لا يبدو الاتفاق الذي تحاول الولايات المتحدة تمريره بين إسرائيل وحزب الله محاولة لوقف إطلاق النار بقدر ما هو محاولة لتوريط الجيش اللبناني في القيام بما عجز جيش الاحتلال عن القيام به، كما يقول خبراء.

ففي حين تقول إسرائيل إن الاتفاق يتوقف على نقاط تتعلق بأمنها، أكد الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم أن أي اتفاق لا بد وأن يشمل وقفا كاملا للعدوان وانسحابا لقوات الاحتلال.

لكن هذا الاتفاق -الذي لم يعرف عنه إلا ما سرّبته الصحافة- يبدو محاولة أميركية لتحقيق ما عجزت تل أبيب عن تحقيقه بالحرب كما حدث خلال العام الماضي مع حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، برأي الباحث في معهد الشرق الأوسط حسن منيمنة.

ووفقا لما قاله منيمنة -خلال مشاركته في وقفة "مسار الأحداث" التحليلية التي تقدمها الجزيرة- فإن الاتفاق المحتمل "يمثل انتصارا لإسرائيل؛ لأن حزب الله تعرض لإرباك داخلي ومأزق سياسي لأنه قبل ولو من دون تصريح بفصل جبهة لبنان عن قطاع غزة".

وبغض النظر عن أحاديث الساسة، فإن الاتفاق المحتمل، برأي منيمنة "يحقق ما تريده الولايات المتحدة وإسرائيل، ويضمن للأخيرة حق ضرب لبنان مستقبلا طالما كان ذلك بالتنسيق مع واشنطن".

الكرة في ملعب لبنان

ومع ذلك، يرى منيمنة أن هذا الاتفاق سيتعثر وأن الكرة ليست في ملعب إسرائيل كما يقول البعض، وإنما هي في ملعب لبنان "الذي ينبغي عليه ألا يقبل بأن يكون شرطيا للاحتلال على الحدود"، وفق تعبيره.

لذلك، فإن على لبنان حاليا "أن يبدأ تحركا دوليا قويا للمطالبة بمحاسبة إسرائيل على ما ألحقته بلبنان كبلد من تدمير وقتل وتفجير أجهزة اتصالات بحجة الرد على ضربات حزب الله، لا أن ينخرط في مفاوضات تحاول إرضاء المعتدي لكي يوقف اعتداءه".

كما أن حزب الله -ورغم ورطته السياسية الحالية- مطالب بالتمسك بما أعلنه منذ بداية الحرب بشأن وقف الحرب في غزة وعدم القبول بعودة السكان لشمال إسرائيل، كما يقول المتحدث.

ومن هذا المنطلق، فإن الاتفاق من وجهة نظر منيمنة "يضمن لإسرائيل احتلال شريط حدودي دخلته خلال الحرب بشكل مؤقت، وفي حال تعثر مسار الاتفاق -وهو ما سيحدث غالبا- فإن هذا الاحتلال ستتم شرعنته".

وخلص المتحدث إلى أن الأمور "تتجه نحو مزيد من التصعيد خصوصا عندما يتسلم دونالد ترامب مقاليد الحكم لأنه رجل يتبنى منطق الإملاءات والتهديد وليس المفاوضات"، مشيرا إلى أن الأهداف الأميركية الإسرائيلية "كانت ولا تزال واضحة منذ اليوم الأول للحرب، وهي أن إسرائيل تعيش حربا وجودية وأن عليها فعل كل ما يلزم لضمان انتصارها على الشرق الأوسط كله حتى لو لم تتمكن من فعل هذا الأمر حتى الآن".

حزب الله في أزمة

ورغم تشكيك المحللين في المضي قدما بهذا الاتفاق بسبب أهداف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الكبيرة والمتعلقة بإعادة ترتيب شكل المنطقة، فإن حزب الله يواجه أزمة داخل لبنان فعليا، كما يقول الكاتب والمحلل السياسي اللبناني أمين قمورية.

فقد أكد قمورية أن الحزب "أبدى مواقف إيجابية كثيرة خصوصا فيما يتعلق بدوره المستقبلي، وفي تطبيق القرار 1701 كما هو، وقبوله بانتخاب رئيس للبلاد وفقا لاتفاق الطائف"، لكنه أشار في الوقت نفسه إلى أن مسألة ضمان السيادة "لا تزال مبهمة".

