وغيرها من المواد، وما هو محفوظ في صدور القراء، دون أن نعرف نسبة هذه إلى تلك، فربما كان قليلها مدوناً وكثيرها محفوظاً في ذاكرة القراء، لأن عمر كان متخوفاً من حصول مقتلة كاليمامة في أماكن أخرى فيذهب كثير من القرآن. وهنا لا بد للمرء من أن يتعجب كيف تتسع العُسب واللخاف لسورة طويلة واحدة كالبقرة تتألف من 286 آية. وإني لأرجح اعتماداً على المنطق نفسه أن شيئاً لم يكن مدوناً في حياة الرسول الذي كان يعرف فضل الخطاب على النص، ولعل كل ما قيل في موضوع اتخاذ الرسول الكتاب وحي، هو من قبيل الدفاع عن مشروعية المصحف الذي أنتجه عثمان في عملية الجمع الوحيدة الموثقة لنا وفق المنطق التاريخي، وهذا ما تؤيده بعض الأخبار. فقد قال الشعبي صاحب كتاب معرفة القراء الكبار إنه لم يجمع القرآن أحد من الخلفاء الأربعة إلا عثمان.
يبدو أن ما فعله عثمان بمصاحف الصحابة كان من أهم الأسباب التي أدت إلى مقتله على يد المتمردين الذين جاؤوا من مصر والعراق، وإلى عدم دفنه في مقبرة المسلمين. وعندما آل الملك إلى بني أمية جرى توسيع المقبرة حتى اشتملت على قبر عثمان.فقد قام عثمان فقال: من كان عنده من كتاب الله شيء فليأتنا به. ثم شكل لجنة تحت إشراف زيد بن ثابت ضمت سعيد بن العاص، وعبد الرحمن بن حارث بن هشام، وعبد الله بن الزبير، وأمرهم بإعداد المصحف وقال لهم: ما اختلفتم فيه فاكتبوه بلسان قريش، فإنما نزل بلسانهم. وبناءً على تعليماته لم تكن اللجنة تقبل من القرآن شيئاً حتى يشهد عليه شاهدان، أي من جاء به ومعه شاهد آخر على صدقه. كما أرسل عثمان إلى حفصة بنت عمر يطلب منها أن ترسل إليه المصحف الذي آل إليها من أبيها لمقارنته مع ما يرد إلى اللجنة، ففعلت ثم استعادته بعد الانتهاء"(ص 159).
بعد فراغ اللجنة من عملها أمر عثمان بإنتاج عدة نسخ من المصحف الإمام أرسلها إلى الأمصار، تختلف المصادر في عددها وفي الأمصار التي أرسلت إليها، وترك نسختين في المدينة وأمر بإحراق بقية المصاحف التي يحتفظ بها الصحابة. وأكثر ما نعرفه منها مصاحف عبد الله بن مسعود، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عباس، وأبي بن كعب. وقد نجا مصحف حفصة من المحرقة ولكن إلى حين. فعندما آلت الخلافة إلى معاوية بن أبي سفيان وعين مروان بن الحكم والياً على المدينة. راح مروان يرسل إلى حفصة طالباً تسليمه المصحف فتأبى إلى أن توفيت، فأرسل من جاءه بتلك الصحف فشققت. ويبدو أن ذلك المصحف الإمام ونسخه قد ضاعت إلى الأبد، لأن أقدم المصاحف التي وصلت إلينا هي من الجيل الثاني والثالث من المصحف الإمام.
ويبدو أن ما فعله عثمان بمصاحف الصحابة كان من أهم الأسباب التي أدت إلى مقتله على يد المتمردين الذين جاؤوا من مصر والعراق، وإلى عدم دفنه في مقبرة المسلمين. وعندما آل الملك إلى بني أمية جرى توسيع المقبرة حتى اشتملت على قبر عثمان.
من المفترض بعد ذلك أن مصحف عثمان قد حقق الاستقراء للنص القرآني في أواخر العقد الثالث للهجرة، ولكنه في حقيقة الأمر لم يفعل ذلك، لأن ما وصلنا من الجيل الثاني من المصاحف، مثل طرس صنعاء تبدي اختلافات مع المصحف الذي بين أيدينا والمفترض أنه ينتمي إلى المصحف الإمام.
إقرأ أيضا: الإسلام والعصر الحديث مراجعة نقدية شاملة للموروث الديني.. كتاب جديد