وقال المحلل اللبناني "إننا لا نعرف ما حدث بالضبط، لكن المفاوض اللبناني أكد أنه اتفق مع المبعوث الأميركي بشأن المسائل السيادية، ويقال إنه تم وضع ضمانة أميركية بألا تبادر إسرائيل بالهجوم على لبنان".

ورغم أن الحزب لا يزال صامدا وقادرا على ضرب عمق إسرائيل بما يجبرها على التراجع للوراء، فإن وضعية "حافة الهاوية" أصبحت أكثر خطورة، وفق قمورية الذي أكد أن "الواقع في لبنان يتطلب كثيرا من التنازلات".

وبرأي قمورية، فإن هذا الواقع اللبناني "هو ما دفع الحزب لقبول ما لم يقبل به سابقا، وهو أمر يعني أنه سيواجه الكثير من الأسئلة الداخلية، رغم أنه قدم في النهاية لفلسطين ما لم يقدمه أحد من العرب".

لكن الأخطر من وجهة نظر المحلل اللبناني، هو شكل الدولة اللبنانية في اليوم التالي لهذه الحرب إن توقفت، وموقف حزب الله من مسألة نزع السلاح، وطبيعة الدور الذي سيكون الجيش اللبناني مطالبا به في الجنوب، حسب قمورية، الذي أشار أيضا إلى وجود نقاش داخلي بشأن إمكانية مقاضاة إسرائيل.

وخلص المتحدث إلى أن الولايات المتحدة "تحاول دفع الجيش اللبناني للقيام بما فشلت به إسرائيل، وهو أمر قد يؤدي لتفككه"، مشيرا إلى أن سياسات ترامب المتوقعة "ستزيد التوتر بالمنطقة حتى لو توقفت الحرب لبعض الوقت، لأن الصراع أصبح وجوديا ولا يمكن حله دون إيجاد دولة للفلسطينيين".

في المقابل، استبعد المحلل السياسي أحمد الحيلة تنفيذ هذا الاتفاق، وقال إن فصل الجبهات الذي يجري الحديث عنه "صحيح نظريا لكنه لن يكون كذلك في حال تعثر الاتفاق"، معربا عن اعتقاده بأن نتنياهو سيحاول استغلال هدنة الـ60 يوما المقترحة لترتيب الأمور لصالح مواصلة الحرب.

نتنياهو يريد نتائج كبرى

ويرى الحلية أن المضي قدما في هذا الاتفاق -وهو أمر مستبعد- أو حتى تطبيق القرار 1701 كما هو "يعتبر نجاحا سياسيا لإسرائيل". ومع ذلك، فإن نتنياهو "يحاول إضعاف حزب الله بحيث يكون التركيز خلال فترة ترامب هو تسيير قطار التطبيع وترتيب العلاقات العربية الإسرائيلية والتعامل مع إيران أيضا وفق المعطيات الجديدة المتعلقة بإضعاف حزب الله وحماس".

وعن موقف نتنياهو من هذا الاتفاق، يقول الخبير في الشأن الإسرائيلي إيهاب جبارين، إن هناك حساسية داخل إسرائيل فيما يتعلق بالملف اللبناني، وإن "ما رشح خلال اليوم الأخير بشأن مباركة أمنية إسرائيلية للمقترح الأخير يعني أن الأمر أصبح بيد نتنياهو".

ويرى جبارين أن نتنياهو سيحاول فقط استغلال فترة الـ60 يوما لتعقيد الوضع الميداني بما يجعله قادرا على نقض الاتفاق، وفي الوقت نفسه بما يجعله قادرا على تحصيل كل ما يريد من دونالد ترامب الذي سيكون قد تولى مهامه رسميا.

وقال إن إسرائيل "لا تبحث آلية دخول الاتفاق وإنما تبحث آلية الخروج منه"، مضيفا أن المهم حاليا "ليس عزل حزب الله وإنما طريقة عزله".

وخلص إلى أن "اعتبارات إسرائيل اليوم مختلفة تماما عن الحروب السابقة لأنها تسير وفق منظور أيديولوجي يقوم على الهيمنة الإسرائيلية وليس مجرد تحقيق الأمن القومي"، مشيرا إلى أن الخروج من لبنان لن يكون كدخولها لأن نتنياهو "يريد استغلال هذا الأمر لإيجاد لبنان مختلف سياسيا وعسكريا".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات هذا الاتفاق إن الاتفاق کما یقول حزب الله إلى أن

إقرأ أيضاً:

وقف الحرب في لبنان.. فرص الاتفاق قبل دخول ترامب البيت الأبيض

لبنان هو الأمل الأخير للإدارة الأميركية الحالية، بتحقيق إنجاز دبلوماسي للرئيس الديمقراطي، جو بايدن قبل مغادرة البيت الأبيض.

لأشهر حاولت إدارة بايدن وقف الحرب في غزة ولم تساعدها الظروف، ومنذ فترة سعت لعدم توسع الصراع إلى لبنان، ومرات عدة حاولت تجنب المواجهة المباشرة بين إيران وإسرائيل لكن الصواريخ والغارات طالت البلدين ومرشحة للتكرار.

برنامج عاصمة القرار الذي يقدمه ميشال غندور وتبثه قناة "الحرة"، بحث في حلقته الأسبوعية هذا الملف، وما إذا كانت إدارة بايدن قادرة على عقد صفقة توقف الحرب بين إسرائيل وحزب الله، قبل مغادرته للبيت الأبيض؟، وما إذا كانت إدارة الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترامب ستستمر بدعم هذه الجهود؟

نائب رئيس مركز الأمن الأميركي، فريد فلايتز قال إنه من "المشجع أن نرى حزب الله يبرم اتفاقية سلام"، مشيرا إلى أنه "لا يرى أي سبب يمنع إدارة ترامب الجديدة من قبولها، على افتراض أنها مقبولة لدى إسرائيل".

بايدن وترامب يريدان وقف إطلاق النار في لبنان

وأضاف في حديث لقناة "الحرة" أن إسرائيل "لديها متطلبات معينة تريد تحقيقها، مثل الالتزام بالتسوية المتفق عليها في 2006، ونقل الأصول العسكرية لحزب الله إلى شمال الليطاني".

مديرة برنامج تسوية النزاعات في معهد الشرق الأوسط، رندا سليم، قالت إن أي اتفاق يحصل خلال الفترة الحالية سيكون باتفاق بين "بايدن وترامب".

هوكستين في إسرائيل.. وحديث عن اجتماع "بنّاء" بشأن هدنة لبنان عقد المبعوث الأميركي الخاص، آموس هوكستين، فور وصوله لإسرائيل اجتماعا مع وزير الشؤون الاستراتيجية رون درمر، ووصفه بأنه "بناء".

ولفتت إلى أن ترامب عبر صراحة خلال اجتماعه الأخير مع بايدن يفضل تحقيق اتفاق في لبنان على وقف إطلاق النار.

وزادت سليم أن ما قد نواجهه "الضمانات التي تريدها إسرائيل من الإدارة الأميركية، وهل ستلتزم الإدارة الأميركية المقبلة بعهد ترامب في هذه الضمانات".

ما الذي تريده إسرائيل؟

المستشار السابق للشؤون العربية في وزارة الأمن الإسرائيلية، ألون أفيتار قال لقناة "الحرة" إن إسرائيل تريد ضمانات أميركية ترتبط بالمساندة والدعم لعمليات الرد ضد انتهاكات حزب الله.

ويرى أن إسرائيل تسير بمسارين: الأول، باستمرار الضغط العسكري على حزب الله، والثاني، الاستمرار بالمسار السياسي والدبلوماسي.

بايدن وماكرون بحثا الجهود الرامية إلى وقف الحرب في لبنان أعلن البيت الأبيض أن الرئيس جو بايدن تحدث لنظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، الجمعة، وبحثا الصراع في أوكرانيا والشرق الأوسط.

وتحاول واشنطن وقف النار بين إسرائيل وحزب الله وضمان تنفيذ القرار 1701 بشكل جدي وإبعاد حزب الله عن الحدود.

الداخل اللبناني

الباحث السياسي اللبناني، أسعد بشارة يقول إنه في الداخل اللبناني "هناك يقين أن تعطيل انتخاب رئيس جمهورية للبلاد، بهدف أن يمسك رئيس المجلس النيابي، وهو جزء من ثنائي أمل-حزب الله بعملية التفاوض".

ويرى في حديثه لقناة "الحرة" أن هذا من شأنه "تغييب المؤسسات الدستورية"، مشيرا إلى أن مثل هذا الأمر سيلقى معارضة كبيرة من باقي المكونات اللبنانية، التي ستنظر إلى مثل هذا الأمر على يخالف مبادئ "الشراكة والدستور".

نديم الجميّل: حزب الله انتهى عسكريا قال عضو مجلس النواب اللبناني عن حزب الكتائب، نديب الجميل، إن الصراع الحقيقي الآن ليس بين لبنان وإسرائيل، وإنما بين إسرائيل وحزب الله وإيران.

وأكد بشارة أن أي عملية تفاوض يجب أن تكون بيد "رئيس الجمهورية وحكومة مشكلة، وليست حكومة تصريف أعمال، ومن غير المقبول أن تكون إيران وإسرائيل تتحاوران على المصلحة اللبنانية".

ودعا إلى ضرورة "انتخاب رئيس للجمهورية، كأولوية أولى تسبق الحوار".

هل تصبح لبنان جزءا من صفقات التطبيع؟

مديرة برنامج الحوار في مؤسسة الشرق الأوسط، سليم أكدت أن لبنان لا مشكلة أو اعتراض لديه في الدخول باتفاقات مباشرة مع إسرائيل، كما حصل في عام 2022 بالملف المتعلق بترسيم الحدود البحرية.

وأضافت أن ما يتعلق "الاتفاق المقبل بين لبنان وإسرائيل حول وقف إطلاق النار"، وربما في فترة لاحقة ما يتعلق بترسيم الحدود البرية بين البلدين قد يكون من خلال "اتفاقات غير مباشرة".

وعزت سليم ذلك إلى أن الخارطة السياسية في لبنان لا تسمح بأن يكون جزءا من "استراتيجية السلام" المبنية على اتفاقات إبراهيم، ولكنها قد تكون جزءا من استراتيجية "خفض التصعيد" في المنطقة.

لبنان يريد "دولة عربية".. لماذا تشكّل "آلية المراقبة" عقبة أمام الهدنة؟ أفاد تقرير لهيئة البث الإسرائيلية، الخميس، أن هناك خلافات في مفاوضات وقف إطلاق النار بين إسرائيل ولبنان حول آلية مراقبة الاتفاق، وخاصةً فيما يتعلق بالعضوية في فريق المراقبة الدولي.

نائب رئيس مركز الأمن الأميركي، فلايتز يرجح بدوره أن إدارة ترامب المقبلة ستتجه لاستراتيجية إقليمية واسعة النطاق لتعزيز الاستقرار وإيقاف الحروب.

ولا يعتقد أن لبنان ستكون جزءا "اتفاقات إبراهيم في المستقبل القريب"، لكن إدارة ترامب ستسعى لتعزيز الاستقرار في لبنان، وخفض التوترات بينها وبين لبنان.

وتشير الأنباء إلى أن مسودة اتفاق وقف النار تتضمن مجموعة من النقاط من بينها: وقف لإطلاق النار لمدة ستين يوما ينسحب خلالها حزب الله إلى شمال نهر الليطاني، على أن يبقى فقط الجيش اللبناني وقوات الـ "يونيفيل" في جنوب لبنان، وانسحاب قوات الجيش الإسرائيلي بعد ذلك في حال استمرار سريان مفعول وقف إطلاق النار.

أما النقاط الخلافية، تتركز في الحرية الممنوحة لقوات الجيش الإسرائيلي للقيام بعمليات ضد حزب الله في جنوب لبنان، وتركيبة لجنة المراقبة المكلفة بالسهر على تطبيق القرار الأممي 1701 ورفض حزب الله مشاركة بريطانيا وألمانيا فيها، بحسب الأنباء المتداولة.

مقالات مشابهة

  • رغم بوادر الاتفاق.. إسرائيل تتعهد بـ"الحزم" مع حزب الله
  • أوستن يدعو إسرائيل لضمان سلامة الجيش اللبناني واليونيفيل
  • وقف الحرب في لبنان.. فرص الاتفاق قبل دخول ترامب البيت الأبيض
  • نائب لبناني: أجواء سلبية حول الاتفاق بعد توجه «هوكستين» إلى إسرائيل
  • عاجل | نيويورك تايمز: بدء تبلور ملامح اتفاق محتمل بين إسرائيل ولبنان
  • هل تتخلى إسرائيل عن شرطها الأساسي للتوصل لـ وقف إطلاق النار؟
  • ميقاتي: الجيش اللبناني يستعد لتعزيز وجوده في الجنوب وسط تصعيد التوترات
  • رئيس مجلس النواب اللبناني: “عملنا اللي علينا وبانتظار رد إسرائيل”
  • لبنان .. قناة إسرائيلية تنشر مسودة الاتفاق بين إسرائيل وحزب الله